ما ملاذات عناصر «حماس» الراغبين في الخروج من غزة؟

خطة ترمب تطرح لهم خيار المغادرة

TT

ما ملاذات عناصر «حماس» الراغبين في الخروج من غزة؟

طفلتان تنظران من ثقب في خيمة نازحين بالنصيرات وسط قطاع غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)
طفلتان تنظران من ثقب في خيمة نازحين بالنصيرات وسط قطاع غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

تنص إحدى النقاط العشرين الواردة في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب في غزة على أنه «بمجرد عودة جميع الرهائن، سيُمنح أعضاء (حماس) الذين يلتزمون بالتعايش السلمي وبالتخلي عن أسلحتهم عفواً عاماً. أما من يرغب منهم في مغادرة غزة فستُوفَّر له ممرات آمنة إلى دول مستقبِلة».

وعلى الرغم من أن هذه النقطة المتعلقة بمصير قادة «حماس» ونشطائها البارزين، وتحديداً عناصر جناحها العسكري، تفتح باب جدل داخل الحركة وخارجها حول إمكانية تطبيقها، فإنه يبدو أن الحركة من خلال موافقتها على المبادئ العامة للخطة الأميركية لديها استعداد للموافقة على مثل هذا الخيار؛ لتبقى المشكلة التي ستليها هي تحديد الأسماء والمعايير.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إن الحركة ستحاول منع تطبيق مثل هذا الخيار من خلال المفاوضات التي انطلقت في مدينة شرم الشيخ بمصر، يوم الاثنين، وستسعى لأن يكون هناك توافق بشأن هذه النقطة التي ستكون من النقاط الصعبة التي قد تواجه عقبات كبيرة.

لقطة لجانب من مدينة شرم الشيخ المصرية حيث تجري مفاوضات بين مسؤولين من إسرائيل و«حماس» الثلاثاء لليوم الثاني (أ.ف.ب)

وقالت المصادر إن هذا البند قد يُطرح في مرحلة ثانية من المفاوضات، وليس في مرحلتها الأولى التي تركز على بدء وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وخطوط الانسحاب. وأضافت أن الحركة قد تقترح بديلاً يتمثل في إبقاء من تبقى من قيادات الحركة وعناصرها البارزة داخل القطاع، مقابل ضمانات أمنية بألا يكون لهم أي نشاط ضد إسرائيل ما دام هناك وقف لإطلاق النار.

أما إذا اضطرت الحركة «مجبرة» إلى الموافقة على مثل هذه الخطة كما تنص، فإنها ستعمل على تحديد عدد معين وأسماء محددة للخروج من قطاع غزة، وفقاً للمصادر.

أبرز الخيارات

نقطة «الممرات الآمنة» الواردة في الخطة الأميركية تهدف إلى طمأنة الحركة إلى ضمان سلامة قياداتها ونشطائها الذين سيخرجون من القطاع، وعدم التعرض لهم من قِبل إسرائيل التي سبق واستهدفت قيادات للحركة في الخارج، وكان أحدث هذه الاستهدافات ذلك التفجير الذي شهدته العاصمة القطرية الدوحة في الشهر الماضي.

المبنى الذي استهدفته الغارات الإسرائيلية بالعاصمة القطرية 9 سبتمبر الماضي (رويترز)

ولا تحدد الخطة الجهة التي يمكن أن تقبل بترحيل هؤلاء القيادات والنشطاء إليها. وقالت مصادر «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إنه لم تُبحث حتى اللحظة أي أفكار تتعلق بالدول التي يمكن أن تستقبل قادة الحركة وأبرز عناصرها الذين قد تطلب إسرائيل ترحيلهم لخارج القطاع.

وتضيف أنه حال الاضطرار إلى تنفيذ هذا البند، فإن خيارات الدول كثيرة، ولكن الأولوية ستكون لمنع الترحيل.

وحول تلك الخيارات قالت المصادر إن تركيا والجزائر وموريتانيا وماليزيا «من الدول المتاحة بأريحية أكبر». ولفتت إلى أنه لم تجرِ اتصالات مع أي من تلك الدول حتى الآن.

ورجحت نقل الشخصيات المذكورة إلى مصر لفترة قصيرة لحين إجراء اتصالات مع الدول الأخرى لنقلهم إليها.

