معارك طرد «داعش» حولت بعشيقة إلى ركام

كانت مشهورة بزيتونها والآن أصبحت «مدينة أشباح»

معارك طرد «داعش» حولت بعشيقة إلى ركام
TT

معارك طرد «داعش» حولت بعشيقة إلى ركام

معارك طرد «داعش» حولت بعشيقة إلى ركام

يراقب دلشاد سليم مصدومًا، أنقاض بلدته بعشيقة في شمال العراق، بعد أيام عدة من معارك خاضتها قوات البيشمركة لاستعادتها من تنظيم داعش. يقول سليم، وهو يشير إلى أنقاض أحد المتاجر: «هذا كان متجر ابن عمي»، ثم إلى مبنى محترق على الجانب الآخر من الشارع فيقول: «هذا المكان كان لعمي».
كانت هذه هي العودة الأولى لسليم، وكل أفراد عائلته، إلى بعشيقة التي شهدت نزوحًا جماعيًا مع دخول تنظيم داعش إلى البلدة في أغسطس (آب) عام 2014.
كانت بعشيقة الواقعة على الطريق المؤدي إلى تركيا، تجمعًا لمختلف الإثنيات والطوائف، وتشتهر بزيتونها.
أما الآن فإنها مدينة أشباح بمبانٍ محطمة وأنقاض خلفها القصف الجوي والمعارك خلال استعادة السيطرة على المدينة من المتطرفين.
يقول سليم الذي عمل في وزارة النفط لوكالة الصحافة الفرنسية: «كل شيء تدمر، منزلي تدمر بالكامل»، مضيفًا: «لا يمكنني أن أخبر أمي بما حدث».
سليم من الأقلية الإيزيدية الذي يعتبر تنظيم داعش أتباعها من الكفار، إذ كانوا هدفا له وتعرض رجالها للخطف والقتل، ونساؤها للسبي والعبودية الجنسية. وكان الإيزيديون غالبية في بعشيقة التي تقع شرق الموصل، لكنها تضم عددًا كبيرًا من المسيحيين. إلا أن سليم يعتبر أن معظم السكان لن يشعروا مجددًا بالأمان بشكل كاف للعودة إلى البلدة، حتى ولو أصبحت خالية من مقاتلي التنظيم المتطرف.
ويلفت سليم إلى أن «الناس يقولون هذه المرة استطعنا أن نكون بأمان، لكن في المرة المقبلة لا أدري ماذا يمكننا أن نفعل. قد يسبون الفتيات مجددًا، ويقتلون الشباب وكبار السن». ويقول: «أعتقد أن الجميع يريد الهرب من هذا المكان، من العراق». لكنه يستدرك أن ذلك «يعتمد على الوضع، قد يمكنني البقاء، وربما لا».
في مكان آخر من بعشيقة، يتنقل محمد محمود بين حطام محترق كان في يوم متجره الصغير على الطريق المؤدية إلى تركيا. يحمل محمود صورة لابنيه الكبيرين، وشريط فيديو مغطى بالغبار لحفل زفافه، مشيرًا إلى أن هذا كل ما تمكن من العثور عليه في منزله.
خلال أكثر من عامين بعد مغادرته المدينة، رزق محمود (35 عامًا) بابن ثالث لم ير مسقط رأسه أبدًا، ويفكر الآن متى سيحضره إلى المكان. يقول محمود: «أحتاج لضمانات قبل أن نعود للعيش هنا».
يعرب الرجل عن رغبته في ضم بعشيقة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد، وألا تكون تابعة لبغداد.
ويرى أنه «إذا بقينا تحت وصاية هذه السلطات، فستتطلب إعادة البناء آلاف السنين».
محمود عاد مع جاره يوسف لطيف من أقلية الشبك، الذي كان يدير متجرًا لبيع إطارات الصور على الجهة المقابلة. يقول لطيف: «لم أكن أتوقع أن أجد هذا، اعتقدت أنني سآتي وأعثر على شيء يعطيني أملاً، لكن لا أمل».
ولا يستطيع المدنيون حاليا العودة إلى البلدة، حتى ولو أرادوا ذلك. وكما حال البلدات والقرى الأخرى التي طرد منها، ترك تنظيم داعش بعشيقة مليئة بالمفخخات. وتقوم القوات الكردية التي تسيطر على بعشيقة حاليًا، بتمشيطها تحسبًا لأي خطر محدق. ويقول بشار نادر، أحد الأكراد الذين يقومون بإزالة الألغام «عثرنا على نحو مائتي عبوة ناسفة هنا». وأكد أن خبراء إزالة الألغام بدأوا في العثور على عبوات أكثر تطورًا في بعشيقة، معدة بأسلاك مصممة لتكون فخًا لأولئك الذين يحاولون إبطال مفعولها.
وفي إشارة إلى استمرار وجود تهديد، وصل فريق كردي بعد وقت قصير يحمل أسطوانتي غاز مفخختين وضعتا داخل حفرة في منطقة رملية على أطراف البلدة. وضع عناصر الفريق المتفجرات على بعد مئات الأمتار، وفجروها فتصاعدت سحابة كبيرة من الدخان في المكان.



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن