دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يظهر في الحمض النووي للدببة القطبية

الدراسة الأولى من نوعها تُثبت وجود صلة بين ارتفاع درجات الحرارة وتغير نشاط الحمض النووي في الثدييات البرية (رويترز)
الدراسة الأولى من نوعها تُثبت وجود صلة بين ارتفاع درجات الحرارة وتغير نشاط الحمض النووي في الثدييات البرية (رويترز)
TT

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يظهر في الحمض النووي للدببة القطبية

الدراسة الأولى من نوعها تُثبت وجود صلة بين ارتفاع درجات الحرارة وتغير نشاط الحمض النووي في الثدييات البرية (رويترز)
الدراسة الأولى من نوعها تُثبت وجود صلة بين ارتفاع درجات الحرارة وتغير نشاط الحمض النووي في الثدييات البرية (رويترز)

أظهرت دراسة حديثة أن الدببة القطبية في إحدى أسرع مناطق القطب الشمالي ارتفاعاً في درجات الحرارة تُظهر تغيرات واضحة في سلوك حمضها النووي، وفقاً لصحيفة «إندبندنت».

فحص الباحثون النشاط الجيني لدى الدببة القطبية في شمال شرقي وجنوب شرقي غرينلاند، وهما منطقتان تشهدان حالياً أنماطاً حرارية مختلفة تماماً عن المعدل التاريخي.

ووجد الفريق أن الدببة التي تعيش في بيئة الجليد البحري الأكثر دفئاً، وتجزؤاً في جنوب شرقي غرينلاند تتمتع بنشاط أعلى بشكل ملحوظ في «جيناتها القافزة»، وهي عناصر صغيرة متحركة في الجينوم قادرة على تغيير كيفية تفعيل وتعطيل جينات أخرى.

تركزت هذه التغيرات في جينات مرتبطة بالإجهاد الحراري، والتمثيل الغذائي، والشيخوخة، وارتبطت بشكل ثابت بأنماط درجات الحرارة في المنطقة.

وتُعدّ هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تُثبت وجود صلة ذات دلالة إحصائية بين ارتفاع درجات الحرارة وتغير نشاط الحمض النووي في الثدييات البرية.

قالت الدكتورة أليس غودن، الباحثة الرئيسة في الدراسة من جامعة إيست أنجليا (UEA)، إن النتائج تُظهر وجود صلة ملموسة بين ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات في نشاط جينات الدببة القطبية.

وأضافت: «بمقارنة الجينات النشطة لهذه الدببة ببيانات المناخ المحلية، وجدنا أن ارتفاع درجات الحرارة يُحفز على ما يبدو زيادةً ملحوظةً في نشاط الجينات القافزة ضمن الحمض النووي لدببة جنوب شرقي غرينلاند».

وتابعت: «باختصار، هذا يعني أن مجموعات الدببة المختلفة تشهد تغيرات في أجزاء مختلفة من حمضها النووي بمعدلات متفاوتة، ويبدو أن هذا النشاط مرتبط ببيئتها، والمناخ».

أصبحت جنوب شرقي غرينلاند واحدة من أكثر الموائل دفئاً، وأقلها استقراراً في نطاق الدببة القطبية. فالغطاء الجليدي البحري منخفض، وغير مستقر، وتتقلب درجات الحرارة فيها بشكل أكبر بكثير مما هي عليه في الشمال الشرقي، وتزداد عزلة الدببة بسبب انحسار الجليد.

يصف الباحثون هذه المجموعة بأنها تعيش في «ظروف قطبية مستقبلية»، مع أوجه تشابه مع ما يُتوقع أن تشهده معظم موائل الدببة القطبية بحلول منتصف القرن.

من المتوقع أن يكون هذا العام ثاني أو ثالث أحرّ عام في التاريخ، بينما حطّم عامي 2023 و2024 الأرقام القياسية العالمية لدرجات الحرارة. وقد ذكرت خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ أن العالم يمرّ الآن بأول فترة ثلاث سنوات تتجاوز فيها متوسطات درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ويشهد القطب الشمالي ارتفاعاً في درجات الحرارة أسرع بأربع مرات تقريباً من المتوسط ​​العالمي.

ومن المتوقع أن يختفي أكثر من ثلثي الدببة القطبية بحلول عام 2050، مع احتمال انقراضها التام بحلول نهاية القرن إذا استمرت الانبعاثات العالمية على مسارها الحالي.


مقالات ذات صلة

حيل بسيطة لزيادة شعورك بالدفء خلال الشتاء

يوميات الشرق يجد كثير من الأشخاص صعوبة في التكيف مع الطقس البارد (رويترز)

حيل بسيطة لزيادة شعورك بالدفء خلال الشتاء

هناك حيل بسيطة وفعّالة وغير مكلفة يمكن أن تساعدك على الشعور بالدفء خلال الشتاء

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك حفاظ مرضى القلب على صحتهم خلال الطقس البارد يُمثل تحدياً خاصاً (رويترز)

لمرضى القلب... 5 احتياطات ينبغي اتخاذها في الطقس البارد

إذا كنت تعاني من أمراض القلب، فإن الحفاظ على صحتك خلال الطقس البارد يُمثل تحدياً خاصاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المريخ أكثر دفئاً من الأرض ليوم واحد (ناسا)

مدينة أميركية تتجمّد... وحرارتها تهبط إلى ما دون المريخ!

شهدت مدينة منيابوليس، كبرى مدن ولاية مينيسوتا الأميركية، انخفاضاً لافتاً في درجات الحرارة الشهر الماضي، حتى باتت، لبرهة، أبرد من كوكب المريخ نفسه.

«الشرق الأوسط» (مينيسوتا (الولايات المتحدة))
صحتك اكتئاب الشتاء  يتميز بانخفاض الحالة المزاجية وتقلبات الشهية (بيكسيلز)

7 نصائح للتغلب على اكتئاب الشتاء

مع تغيير التوقيت وحلول الظلام باكراً بعدة مناطق حول العالم يضطر الكثير منا للذهاب إلى العمل والعودة منه في عتمة الليل مما قد يسبب انزعاجاً

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك هناك أشخاص أكثر حساسية لدرجات الحرارة الباردة من غيرهم (رويترز)

10 أسباب للشعور الدائم بالبرد... وماذا تفعل لتشعر بالدفء

عدم تحمُّل البرد يعني أنك أكثر حساسية لدرجات الحرارة الباردة من غيرك. وقد تشير أسباب الشعور الدائم بالبرد إلى حالة مرضية كامنة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«بهجة»... معرض فني مصري يستعيد شغف الطفولة

اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)
اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)
TT

«بهجة»... معرض فني مصري يستعيد شغف الطفولة

اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)
اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)

«بداخلي طفل صغير... كثيراً ما يبكي، قليلاً ما يفرح، فقد كثر بكاؤه بفعل ما يحدث بعالمنا المعاصر من تمزق وحروب وضحايا من الأطفال والكبار، وأحاول استعادة هذا الطفل مع طاقة من التفاؤل والفرح».

بهذه الكلمات وصف الفنان التشكيلي المصري، صلاح بيصار، معرضه «بهجة» المقام حالياً في غاليري «أوبتنو» بالزمالك (وسط القاهرة)، معتبراً أنه بهذه الأعمال التي يتداخل فيها الحس الشعبي مع الروح السريالية مع الألوان الساخنة المبهجة يستطيع أن يستعيد تلك الروح الطفولية المليئة بالبراءة والفرح والبهجة.

وفي هذا المعرض الذي يضم أكثر من 50 لوحة بأحجام مختلفة، يعود بيصار للرسم بعد فترة انقطاع، ويؤكد أن سبب انقطاعه عن الرسم كان الالتزام بالكتابة، فهو أيضاً واحد من أبرز النقاد التشكيليين في مصر.

الألوان المبهجة وألعاب السيرك في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

ويضم المعرض لوحات تبث البهجة في نفس المتلقي بألوانها المبهجة الساخنة في معظمها، ويصور الفنان من خلال أعماله السيرك وما به من مفارقات مضحكة أو عجيبة وغريبة، والقرية بمفرداتها وتفاصيلها المتنوعة، وكذلك البيوت والقصص الشعبية تجد مكاناً داخل لوحاته.

ويقول بيصار إنه يقدم «عالماً ينتمي للفانتازيا الشعبية بروح الخيال وحس سيريالي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن هذا العالم «تتصالح فيه كل الكائنات فى البر والبحر الطبيعة المفتوحة وتحت الماء»، فهو عالم يتسع للبشر والحيوانات والطيور والأسماك وحتى الفراش والنمل.

كل هذه العناصر تتحاور في لوحات بيصار محفوفة بالزينات والبيارق والأعلام، كأنه يقدم من خلالها دعوة للسلام، «لتعود الحياة بعالمنا إلى مرافئ المحبة والحلم والصفاء»، على حد تعبيره.

ومن تفاصيل البيئة الشعبية بكل مفرداتها يعيد بيصار تشكيل العالم بعيون طفل لم تفارقه الدهشة، وربما لهذا السبب بدت الألوان الزاهية هي المسيطرة في كل اللوحات، حتى تلك التي ترصد الطبيعة والبيوت الريفية البسيطة.

الفنان يرى في العالم مساحة رحبة للبشر والحيوانات وكل الكائنات (الشرق الأوسط)

صلاح بيصار المولود في المنوفية (دلتا مصر) عام 1952، تخرج في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، وتخصص في الديكور، إلا أنه اتجه أكثر للعمل الصحافي وحاز جائزة نقابة الصحافيين في الإخراج الصحافي في ثمانينات القرن الماضي، كما اهتم بالكتابة والنقد، وربما لهذا توقف عن تنظيم معارض فردية لأعماله منذ عام 1994، وإن كان شارك من بعده في العديد من المعارض الجماعية والفعاليات التشكيلية.

ويعتمد الفنان على الحس التعبيري في تقديم نماذج من القرية والشارع المصري، ولكن يبدو الاهتمام الكبر منصباً على لاعبي السيرك، لما يتضمنه عالمهم من تنوع في ألوان البهجة وتفاصيلها بالألعاب المختلفة، بينما تبدو المدرسة السريالية بتقنياتها الغرائبية الأقرب للحلم واضحة في اللوحات، ولكنها سريالية شعبية بالطريقة والأسلوب الخاص بالفنان.

وتبرز اللوحات الكبيرة مشاهد بانورامية للقرية أو للسيرك أو الشارع أو يمكن أن يخصصها للبورتريه، بينما تركز اللوحات الصغيرة الحجم على التفاصيل البسيطة التي تقترب من رموز وتيمات الحكايات الشعبية، في قالب فني يمنحها بعداً جديداً مشحوناً بطاقة من الفرح.


ساعة ذكية لتقليل نوبات غضب الأطفال

الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)
الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)
TT

ساعة ذكية لتقليل نوبات غضب الأطفال

الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)
الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)

طوّر باحثون في مجموعة «مايو كلينك» الطبية الأميركية نظاماً مبتكراً يعتمد على الساعة الذكية لتنبيه الآباء عند أولى مؤشرات نوبات الغضب الشديدة لدى الأطفال المصابين باضطرابات عاطفية وسلوكية، ما يتيح التدخل السريع قبل تفاقم النوبة.

وأوضح الباحثون أن هذا النظام يُقلّص مدة وحدّة نوبات الغضب، ما يخفف الضغط النفسي على الطفل ووالديه، ويُحسّن الأجواء الأسرية، ويُقلّل من الصراعات اليومية. ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية «JAMA Network Open».

ونوبات غضب الأطفال هي انفعالات مفاجئة وشديدة، تظهر في صورة بكاء حاد أو صراخ أو رفض للأوامر أو سلوك عدواني أحياناً. وغالباً ما تنتج هذه النوبات عن عجز الطفل عن التعبير عن مشاعره أو السيطرة عليها، وقد تكون أكثر حدّة وتكراراً لدى الأطفال المصابين باضطرابات عاطفية وسلوكية.

ورغم أن نوبات الغضب تُعد جزءاً طبيعياً من نمو بعض الأطفال، فإن استمرارها لفترات طويلة أو شدتها الزائدة قد يؤثر سلباً في الصحة النفسية للطفل والعلاقات الأسرية، ما يستدعي تدخلاً تربوياً أو علاجياً مبكراً للحد من آثارها.

ويعتمد النظام على ساعة ذكية يرتديها الطفل، ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية، مثل ارتفاع معدل ضربات القلب أو التغيرات في الحركة أو النوم. وتُنقل هذه البيانات إلى تطبيق على هاتف الوالدين مزوّد بتقنيات الذكاء الاصطناعي، يُحلِّلها لحظياً ويُرسل تنبيهاً فورياً يحثّ الوالدين على التواصل مع الطفل وتهدئته في الوقت المناسب.

وأُجريت التجربة السريرية على 50 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 3 و7 سنوات، كانوا يعانون اضطرابات عاطفية وسلوكية. واستُخدم نظام الساعة الذكية لدى نصف المشاركين على مدى 16 أسبوعاً، في حين واصل النصف الآخر العلاج القياسي. وقيَّمت الدراسة مدى التزام العائلات باستخدام التقنية، وقدرة التنبيهات الفورية على تغيير سرعة استجابة الوالدين وسلوك الأطفال.

وأظهرت النتائج أن التنبيهات الفورية ساعدت الآباء على التدخل خلال 4 ثوانٍ فقط، وأسهمت في تقليص مدة نوبات الغضب الشديدة بمعدل 11 دقيقة، أي نحو نصف المدة المسجّلة لدى الأطفال الذين تلقوا العلاج التقليدي فقط.

كما بيّنت النتائج أن الأطفال ارتدوا الساعة الذكية لنحو 75 في المائة من فترة الدراسة، ما يعكس قابلية التطبيق وارتفاع مستوى تفاعل العائلات مع هذه التقنية.

وقال الباحثون إن «هذه الدراسة تُظهر أن تدخلات صغيرة، إذا جاءت في التوقيت المناسب، يمكن أن تغيّر مسار نوبة الاضطراب العاطفي لدى الطفل؛ إذ تمنح الوالدين فرصة للتدخل الداعم، مثل الاقتراب من الطفل، وتقديم الطمأنة، وتعزيز المشاعر الإيجابية، وإعادة توجيه الانتباه، قبل أن تتصاعد النوبة».

وأضافوا أن هذا النظام يُثبت أن بيانات الأجهزة الذكية اليومية يمكن أن تساعد الأسر في الوقت الحقيقي؛ فقد تبدو الساعة الذكية جهازاً بسيطاً، لكنها عندما تُدعَم بعلاجات قائمة على الدليل وتحليلات متقدمة، تتحول إلى بارقة أمل للأسر التي تواجه أعراضاً سلوكية شديدة في المنزل.


«معرض جدة للكتاب» حراك ثقافي متجدد يجمع الأجيال ويعيد للكتاب مكانه

كثير من الفعاليات والندوات كانت حاضرة لمختلف الأعمال
كثير من الفعاليات والندوات كانت حاضرة لمختلف الأعمال
TT

«معرض جدة للكتاب» حراك ثقافي متجدد يجمع الأجيال ويعيد للكتاب مكانه

كثير من الفعاليات والندوات كانت حاضرة لمختلف الأعمال
كثير من الفعاليات والندوات كانت حاضرة لمختلف الأعمال

على مهل... كبار السن يعبرون ممرات معرض جدة للكتاب، يقلبون صفحات كتاب عتيق يعرفه قارئه جيداً، لا يركضون خلف العناوين، ولا تستفزهم الألوان الصارخة، بل يقفون حيث يقف المعنى، ويمدون أيديهم إلى الورق كما لو أنهم يصافحون ذاكرة قديمة، يعرفونها وتعرفهم.

هنا، في جدة، المدينة التي تعلمت القراءة مبكراً من دفاتر الرحالة، وسجلات التجارة والحكايات القديمة، لم يكن توافد كبار السن إلى معرضها للكتاب مشهداً غريباً، بل امتداد طبيعي لتاريخ طويل من الألفة بين الإنسان والكتاب، حيث جهزت «هيئة الأدب والنشر والترجمة» معرضاً فيه كل ما هو ممكن من مضمون ومحتوى يأخذ القارئ إلى أبعاد مختلفة ومسارات متنوعة.

في المعرض تقابلك مشاهد لكبار السن وهم يتجولون في المعرض يحضرون الندوات، ويجلسون على مقاعد جانبية يتصفح أحدهم كتاباً بتمهل فيبتسم عند سطرٍ يعرفه، ويتوقف عند آخر كأنه يستعيد زمناً مر عليه في هذه المدينة التي لم تكن يوماً بعيدة عن الثقافة.

يقول العم حسن عبيد، الذي لامس السبعين: «في المعرض أبحث عما يسلي خاطري وأدقق في معرفة الرواة والمؤلفين، وإن كان ميلي لمؤلفين رافقوا البدايات الأولى في حياتي، وأقارن بين ما هو قديم وما يعاد تقديمه اليوم للأجيال الجديدة، فالقراءة بالنسبة لي ليست هواية بل عادة راسخة، وسلوك يومي ونافذة أطل منها على العالم حتى وإن تغير شكله».

كثير من الفعاليات والندوات كانت حاضرة لمختلف الأعمال

هذه غراس المعرض، يجدد الشغف ويعيد للكتاب سيرته الأولى ومكانه الطبيعي، فمعرض جدة للكتاب، الذي نجحت «هيئة الأدب والنشر والترجمة» في استقطاب أكثر من 1000 دار نشر من 24 دولة تفتح شهية الباحث والقارئ، بل إنها لم تركن لما هو على الرفوف بل تجاوز ذلك بأحدث 170 فعالية ثقافية، ولقاءات فكرية، وذلك بهدف إعادة تشكيل العلاقة بين القارئ والمكان ممثلة في مدينة جدة، التي احتضنت الحجاج والتجار والعلماء، واليوم تفتح ذراعيها للكتاب في هذا التوقيت وتمنح كبار السن مساحة ليكونوا شهوداً على التحول لا خارج محيط الفكر والثقافة.

سجل المعرض حضوراً كثيفاً في الندوات الحوارية وورش العمل (الشرق الأوسط)

جولة «الشرق الأوسط» لاحظت أن كبار السن لا ينفصلون عن حاضرهم فهم يتأملون جميع الكتب ومسارتها من الأدب والروية والقصة حتى أنهم يبحثون عن علوم مختلفة، ويستمعون إلى النقاشات، ويتابعون الحركة الثقافية بفضول هادئ يؤكد أن القراءة لا عمر لها، وأن الشغف بالمعرفة لا يتقاعد، إذ ترى في عيونهم المقارنة الصامتة بين زمن كان الكتاب فيه نادراً، وزمن صار فيه وفيراً مع امتلاكه الخصائص والقيمة.

في الجهة الأخرى من المشهد، حيث تخف وطأة الذاكرة وتعلو دهشة الاكتشاف، كان صغار السن يكتبون حضورهم بطريقتهم الخاصة، لا يقفون طويلاً عند الغلاف الواحد، لكن أعينهم تلتقط الفكرة قبل العنوان، وتتحرك بين الأجنحة كما لو أنها تتدرب على أول علاقة حقيقية مع الكتاب، فهنا تبدأ الحكاية من جديد لا بوصفها امتداداً للماضي، بل وعد للمستقبل.

الورش لم تكن قاصرةً على الكبار إذ سجل الأطفال والمراهقون حضوراً ملفتاً

ففي معرض جدة للكتاب، وفرت «هيئة الأدب والنشر والترجمة» مواقع مختلفة، كي يلتقي فيها الصغار بالكلمة للمرة الأولى خارج أسوار المدرسة، يلمس أحدهم الكتاب بفضول، ويسأل، ثم يختار ما يشبهه من القصص المصورة، كتب المعرفة المبسطة، وأركان القراءة التفاعلية، وهذه لا تكون وسائل جذب بل جسور ثابتة قواعدها متينة تمهد لعلاقة طويلة الأمد مع القراءة، كعادة جدة المدينة التي علمت أجيالاً سابقةً كيف تحفظ الحكاية لتعيد اليوم صياغتها بلغة يفهمها الصغار.

اللافت أن المسافة بين كبار السن وصغارهم داخل المعرض لم تكن بعيدة، هنا جد يشير لحفيده إلى كتاب قرأه ذات يوم، وهناك طفل يلتقط الفكرة ويعيد تشكيلها بلغته الخاصة، وما بين الاثنين، يتحقق المعنى الأعمق لمعرض جدة للكتاب بأن يكون مساحة تواصل بين زمنين، لا قطيعة بينهما، وأن تنتقل المعرفة من يد إلى يد، ومن ذاكرة إلى أخرى.

طفلة تبحث عما يحاكيها بين الكتب

الملاحظ أن «هيئة الأدب والنشر والترجمة» نجحت في إيجاد ورش عمل وأمسيات تمس المتلقي بشكل أو آخر، ومن ذلك الورشة التي قدمتها الكاتبة شوقية الأنصاري تحت عنوان «كيف نلهم الطفل ليكون مؤلفاً صغيراً»، التي استعرضت من خلالها خطوات تحفيز الطفل على التعبير الكتابي، شملت قراءة النصوص القصيرة وتحليلها، ومحاكاة النصوص المنشورة، وبناء الجمل المتنوعة، والتعبير عن الصور بلغة سليمة.

وجذبت منطقة «المانجا» في معرض جدة للكتاب 2025 اهتمام عشاق المحتوى الإبداعي من فئتي الأطفال والشباب، عبر تجربة ثقافية تفاعلية تجمع بين القراءة والخيال البصري، وتقدم نماذج حديثة من صناعة القصص المصوّرة، بما يواكب اهتمامات الجيل الجديد، مع توفير أبرز إصدارات «المانجا»، بما في ذلك مجلات «المانجا العربية»، التي تعنى بنشر أعمال مستوحاة من «المانجا اليابانية»، إلى جانب القصص المصوّرة السعودية، في إطار يسهم في رفع معدلات القراءة، وتنمية الذائقة البصرية، وإثراء المحتوى العربي بأساليب سرد حديثة.

في المقابل وجد الكثير من كبار السن ضالتهم في الأمسيات الشعرية التي اتسمت بتنوع النصوص وعمقها الوطني، بخلاف الورش والندوات، التي شملت كثيراً من الميادين ومنها ندوة حوارية حول مفهوم الهوية الثقافية وتحولاتها، أكد فيها الكاتب هشام أصلان أن الهوية كائن حي يتطور عبر احتكاكه بالماضي وتفاعله مع الواقع المعاصر، إضافة إلى ندوات متعددة منها «مستقبل المكتبات والمتاحف... من الحفظ إلى التفاعل الرقمي» قدّمها متخصص المعالم المكانية وتاريخ فنون العمارة الدكتور فؤاد المغامسي، وجرى خلالها استشراف تحولات المؤسسات الثقافية نحو الرقمنة.

بهذا الحضور المتكامل، يغدو معرض جدة للكتاب أكثر من فعالية ثقافية، بل مشهد اجتماعي نابض بالحياة، كبار السن يرسخون الجذور، وصغار السن يمدون الأغصان نحو الضوء، وجدة، بثقلها التاريخي وعمقها الثقافي، تقف في المنتصف، شاهدةً على دورة القراءة وهي تتجدد، وعلى الكتاب وهو يعثر في كل عام على قارئ جديد، مهما اختلف العمر، ومهما تبدلت الأزمنة، هكذا يبدو «معرض جدة للكتاب» بكل المقاييس التي تعرفها والتي لا تعرفها، أكثر من فعالية ومساحة التقاء بين أجيال، وجسراً يصل ذاكرة المدينة الثقافية بحاضرها المتسارع، ليكتب كبار السن بتجولهم بين أروقة المعرض سطراً غير معلن «ما زلنا نقرأ، وما زال للكتاب مكان» وما زالت جدة تعرف كيف تحتضن الثقافة، كما احتضنت التاريخ.