وحدث الأمر نفسه مع الأسرى الفلسطينيين الذين أُبعدوا خارج الأراضي الفلسطينية عقب الإفراج عنهم في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة التي جرت ما بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) الماضي، قبل توقفها بفعل استئناف إسرائيل للحرب.

ورأت المصادر أن تركيا وموريتانيا ربما تكونان أكثر الدول قبولاً حال تقرر ترحيل قيادات الحركة وعناصرها البارزة واضطرار «حماس» إلى القبول بهذا الشرط، مشيرةً إلى أنهما من أقل الدول التي قد تواجه ضغوطاً أو أزمات تتعلق بقضية استقبال هؤلاء الشخصيات، وكذلك لاعتبارات أمنية.

استهدافات سابقة

على مدار نحو عامين من الحرب على غزة، صعَّدت إسرائيل عمليات استهدافها قيادات حركة «حماس»، سواء داخل القطاع أو في بلدان بعضها لم يكن تنفيذ محاولات من هذا النوع على أراضيها متوقعاً.

وكانت أحدث تلك المحاولات في الدوحة التي كانت تستضيف وفداً من الحركة في التاسع من سبتمبر (أيلول) الماضي لبحث مساعي التهدئة بقطاع غزة حين وقع انفجار أكدت «حماس» نجاة كبار مسؤوليها منه، بينما قُتل خمسة من أعضائها، إضافةً إلى عنصر في قوات الأمن القطرية.

واستهدفت الغارات الإسرائيلية مجمعاً خاصاً بقيادة «حماس» في منطقة القطيفية بالعاصمة القطرية، وتسببت في مقتل همام الحية نجل عضو المجلس القيادي للحركة خليل الحية، ومدير مكتبه جهاد لبَّاد، إضافةً إلى مرافقيه أحمد مملوك، وعبد الله عبد الواحد ومؤمن حسّون. كذلك قُتل الوكيل عريف القطري بدر سعد محمد الحميدي الدوسري.

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يشارك في صلاة الجنازة على ضحايا الهجوم الإسرائيلي على الدوحة (أ.ف.ب)

والدول التي شهدت محاولات اغتيال إسرائيلية لقيادات من «حماس» منها ما اعتاد لفترات على تلقي ضربات مثل لبنان وسوريا، ومنها ما كان وقوع عمليات فيه غير معتاد، مثل إيران وقطر؛ كما وقعت سابقاً محاولات مشابهة في تركيا، ومرة في الإمارات، وكانت هناك محاولة واحدة على الأقل منذ عقود في العاصمة الأردنية عمان.

ولعل أبرز تلك العمليات عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، في 31 يوليو (تموز) 2024، داخل العاصمة الإيرانية طهران، في حين سبقه في الثاني من يناير (كانون الثاني) من العام نفسه، نائبه صالح العاروري خلال هجوم استهدفه في الضاحية الجنوبية بلبنان.

إسماعيل هنية خلال مؤتمر صحافي في مدينة غزة (أرشيفية - رويترز)

وفي داخل قطاع غزة، وقعت سلسلة اغتيالات لقيادات من الحركة وجناحها العسكري، من أبرزهم محمد الضيف، ونائبه مروان عيسى، وكذلك محمد السنوار، إضافة إلى يحيى السنوار قائد الحركة في قطاع غزة سابقاً، ثم قائدها العام بعد اغتيال هنية، هذا إلى جانب أعضاء بارزين بالمكتب السياسي، مثل روحي مشتهى وسامح السراج وغيرهما.

وفي العاصمة الأردنية عمّان، حاولت عناصر من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، في 25 سبتمبر (أيلول) 1997، اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» آنذاك خالد مشعل، وذلك بإلقاء مادة سامة عليه خلال مروره بالطريق متجهاً صوب مكاتب الحركة. وأصيب مشعل حينها بجروح خطيرة. وجرت مساومة بين الأردن وإسرائيل، تضمنت الإفراج عن عناصر «الموساد» الذين نفذوا الهجوم مقابل إطلاق سراح مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين و70 أسيراً فلسطينياً، وتسليم مادة مضادة للسم لإنقاذ حياة مشعل؛ وتمت الصفقة.

