رحيل عبد الرؤوف الكسم رئيس «حكومات التقشف» السورية في الثمانينات

خدم نظام حافظ الأسد ولم ينصفه أحد في عهدي الأب والابن

عبد الرؤوف الكسم مع حافظ الأسد عندما كان رئيساً للوزراء في ثمانينات القرن الماضي (أرشيفية - موقع التاريخ السوري)
عبد الرؤوف الكسم مع حافظ الأسد عندما كان رئيساً للوزراء في ثمانينات القرن الماضي (أرشيفية - موقع التاريخ السوري)
TT

رحيل عبد الرؤوف الكسم رئيس «حكومات التقشف» السورية في الثمانينات

عبد الرؤوف الكسم مع حافظ الأسد عندما كان رئيساً للوزراء في ثمانينات القرن الماضي (أرشيفية - موقع التاريخ السوري)
عبد الرؤوف الكسم مع حافظ الأسد عندما كان رئيساً للوزراء في ثمانينات القرن الماضي (أرشيفية - موقع التاريخ السوري)

فتح نبأ وفاة رئيس الوزراء السوري الأسبق عبد الرؤوف الكسم أبواب الذاكرة السورية على واحدة من أحلك المراحل التي عاشتها سوريا في تاريخها المعاصر، على مستويات عدة معيشية اقتصادية وسياسية أمنية، إذ اقترن اسم الكسم الذي تسلم رئاسة الوزراء لثلاث مرات من عام 1980 إلى 1987، بسياسة التقشف والاكتفاء الذاتي في مواجهة التداعيات الخطيرة لقرار الرئيس حافظ الأسد الوقوف إلى جانب إيران في حربها مع العراق، وذلك بالتزامن مع إعلان نظام «البعث» حملة للقضاء على «جماعة الإخوان المسلمين» والمعارضين لنظام «البعث».

عبد الرؤوف الكسم رئيس الوزراء السوري الأسبق (ويكيبيديا)

عن عمر ناهز 93 عاماً، رحل واحدٌ من أبرز رموز نظام حافظ الأسد في مدينة ميونيخ بألمانيا، ليل الأحد الاثنين، الذي لعب دوراً رئيسياً في إدارة الاقتصاد السوري في مرحلة عصيبة على الصعيدين المحلي والإقليمي، عندما اتخذ حافظ الأسد قراره الخطير بالوقوف إلى جانب إيران في حربها ضد العراق، عام 1980، الذي أدى إلى قطع المساعدات المالية الخليجية.

ومع المخاوف من بدء أزمة اقتصادية، تم تكليف الدمشقي عبد الرؤوف الكسم، ابن مفتي الديار الشامية (1918 - 1938) الشيخ عطاء الله الكسم، بتشكيل وزارة جديدة خلفاً لحكومة محمد علي الحلبي، مهمتها احتواء الأزمات الطارئة.

يذكر السوريون أن الكسم الذي كان محسوباً على شقيق الرئيس وقائد «سرايا الدفاع» رفعت الأسد، اتبع سياسة تصريف منتجات المؤسسات العامة المكدسة في المخازن بسبب ضعف الجودة والفساد، مع رفع أسعار السلع بنسب 100 في المائة وبعض المواد وصلت إلى أكثر من 400 في المائة، مثل مواد البناء، وذلك مقابل زيادة الرواتب بنسبة 25 في المائة فقط.

طوابير أمام المخابز في ثمانينات القرن الماضي (سوريا الماضي «فيسبوك»)

وجاءت تلك القرارات مترافقةً مع وقف استيراد الكثير من المواد والسلع الغذائية والاستهلاكية، التي فقدت من الأسواق، منها الفواكه والخضار والصمون والزيوت والمناديل الورقية، والشاي والسكر.. إلخ من مواد تم احتكار بيعها في منافذ المؤسسات الاستهلاكية الحكومية.

وراح السوريون يمضون الساعات الطويلة وقوفاً في الطوابير للحصول على حبة ليمون أو طماطم، والميسورون يحصلون على الموز والمناديل الورقية من أسواق التهريب بأسعار باهظة، وفق ما رواه المهندس بلال الحلبي (60 عاماً) من ذكرياته لـ«الشرق الأوسط». يقول الحلبي إن السوريين في تلك الفترة كانوا يتداولون نكات عن سياسة الكسم التي «نشفت كل شيء في البلد» لتحقيق هدف «الاكتفاء الذاتي». إلا أن نزار قصرين (73) الموظف المتقاعد والبعثي السابق يرجح أن أجهزة مخابرات نظام الأسد كانت تطلق تلك النكات السياسية ويتداولها الناس همساً خشية الاعتقال.

وحسب قصرين، كانت النكات لعبة أمنية شائعة تهدف إلى تحميل رئيس الوزراء المسؤولية كاملة عن القرارات المجحفة، التي تنطوي على فساد وأيضاً على التردي المعيشي، يضيف: «الكسم كانت مهمته منع الاقتصاد من الانهيار كأحد تداعيات قطع المساعدات وغرق نظام الأسد في وحول الحرب اللبنانية آنذاك، والانخراط في القضاء على جماعة (الإخوان المسلمين) والمعارضين، وارتكاب سلسلة مجازر مروعة في حماة وحلب وجسر الشغور وبانياس، وغيرها». ورغم ذلك تم تحميل المسؤولية كاملة لعبد الرؤوف الكسم، حتى أن وزير الدفاع مصطفى طلاس قال إنه «وجهه شؤوم على الاقتصاد السوري».

عبد الرؤوف الكسم مع اللجنة الدولية لحماية دمشق القديمة (أرشيفية - موقع التاريخ السوري)

يضيف قصرين: «من الغريب أن أحداً في النظام لم ينصف هذا الرجل رغم ما قدمه من خدمات»، مشيراً إلى ما يقال عن أن اختيار الكسم لرئاسة الحكومة في تلك الفترة كان بتزكية من رفعت الأسد، وللتغطية على فساده. ولكن على الأرجح اختيار حافظ الأسد للكسم استند إلى أنه ابن مفتي الديار الشامية، حيث دأب الأسد الأب على تزيين واجهة حكمه بشخصيات دمشقية سليلة عائلات مرموقة ليدعم موقفه في مواجهة الإسلاميين وجماعة «الإخوان المسلمين»، حسب قصرين.

مجموعة من المعماريين بينهم عبد الرؤوف الكسم في منتصف الصورة بمبنى مقر نقابة المهندسين (من صفحة المعمار شارل كساب «فيسبوك»)

درس عبد الرؤوف الكسم، المولود عام 1932، الفلسفة في كلية الآداب بجامعة دمشق عام 1953، ثم الهندسة في جامعة إسطنبول، بعدها سافر إلى جنيف وحصل على شهادة الدكتوراه من كلية الهندسة المعمارية عام 1963، كما انتسب في وقت مبكر إلى صفوف «حزب البعث»، وكان من الشخصيات البعثية الدمشقية.

أسس مكتباً هندسياً عام 1965، ومن المشاريع التي عمل عليها كلية الفنون الجميلة في دمشق، بالتعاون مع المعماري الإيطالي أماثي كوكيا، بإشراف الفنان محمود حماد. كما عمل الكسم في التدريس بقسم العمارة بكلية الفنون الجميلة، وترأسه بين الأعوام 1964 - 1970، وينسب له قرار فصل كامل طلاب قسم الفنون الجميلة لامتناعهم عن حضور إحدى المحاضرات لأسباب احتجاجية.

ترأس الكسم في الأعوام 1970 و1977 قسم العمارة في كلية الهندسة المدنية عندما نقل القسم إلى الهندسة المدنية.

ثم عُيّن محافظاً لدمشق، ليشغل بعدها منصب رئيس مجلس الوزراء، حيث شكل ثلاث حكومات، وبعد إقالته من رئاسة الوزراء 1987، عين رئيساً لمكتب الأمن القومي لغاية عام 2000. بعدها توارى عن الأنظار، ولم يصدر عنه أي تعليق بعد اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد عام 2011، وظل ملتزماً الصمت طوال السنوات الماضية.

ومع إعلان نبأ رحيله، استيقظت ذاكرة الشح والتقشف بين السوريين، وشهدت مواقع التواصل عاصفة تعليقات استحضرت ذكرى واحدة من أحلك الفترات التي عانت منها البلاد.


مقالات ذات صلة

من منفاهما في روسيا... رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

المشرق العربي عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر في مقر الفرقة الرابعة بدمشق يناير الماضي (رويترز)

من منفاهما في روسيا... رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

كشف تحقيق عن أن اثنين كانا ذات يوم من أقرب رجال بشار الأسد وفرَّا من سوريا بعد سقوطه، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي سوريون ولبنانيون يحتفلون بسقوط النظام السوري في مدينة طرابلس شمال لبنان (أرشيفية - أ.ف.ب)

«المجلس الأعلى اللبناني - السوري»... إعلان وفاة متأخر

أبلغت دمشق نظيرتها بيروت، قرار تعليق عمل «المجلس الأعلى اللبناني - السوري» وحصر كل أنواع المراسلات بين البلدين بالطرق الرسميّة الدبلوماسيّة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي سوري ينظر لملصق دعائي للسوري الأميركي هنري حمرة أول يهودي يرشح نفسه لعضوية مجلس الشعب منذ عقود (أ.ف.ب)

مرشح يهودي لعضوية مجلس الشعب في سوريا لأول مرة منذ عقود

يخوض السوري الأميركي هنري حمرة، ابن آخر حاخام غادر سوريا في التسعينات، السباق إلى مجلس الشعب الذي تستعد السلطات السورية لتشكيله الأحد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص آثار الانفجار الذي أودى بحياة رينيه معوض عام 1989 (غيتي) play-circle 07:43

خاص إلياس عطاالله: ضغط جامع جامع على الزر فقتل الرئيس معوض

إلياس عطاالله يكشف خفايا خطف الدبلوماسيين السوفيات والإيرانيين، ويتحدث عن شراكة دمشق وطهران في الاغتيالات، وتحول «المقاومة» إلى «مهنة» بيد «حزب الله».

غسان شربل (بيروت)
خاص حافظ الأسد play-circle 03:28

خاص عطاالله: رفضنا تسليم الأسد ورقة المقاومة وكان العقاب رهيباً

إلياس عطاالله يروي كيف أسّس «المقاومة الوطنية» ونسّق هجمات أجبرت الجيش الإسرائيلي على الانسحاب، قبل أن تواجه حركته موجة اغتيالات بأمر الجنرال السوري غازي كنعان.

غسان شربل (بيروت)

مسؤول أممي يتوقع عودة مليون لاجئ إلى سوريا في عام 2026

قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

مسؤول أممي يتوقع عودة مليون لاجئ إلى سوريا في عام 2026

قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

توقّعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عودة نحو مليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال عام 2026، في ظل التعافي التدريجي الذي تشهده سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024.

وقال غونزالو فارغاس يوسا، ممثل المفوضية في سوريا، إن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري عادوا بالفعل إلى بلادهم منذ ديسمبر 2024، إضافة إلى نحو مليونَي شخص من النازحين داخلياً الذين عادوا إلى مناطقهم الأصلية.

وأوضح أن ذلك يعني أن أكثر من 3 ملايين سوري عادوا، خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، إلى مناطقهم في بلد أنهكته الحرب على المستويات الاقتصادية والبنيوية والخدمية.

تكدُّس السوريين أمام البوابات الحدودية في تركيا انتظاراً لعودتهم إلى بلادهم (أ.ب)

وقال المسؤول الأممي لوكالة «الأناضول»، إنه كان في سوريا قبل أشهر قليلة من سقوط النظام المخلوع، وشهد عن قرب مرحلة الانتقال السياسي في البلاد. وأشار إلى أن الخوف الذي كان يهيمن على المجتمع السوري «تراجع بسرعة، ليحلّ محله شعور واسع بالأمل».

وأضاف أنه توجّه مع فريقه يوم 9 ديسمبر 2024 إلى الحدود اللبنانية، حيث شاهد آلاف السوريين يعودون تلقائياً إلى بلادهم بعد أكثر من 14 عاماً من اللجوء القسري. ولفت إلى أن الكثير من العائدين السوريين عبّروا عن فرحتهم ببلوغ وطنهم عبر تقبيل الأرض فور وصولهم.

الحاجة للدعم الدولي

وفي ما يخص التوقعات المستقبلية، قال يوسا: «منذ 8 ديسمبر 2024، عاد لاجئون سوريون بشكل أساسي من تركيا ولبنان والأردن، وبنسب أقل من مصر والعراق».

وأضاف: «تشير تقديراتنا إلى أن عام 2026 قد يشهد عودة نحو مليون شخص إضافي، ما يعني أن أكثر من 4 ملايين سوري سيعودون خلال فترة عامين». وأشار إلى أن «هذا الحجم الكبير من العودة يتم في ظروف بالغة الصعوبة، ما يجعل الدعم المالي الدولي مسألة عاجلة وحاسمة لضمان الاستقرار ومنع تفاقم الأزمات الإنسانية».

السوريون في تركيا يواصلون عودتهم إلى بلادهم منذ سقوط نظام الأسد (أ.ب)

دور تركي فاعل

وأشاد يوسا بدور تركيا، موضحاً أنها استضافت أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين لسنوات طويلة، ولعبت في الوقت ذاته «دوراً إيجابياً» في دعم الحكومة السورية الجديدة عقب 8 ديسمبر 2024.

وأشار إلى أن ممثلين عن القطاع الخاص التركي بدأوا بزيارة سوريا لاستكشاف فرص الاستثمار. واعتبر المسؤول الأممي خطوة المستثمرين الأتراك «مؤشراً مهماً» على بدء مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار.

عودة بعد عزلة

وفي تقييمه للمرحلة الراهنة، اعتبر يوسا أن ما تشهده سوريا هو عملية انتقالية معقّدة ستستغرق وقتاً، في ظل الدمار الواسع الذي خلّفته الحرب على مدى 14 عاماً.

وقال: «بعد حرب طويلة، من الطبيعي أن تكون البلاد مدمرة اقتصادياً وبنيوياً، وهذا التعافي لن يكون فورياً. ومع ذلك، فإن الحكومة والشعب السوري يستحقون إشادة كبيرة لنجاحهم في إعادة ربط البلاد بالعالم خلال فترة قصيرة نسبياً».

وأشار إلى أن سوريا كانت معزولة عن الساحة الدولية لأكثر من 14 عاماً، قبل أن تعود خلال عام واحد فقط إلى إقامة علاقات مع عدد متزايد من الدول، وهو ما اعتبره «تطوراً بالغ الأهمية».

وأكد المسؤول الأممي أن رؤية أعداد كبيرة من السوريين يعودون إلى ديارهم «تمثّل مؤشراً إيجابياً، إلا أن تحسن الأوضاع الاقتصادية بشكل ملموس سيحتاج إلى وقت، ما يستدعي دعماً دولياً منسقاً ومستداماً».

محل صرافة وتحويل أموال في دمشق يوم 18 ديسمبر بعد أن أُلغيت عقوبات «قيصر» الصارمة التي فُرضت على سوريا في عهد الرئيس السابق بشار الأسد (رويترز)

مفتاح التعافي

وسلّط ممثل «المفوضية» الضوء على جملة من العوامل الضرورية لتسريع عملية التعافي في سوريا، وفي مقدمتها الرفع الكامل للعقوبات.

وأعرب عن أمله أن يفتح رفع العقوبات الباب أمام استثمارات واسعة من القطاع الخاص في خطوة ضرورية لمرحلة إعادة الإعمار والتنمية.

وأوضح أن «المفوضية» وشركاءها يقدّمون دعماً مباشراً للعائدين، خاصة في ما يتعلق بإعادة استخراج الوثائق الرسمية.

ولفت إلى أن أكثر من ربع العائدين يفتقرون إلى وثائق أساسية مثل الهويات الشخصية أو سندات الملكية.

مطار دمشق الدولي يستقبل آلاف السوريين منذ سقوط النظام (سانا)

والخميس، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في حفل بالبيت الأبيض قانون تفويض «الدفاع الوطني» لعام 2026 المتضمن بنداً لإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر»، وبذلك تم رفع العقوبات رسمياً عن سوريا.

وفي 11 ديسمبر 2019 أقر الكونغرس الأميركي «قانون قيصر» لمعاقبة أركان نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على «جرائم حرب» ارتكبها بحق المدنيين.

وجرى توقيع «قانون قيصر» خلال ولاية ترمب الرئاسية الأولى (2017 ـ 2021)، لكن تطورات سوريا أواخر العام الماضي دفعته إلى العمل على إلغائه.

ورحبت «الخارجية السورية» في بيان، الجمعة، بـ«الإزالة النهائية» للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر»، وما تضمنه من إجراءات أثرت على مختلف مناحي الحياة المعيشية والاقتصادية.

وأضافت الوزارة أن الخطوة «تطور مهم يسهم في تخفيف الأعباء عن الشعب السوري، ويفتح المجال أمام مرحلة جديدة من التعافي والاستقرار».


ساعر: «حماس» تحاول ترسيخ سيطرتها على غزة... ولن نقبل ذلك

وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)
TT

ساعر: «حماس» تحاول ترسيخ سيطرتها على غزة... ولن نقبل ذلك

وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)

قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، اليوم (الأحد)، إن حركة «حماس» الفلسطينية لا تعمل على نزع سلاحها.

وأوضح ساعر، عبر منصة «إكس»، أنه أخبر السيناتور الأميركي ليندسي غراهام خلال لقائهما أن «(حماس) لا تنزع سلاحها، بل تحاول ترسيخ سلطتها في غزة، وليس التخلي عنها»، مشدداً: «نحن لن نقبل هذا».

وأضاف ساعر: «إذا قامت (حماس) بنزع سلاحها سيكون هناك إعادة إعمار ومستقبل أفضل لغزة».

وحضّت الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا، السبت، الطرفين المعنيين بوقف إطلاق النار في غزة على الوفاء بالتزاماتهما وممارسة ضبط النفس، وفق ما أفاد الموفد الأميركي ستيف ويتكوف بعد محادثات في ميامي.

واجتمع مسؤولون من الدول الثلاث مع ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترمب، لمراجعة المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وجاء في بيان نشره ويتكوف على منصة «إكس»: «نؤكد مجدداً التزامنا الكامل بخطة السلام المكونة من 20 نقطة والتي وضعها الرئيس، وندعو جميع الأطراف إلى الوفاء بالتزاماتها، وممارسة ضبط النفس، والتعاون مع ترتيبات المراقبة».

ودعت الدول الأربع إلى «إنشاء وتفعيل» إدارة انتقالية «على المدى القريب»، وهي خطوة تنص عليها المرحلة الثانية من الاتفاق، لافتة النظر إلى أن المشاورات ستستمر في الأسابيع المقبلة بشأن تنفيذها.

وبموجب الاتفاق، من المفترض أن تنسحب إسرائيل من مواقعها الحالية في غزة، وأن تتولى سلطة مؤقتة إدارة القطاع الفلسطيني بدلاً من حركة «حماس»، وأن يتم نشر «قوة استقرار دولية».


إجراءات أمنية مشددة لحماية احتفالات الميلاد ورأس السنة في سوريا

إضاءة «شجرة الميلاد» في قرية القنية بريف إدلب الغربي (سانا)
إضاءة «شجرة الميلاد» في قرية القنية بريف إدلب الغربي (سانا)
TT

إجراءات أمنية مشددة لحماية احتفالات الميلاد ورأس السنة في سوريا

إضاءة «شجرة الميلاد» في قرية القنية بريف إدلب الغربي (سانا)
إضاءة «شجرة الميلاد» في قرية القنية بريف إدلب الغربي (سانا)

لأول مرة منذ 14 عاماً، احتفل المسيحيون في محافظة إدلب بإنارة شجرة عيد الميلاد، بحضور وسائل إعلام محلية ودولية، في وقت اتخذت فيه وزارة الداخلية إجراءات أمنية احترازية مشددة؛ لضمان حماية الأماكن التي تشهد تجمعات حاشدة.

ومع بدء الطوائف المسيحية المختلفة في سوريا التحضير لأعياد الميلاد ورأس السنة والاحتفالات بإنارة «شجرة الميلاد» وإقامة البازارات، نفذت قوى الأمن الداخلي انتشاراً كثيفاً في أحياء باب شرقي وباب توما والقصاع والقصور. بدأ ذلك مساء السبت بقطع بعض الطرق، ومنع دخول السيارات في الشوارع المكتظة بمحيط الكنائس، وسط حراسة مشددة، وذلك عقب حادثة سرقة تعرض لها نصب تذكري للقديس بولس في باب كيسان أمام باب دير مار بولس لطائفة الروم الكاثوليك، في حادثة غامضة أحدثت صدمة في أوساط المسيحيين.

وقالت مصادر من أهالي الحي بالقرب من الدير، إن اللصوص استغلوا أن موقع النصب المصنوع من البرونز والنحاس، والبالغ ارتفاعه ثلاثة أمتار ونصف المتر، قريب من ساحة باب مصلى على الشارع العام، كما استغلوا اقتصار الحراسة على شخص واحد من الكنيسة، وقاموا في ساعة متأخرة من الليل بإزالة التمثال عن قاعدته وسرقته، ولم يتبادر لذهن العابرين في المكان أن من يقوم بفك النصب بطريقة احترافية لصوص.

عنصر أمن سوري على سطح يطل على كنيسة القصير أثناء الاحتفال بإنارة «شجرة الميلاد» (متداولة)

وأرخت حادثة سرقة نصب القديس بولس بظلال ثقيلة على أجواء العيد في دمشق، مع أن التحليلات تتجه إلى أن الدافع هو سرقة المعدن المصنوع منه، إلا أن ذلك زاد التحديات الأمنية لدى السلطات التي تبدي اهتماماً خاصاً هذا العام بضبط الأمن في أماكن الاحتفالات والتجمعات الشعبية عموماً والدينية خصوصاً. وبدا هذا واضحاً في المدن والبلدات التي تشهد احتفالات، مثل مدينة حمص والبلدات التابعة لها، وفي بلدات الساحل السوري، ومحافظة حماة، والمناطق كافة التي سبق أن حصلت فيها حوادث عنف ذات طابع طائفي.

صورة جوية لبلدة الغسانية ذات الأغلبية المسيحية جنوب حمص وقد بدأ سكانها بالعودة إلى منازلهم ومتاجرهم المدمرة (أ.ف.ب)

كما برز بوضوح الاهتمام الرسمي باحتفالات البلدات المسيحية مثل القنية واليعقوبية في محافظة إدلب التي عاد إليها قسم كبير من أبنائها بعد الإطاحة بنظام الأسد، حيث كانت تلك المناطق لسنوات ساحات للمواجهات العسكرية ومخيمات النازحين.

فرقة كنسية تعزف في ساحة كنيسة الصليب المقدس بدمشق احتفالاً بإضاءة شجرة عيد الميلاد (سانا)

واتخذت قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية السورية إجراءات أمنية في إدلب لضمان إقامة الفعاليات بشكل آمن. كما عُزفت موسيقى عيد الميلاد للمرة الأولى، بعد أن اقتصرت الاحتفالات خلال سنوات الحرب على الصلوات داخل الكنيسة وفي المنازل.

وأظهرت الصور المتداولة للاحتفالات مشاركة واسعة من الأهالي؛ كونها الأولى منذ عام 2011، ولها أهمية تتجاوز أبعاد الاحتفال الديني إلى التأكيد على بدء عودة الحياة الطبيعية لمناطق كانت الأولى في اندلاع المواجهات العسكرية.

صورة متداولة لتمثال مار بولس المسروق (متداولة)

في الأثناء، حاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع الكنيسة لمعرفة مزيد من التفاصيل، إلا أنه تم التحفظ على المعلومات؛ لأن الأمر ما زال قيد التحقيق.

وقال الأب سلامة سمعان في تصريحات إنه سيكتفي بقول جملة واحدة فقط: «دمشق من دون مار بولس». وللقديس بولس أهمية روحية ورمزية عند المسيحيين والدمشقيين؛ كونه يعبر عن لحظة اهتداء بولس إلى المسيحية على أسوار دمشق. وقد نفذه نحات إيطالي ووُضع أمام باب كيسان، حيث إن مدخل الدير هو الموقع الذي اهتدى فيه القديس بولس. ويظهر بالنصب لحظة وقوعه عن ظهر الحصان، وكان نظره متجهاً نحو السماء.

رجل ينتظر عند كشك «عصير زين» ضمن التحضيرات لأعياد الميلاد في دمشق (أ.ب)

يقول الإعلامي السوري ثابت سالم لـ«الشرق الأوسط»: «لو عرف اللصوص رمزية نصب بولس بغض النظر عن البُعد الديني، ما أقدموا على هذه الفعلة»، لافتاً إلى أنه في بداية أبريل (نيسان) عام 2007، قامت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي بزيارة لدمشق، وقُبيل مغادرتها قالت في مؤتمر صحافي: «I am on the road to Damascus»، وترجمتها: «أنا على طريق دمشق»، مرددة تعبير بولس.

ويشير سالم إلى أن وزير الخارجية آنذاك وليد المعلم لم يفهم ما قصدته بيلوسي في تصريحها المهم، ولم يرد على تصريحها رغم لغته الإنجليزية القوية، وأنه عادة ما يستخدم هذا القول للإشارة إلى تحول بولس الرسول أو «شاؤول» إلى المسيحية عند تل كوكب قُرب داريا، نتيجة رؤيته المعروفة للهداية، وهو الضابط اليهودي المكلف بتأديب المسيحيين في دمشق وإنهاء وجودهم.