أطفال اللاجئين السوريين يواجهون خطر فقدان لغتهم الأم

مركز لتعليم اللغة العربية في غازي عينتاب التركية («الشرق الأوسط»)
مركز لتعليم اللغة العربية في غازي عينتاب التركية («الشرق الأوسط»)
TT

أطفال اللاجئين السوريين يواجهون خطر فقدان لغتهم الأم

مركز لتعليم اللغة العربية في غازي عينتاب التركية («الشرق الأوسط»)
مركز لتعليم اللغة العربية في غازي عينتاب التركية («الشرق الأوسط»)

يشعر الكثير من اللاجئين السوريين بالحزن على لغتهم العربية التي أصبحت الثانية لهم ولأطفالهم، بسبب ظروف الحرب والهجرة إلى بلدان تختلف فيها اللغة والعادات الاجتماعية.
يقول الدكتور شاهر محمد عبد اللطيف المختص في التقانات الحيوية وتقنيات الزراعة والمقيم في برلين لـ "الشرق الأوسط": "بحكم الواقع، صارت لغة البلد الذي استقبل اللاجئين السوريين هي الأساس. هنا كان التركيز في البداية على اللغة الألمانية من أجل الاندماج في المجتمع، وبعدها جرى التفكير في تعليم أطفالنا اللغة العربية. ومن الأساليب المتبعة في ذلك الدورات التعليمية في مدارس ومساجد، أو التعليم على أيدي مدرسين خصوصيين في المنزل، لكن هذا غير فعال بسبب غياب التفاعل بالنسبة إلى الأطفال مع أترابهم. تضاف إلى ذك الكلفة التي لا تستطيع غالبية العائلات السورية اللاجئة في ألمانيا تحمّلها".
ويضيف عبد اللطيف: "في اغلب الأحيان نكون مجبرين على اصطحاب أطفالنا لحضور مناسبات أو حفلات للسوريين من أجل أن يتعلموا شيئاً من لغتهم، كما أنني أجلب لأطفالي بعض القصص القصيرة من المكتبات العربية عندما أزور تركيا. وأرى أن غياب الجو الاجتماعي عن الأطفال كالمحادثة في الحياة اليومية، وبعدهم عن وطنهم، هما ما حرمهم من اكتساب اللغة العربية من الأهل والأصدقاء. وهناك الكثير من الأطفال من لا يعرف لغته العربية على الإطلاق، ويمكن القول إننا نتعب كثيرا من أجل أن يحافظ أطفالنا على لغتهم".
ويكمل الدكتور شاهر أن "الوضع في تركيا مثلاً أفضل بكثير لأن الوسط الاجتماعي مختلف هناك بوجود عائلات كاملة تضم العم والخال والجد والأقارب الآخرين، فالطفل يبقى ضمن محيطه الاجتماعي ليتعلم، بالإضافة إلى وجود مدارس عربية مجانية".
أما الدكتور في اللغة العربية محمد تركي فيقول لـ "الشرق الأوسط": "نحن مجبرون على ما نحن فيه، فالاندماج وتعلم لغة البلد المضيف الذي فتح أبوابه لنا هما الحل على حساب لغتنا العربية التي بدأت تضمحل وتتلاشى لدى أطفالنا لتترسخ فيهم لغة البلد الذي نحن فيه وثقافته. فكلّما تمكّن الوافد من لغة البلد الذي يعيش فيه تعززت فرصته في الاندماج المهني والاجتماعي، وشعر بأنه ليس نافراً عن نسيج المجتمع الذي أجبرته الحرب على اللجوء إليه، وهذا هو الثمن الذي يدفعه اللاجئون السوريون".
ويضيف تركي: "هناك الكثير من الصغار الذين اصبح عمرهم ما يقارب العشر سنوات أو أكثر لا يعرفون لغتهم العربية وحروفها، وهذه كارثة، كما أن الشباب بدأوا يفقدونها بسبب عدم استخدامها. ثمة محاولات يقوم بها الآباء ولكنها غير كافية، مثل خلق الوسط الخاص وتواصل الأطفال مع الأقارب لتبقى اللغة موجودة ويشعر الطفل بحاجته إليها، مع الحرص على متابعة برامج الأطفال الهادفة بلغتها الفصحى والإصرار على تعلم القرآن الكريم أو الاستعانة بمدرسين. لكن تلك المحاولات ليست كافية لأن سلطان اللغة الجديدة أقوى وحيّزها أوسع، لذا بدأ البعض يدعو إلى أن تكون هناك مدارس عربية تحتضن الأطفال اللاجئين وتكون فضاءً للتعرف على لغتهم وتراثهم العريق".
ويختم تركي: "هذه المشكلة لم تكن في حسبان الكثيرين منا، لأن همّنا الأوحد كان في البداية الاندماج وتعلم اللغة الجديدة بأسرع وقت ممكن مهملين لغتنا، لكن تقصيرنا في حقّها لن يقلل أبدًا من مكانتها، وسيتكفّل الله بحفظها كما حفظها من قبل. مع العلم أن الطفل يستطيع أن يتقن لغات عدة في آن واحد إن وجد الاهتمام والتوجيه والتحفيز والمتابعة من جانب الأهل".

*من «مبادرة المراسل العربي»



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».