سمعة النسور كطيور جارحة قد تمنع التعاطف معها، خصوصًا مع تراجع أعدادها والمخاوف من تعرُّضها للانقراض. أفردت وكالة الأنباء الألمانية تقريرًا مطولاً حول النسور ودورها في الحياة البرية، ومخاوف تسممها جراء العقاقير الطبية التي تعالج الحيوانات الأخرى.
تعاني النسور من سمعة سيئة لدى من يعرف الفرق بينها وبين العقاب، ومن يعلم أن النسور هي ذلك الطائر الجارح الذي لا ينقض على فريسته إلا بعد أن تكون لفظت أنفاسها الأخيرة أو حصل منها الحيوان المفترس على مشتهاه.
فالنسور لا تتمتع على سبيل المثال بما يتمتع به العقاب من اعتزاز وكبرياء، ولا تمتلك بهاء طائر القطرس، أكبر الطيور.
تحوم النسور بنظر حاد فوق الأرض باحثة عن جيف حيوانات للانقضاض عليها في الوقت المناسب والتهامها، والوقت المناسب هنا هو التأكد من موت هذه الحيوانات، والتيقن بأنه ليس هناك حيوان مفترس آخر يتربص بهذه الجثث أو ربما بحيوان آخر يقترب منها.
وهناك لدى الألمان عدة تعبيرات لغوية مشهورة تستخدم فيها النسور بمعنى سلبي منها على سبيل المثال: «فليأكلك النسر!»، كتعبير عن الغضب، أو في إشارة إلى ما يشيع عن النسور من جشع، وكذلك «ينقض على شيء انقضاض النسر».
ولكن ربما أصبحت هذه الاستخدامات اللغوية متقادمة قريبًا، في ظل تراجع أعداد النسور على مستوى العالم بشكل مأسوي، وفي ظل مخاوف من انقراضها.
فعلى سبيل المثال، تراجعت خلال العقود الماضية أعداد النسور في أفريقيا وآسيا حيث تعيش ما يُعرف بالجوارح القديمة، وبلغ هذا التراجع 95 في المائة حسبما أعلن الخبراء قبل بضعة أيام خلال مؤتمر في مدينة طليطلة الإسبانية، وهو المؤتمر الذي انتهى إلى إعداد خطة عمل لإنقاذ النسور.
وأشار الخبراء إلى أن 16 من إجمالي 23 نوعًا من النسور معرض للخطر على مستوى العالم.
ووضع الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة IUCN أربعة أنواع من النسور الآسيوية وأربعة أنواع من النسور الأفريقية ضمن القائمة الحمراء للطيور «المهددة بشكل خطير» من بينها «نسر الأذون» و«النسر أبيض الظهر» والنسر الهندي و«النسر الأبقع».
وشدد إيفان راميريز، رئيس قسم الطيور في أوروبا وآسيا الوسطى لدى الجمعية العالمية لحماية الطبيعة على أن هناك إجراءات ضرورية يجب اتخاذها، وأضاف: «الأمر لا يتعلق فقط بطيور رائعة جدًا يجب الحفاظ عليها بل أيضًا بالشرطة الصحية لنظامنا البيئي».
* لماذا تكتسب النسور هذه الأهمية؟
أجاب نايك ويليامز، خبير النسور بالأمانة العامة لـ«ميثاق بون» الخاص بالحفاظ على أنواع الطيور البرية المتجولة عن هذا السؤال قائلا إن دور النسور في النظام البيئي هو تنظيف الأرض من الجيف «ولولا النسور لقامت أنواع أخرى من الطيور بهذه المهمة أو لظلت الجيف على الأرض وهو ما من شأنه أن يزعزع أنظمة بيئية أخرى كاملة، وأسهم في نشر الأمراض ليس فقط بين الحيوانات ولكن أيضًا بين البشر».
أضاف ويليامز: «النسور جزء رائع من مكونات تنوع الأنواع في البيئة التي تعيش بها».
وتسهم كثير من العوامل في انقراض النسور أكثرها خطورة هو تسميم الطيور، وهو ما يحدث غالبًا عن غير قصد، حيث تلتهم جيف الضباع وحيوان ابن آوى الذي يقوم بدور يشبه دور الذئب البري، ويتعرض للملاحقة في أفريقيا بشكل خاص، بسبب الخطورة الذي يمثلها على الحيوانات المنزلية. وكثيرًا ما تقع عشرات الطيور الجارحة من مختلف الأنواع على أحد الحيوانات النافقة، ثم تموت هي الأخرى ميتة مؤلمة.
ولكن صائدي الحيوانات البرية الذين يلاحقون في الأصل الفيلة ووحيد القرن يضيِّقون الخناق على النسور، حيث يسعى هؤلاء الصيادون للحيلولة دون اكتشافهم من قبل حماة الحياة البرية الذين يمكن أن تشي النسور بهم من خلال تحليقها في الهواء فوق جثة فيل على سبيل المثال، وهو ما يجعل الصيادين في بعض الأحيان يتعمدون تسميم جيف الحيوان لقتل أكبر عدد من النسور مرة واحدة.
كما يُسهِم «الطب التقليدي» في أجزاء واسعة من أفريقيا وآسيا في نفوق النسور بشكل واسع، مما حدا باتحاد «نابو» الألماني لحماية الطبيعة على موقعه الإلكتروني إلى وصفه بـ«الصادم»، ناقلاً عن مارك أندرسون، مدير قسم حماية الحياة البرية في جنوب أفريقيا، قوله: «يأكل المهووسون بالرهانات مخ النسور منذ بطولة العالم لكرة القدم عام 2010، للتمكن من التنبؤ بنتيجة إحدى المباريات، والتحكم في أموال الرهانات».
تتضمن خطة العمل التي ينتظر إقرارها في العاصمة الفلبينية مانيلا في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل 100 إجراء خلال الـ12 سنة المقبلة يسعى الباحثون من خلالها لإنقاذ النسور، أبرزها اعتماد قوانين صارمة لحماية النسور وتحسين إجراءات الحفاظ عليها.
لم تسلم النسور من شر الإنسان حتى في أوروبا نفسها، حيث أصبحت إسبانيا وإيطاليا (حيث يعيش 80 في المائة من جميع النسور في أوروبا) تسمحان منذ فترة باستخدام المادة الفعالة ديكلوفيناك في علاج الحيوانات الرعوية مثل الأبقار والخنازير، وهي المادة التي تسببت في التسعينات في نفوق واسع للنسور في الهند أفنى نحو 99 في المائة من إجمالي أعدادها هناك.
ويخشى الخبراء حدوث الشيء نفسه الآن في أوروبا «إذ إن هذا العقار غير خطير على البشر ولكنه قاتل للنسور»، حسبما حذر خوان كارلوس أتيانزا من جمعية الطيور العالمية في طليطلة.
أضاف أتيانزا: «إسبانيا هي آخر دولة في أوروبا تمتلك النسور بكثافة عالية، ولم تعد أيضًا مكانًا آمنًا لهذه الطيور».
وطالب أتيانزا الحكومة الإسبانية بحظر استخدام مادة «ديكلوفيناك» بشكل فوري، خاصة في ظل وجود بدائل مناسبة وغير خطيرة لهذه المادة التي تستخدم في الطب البيطري. وحظرت ألمانيا التي يعيش النسر الملتحي في مناطقها الجنوبية هذه المادة، مما جعل تسمم النسور جراءها غير وارد، حسبما أكدت خبيرة بميثاق «بون».
ومع ذلك، فإن النسور السمراء التي تحلِّق من وقت لآخر في منطقة جبال الألب الألمانية تعاني من قلة الجيف التي تعيش عليها، لأن المعنيين بجمال هذه المناطق يسارعون لنقل هذه الجثث التي تعتمد عليها النسور في طعامها من الجبال إلى الوادي ثم يتخلصون منها، تاركين بذلك نسورًا جائعة تحوم فوق الألب باحثة عن جيف.
وسط مخاوف من انقراضها... خطة عمل لإنقاذ النسور
يطلق عليها «الشرطة الصحية للنظام البيئي»
وسط مخاوف من انقراضها... خطة عمل لإنقاذ النسور
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة