قال المخرج والمؤلف اللبناني، سيريل عريس، إن فيلمه «نجوم الأمل والألم» لم يكن ليخرج إلى النور لولا الدعم الذي حصل عليه من «مؤسسة البحر الأحمر»، التي وفّرت له أول دفعة تمويل حقيقية، وكانت نقطة الانطلاق التي سهلت عليه الانضمام لاحقاً لشبكة إنتاج مشترك مع جهات دولية، مؤكداً أن هذا الدعم لم يكن مجرد مساهمة مادية، بل فرصة منحت الفيلم قبلة الحياة ليخرج للنور.
وأضاف عريس لـ«الشرق الأوسط» أن فكرة الفيلم وُلدت عام 2019، وبدأ في تطويرها بجدية أثناء جائحة كورونا، لكنه لم يتوقف عند الكتابة فقط، بل انخرط في ورش تطوير سيناريو نظّمتها «مؤسسة البحر الأحمر» بالتعاون مع «تورينو فيلم لاب» عام 2021، لمدة عام وأعاد صياغة البناء الدرامي، وعزز التوازن بين الشخصيات مما ساعد على بلورة الصورة النهائية للفيلم، التي بدأ على أساسها تحضيرات التصوير ورحلة البحث عن التمويل للفيلم.

وحصد الفيلم، الذي عرض للمرة الأولى في قسم «أيام المؤلفين» بمهرجان «فينيسيا السينمائي» بنسخته الماضية، «جائزة الجمهور»، فيما يعرض للمرة الأولى بالعالم العربي ضمن فعاليات النسخة الخامسة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» المقامة حالياً في جدة.
ويحكي الفيلم قصة نينو وياسمينة، اللذين يولدان في نهاية الثمانيات، ومنذ الطفولة تتشكل بينهما علاقة قوية مبنية على فهم مشترك لمعاناة الطفولة في ظل الحرب، وحين تقترح ياسمينة على نينو الهرب من بيروت، تفشل خطتهما في الانفصال عن واقع المدينة، ليفترقا.
وبعد 24 سنة، يجمعهما القدر مجدداً، ويقعان في الحب من جديد. لكن العلاقة لا تسير كما تمنيا، إذ تتأزم حين تقرر ياسمينة البقاء في لبنان بدافع الحب، ثم تجد نفسها حائرة بشأن إنجاب طفلهما وسط واقع يفتقر للاستقرار.

وقال عريس إن «نجوم الأمل والألم» يتناول حياة هذا الثنائي عبر ثلاث مراحل زمنية. ويوضح: «تبدأ المرحلة الأولى في أواخر الثمانينات، حيث لا تزال الشخصيتان في طفولتهما، تراقبان آثار الحرب الأهلية دون أن تفهماها تماماً، لكنهما يتأثران بها عاطفياً، ثم تأتي المرحلة الثانية بين عامي 2013 و2014؛ وهي من أكثر الفترات التي حملت شعوراً بالاستقرار في الداخل اللبناني مع الانتعاشة الاقتصادية آنذاك، أما المرحلة الثالثة فهي الحاضر، حيث يعيش نينو وياسمينة انهيارات متتالية، بينما تشهد بيروت واحدة من أكثر فصولها ألماً»، على حد تعبيره.
وأضاف عريس أن «الفيلم لا يقدّم رؤية سياسية مباشرة، بل يرصد كيف تتسلل السياسة إلى حياة الناس دون أن يطلبوها»، موضحاً أن الشخصيات تتخذ قراراتها بناءً على ظروف حياتية تفرضها تقلبات البلد، لكن السياسة ليست موضوع الفيلم، بينما تكون مستمرة باعتبارها خلفية تؤثر في المصير والخيارات اليومية، من قرار الحب إلى قرار الإنجاب أو الهجرة.
ويذكر أن «نجوم الأمل والألم» بطولة مونيا عقل، وحسن عقيل، وكميل سلامة، وجوليا قصار، وتينو كرم، ونادين شلهوب، وكتابة وإخراج سيريل عريس، الذي صور الفيلم بالكامل داخل لبنان.
ويقول عريس إن «ورشة الكتابة ساعدتني في تطوير السيناريو، وأعطتني مساحة فكرية لتأمل الشخصيات والصياغة البصرية دون تعجل»، مشيراً إلى أن تكلفة إنتاج الفيلم تعد مرتفعة نسبياً بسبب تصوير ثلاث مراحل زمنية مختلفة في لبنان وما تطلبه الأمر من تجهيزات لوجيستية دقيقة، وديكور وملابس وإضاءة تناسب كل مرحلة، مما جعل إنتاج الفيلم يمر برحلة بحث تمويلية طويلة بهدف توفير الدعم المطلوب والتقدم للعديد من المؤسسات والمهرجانات، بما فيها شراكات مع شركات في ألمانيا والولايات المتحدة لتوفير معدات متقدمة وخدمات ما بعد المونتاج والتلوين.
وأضاف أن «التصوير جرى في سبتمبر (أيلول) الماضي قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية الشاملة على لبنان لكن بوقت كان التوتر الأمني حاضراً بشكل دائم في الخلفية، والطائرات المسيرة الإسرائيلية تخترق الأجواء اللبنانية، لكن قرارنا بانطلاق التصوير كان حاسماً حتى مع اضطرارنا للابتعاد عن الجنوب واختيار مناطق بديلة للبقاع التي كان يفترض أن تكون حاضرة في الأحداث».
وأوضح أنه خلال عملية التصوير «كان هناك قلق من توقف الإنتاج بسبب الأحداث المتسارعة، لكنّ التفكير في احتمال الفشل لم يكن خياراً، خصوصاً أن التجربة أثبتت أن الاستمرار في لبنان يتطلب درجة من التحدي والمغامرة؛ فالانتظار حتى تحسّن الظروف لم يعد ممكناً».

وأكد عريس أنه رغم وجود سيناريو مكتمل فإنه ترك هامشاً للممثلين للارتجال داخل حدود الشخصية، واهتم كثيراً بالبروفات، ليضمن أن الأداء ينبع من صدق داخلي، لا من حفظ للحوار، وهو أسلوب تعلمه من عمله في السينما الوثائقية، التي «تنظر للتفاعل الحقيقي مع الحياة باعتباره جوهر العمل»، وفق قوله.
وأكد المخرج اللبناني أن «المونتاج كان تحدياً خاصاً في هذا المشروع؛ لأن الفيلم يتنقل زمنياً بين ثلاث مراحل، ويعتمد على إيقاع داخلي يتطلب حساً بصرياً عالياً. وبحكم خبرتي كمونتير، اهتممت بأن تظل المشاعر هي خيط الربط بين الأزمنة، لا مجرد التواريخ؛ ما يعطى الفيلم طابعاً شعرياً رغم واقعيته».
وأضاف أن الفيلم يُتوّج رحلة طويلة بدأت منذ ست سنوات، شارك خلالها في أكثر من مهرجان وورشة ومحاولة تمويل، قبل أن يصل إلى لحظة العرض العالمي الأول في فينيسيا، معتبراً أن وجود الفيلم في المهرجان الإيطالي ليس سوى مجرد محطة فنية لبداية عرض الفيلم بعدة مهرجانات.



