لماذا لم تُنقل مومياء «توت» للمتحف الكبير رغم تخصيص مساحة لها؟

مومياء توت (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مومياء توت (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

لماذا لم تُنقل مومياء «توت» للمتحف الكبير رغم تخصيص مساحة لها؟

مومياء توت (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مومياء توت (وزارة السياحة والآثار المصرية)

رغم تخصيص ركن خاص لمومياء الملك توت عنخ آمون داخل جناحه الفسيح بالمتحف المصري الكبير، تحت عنوان يشير إلى أن هذا الركن ممنوع التصوير داخله، فإن زائر المتحف يفاجأ بغيابها، إذ تخلو فاترينة عرض مومياء «الفرعون الذهبي» من أي شيء رغم اكتمال تجهيزها، وهو ما يثير تساؤلات عن عدم عرضها مع مقتنياته الكثيرة.

ووفق وزير الآثار الأسبق وعالم المصريات الدكتور زاهي حواس، فإنه تم تشكيل لجنة هذا العام من الآثاريين المصريين برئاسته قبل افتتاح المتحف الكبير، لبحث قضية نقل المومياء من مقبرة توت بوادي الملوك بالأقصر (جنوب مصر) إلى المتحف، وبعد مناقشات عديدة تم الاتفاق على عدم نقل المومياء نهائياً إلى القاهرة، وتركها داخل مقبرته.

وعزا حواس في تصريحات تلفزيونية أسباب الإبقاء على المومياء داخل المقبرة، رغم تحمسه في البداية لضرورة نقلها مع كل مقتنياته للقاهرة، إلى صغر حجم مقبرته بوادي الملوك، وعدم قدرتها على اجتذاب الزوار من دون المومياء، مؤكداً أن المومياء تمثل عنصر جذب لافتاً في وادي الملوك، وإذا تم نقلها للمتحف الكبير فستزاحم مقتنياته الفريدة الأخرى لا سيما قناعه الذهبي الفريد.

وقال مسؤول بوزارة السياحة والآثار لـ«الشرق الأوسط» -فضل عدم ذكر اسمه- إنه تم الإبقاء على المومياء في وادي الملوك بعد تهيئة ظروف العرض المناسبة لها داخل مقبرته، مراعاة للبعد الاجتماعي بحيث لا يتم نزع كل الآثار المهمة من الأقصر، تفادياً لإثارة حساسيات أهاليها، معتبراً أن المومياء والمقبرة تعدان فخراً للأقصر.

تابوت توت (الشرق الأوسط)

وكان حواس قد انتقد في مرات سابقة استخدام مكتشف المقبرة هوارد كارتر، عالم الآثار الإنجليزي، بعض التقنيات الغريبة لنزع القناع الذهبي عن المومياء، ما أدى إلى تدهور حالتها، ما دفعه لكتابة كتاب عن ماذا كان سيفعل لو تولى هو هذه المهمة؟ ووجد أن كارتر فعل الصواب لأنه لا يمكن ترك القناع صاحب الجمال الأخاذ مع المومياء.

ووُضع حجر أساس المتحف المصري الكبير عام 2002، وافتُتحت مرحلتاه الأولى والثانية اللتان شملتا مخازن الآثار، ومركز الترميم عام 2010، ثم تعطَّل التنفيذ بسبب أحداث 2011، قبل أن يتم استئناف العمل مجدداً عام 2014، وكان من المقرر افتتاحه عام 2020 لكن جائحة «كوفيد-19» تسببت في تعطيل المشروع، وتأجيل الافتتاح.

أحد توابيت توت بجناحه في المتحف الكبير (الشرق الأوسط)

وتعوّل وزارة السياحة والآثار المصرية على المتحف المصري الكبير، الذي تم افتتاحه رسمياً في الأول من الشهر الجاري، في جذب السياحة الثقافية، إذ تتوقع استقبال المتحف نحو 5 ملايين سائح سنوياً، بمعدل 15 ألف سائح يومياً، وتطمح مصر إلى زيادة عدد السائحين الوافدين إلى 30 مليون سائح بحلول 2031، بينما حققت رقماً قياسياً العام الماضي باستقبال 15.7 مليون سائح.

لكن الإقبال الكبير على المتحف منذ افتتاحه الرسمي ووصول عدد الزوار إلى الطاقة القصوى بنحو 19 ألفاً يومياً يبشر بزيادة الرقم المستهدف، ما دفع إدارة المتحف إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمنع الزحام، وتنظيم عملية الدخول.

