لبنان يطلق مسار الاستجابة «التقنية» لطلبات «الخزانة» الأميركية

تلافياً للعقوبات وسعياً للخروج من «رمادية» غسل الأموال

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال لقائه وفداً من وزارة الخزانة الأميركية بالقصر الجمهوري في بعبدا (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال لقائه وفداً من وزارة الخزانة الأميركية بالقصر الجمهوري في بعبدا (أ.ف.ب)
TT

لبنان يطلق مسار الاستجابة «التقنية» لطلبات «الخزانة» الأميركية

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال لقائه وفداً من وزارة الخزانة الأميركية بالقصر الجمهوري في بعبدا (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال لقائه وفداً من وزارة الخزانة الأميركية بالقصر الجمهوري في بعبدا (أ.ف.ب)

دشّن لبنان سريعاً، مسار الاستجابة القانونية والإجرائية للطلبات الأميركية «الجادة للغاية» الرامية إلى مكافحة تمويل «الإرهاب»، بعدما تبلّغتها السلطات السياسية والنقدية مقترنة بتحذيرات من عقوبات، من وفد وزارة الخزانة الأميركية الذي زار بيروت أوائل الأسبوع الحالي، التي تستهدف «علانية» تجفيف قنوات تمويل «حزب الله»، والجمعيات المرتبطة به، ضمن مهل زمنية محددة.

واتخذ مصرف لبنان المركزي، الجمعة، «الخطوة الأولى ضمن سلسلة من الإجراءات الاحترازية الهادفة إلى تعزيز بيئة الامتثال داخل القطاع المالي»، وسط ترقّب وتكهّنات متباينة في الأوساط الداخلية لمنحى الخطوات الحكومية والوزارية في النطاق عينه، التي تتعدّى حكماً البعد التقني البحت، لتلامس المضمون السياسي في إدارة قضية معقّدة من الملف الشائك أساساً، والمتعلق بحصرية «السلاح».

وتضمنّت مبادرة السلطة النقدية الجديدة، «فرض الإجراءات الوقائية على جميع المؤسسات المالية غير المصرفية المرخّصة من قبل مصرف لبنان، بما في ذلك شركات تحويل الأموال، وشركات الصرافة، وغيرها من الجهات التي تقوم بعمليات التداول بالأموال النقدية من العملات الأجنبية وتحويلها من لبنان وإليه».

سدّ الثغرات المالية لـ«حزب الله»

وتتطابق هذه الانطلاقة مع معلومات عرضتها «الشرق الأوسط»، واستقتها من مضمون الاجتماعات التي عقدها الوفد المالي الأميركي على المستويات الرئاسية والوزارية والنيابية وحاكمية البنك المركزي، والتي شدّدت على وجوب اتخاذ إجراءات صارمة لسد الثغرات التي تتيح تسلّل التمويل لصالح منظمة «حزب الله» ومؤسساته، وكبح الوسائل غير الخاضعة للرقابة التي يستفيد منها، بما فيها شركات صرافة وتحويل أموال وعمليات اتجار مشبوهة «كثير منها يتم نقداً والكثير عبر الذهب، وبعضها عبر عملات مشفرة»، حسب توصيفات الوفد.

وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية جون هيرلي يتحدث للصحافيين خلال لقاء محدود في السفارة الأميركية ببيروت (أ.ب)

وعلم أن الخطوات التالية للسلطة النقدية، ستركز على تنشيط المدفوعات في قطاعات التجزئة بالوسائل الإلكترونية؛ سواء عبر البطاقات أو الهواتف الذكية والتحويلات الداخلية والخارجية (أونلاين) المربوطة بشبكات تقنية موثوقة لدى المصارف، والتي تخضع أساساً لمقتضيات معرفة العميل (KWC)، مما يسهم في ضبط الانفلاش النقدي عبر التحكم بضخ السيولة من الدولار، وبما يشمل جزءاً من المبالغ النقدية التي يضخها البنك المركزي شهرياً لسداد مخصصات القطاع العام ومشاركة البنوك في إيفاء الحصص الخاصة بالمودعين، تطبيقاً للتعاميم.

بُعد سياسي داخلي

وبدا واضحاً في الأسباب الموجبة للخطوة، وفق مصادر مالية مواكبة، الحرص على تجنّب البعد السياسي الداخلي، والحؤول دون إثارة الطرف السياسي المعني، عبر ربطها حصراً بالجهود لإخراج لبنان من اللائحة «الرمادية» لمجموعة العمل المالي الدولية (فاتف)، والتنويه بأن «إدراج أي دولة على هذه اللائحة يعد مؤشراً على وجود ثغرات في مكافحة المعاملات المالية غير المشروعة، مما يؤدي إلى تشديد التدقيق والرقابة الدولية وانخفاض مستوى الثقة من قبل المؤسسات المالية العالمية».

وفي توضيح إضافي يستجيب، بشكل غير مباشر، لطلب وفد الخزانة الأميركية بالتشدّد في كبح تسرب الأموال النقدية خارج القنوات التقليدية في المصارف، ورد في تبريرات البنك المركزي أن إجراءات الحماية التي تم تعميمها، تهدف إلى «منع انتقال الأموال غير المشروعة أو المكتسبة بطرق غير قانونية عبر هذه المؤسسات، من خلال فرض متطلبات امتثال أكثر تشدداً، وإجراءات عناية معزَّزة على جميع الأشخاص المعنويين والطبيعيين المشاركين في العمليات النقدية، بما في ذلك المستفيدون النهائيون».

إجراءات احترازية إضافية

وبالمثل، ستكون هناك خطوات لاحقة لفرض إجراءات احترازية إضافية على المصارف التجارية، وفق إفصاح البنك المركزي، بما يؤدي إلى «إقامة طبقات متعددة من الضوابط ونقاط التدقيق الرامية إلى الكشف عن الأموال غير المشروعة، واحتوائها ومنع تداولها عبر النظام المصرفي وشبكة القطاع المالي».

وزير العدل اللبناني عادل نصار يستقبل وفد وزارة الخزانة الأميركية في بيروت (الوزارة)

كما ستقوم لجنة الرقابة على المصارف بمراقبة تطبيق هذه الإجراءات ومدى الالتزام بها من جميع المصارف والمؤسسات المالية غير المصرفية المعنية، وباتخاذ الإجراءات التصحيحية المناسبة عند الاقتضاء.

وبموجب القرار الأساسي المرفق بتعميم البنك المركزي رقم 3، والموجه تحديداً إلى المؤسسات المالية غير المصرفية، فقد أصبحت ملزمة بجمع المعلومات والبيانات التفصيلية، المتعلقة بعملائها وعملياتها لكل عملية تبلغ ألف دولار أميركي وما فوق، والعمل على تحديث بيانات «اعرف عميلك» وفق نماذج مرفقة، وبما يشمل الأشخاص الطبيعيين والشخصيات المعنوية وأصحاب الحق الاقتصادي.

وفرض التعميم على المؤسسات إرسال البيانات المطلوبة إلى البنك المركزي، وبشكل مشفّر خلال مهلة لا تتجاوز يومي عمل من تاريخ تنفيذ العملية، عبر البريد الإلكتروني المخصّص لجمع المعلومات. كما حدّد مهلاً لتطبيق الإجراءات الجديدة؛ أبرزها اعتماد النماذج الخاصة بالعمليات النقدية والعملاء الجدد بحلول بداية الشهر المقبل، على أن يجري إنهاء إجراءات العملاء الحاليين خلال 6 أشهر من تاريخ صدور القرار.

وأشار «المركزي» إلى أن مخالفة هذه الأحكام تعرّض المؤسسات للعقوبات المنصوص عليها في المادة 208 من قانون النقد والتسليف، والتي تتدرج من التنبيه إلى الشطب وسحب الترخيص، فضلاً عن الغرامات والعقوبات الجزائية التي يتعرض لها المخالف.


مقالات ذات صلة

مصدر: الصواريخ المضبوطة داخل البوكمال كانت ستهرب إلى «حزب الله» في لبنان

المشرق العربي ضبط صواريخ من نوع «سام 7» معدة للتهريب خارج البلاد في البوكمال شرق سوريا (سانا)

مصدر: الصواريخ المضبوطة داخل البوكمال كانت ستهرب إلى «حزب الله» في لبنان

رجحت مصادر أن تكون الجهة التي كان من المفترض تهريب دفعة صواريخ «سام 7» إليها عبر الأراضي السورية هي «حزب الله» بلبنان، الذي كان يقاتل أيضاً إلى جانب نظام الأسد.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي الحكومة اللبنانية ملتئمة برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

لبنان: سلام يدافع عن «استرداد الودائع» رغم الاعتراضات الواسعة

دافع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام عن مشروع قانون استرداد الودائع المصرفية المجمدة منذ عام 2019، واصفاً إياه بـ«الواقعي» و«القابل للتنفيذ».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مودعون يرفعون لافتات اعتراضية على مشروع قانون استعادة الودائع خلال تحركات شعبية على طريق القصر الجمهورية (الشرق الأوسط)

انطلاقة «غير آمنة» لمشروع قانون الفجوة المالية في لبنان

كشف توسّع موجة الاعتراضات على مشروع قانون «الفجوة» المالية، حجم العقبات التي تعترض الوصول إلى محطة تشريع القانون في البرلمان.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)

إيطاليا تطلب رسمياً من لبنان إبقاء قواتها في الجنوب بعد انسحاب «اليونيفيل»

طلبت إيطاليا رسمياً من لبنان، إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب الليطاني بجنوب البلاد بعد انسحاب «اليونيفيل» منها، وهو مطلب رحب به لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي من اعتصام سابق لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية - الشرق الأوسط)

صمت مالك سفينة «النيترات» يراكم تعقيدات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت

لم تحقق مهمة المحقّق العدلي في ملفّ انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار غايتها في العاصمة البلغارية صوفيا، إذ لم يتمكن من استجواب مالك الباخرة روسوس.

يوسف دياب (بيروت)

لبنان: انطلاقة «غير آمنة» لمشروع «استعادة الودائع»

مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
TT

لبنان: انطلاقة «غير آمنة» لمشروع «استعادة الودائع»

مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)

عكستِ الاعتراضات على مشروع قانون استعادة الودائع المجمدة منذ عام 2019 في لبنان، انطلاقةً غير آمنةٍ له، إذ بدأتِ الحكومة بمناقشة المسودة، بالتزامن مع اعتراضات سياسية من قوى ممثلة بالحكومة وخارجها، وانتقادات عميقة من قبل «جمعية المصارف»، فضلاً عن تحركات شعبية نُظمت بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء.

وأكد الرئيس اللبناني جوزيف عون أنّه لا يقف مع أي طرف ضدّ آخر، وأنّ النقاش يجب أن يتم تحت قبة البرلمان، فيما دافع رئيس الحكومة نواف سلام عن المسودة، وشدّد على أنَّ مشروع قانون الفجوة المالية واقعي وقابل للتنفيذ، مؤكداً أنَّ أي تأخير في إقراره قد يضر بثقة المواطنين والمجتمع الدولي.

وبرزتِ اعتراضات قانونية على إدراج مواد ذات «مفعول رجعي» لضرائب واقتطاعات وتعديلات في القيم الدفترية للمدخرات المحوّلة بعد عام 2019، والعوائد المحصّلة على الودائع في سنوات سابقة.


مواجهات في حلب توقع قتلى وجرحى

نقل المصابين إلى مشفى الرازي  جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
نقل المصابين إلى مشفى الرازي جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
TT

مواجهات في حلب توقع قتلى وجرحى

نقل المصابين إلى مشفى الرازي  جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
نقل المصابين إلى مشفى الرازي جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)

قتل شخصان وأصيب 6 مدنيين بينهم امرأة وطفل بجروح جراء اشتباكات اندلعت في مدينة حلب شمال سوريا بين القوات الحكومية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تزامنت مع زيارة وفد تركي إلى دمشق، في وقت توشك مهلة تنفيذ بنود اتفاق 10 مارس (آذار) بين «قسد» والسلطات على الانتهاء.

وفي حين تبادل الطرفان الاتهامات بالتسبّب في اندلاع الاشتباكات، أفادت مصادر في واشنطن لـ«الشرق الأوسط»، بأن المبعوث الأميركي توم برّاك وقائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر، يجريان اتصالات لتهدئة الاشتباكات لمنع تصعيد يستفيد منه «داعش»، وقوى إقليمية معادية.

واتهمت أنقرة ودمشق «قسد» بالمماطلة في تنفيذ الاتفاقية الموقعة في 10 مارس الماضي، وأكدتا رفض أي محاولات للمساس بوحدة سوريا واستقرارها.

جاء ذلك في مؤتمر صحافي بدمشق ‌بعد محادثات بين وفد تركي رفيع المستوى ‌والرئيس السوري ​أحمد الشرع ‌ووزير الخارجية أسعد الشيباني وآخرين، وقال الشيباني إن دمشق لم تلمس «أي مبادرة أو إرادة جادة» من «قسد» لتنفيذ الاتفاق، لكنها اقترحت في الآونة الأخيرة عليهم طريقة أخرى لدفع العملية قدماً.


ائتلاف السوداني يطرح مبادرة لحسم رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
TT

ائتلاف السوداني يطرح مبادرة لحسم رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

يعتزم ائتلاف «الإعمار والتنمية»، الذي يترأسه محمد شياع السوداني، رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية، طرحَ «مبادرة سياسية شاملة» لحسم منصب رئاسة الوزراء.

وذكر إعلام «تيار الفراتين»، الذي يتزعمه السوداني، في بيان، أمس، أنَّ ائتلاف «الإعمار» يعمل على «بلورة مبادرة سياسية متكاملة» تهدف إلى كسر حالة الانسداد السياسي، مشيراً إلى أنَّ تفاصيلها ستُطرح أمام قوى «الإطار التنسيقي» في اجتماعه المرتقب.

إلى ذلك، قال العضو في ائتلاف «الإعمار والتنمية» قصي محبوبة لـ«الشرق الأوسط» إنَّ «المبادرة ستكون عبارة عن شروط الائتلاف لاختيار رئيس الوزراء»، دون ذكر تفاصيل.

من ناحية ثانية، رحب مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى العراق، في تدوينة عبر منصة «إكس» بإعلان بعض الفصائل المسلحة استعدادها لبحث نزع سلاحها، لكنَّه شدّد على «أن يكون نزع السلاح شاملاً، وغير قابل للتراجع».