التقط اللبنانيون أنفاسهم لنحو ساعتين من الزمن وهم يحضرون حفل الافتتاح لمهرجانات «أعياد بيروت» التي كان ضيفها المغني البريطاني كريس دي بيرغ. فقد تفاعل معه جمهور غفير احتشد بالآلاف على أدراج مسرح «بيال»، وسط بيروت، وهو ينشد أغنياته، فبادلهم النجم البريطاني الحبّ والإعجاب، معرباً أكثر من مرة خلال الحفل عن عشقه لـ«ستّ الدنيا» ولأهل لبنان الذين يفاجئونه بحبّهم للحياة في كلّ مرة يزورهم.
اعتمد دي بيرغ أسلوب الـ«الكريشاندو» (التصاعدي) في وصلاته الغنائية، بحيث استهلّها بأغانيه الجديدة، ليطعّمها فيما بعد بمجموعة من أعماله المعروفة التي توّجته على مدى نصف قرن نجم غناء لا يتكرر، بعد أن أحيا أكثر من 3 آلاف حفل، وباع 45 مليون ألبوم غنائي حول العالم.
وأبدع دي بيرغ حين غنّى «بيت لحم» مفتتحاً حفلته هذه، ليتبعها بأغنيتي «تشاين أوف كومند» و«لونلي سكاي» وهو يعزف على غيتاره الإلكتروني، وتصاحبه فرقته الموسيقية المؤلّفة من 4 أفراد. وتوجّه إلى الجمهور بكلمة «مرحبا»، واصفاً إياهم بالشعب الرائع، وليعدهم بتقديمه لهم حفلة لن ينسوها، معبّراً عن مدى اشتياقه لبيروت بعد غيابه عنها لنحو 5 سنوات (زارها في عام 2012، مشاركاً في مهرجانات جونية الدولية). فغنّى «Missing you» (اشتقت إليك)، مطعّماً كلماتها بلبنان حيناً، وبعاصمته حيناً آخر، مبدياً بذلك مدى شوقه لبلاد الأرز. وخاطب كريس دي بيرغ الحضور بشكل مستمر، فبقي على اتصال دائم معهم بين وصلة غنائية وأخرى، إن بالكلام من خلال عبارات: «شكراً» و«أنتم تغنون كالملائكة» و«لبنان هو المكان الأفضل لأختتم القسم الثاني من جولتي الغنائية» و«أنتم حقيقيون» و«أنتم شعب مضياف»، أو مخاطبة الحضور بالإشارات أحياناً أخرى، عندما كان يدعوهم إلى التصفيق، ويوزّع عليهم القبلات من على خشبة المسرح.
وانطلاقاً من الأوضاع غير المستقرة التي يعيشها العالم، كما قال، وحالات الموت الكثيرة التي تشهدها شعوبه هنا وهناك، إضافة إلى افتقاد عدد كبير من الشعوب منازلها التواقة لعودة قريبة إليها، خصوصاً اللاجئين السوريين منهم في لبنان، أدّى كريس دي بيرغ أغنيته «هوملاند» (البلد الأم)، ليتبعها بأغنية «الثورة»، طالباً من الحضور التفاعل معه من خلال الضرب بأقدامهم على الأرض. وراح يقفز يميناً ويساراً على المسرح حماساً، ليمسك بخصره بعدها مدّعياً إصابته بآلام الظهر بسبب تقدّمه في العمر، ومداعباً بذلك جمهوراً غفيراً غمرته سعادة لقاء نجمه المفضّل بعد طول غياب. كما لم يتوانَ عن إحداث جو من الفكاهة حين أخبر الجمهور بحادثة طريفة حصلت معه أثناء تناوله طعام الغداء في مطعم «فلوكة» في بيروت، عندما تقدّم منه أحدهم وصديقته، طالباً منه التقاط صورة تذكارية، وأنه عندما همّ بالوقوف قرب الصديقة، بادره الشاب بالقول: «لا أنت من سيلتقط لنا هذه الصورة».
وعمد كريس دي بيرغ قبيل أدائه عدداً كبيراً من أغانيه إلى التقديم لها بكلمات توجز مواضيعها، أو تعبّر عن أفكاره الشخصية حول دعمه السلم والإنسانية والأوطان الحرة، دون أن ينسى ذكر حبّه للبنان ومدنه الأثرية (بيبلوس)، وإعجابه بالطعام اللبناني الذي يتناوله بشهية فينسيه نظامه الغذائي المعتدل الذي يتبعه عادة.
وعرف كريس دي بيرغ بإدخاله الموسيقى الشرقية على أعماله التي حفظها الشرق والغرب، وطالت قارات الكرة الأرضية، فوصلت كندا وأستراليا والبرازيل. ومن هذا المنطلق، قدّم «عيون والدي» التي تتّسم بإيقاع شرقي لافت، وليعرّف الجمهور بعدها إلى فريقه الموسيقي فرداً فرداً، واصفاً أحدهم (نايغل هوبكنز على آلة keeboard) بالمبدع الذي لو كان بتهوفن نفسه ما يزال حياً يرزق لتمنى لقاءه. وفي كوكتيل غنائي أشعل أجواء المسرح تصفيقاً وغناء، قدّم المغني الآيرلندي الأصل مجموعة من أعماله المعروفة، في غياب فرقته الموسيقية وعلى طريقة الـ«سولو»، فعزف وغنّى ورقص مبرزاً قدراته الفنية وحضوره الأخاذ على خشبة مسرح تشبّعت بديناميكيته المبهرة وبصوته المميز.
وفي هذا القسم من الحفل، بلغ تفاعل الجمهور ذروته، عندما راح يردّد معه كلمات أغاني «سايلور» و«أون ماي مايند» و«قل وداعاً» و«لايدي إن ريد». وفي هذه الأخيرة، نزل دي بيرغ عن المسرح ليتجوّل بين الجمهور وهو يغني ويلقي التحية على الجميع حتى الذين جلسوا في الصفوف الخلفية، فتسبب بحالة من الهستيريا بين الحضور الذين راحوا يحاولون التقاط الصور التذكارية معه أو التسليم عليه باليد. وبعد أن استعاد موقعه على المسرح، رمى بسترته على الجمهور الذي تهافت لالتقاطها كذكرى منه، وليكمل الحفلة بباقة أخرى من أغانيه التي حوّر أحياناً كلماتها محفزاً الجمهور على الغناء معه بصوت مرتفع.
وبعيد تقديمه أغنية «هايت إن إيموشين»، داعياً الجميع إلى التقدم من المسرح، ودّع الجمهور، ليغيب للحظات وراء كواليس الخشبة، ويعود ويعتليها من جديد إثر مطالبة الجمهور له بحرارة، ولينهي هذا الحفل المنظّم من قبل شركات «تويو تو سي» و«ستار سيستم» و«برودكشن فاكتوري» رسمياً بأغنيتي «إنها تثلج فوق نيويورك» و«اذهب حيث يدلك قلبك». ومع دي بيرغ، أسدلت مهرجانات «أعياد بيروت» الستارة على أولى حفلاتها لهذا الموسم، التي تتبعها أخرى في الأيام القليلة المقبلة، وأبرزها مسرحية «بنت الجبل» في 20 يوليو (تموز) الحالي، وحفلة لوائل كفوري في 22 منه، واثنتان لفريقي «جامل كوميدي كلوب» و«كيدز يونايتد» في 25 و31 منه، ولتختتم مع إليسا في 3 أغسطس (آب) المقبل.
كريس دي بيرغ يغني للبنان واللاجئين السوريين
كريس دي بيرغ يغني للبنان واللاجئين السوريين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة