«شظايا الانتماء»... خيوطُ التئام الجرح اللبناني

هيثم شروف في «مايا سبايس» يرسم خرائط الذاكرة ويُعيد نَسْج الهوية

الألم يتحوّل مساحاتٍ تأمّليةً في الانتماء والتجذُّر (الشرق الأوسط)
الألم يتحوّل مساحاتٍ تأمّليةً في الانتماء والتجذُّر (الشرق الأوسط)
TT

«شظايا الانتماء»... خيوطُ التئام الجرح اللبناني

الألم يتحوّل مساحاتٍ تأمّليةً في الانتماء والتجذُّر (الشرق الأوسط)
الألم يتحوّل مساحاتٍ تأمّليةً في الانتماء والتجذُّر (الشرق الأوسط)

تتدلّى الخيوط وتتقاطع الألوان في مشهد بصري يحتضنه غاليري «مايا سبايس» البيروتي؛ يؤكّد أنّ الهوية ليست كتلة صلبة، وإنما نسيج يتكوَّن من آلاف الخيوط الصغيرة...

في معرضه «شظايا الانتماء»، يُقدّم الفنان اللبناني هيثم شروف أعمالاً أشبه بخرائط غير مُكتملة، تتكوَّن من قصاصات وصور وخيوط مشدودة، لتصوغ أمامنا أسئلة عمّا يعنيه أن ننتمي.

هيثم شروف يقدّم قراءة بصرية في معنى الهوية عبر خيوط الحرير (الشرق الأوسط)

كلّ لوحة تبدو كأنها ولادةٌ من تمزُّق؛ كيانٌ مشدود بين التفكُّك والوحدة، بين الفردي والجماعي، والذاكرة المُبعثرة والرغبة في بناء معنى جديد. شروف يُحوِّل مادته الفنّية (الخيوط والقصاصات) إلى استعارة عن محاولاتنا نحن البشر ربط ما انقطع، وترميم فجوات تركتها الحروب والهجرة والاقتلاع.

وإذا كان الانتماء في السياق العربي غالباً ما يتأرجح بين الانغلاق والانكسار، فإنّ الحنين إلى الجذور لا ينجو من قلق فقدانها. أعمال هيثم شروف تتقاطع مع هذه الأسئلة الكبرى، لتُقدّم، إضافة إلى عَكْس تمزُّق الأفراد في مواجهة واقع متغيّر، صورةَ مجتمعات بأكملها تبحث عن توازنها المفقود. كأنّ كلّ خيط في اللوحات يشدّ إلى سؤال عن الذاكرة بكونها ملاذاً أم عبئاً يُثقل القدرة على المضيّ.

لوحة تروي حكاية الإنسان المعلّق بين الأرض والمنفى (الشرق الأوسط)

هكذا يضع المعرض المُتلقّي أمام واقع عربي مُعاصر مُثقَل بالتشرذم والاقتلاع. فيُذكّر شروف بأنّ الفنّ قد يكون محاولة لجعل الفوضى أكبر قابلية للتأمُّل، وأعلى صدقاً في التعبير عن وجع الانتماء.

وفي نهاية الجولة داخل «شظايا الانتماء»، يُغادر الزائر مُحاطاً بالأسئلة أكثر مما يُحمَّل بإجابات. فالخيوط المشدودة لا تُحكِم إغلاقها، والقصاصات المُبعثرة لا تكتمل صورتها النهائية. كأنّ هيثم شروف يتعمَّد إبقاء الانتماء مفتوحاً على الاحتمالات. هنا، يُحاكي فنّه الواقع العربي، حيث تتصارع الرغبة في التمسُّك بالجذور، مع الحاجة إلى التحرُّر منها، وحيث الانتماء ليس امتيازاً ثابتاً. وربما تكمُن قوة المعرض في أنه يترك لكلّ مُشاهد خيطه الخاص، ليشدّه إلى ماضيه أو ليفلت به نحو مستقبل لم يُكتَب.

في حوار مع «الشرق الأوسط»، يتأمّل هيثم شروف سؤال «الانتماء» من زاوية تتجاوز الجغرافيا، فيقول: «فكرة الانتماء توحي بارتباط الأرض واللغة والهوية. لكننا في لبنان، وسط هذا المشهد السياسي والاقتصادي المُربك، أُصبنا بنوع من التشتُّت. وُلد شرخٌ بيننا وبين أرضنا، فاضطررنا إلى مطاردة أحلامنا في أماكن أخرى. رحنا نبحث عن أمل جديد في مكان غريب، لكننا نمنحه فرصة لنبدأ من جديد. هذه هي علاقتي بالانتماء».

لوحات تستعيد الجرح اللبناني بلغة الخيوط (الشرق الأوسط)

نتابع الحوار متناولَيْن استخدامه الخيوط بوصفها مادة أساسية في أعماله. نسأله عمّا إذا كانت استعارة عن محاولتنا نحن البشر إعادة وصل ما تفتَّت من ذواتنا وهوياتنا. يُجيب: «فكرة الخيوط تنبع من مفهوم النَّسج بكونه وسيلة شفاء وجودي ووطني وروحي ونفسي وعاطفي. فالعمل الفنّي يقترح أنّ الألم والجرح قد يتحوّلان إلى أمل ونور وبدايات جديدة. استوحيتُ الفكرة من الجرح الذي يحتاج إلى خياطة كي يلتئم. وتماماً مثل أجسادنا، نحن لا نزال في طور التشافي؛ منذ الحرب الأهلية حتى اليوم. الخيط بالنسبة إليّ مادة أساسية لنَسْج هويتنا من جديد، ولربطها مجدّداً بالأرض».

تبدو اللوحات لأول وهلة تراكيب بصرية مجرّدة، غير أنها في العمق شبكة من العلاقات بين الفرد والجماعة. يُوضح: «في اللوحة تراكيب وأشكال وألوان وخيوط ونقاط التقاء، وهذا يُشبه العلاقات الإنسانية. فكلّ عنصر بصري هو كيان فردي، بينما تُشكّل مجموعة الخيوط فكرة الجماعة التي تتجسَّد أيضاً في التكرار. في اللوحة إيقاعٌ وتداخُل، كما في الحياة، إذ لا وجود للفرد إلا ضمن شبكة أوسع من الآخرين، ولا معنى للجماعة إن لم تُبنَ على صوت فردي».

تتقاطع الخيوط والألوان في بحث عن الهوية (الشرق الأوسط)

أما قصاصات الصور والألوان المُتناثرة في أعماله، فتبدو كأنها ذاكرة جماعية مُعلَّقة. نسأله إن كان يرى نفسه يحفظ تاريخاً خفيّاً من خلال هذه الأجزاء الصغيرة، فيُجيب مؤكداً: «أستخدمُ خيط الحرير في أعمالي محاولاً ربط لبنان ما بعد الحكم العثماني والانتداب الفرنسي بلبنان الحديث. كان قطاع الحرير يُشكّل نحو 40 في المائة من الاقتصاد اللبناني من خلال التصدير. وإنْ أردنا فَهْم حاضرنا المُعقّد، فعلينا العودة إلى الماضي. الماضي لا يغيب عن أعمالي، فيتسرَّب في خيوطها».

ونلمح طاقة متوتّرة بين شدّ الخيوط في اللوحة، والتوازن الدقيق والانفجار الكامن، تعكس صراعاً داخلياً شخصياً يمتدّ ليأخذ بُعداً إنسانياً عاماً. فالتجارب تُعلّم هيثم شروف أنّ ما هو مُشرق لا يولد إلا من صُلب القسوة والعثرات، ومن خلال شدّ الخيط، عبّر عن هذا الصراع بين النور والعتمة. يقول: «بعض الأعمال تتفجَّر من الأرض، كأنّ هذه الأرض تُقتلع من مكانها. إنه تمثيلٌ للصراع الوجودي والنفسي الجماعي؛ وهو قدر منطقتنا».

الخيوط المشدودة والقصاصات المبعثرة ترسم مشهداً يختصر علاقة اللبناني بأرضه (الشرق الأوسط)

ويدلُّ التأمُّل في لوحاته على أنّ القطبة مساحة جمالية، والتمزّق والألم جزء من الجمال الكلّي. لوحاته تلتئم بالأمل، وتنهض على الرجاء، وتدعو إلى التجذُّر في الأرض رغم الخراب. وحين نُلقي نظرة أخيرة عليها، نراها أشبه بخريطة غير مُكتملة تعكس مسارات البشر وأماكنهم المفقودة، وتُلمح في الوقت نفسه إلى محاولة بناء عالم بديل، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن الأصل. خلاصة فنّ شروف: «مهما غادرنا، مثل الطائر في لوحاتي، مصيرنا العودة إلى هذه الأرض».


مقالات ذات صلة

ملتقى القاهرة للخط العربي... رحلة بصرية بين هيبة التراث وروح الحداثة

يوميات الشرق استعرضت بعض اللوحات أساليب مبتكرة في التكوين (الشرق الأوسط)

ملتقى القاهرة للخط العربي... رحلة بصرية بين هيبة التراث وروح الحداثة

احتفاءً بالخط العربي بوصفه فناً أصيلاً يحمل بين ثناياه دعوة للسلام، والانسجام الإنساني، أطلقت مصر الدورة العاشرة من «ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق طفل يبحث عما يشبهه من كتب تحاكي ذاته (الشرق الأوسط)

650 ألف زائر يرسخ مكانة معرض جدة للكتاب كمنصة ثقافية إقليمية

مع رحيل آخر أيام معرض جدة للكتاب، يطرح المشهد الثقافي جملةً من الأسئلة حول المعرض وترسيخ مكانته كأحد أبرز الفعاليات الثقافية في المملكة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق عبد الحليم رضوي... طاقات تعبيرية ودلالات مفاهيمية ذات طابع معاصر (الشرق الأوسط)

القاهرة تحتفي برائد الفن السعودي عبد الحليم رضوي

يُصاحب معرض رضوي تقديم أعمال نخبة من رواد وكبار التشكيليين المعاصرين في المملكة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من توقيع الاتفاق لتحويل رواية «القبيلة التي تضحك ليلاً» إلى فيلم (الشرق الأوسط)

السينما السعودية تمدّ جسورها إلى الأدب في معرض جدة للكتاب

لم يعد سؤال صنّاع السينما يدور حول عدد العناوين، بل حول أيّ الروايات تصلح لأن تُروى على الشاشة...

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق تحاول الفنانة التشكيلية في هذه المجموعة العبور من المحدود إلى المطلق (الغاليري)

معرض «تفتّحت الزهور من بين حجار الإسمنت المكسور»... عود على بدء

تستخدم ندى صحناوي الألوان الزاهية، بالإضافة إلى الأسود والأبيض. وفي قوالب الزهور الحمراء والبيضاء، يخال للناظر إليها أنها تُشبه كعكة عيد...

فيفيان حداد (بيروت)

كيف صنعت الجبال والبرد تنوّع النباتات عبر ملايين السنين؟

جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)
جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)
TT

كيف صنعت الجبال والبرد تنوّع النباتات عبر ملايين السنين؟

جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)
جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)

تلعب الجبال ودرجة الحرارة المنخفضة دوراً أساسياً في نشوء النباتات وتنوّعها على الأرض، إذ تشكل الارتفاعات العالية بيئات جديدة وتربط التغيرات المناخية بين سلاسل جبلية منفصلة، مما يسمح للنباتات بالانتشار والتكيف على مدى ملايين السنين.

أظهرت دراسة حديثة أجراها شينغ ياو وو وزملاؤه، في حديقة شيشوانغباننا النباتية الاستوائية بالأكاديمية الصينية للعلوم، ونُشرت في مجلة «ساينس أدفانس (Science Advances)» أن ارتفاع الجبال وانخفاض درجات الحرارة العالمية لعبا دوراً محورياً في نشوء وتنوّع النباتات الجبلية في نصف الكرة الشمالي. إذ أسهمت الجبال في خلق بيئات جديدة على ارتفاعات شاهقة، في حين سمح التبريد العالمي بربط سلاسل جبلية منفصلة، مما مكّن النباتات من الانتشار والاختلاط عبر مساحات واسعة على مدى ملايين السنين.

ركزت الدراسة على 5 أنظمة جبلية رئيسية وحلَّلت 34 مجموعة من النباتات الزهرية تضم 8456 نوعاً، لإعادة بناء تاريخ انتشار هذه النباتات وتنوعها زمنياً ومكانياً. أظهرت النتائج أن تشكّل الجبال وفّر بيئات جديدة على ارتفاعات عالية، مما أتاح فرصاً للتكيّف والتنوع المحلي، في حين ساعد انخفاض درجات الحرارة على توسيع نطاق البيئات الباردة وربط سلاسل جبلية كانت معزولة سابقاً، مما سهّل امتزاج النباتات عبر مسافات شاسعة.

كما كشفت الدراسة عن اختلافات واضحة في الآليات التطورية بين الأنظمة الجبلية. فقد تبين أن منطقة «التبت - الهيمالايا - هنغدوان» مثّلت مركزاً رئيسياً لنشوء التنوع البيولوجي، حيث نشأ أكثر من نصف الأنواع الجديدة من تطور محلي. في المقابل، أظهرت الأنظمة الجبلية الأوروبية والإيرانية - التورانية نمطاً مختلفاً، إذ تشكّلت نباتاتها الجبلية أساساً من سلالات محلية متوسطة إلى منخفضة الارتفاع، ومن ثَمَّ تكيفت لاحقاً مع البيئات العالية.

تؤكد هذه النتائج أن تنوع النباتات الجبلية لا يعود إلى عامل منفرد، بل إلى تفاعل طويل الأمد بين العمليات الجيولوجية والتغيرات المناخية العالمية. كما توفر الدراسة إطاراً لفهم كيفية استجابة النظم البيئية الجبلية للتغيرات المناخية المستقبلية، وتُسهم في توضيح الأنماط العامة لتشكّل التنوع البيولوجي على سطح الأرض.


وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
TT

وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)

شدد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، على عدم التسامح مع من يحاولون استخدام «حرية التعبير» لخلق فوضى في الفضاء الإعلامي، أو استخدام خطاب شعبوي زائف الهدف منه زيادة أعداد المتابعين، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الحكومي بالعاصمة الرياض.

وقال وزير الإعلام السعودي إن القوانين والأنظمة في السعودية تكفل حرية التعبير كحق أصيل، لكن في الوقت نفسه تميز بوضوح بين الرأي المسؤول والنقد البناء، وبين التحريض الذي يهدف إلى التضليل أو تأجيج الرأي العام.

وبيّن أن إجراءات هيئة تنظيم الإعلام لا تستهدف الآراء أو النقد البناء، بقدر ما تأتي في إطار تطبيق الأنظمة تجاه أي ممارسات تتجاوز المسؤولية الإعلامية وتمس السلم المجتمعي.

وكشف الوزير الدوسري خلال المؤتمر، الذي عقد للحديث عن تطورات مشروع مدينة القدية، أن العمل جارٍ لإطلاق مشروع «مدرسة الموهوبين الإعلاميين»، وذلك بالتعاون مع وزارة التعليم، لاكتشاف ورعاية الموهوبين من مراحل مبكرة.

وأوضح أن مدينة القدية ستستضيف الملتقى الثاني لصناع التأثير إمباك 2026، لافتاً إلى أن العمل قائم مع الشركاء في القدية لإطلاق مشروع «بيت إمباك».

واستعرض وزير الإعلام السعودي مجموعة من الإنجازات التي حققتها السعودية خلال الفترة الماضية، ومن ذلك زيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، حيث بلغت 55.4 في المائة خلال الربع الثالث من العام الماضي، مقارنة بـ45.9 في المائة في الربع الثالث من عام 2016. فيما ⁠«بلغت نسبة تملُّك الأسر السعودية للمنازل في نهاية العام الماضي 65.4 في المائة».

وتابع: ⁠«احتلّت المملكة المركز الأول عالمياً في عدد الجوائز التي نالتها في مسابقة الذكاء الاصطناعي العالمية للشباب بـ26 جائزة، كأكبر دولة في العالم تنال هذا العدد من الجوائز في تاريخ المسابقة».

وأضاف الوزير الدوسري أن قطار الرياض استقبل 120 مليون راكب منذ بدء انطلاق المشروع وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2025، وسجّل أعلى درجات الانضباط في التشغيل، بنسبة التزام بلغت 99.8 في المائة لعام 2025. مشيراً إلى أن السعودية تستهدف تنفيذ المرحلة السابعة من مشروع قطار الرياض خلال العام المقبل.

من جهته، قال العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، عبد الله الداود، أن القدية مدينة فريدة من نوعها تجمع أكثر من 70 أصلاً في مكانٍ واحد، من بينها استاد الأمير محمد بن سلمان، ومجمع التنس الوطني، ومركز الفنون الأدائية، والعديد من الأصول النوعية الأخرى. ‏وأكد الداود أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يؤمن بالمشاريع النوعية التي تضيف لحياة الناس ولها القدرة على خلق اقتصادات وقطاعات جديدة، ولذلك كان كل العمل منصباً على تنفيذ أفكار الأمير محمد وتطلعاته، مشيراً إلى أن مشروع القدية يأتي من قلب «رؤية 2030»، وأن القدية تتبنى مفهوماً متكاملاً يندمج فيه الترفيه والرياضة والثقافة والسياحة بشكل متجانس.

وأعلن العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، خلال المؤتمر، أن تاريخ 31 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، هو موعد افتتاح مدينة القدية لأول أصولها، منتزه «سيكس فلاغز»، مؤكداً أن الافتتاح سيشكل نقلة نوعية تحولية في مسيرة المدينة.

وأضاف الدواد أن منتزه «Six Flags» نجح في كسر عدد من الأرقام القياسية، وذلك من خلال 5 ألعاب في مكان واحد، من أبرزها لعبة أفعوانية الصقر التي تحطم 3 أرقام قياسية كأطول أفعوانية في العالم، وأسرع أفعوانية في العالم، وأعلى أفعوانية في العالم.

وكشف الداود أنه تم الانتهاء الكامل من منتزه «Six Flags» الذي صمم لاستقبال نحو 10 آلاف زائر يومياً، ومن المتوقع أن يتجاوز أعداد زوار المنتزه مليوني زائر خلال 2026، فيما تم الانتهاء من أكثر من 95 في المائة من منتزه أكواريبيا المائي وسيفتتح خلال العام المقبل، إضافة إلى المرحلة الأولى للبنية التحتية في الطرق والكهرباء والاتصالات وخدمات الطوارئ.


«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى؛ إذ يعرف الطفل «نور» (يقوم بدوره الطفل آسر) أن «حبيبة» (ريهام عبد الغفور) هي خالته، ويتعامل معها على هذا الأساس، فالطفل المتفوق في المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر، يخطط لمفاجأة والدته في رأس السنة بزيارتها في باريس مع تحضير مفاجأة لها، لتكون العطلة بمثابة بداية لأيام مختلفة في حياته.

نشاهد الفيلم من منظور الطفل «نور» على مدار الأحداث، بداية من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر والتي تقع بالقرب من منزل «حبيبة» وصديقتها التي تقيم معها، وكلتاهما من أصحاب «متلازمة داون»، مروراً بتواصله مع «سارة» (هنادي مهنا) باعتبارها والدته التي لم تأتِ لزيارته ولقائه من باريس منذ عامين، في حين يقتصر التواصل بينهما على الاتصالات الهاتفية.

يعتمد الفيلم بالكامل على رؤية العالم من خلال «نور»، فنحن نراه ونفهمه كما يراه هو، ونشهد تحوّلاته النفسية من دون تدخل تفسيري مباشر للقاءات التي يخوضها في الطريق مع غرباء، وتبدّل الأمكنة، والضغط المتواصل الناتج عن السفر، والظروف الاضطرارية التي تعوق ترتيب رحلته وإكمالها بالطريقة التي يريدها، مع إعادة ترتيب الأنشطة والأماكن التي يوجد فيها قبل الوصول إلى والدته.

في الأحداث التي تستمر على مدار أكثر من 90 دقيقة نتابع رحلة «نور» التي تشمل توقفات بعدد من المدن الأوروبية قبل الوصول لوجهته النهائية في باريس؛ توقفات لرغبته في تنفيذ مفاجأة استثنائية لوالدته وهدية لذكرى والده الراحل.

ريهام عبد الغفور مع عدد من الحضور في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

الفيلم الذي شارك في بطولته إلى جوار ريهام وآسر كل من هنادي مهنا، وأسماء أبو اليزيد، وعدد من الممثلين الأجانب، كتبه يوسف وجدي، ويخرجه رامي الجندي في أولى تجاربه الإخراجية، في حين صُوّر بين 6 مدن أوروبية مختلفة على مدار أكثر من عام.

وقال المخرج رامي الجندي لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة الانطلاق في «خريطة رأس السنة» كانت تحديد زاوية الرؤية للأحداث، وإن القرار الأهم تمثّل في أن يُروى الفيلم بالكامل من داخل وعي الطفل «نور»، فالمتفرج لا يُفترض به أن يرى الشخصيات من الخارج، بل يختبر العالم بذات الدرجة من البراءة والارتباك والأسئلة غير المكتملة التي يعيشها البطل، وهو ما فرض إيقاعاً هادئاً ولغة بصرية تميل إلى المراقبة أكثر من الشرح، وفق تعبيره.

وأوضح الجندي أن «العلاقة بين (نور) و(حبيبة) لا تقوم على المفاجأة أو الاكتشاف، بل على المعرفة المسبقة، وهو ما منح الفيلم مساحة أعمق للاشتغال على الاختبار الإنساني، لا الصدمة الدرامية»، مشيراً إلى أن هذا الاختيار أتاح له التركيز على التفاصيل الصغيرة في العلاقة، وعلى التحوّلات التدريجية في فهم الطفل لمعنى المسؤولية، بدلاً من اللجوء إلى حلول سردية مباشرة.

ولفت المخرج إلى أن «اختيار التصوير في أجواء (الكريسماس) بأوروبا كان تحدياً كبيراً؛ إذ يُعد هذا التوقيت الأصعب من حيث الإجازات والتحكم في المواقع وحركة المدن»، على حد تعبيره، وقال إنه قام بتقسيم التصوير إلى ثلاث مراحل، عبر ست دول أوروبية مختلفة، معتبراً أن السيطرة على هذا الكم من التفاصيل لم تكن سهلة، لكنها كانت حاسمة للحفاظ على الإحساس الحقيقي بالطريق.

وأضاف الجندي أن «العمل مع ممثلين أجانب جرى بالكامل عبر الإنترنت، من خلال شركات متخصصة، وهو ما تطلّب تحضيرات طويلة قبل التصوير».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد مؤلف الفيلم يوسف وجدي لـ«الشرق الأوسط» أن العمل لا يتعامل مع «متلازمة داون» بوصفها موضوعاً مستقلاً، بل كجزء من نسيج إنساني أوسع، موضحاً أن «التحدي الحقيقي كان في تجنّب الخطاب المباشر أو التفسير الأخلاقي الجاهز، خصوصاً أن ما شغله منذ البداية مرتبط بطبيعة الاختلاف بين كل حالة، والتفاوت الموجود لدى كل شخص، وكيف يمكن أن يستفيد منه ليعيش حياته بشكل أفضل».

وأضاف وجدي أن «فكرة العمل استُلهمت جزئياً من قضايا حقيقية أُثيرت في فرنسا، تتعلق بالأهلية الأسرية، وبالنظرة القانونية والاجتماعية إلى مفهوم المسؤولية لمن يعاني من (متلازمة داون)»، مشيراً إلى أن هذه القضايا فتحت أمامه مساحة للتفكير في الفجوة بين القانون والمشاعر، وبين ما يُعتبر صحيحاً على الورق وما يحدث فعلياً داخل البيوت والعلاقات اليومية.