ورغم أن المتحف المصري الكبير يضم مجموعة فريدة من القطع النادرة، والمميزة، من بينها عمود مرنبتاح، وتمثال الملك رمسيس الثاني الذي نُقل من ميدان رمسيس (وسط القاهرة) إلى المتحف قبل نحو 20 عاماً، إضافة إلى المسلة المعلقة، وتماثيل الدرج العظيم، ومتحف مراكب الملك خوفو؛ فإن جناح توت يظل الأبرز، والأكثر جذباً للزوار.

إحدى العربات الحربية للملك توت (الشرق الأوسط)

ويضم الجناح المجموعة الكاملة للفرعون الذهبي منذ اكتشاف مقبرته في وادي الملوك بالأقصر (جنوب مصر) في نوفمبر (تشرين الثاني) 1922، والبالغة نحو 5 آلاف قطعة، من بينها «أجنة توت عنخ آمون»، وهي عبارة عن جنينين عمرهما خمسة وسبعة شهور، عثر عليهما في تابوتين في الجهة الشمالية من حجرة الدفن، ونُقلا إلى كلية طب قصر العيني بالقاهرة، حيث استقرّا في معامل الكلية ما يزيد على 80 عاماً.

وتشهد قاعة توت للمرة الأولى عرض العجلات الحربية الست للفرعون الذهبي في مكان واحد، بعدما كانت موزعة بين متاحف «التحرير»، و«الحربي»، و«الأقصر».

كرسي العرش الخاص بالملك توت (الشرق الأوسط)

ووصف حواس في مقالة له بـ«الشرق الأوسط» حالة مومياء توت عنخ آمون عندما تم فتح التوابيت المغلقة عليها لأكثر من ثلاثة آلاف عام، قائلاً: «لقد أدى تسرع المحنطين إلى صب كميات هائلة من الراتنغ على المومياء، الأمر الذي جعلها تلتصق بصندوق التابوت الذهبي الذي كانت ترقد بداخله.

وأوضح أن منطقة الصدر كانت ملتصقة تماماً بقاع التابوت الذهبي، ولم تكن هناك مواد إذابة في ذلك الوقت يمكن استخدامها لتجنب مزيد من التدمير للمومياء، فتم كسر معظم أضلاع القفص الصدري لتوت عنخ آمون، وكذلك فصل الرأس تماماً عن الجسم لاستخلاص القناع الذهبي الذي كان يغطي رأس وصدر المومياء.


مقالات ذات صلة

مصر: متحف التحرير يعرض التابوت «الاستثنائي» بعد استعادته من أميركا

يوميات الشرق التابوت الأخضر من القطع الأثرية النادرة (المتحف المصري بالتحرير)

مصر: متحف التحرير يعرض التابوت «الاستثنائي» بعد استعادته من أميركا

أبرز المتحف المصري في التحرير (وسط القاهرة) التابوت الأخضر «الاستثنائي» الذي يعود إلى الكاهن «عنخ إن ماعت» لمصر، مؤكداً على القيمة الكبيرة لهذا التابوت.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

ضمن فعاليات متنوعة احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية معرضاً تراثياً لفنون الخط العربي، وتضمنت الفعاليات معرضاً فنياً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)

مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

تجددت الانتقادات والجدل في أوساط الآثاريين والمهتمين بالسياحة بمصر حول استخدام المواقع الآثارية في استضافة الفعاليات والاحتفالات الجماهيرية الصاخبة.

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق جدارية من عصر الملك تحتمس الثاني (المتحف المصري الكبير)

«مقبرة الملك تحتمس الثاني» بالأقصر ضمن أهم 10 اكتشافات أثرية لعام 2025

جاءت مقبرة الملك تحتمس الثاني ضمن قائمة أهم 10 اكتشافات أثرية على مستوى العالم لعام 2025، وفقاً لما أعلنته مجلة الآثار الأميركية «Archaeology».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق المعارض الأثرية المؤقتة بالخارج جذبت ملايين الزوار (وزارة السياحة والآثار)

العاصمة البريطانية تتأهب لاستقبال «رمسيس وذهب الفراعنة»

بدأت الاستعدادات في قاعة «Neon Battersea Power Station» بلندن، لاستقبال المعرض الأثري المصري المؤقت «رمسيس وذهب الفراعنة» المقرر افتتاحه في 28 فبراير المقبل.

