فرنسيون عشقوا الصحراء الموريتانية.. وقرروا الإقامة فيها مدى الحياة

جاك.. عجوز متقاعد تحدى تنظيم القاعدة.. وفضل رعي الغنم

فرنسيون في صحراء موريتانيا
فرنسيون في صحراء موريتانيا
TT

فرنسيون عشقوا الصحراء الموريتانية.. وقرروا الإقامة فيها مدى الحياة

فرنسيون في صحراء موريتانيا
فرنسيون في صحراء موريتانيا

فرنسيون في كامل قواهم العقلية وبمحض إرادتهم قرروا ترك مباهج عاصمة الأنوار باريس وحياتها الفاخرة، والتوجه نحو مناطق معزولة في عمق صحراء آدرار (شمال موريتانيا) حيث الهدوء والراحة والعزلة.
بعضهم شفي من أمراض مزمنة، وآخرون جلبوا معهم ما خف حمله من اليوروهات فاستثمروا في مشاريع سياحية، وبعضهم الآخر أشهر إسلامه فتزوج من بنات عائلات بدوية محافظة، وآخرون لا شيء يغريهم سوى فسحة المكان ومتعة مراقبة الأفق، وتعاقب الشمس والقمر، ومعايشة سكان يرحبون بكل ضيف.
لكن عاملا واحدا يجمع كل هؤلاء، هو أنهم زاروا ولاية «آدرار» الموريتانية سياحا ضمن قوافل مقبلة من فرنسا عبر رحلات جوية مباشرة إلى عاصمة الولاية «أطار»، لكنهم بفعل سحر جاذبية الصحراء قرروا العودة في المرة المقبلة، ليسوا سياحا.. وإنما مقيمون.
لم يكن إقبال السياح الفرنسيين من قبيل الصدفة، ولا بسبب العلاقات التاريخية بين البلدين فحسب، وإنما يعود السبب الرئيس إلى ما قبل ستة وسبعين عاما، حين زار الباحث الفرنسي المعروف في مجال العلوم، تيودور مونو، منطقة «الرأس الأبيض» في موريتانيا، مستكشفا، لكن رحلة الاستكشاف تلك دامت 63 عاما، فالرجل قرر خوض غمار تجربة فريدة وهو في الخامسة والثلاثين من عمره.
منذ ذلك التاريخ وحتى وفاته في نوفمبر (تشرين الثاني) 2000، قرر مونو أن يمنح بقية عمره لاستكشاف الصحراء وما تخبئه من كنوز، فجاب مناطق موريتانيا الشاسعة على ظهور الجمال، وأحيانا يضطر للسير على الأقدام، وكانت مهمته وهدفه الأول هو البحث عن بقايا نيزك سقط منذ عشرات السنين.
مونو، عالم طبيعة، وعالم في الإنسانيات، ومستكشف يصنف على أنه أبرز باحث فرنسي متخصص في الصحراء، إذ تمكن من خلال جولاته من التوصل لعدة اكتشافات علمية، منها آثار وبقايا من العصر الحجري، وأنواع من النباتات أصبحت تحمل اسمه.
ولكن اكتشافه الأبرز كان هو «عين الصحراء» أو «حفرة الريشات» أو «قلب الريشات» أو «عين أفريقيا»، كثيرة هي المسميات التي أطلقت على هذه البقعة التي تعد من أبرز المعالم الجيولوجية في موريتانيا بل وفي أفريقيا كلها، ويمكن رؤيتها من الفضاء، وهي عبارة عن حفرة موجودة بالقرب من مدينة وادان الأثرية، ويبلغ قطرها تقريبا 35 كيلومترا.
سبعة كتب على الأقل خصصها الباحث ذو الشهرة الواسعة في فرنسا لتدوين تجربته والكتابة عن اكتشافاته. وكانت كافية لجذب الآلاف من أبناء بلاده إلى حيث دارت مغامرته.. وكانت تلك بداية قصة طويلة من عشق الصحراء.
ليس مونو الوحيد الذي ألف كتبا حول استكشاف موريتانيا، ذلك أن ما لا يقل عن 30 فرنسيا معروفا ألفوا كتبا حول ذلك منذ القرن التاسع عشر، لكن مونو كان الأكثر تأثيرا لأنه عاش التجربة على امتداد عمره.
اليوم يوجد في صحراء آدرار أكثر من مونو واحد، ليس هدفهم الاستكشاف بالضرورة، ولكنهم يسعون لإكمال ما تبقى من أعمارهم في تلك المنطقة.
تعد مدينة شنقيط العتيقة، التي بنيت منتصف القرن الثامن ميلاديا، أبرز نقطة جذب للفرنسيين والأوروبيين عموما، وعلى الرغم من أنها اليوم مجرد بيوت بسيطة في بحر من الرمال الزاحفة، لكنها تعيش هدوءا منقطع النظير، ويحرص سكانها الذين يقلون عن خمسة آلاف شخص على الترحيب بكل مقبل.
هناك في شنقيط يقيم جاك بوني، وهو فرنسي في السابعة والسبعين من عمره، يعيش في هذه الصحراء منذ ثماني سنوات، ولم يعد بإمكانه أن يفارق الأرض التي أعادت له الحياة. فبعد مرور سنة من إقامته فيها عاد إلى بلاده ليفاجئه الطبيب بالقول إنه شفي تماما من داء السرطان، واستمرت بعض الأعراض الخفيفة هي رابطه الوحيد مع فرنسا حيث يسافر سنويا لإجراء الفحوصات الضرورية وسرعان ما يعود إلى الصحراء، تاركا زوجته السابقة وابنيه وراءه في عاصمة الأنوار.
وقال جاك في اتصال مع «الشرق الأوسط» إن الحياة في الصحراء الموريتانية ليست كما قد يتخيلها بعض الغربيين في صور نمطية، بل هي تجربة تستحق أن يعيشها كل باحث عن الاستكشاف وعن حياة بسيطة لا شوائب فيها.
يبدأ يومه في الساعة الخامسة فجرا، مغادرا بيته الذي اقتناه وسط المدينة الصغيرة، إلى بئر مائية تبعد نحو 10 كيلومترات، حيث يقضي يومه في حياة بدوية طبيعية، يشرب ماء البئر ويأكل القديد واللحم المجفف والفول السوداني، ويشرب الشاي الأخضر، ويمارس هوايته المتمثلة في رعي الأغنام لفائدة أصدقائه من البدو.
يلقبونه «جاك بو سريويل» وتعني باللهجة المحلية «جاك صاحب السروال الصغير»، في إشارة إلى ملابسه حيث يرتدي سروالا تقليديا موريتانيا، ويلبس نعلا بلاستيكيا ويحيط رأسه بعمامة سوداء، وحول بئره المائية المفضلة يتفقد جاك يوميا جمله الذي يستخدمه وسيلة نقل في حالة الأسفار البعيدة، التي أكسبت بشرته لونا أسمر كألوان السكان المحليين.
أغلب الفرنسيين باتوا يعرفونه بعد أن ظهر على القناة الفرنسية الثانية، حين زاره مراسلها قبل أربع سنوات. ظهر وهو يستعرض تحذيرا من سفارة بلاده في نواكشوط يطالبه بالمغادرة فورا لأنه يعيش في منطقة صنفتها حكومة باريس بأنها «حمراء»، حيث يمكن أن تصله أيادي تنظيم القاعدة، لتختطفه كما وقع لرعايا غربيين في موريتانيا ومالي والجزائر والنيجر وتونس.
وقال جاك لـ«الشرق الأوسط» إنه يتحدى تنظيم القاعدة ولا يخافه بل ويسخر من تهديداته، معتمدا على علاقته الوطيدة بالسكان المحليين، مؤكدا أن المنطقة لا توجد بها أي مخاطر، وعلى السلطات الفرنسية أن تتراجع عن تصنيفها في الدائرة «الحمراء»، مؤكدا نيته العيش هناك «حتى آخر يوم في حياته».
جاك ليس الفرنسي الوحيد الذي يعيش في هذه المدينة الصحراوية التي تبعد 550 كيلومترا عن العاصمة نواكشوط، ويربطها طريق غير مسفلت بعاصمة الولاية «إطار». وعلى الرغم من تمسك الفرنسيين بالبقاء غير مبالين بتحذيرات بلادهم، فإن أعدادهم نقصت في السنوات الأخيرة بسبب تراجع السياحة، خصوصا بعد العمليات التي استهدفت فرنسيين في موريتانيا نهاية عام 2007، وعمليتي اختطاف لرعايا إسبان وإيطاليين في عامي 2009 و2010.
ويقول الصحافي الموريتاني عبد الله الفتح ولد بونه لـ«الشرق الأوسط»، إن أعداد الأجانب القاطنين في شنقيط تناقصت نتيجة تراجع السياحة، إذ إن معظمهم كان يشرف على نزل يستقبل فيها آلاف السياح سنويا. ويقول ولد بونه وهو من أبناء المدينة إن بعض الفرنسيين لمس تناغما مع الأرض، واكتشف أن صحته باتت جيدة نتيجة للمناخ الصحراوي فقرر البقاء.
بعض فرنسيي الصحراء اعتنقوا الإسلام بعد سنوات من القراءة، خاصة في المخطوطات التي يعود عمر بعضها إلى مئات السنين، منهم «ماريلا» أو «مريم» كما يناديها بعض السكان، وهي سيدة خمسينية، اعتنقت الإسلام وأصبحت ترتدي الزي التقليدي للنساء الموريتانيات (الملحفة)، وتقيم هناك منذ ست سنوات، وتعيش حياتها اليومية كأي سيدة من نساء المنطقة. فرنسيات أخريات أصبحن من السكان وتزوجن، ويتذكر السكان «بوول» الفرنسية التي تزوجت أحد أبناء المدينة وأوصت له بما تملك، ثم غادرت لتموت في بلدها.
جيي مارتين مواطن فرنسي أسس منتجعا سياحيا، ويعمل من خلال اتصالاته وعلاقاته في فرنسا أن يقنع مواطنيه بمواصلة رحلاتهم السياحية نحو موريتانيا، وهو حال السيدة سيلفي التي باتت معروفة في شنقيط، التي تقيم فيها منذ 13 عاما حيث ترتبط بحياة الناس يوميا من خلال التجارة والعلاقات الإنسانية، فقد تزوجت قبل سنوات بأحد أبناء المدينة وأسست «مور بلي» وهو أكبر منتجع سياحي في المنطقة.
غربيون من جنسيات أخرى أقاموا في «آدرار»، وقرروا الاستثمار في مشاريع صغيرة كالإسباني «آلفونسو»، والإيطالي «آليخاندرو» الذي اسلم أيضا، وتزوج مرات عدة في المنطقة.
وتستمر قصة علاقة العشق بين هؤلاء الذين رأوا في شنقيط ما لم يره حتى أبناؤها الذين هجروها على مر السنوات، بعد أن زحفت الرمال على بيوت الأجداد، في مدينة غنية بالثقافة العربية الإسلامية، وحملت موريتانيا الحالية اسمها لقرون، وبه عرفت في المشرق العربي.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.