محمد الكفراوي (القاهرة )

عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
TT

عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)

بعد مرور 20 عاماً على عرضها الأول، يعود الأخوان فريد وماهر صبّاغ إلى الخشبة بمسرحية «أنا وغيفارا» في صياغة جديدة. وقد افتُتح عرضها على «مسرح جورج الخامس - أدونيس»، ويشارك في بطولتها «الأخوان صبّاغ» إلى جانب نادين الراسي، وكارين رميا، وأنطوانيت عقيقي، وريمون صليبا، وجوزيف أصاف، ورفيق فخري، وألان العيلي.

«أنا وغيفارا» تُقدَّم بأسلوب إخراجي ممتع (الشرق الأوسط)

يتناول العمل الثورة التي قادها كل من فيدل كاسترو وتشي غيفارا لتحرير كوبا، ومن خلالها تحوَّل الرجلان إلى رمزَين عالميين ثوريين.

يطغى المشهد العسكري على مجريات المسرحية منذ اللحظة الأولى، سواء أكان من خلال مشاهد الثوار أم الجيش الكوبي. غير أن حدّة هذه الأجواء يخففها الحضور الذكي للأغنيات والموسيقى؛ إذ أحسن «الأخوان صبّاغ» توظيف هذين العنصرين بدقة. فاختصرت الأغنيات حوارات كاملة بين الشخصيات، وعبّرت بالتالي عن مشاعر الفرح والحزن، وعن إرادة الشعب وأهداف الثورة، وصولاً إلى مواقف مفصلية تستدعي الشجاعة والإقدام.

وبين النغمات الشرقية والغربية، قدّم «الأخوان صبّاغ» خلطة موسيقية جميلة وممتعة، طافت بالجمهور في رحلة ببلاد الأرز والفلكلور اللبناني الأصيل، وصولاً إلى الكاريبي وعبق الثورة الكوبية. وقد تفاعل الحضور بشكل لافت مع عدد من الأغنيات، لا سيما تلك التي أدّت فيها كارين رميا أغنية «تشي غيفارا» الشهيرة، وبرع فريد صبّاغ مع مجموعة الكورال في أداء «نشيد الثورة».

تجلّت مهارة الأخوين صبّاغ الإخراجية طيلة العرض، الذي استغرق نحو ساعتين، إذ جاء المشهد البصري جذاباً ومدروساً، وواكبه أسلوب سمعي غني بالمؤثرات الصوتية أضفى عليه زخماً مكثفاً. كما أجادا تقديم شخصيات العمل، مانحين كلاً منها المساحة الكافية لتترك بصمتها ضمن أداء احترافي.

نادين الراسي تلعب أكثر من شخصية في المسرحية (الشرق الأوسط)

من ناحية ثانية، تطلّ الممثلة نادين الراسي في المسرحية لتلعب أكثر من شخصية. وتحت اسم «إيفا»، وهي شخصية خيالية بخلاف عدد من الشخصيات المستندة إلى الواقع، تعود الراسي إلى خشبة المسرح بعد غياب.

وقد توجّهت جميع الأنظار إلى نادين الراسي، لا سيما مع تراجع إطلالاتها الدرامية في الفترة الأخيرة. ومن خلال الشخصيات التي تقدّمها في «أنا وغيفارا»، تنقّلت بين أدوار متناقضة، جمعت بين الخير والشر... فهي «إيفا» التي ترمز إلى القوى الكبرى وآليات تدخّلها في مصائر بلدان متعددة، كما تؤدي شخصية «تانيا» الثائرة؛ حبيبة غيفارا. ولم يتوانَ «الأخوان صبّاغ» عن منحها مساحة لأداء روحاني، أقامت عبرها جسراً رمزياً للتواصل بين السماء والأرض.

الثنائي أنطوانيت عقيقي وريمون صليبا في مشهد من المسرحية (الشرق الأوسط)

أما الثنائي أنطوانيت عقيقي وريمون صليبا، فقد استحضرا الكوميديا الخفيفة إلى العمل، وهما يستندان إلى خبرتهما الطويلة في هذا المجال، فنجحا في رسم الضحكات على وجوه الحضور بخفّة وطرافة، وشكّلا معاً «استراحة المحارب» التي يحتاجها المتفرّج وسط زحمة العسكر وضغوطات الثورة.

وعلى الرغم من حدّة الأحداث التي تتألّف منها قصة العمل، فإن «الأخوان صبّاغ» اختارا الابتعاد كلياً عن مشاهد العنف. فحتى في المعارك الدائرة بين رجال الثورة وجيش الدولة الكوبية، وكذلك في مشهد القبض على تشي غيفارا، غُيّب أي أثر للعنف الجسدي، فسار المخرج بين السطور بدقّة، تاركاً لخيال المشاهد مهمّة الاستنتاج واستخلاص العِبر.

نجح «الأخوان صبّاغ» في مقاربة سيرتَي رجلَي الثورة؛ كاسترو وغيفارا، بعيداً عن أي انحياز سياسي، وقدّماهما في إطار إنساني عزّز قيم السماحة والغفران. كما شكّل العمل رهاناً واضحاً على استمرارية المسرح الغنائي الغائب بشكل ملحوظ عن الساحة الفنية في السنوات الأخيرة، فأعادا حبك القصة بروح عصرية، مستخدمَين أدوات وعناصر فنية افتقدها الجمهور اللبناني طويلاً على الخشبة.


«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
TT

«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)
العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)

استعاد العرض المسرحي «متحف باكثير» جانباً من روائع الأديب اليمني المصري علي أحمد باكثير في القاهرة، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ115 لميلاده.

العرض الذي أُقيم على خشبة المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية، مساء الاثنين، كان ضِمن فعالية ثقافية وفنية عكست حضور اسمه المتجدد في الوجدان العربي، نظّمتها مؤسسة «حضرموت للثقافة» السعودية، بالشراكة مع «ضي للثقافة والإعلام».

لم تقتصر الاحتفالية، التي نُظّمت تحت عنوان «علي أحمد باكثير... 115 عاماً من التأثير»، على استدعاء السيرة الإبداعية للأديب الكبير، بل سعت إلى تحويل إرثه الأدبي إلى فعل حي على خشبة المسرح بوصفه أحد الفضاءات الأساسية التي شكّلت مشروعه الإبداعي، من خلال العرض الذي استمر لنحو 80 دقيقة، حيث قُدِّم من دراماتورج وإخراج أحمد فؤاد، برؤية تقوم على فكرة المتحف بوصفه مساحة جامعة، تتجاور فيها العصور والشخصيات والأفكار، وتتحول فيها النصوص الأدبية إلى لوحات حية نابضة بالحركة والصوت.

المخرج أحمد فؤاد قدّم العرض بصورة بصرية جذابة (الشركة المنتجة)

اعتمد العرض على استلهام عدد كبير من أعمال علي أحمد باكثير، التي تحولت عبر العقود إلى نصوص مسرحية وسينمائية مؤثرة، من بينها «وا إسلاماه» و«الشيماء»، إلى جانب مسرحيات مثل «جلفدان هانم» و«قطط وفئران» و«الحاكم بأمر الله»، وغيرها من الأعمال التي كشفت عن انشغاله الدائم بالتاريخ والهوية والإنسان.

ومن خلال هذا التنوع، تنقّلَ العرض بين العصور الفرعونية والإسلامية والحديثة، مستحضراً شخصيات تاريخية وأسطورية ومتخيلة، في معالجة درامية سعت إلى إبراز الأسئلة الكبرى التي شغلت الكاتب؛ من الحرية والعدل، إلى الصراع بين السلطة والضمير، وعبر فتاة شابة من جيل «زد» تدخل متحفاً يضم عدداً من الشخصيات التي قدّمها.

يقول أحمد فؤاد، مؤلف العرض ومُخرجه، لـ«الشرق الأوسط»، إن عرض «متحف باكثير» جاء انطلاقاً من إيمان عميق بأهمية إعادة تقديم أعمال علي أحمد باكثير بصيغة مسرحية معاصرة تتيح للجمهور، اليوم، الاقتراب من عالمه الفكري والإنساني دون حواجز زمنية، مشيراً إلى أن اختيار فكرة المتحف كان المدخل الأنسب للتعامل مع هذا الإرث المتنوع؛ نظراً لما تزخر به أعمال باكثير من شخصيات تنتمي إلى عصور وخلفيات مختلفة، من مصر القديمة، مروراً بالتاريخ الإسلامي، وصولاً إلى الشخصيات المتخيَّلة والمعاصرة.

وأضاف أن «العرض صُمِّم على هيئة قاعات متحفية متجاورة، ينتقل بينها المتفرج، بحيث تقوده الأحداث في مسار درامي واحد، تتقاطع داخله الشخصيات والأفكار، في محاولةٍ للكشف عن الخيط الإنساني المشترك الذي يربط هذه العوالم المتباعدة ظاهرياً».

العرض قُدّم على مدار 80 دقيقة على خشبة المسرح الكبير بالأوبرا (الشركة المنتجة)

وأوضح فؤاد أنه اعتمد في بناء العرض على دراسة وقراءة عدد كبير من نصوص باكثير، قبل الاستقرار على اختيار 12 نصاً مسرحياً كُثِّفت وأُعيدت صياغتها داخل بنية واحدة. وعَدّ «التحدي الأكبر تمثل في ضغط الزمن، ومحاولة تجميع هذا الكم من الأعمال في إطار جذاب بصرياً ودرامياً، دون الإخلال بالفكرة الأساسية لكل نص؛ لأن الهدف كان تقديم عرض نوعي، قريب من المتفرج، يُعيد طرح سؤال عن باكثير وقدرته المتجددة على مخاطبة الحاضر».

ووفق الناقد الفني المصري، محمد عبد الرحمن، فإن عنوان عرض «متحف باكثير» قد يوحي، منذ الوهلة الأولى، بطابع وثائقي تقليدي، إلا أن التجربة المسرحية جاءت مغايرة تماماً لهذا الانطباع، وقال، لـ«الشرق الأوسط»: «استطاعت التجربة أن تحصد إعجاب الجمهور بفضل طبيعتها المختلفة واعتمادها الواضح على الحركة فوق خشبة المسرح، كما أن تعدد الشخصيات وتنوعها، والتنقل بينها بسلاسة، منح العرض حيوية خاصة، وخلق حالة من التفاعل المستمر مع المتلقي، بعيداً عن الجمود أو السرد المباشر».

العرض نال إشادات من الحضور (الشركة المنتجة)

وأضاف عبد الرحمن أن «عناصر العرض الفنية جاءت متوازنة، إذ اتسم الحوار بالجاذبية والقدرة على الإمتاع دون إسهاب أو خطابية، مدعوماً بمتعة بصرية واضحة على مستوى الحركة والتشكيل المسرحي»، لافتاً إلى أن الموسيقى لعبت دوراً أساسياً في تكوين المناخ العام للعمل؛ لاعتمادها على إرث أعمال باكثير.

وخلال الاحتفالية أُعلن إطلاق جائزة سنوية تحمل اسم علي أحمد باكثير، تبلغ قيمتها 10 آلاف دولار أميركي، وتُمنح في مجالات عدّة تعكس تنوع تجربته الإبداعية، من بينها الشعر، والكتابة المسرحية، والرواية، والترجمة الأدبية، والنقد الأدبي، في خطوة تستهدف دعم الإبداع العربي وتشجيع الأصوات الجديدة، بجانب تكريم أسماء عدد من الفنانين الذين ارتبطت أعمالهم به، منهم أحمد مظهر، ولبنى عبد العزيز، وسميرة أحمد، وحسين رياض.


مطاعم أميركية تقدم وجبات أصغر لإرضاء مستخدمي علاجات إنقاص الوزن

لينا أكسماشر في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)
لينا أكسماشر في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)
TT

مطاعم أميركية تقدم وجبات أصغر لإرضاء مستخدمي علاجات إنقاص الوزن

لينا أكسماشر في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)
لينا أكسماشر في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)

لطالما كانت لينا أكسماشر من كبار مرتادي المطاعم في نيويورك إلى أن بدأت تتناول دواء «أوزمبيك» لإنقاص الوزن فلم يعد في وسعها تناول ما لذّ وطاب، غير أنها وجدت حلّاً لهذه المعضلة في مطاعم تقدّم وجبات أصغر تلبية لحاجات هذه الفئة من الزبائن.

وما زالت لينا السويدية الأصل والبالغة من العمر 41 عاماً تصرّ على «مخالطة الناس» وارتياد المطاعم، حتّى لو أنها لم تعد تأكل كالسابق.

وقد سهّل عليها أحد مطاعمها المفضّلة «لو بوتي فيلاج» (القرية الصغيرة) الأمر، وبات كمطاعم كثيرة غيره يقدّم وجبات بكمّيات أصغر وأسعار أقل.

ويعزى هذا القرار إلى الإقبال الكثيف الذي تشهده في الولايات المتحدة أدوية إنقاص الوزن الحديثة التطوير المستخدمة لمعالجة البدانة والسكّري.

وبحسب استطلاع أجراه مركز الأبحاث «كاي إف إف» المتخصّص في مسائل الصحة في نوفمبر (تشرين الثاني)، يلجأ أميركي واحد من كلّ ثمانية إلى هذه العلاجات المسوّقة تجارياً تحت أسماء «أوزمبيك» أو «ويغوفي» أو «مونجارو» والتي أوصت «منظمة الصحة العالمية» أخيراً بها.

والاثنين، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (إف دي إيه) على نسخة أولى بالأقراص من «ويغوفي» الذي يوفّر عادة كغيره من هذه العلاجات على شكل محلول قابل للحقن.

وبفضل هذه التقنية المتطوّرة التي تقوم على محاكاة عمل الهرمون الهضمي «جي إل بي-1» الضابط للشهيّة، فُتحت سوق لتلبية حاجات ملايين الأشخاص الراغبين في خسارة الوزن.

وقال أريستوتل هاتسييوريو الذي يملك خمسة مطاعم في نيويورك: «لاحظت أن الناس باتوا يأكلون كمّيات أصغر بكثير»، مخلّفين الكثير من الطعام في أطباقهم.

تقليص حجم الوجبات

وفي ظلّ هذه التغيّرات، بادر رجل الأعمال إلى تقليص حجم الوجبات مع كمّيات أصغر وعدد أقلّ من المأكولات والمشروبات.

وشهدت قوائم الأطعمة المقلّصة هذه نجاحاً كبيراً، بحسب هاتسييوريو، في أوساط مستخدمي علاجات إنقاص الوزن وأيضا الزبائن الراغبين في عدم دفع مبالغ كبيرة لتناول وجبات في المطاعم في مدينة معروفة بغلاء المعيشة الفاحش.

أطباق طعام في مطعم «لو بوتي فيلاج» (أ.ف.ب)

وما زال تناول «أوزمبيك» وغيره من العلاجات المخفّضة للوزن محدود النطاق في الولايات المتحدة بسبب الأسعار المرتفعة لهذه العقاقير. غير أنه من المتوقع أن تصبح هذه العلاجات ميسورة الكلفة على نحو متزايد، وقد تعهّد الرئيس دونالد ترمب شخصياً بذلك.

ويُحدث الاستخدام المتزايد لهذه العلاجات تحوّلاً في العادات الغذائية في البلاد، بحسب ماريون نستله اختصاصية علم التغذية في جامعة نيويورك التي قالت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «عندما يصبح الطعام الذي لطالما كان من أكبر ملذّات الحياة عدوّاً، تتغيّر المعادلة برمّتها».

«معجزات»

صحيح أن هذه العلاجات غالباً ما تترافق مع آثار جانبية، غير أنها أحدثت «معجزات» للبعض، بحسب نستله.

غير أن الأستاذة الجامعية حذّرت من أن الآثار بعيدة المدى لهذه المنتجات ليست معروفة بعد، سواء على الصعيد الجسدي أو الاجتماعي، إذ يشكّل الاستخدام الواسع النطاق لهذه العلاجات «تجربة بشرية كبيرة».

وأقرّت لينا أكسماشر بأنها تتوقّف أحيانا عن تناول «أوزمبيك» كي «تستمتع أكثر بالحياة». وقالت: «أريد أن أشعر بالجوع وأتناول ما يحلو لي».

وقد ساعدها تناول «أوزمبيك» على اكتساب عادات حميدة، مثل ممارسة الرياضة بوتيرة أكبر واستهلاك الكحول بكميّة أقلّ.

واعتبرت ماريون نستله أنه لا ضير في تقديم وجبات أصغر في الولايات المتحدة، بغضّ النظر عن العلاجات الرائجة لخفض الوزن.

وأكّد أريستوتل هاتسييوريو أن هذه الوجبات المقلّصة «قد تكون الأنسب حجماً» للزبائن.