وفي مدينة دبي بالإمارات، نفذ جهاز «الموساد» في 19 يناير 2010 عملية داخل أحد الفنادق قُتل فيها محمود المبحوح، القيادي في «كتائب القسام» الجناح المسلح لحركة «حماس»، خنقاً وصعقاً بالكهرباء. وتعود أصول المبحوح لمخيم جباليا بشمال قطاع غزة، وقد أقام في الخارج لعقود، وكان مسؤولاً عن نقل أسلحة وصواريخ من إيران إلى داخل القطاع.

محمود المبحوح القيادي في «كتائب القسام» الذي اغتيل في دبي عام 2010

وبين عامي 2021 و2022، حاول عملاء يعملون لصالح «الموساد» اغتيال أسرى محررين من قيادة «حماس» في أثناء وجودهم في تركيا، بعد إطلاق سراحهم في صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011، وكُشف عن مخطط للعمليات التي كانوا يعتزمون تنفيذها.

سبق ذلك في 21 أبريل (نيسان) 2018 اغتيال عملاء من «الموساد» فادي البطش، أحد المهندسين السريين الذين يعملون في «كتائب القسام» وتحديداً لتطوير سلاح الطائرات المسيّرة؛ وذلك بإطلاق النار عليه في ماليزيا، ولكن «القسام» لم تتحدث رسمياً حتى الآن عن أنه أحد مهندسيها، لكنها نعته وأقامت له سرادق عزاء كبيراً ببلدته في جباليا.

وفي يناير 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه اغتال حسن عكاشة بمحافظة ريف دمشق بسوريا، قائلاً إنه كان مسؤولاً عن إطلاق صواريخ «حماس» من الأراضي السورية باتجاه إسرائيل. ولم يذكر كيفية الاغتيال.

وفي أواخر سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، أعلن جيش إسرائيل عن تنفيذ غارة جوية جنوب سوريا قال إنه اغتال فيها أحمد محمد فهد، مشيراً إلى أنه كان قائداً ميدانياً في حركة «حماس» ووراء إطلاق قذائف صاروخية نحو هضبة الجولان.


مقالات ذات صلة

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

العالم العربي «حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (قطاع غزة)
شؤون إقليمية نائبة إسرائيلية معارضة ترفع لافتة كُتب عليها «لا تخفوا الحقيقة» في الكنيست الأربعاء (إ.ب.أ)

الكنيست يصادق مبدئياً على «لجنة تحقيق ناعمة» في «7 أكتوبر»

تجنب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المشاركة في تصويت البرلمان المبدئي على تشكيل «لجنة تحقيق ناعمة» في هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية زامير: الجيش الإسرائيلي «يدرس بشجاعة» إخفاقات 7 أكتوبر play-circle

زامير: الجيش الإسرائيلي «يدرس بشجاعة» إخفاقات 7 أكتوبر

قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إن الجيش "يستفيد من تحقيقاته في إخفاقاته" المتعلقة بهجوم "حماس" على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جنديان إسرائيليان في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)

قيادي بـ «حماس»: انفجار رفح وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل

قال محمود مرداوي القيادي في حركة «حماس» إن الانفجار الذي وقع في منطقة رفح في جنوب قطاع غزة اليوم الأربعاء كان في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز) play-circle

نتنياهو يسعى لتحميل «حماس» انفجار رفح قبل زيارته لأميركا

سعى ​رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأربعاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط من «لواء غولاني» بالجيش ⁠الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة.

«الشرق الأوسط» (غزة - تل أبيب)

تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

صورة لقرية بارفيخا الفاخرة بالقرب من موسكو ديسمبر 2012 ويُقال إنها تستضيف بشار الأسد حالياً (نيويورك تايمز)
صورة لقرية بارفيخا الفاخرة بالقرب من موسكو ديسمبر 2012 ويُقال إنها تستضيف بشار الأسد حالياً (نيويورك تايمز)
TT

تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

صورة لقرية بارفيخا الفاخرة بالقرب من موسكو ديسمبر 2012 ويُقال إنها تستضيف بشار الأسد حالياً (نيويورك تايمز)
صورة لقرية بارفيخا الفاخرة بالقرب من موسكو ديسمبر 2012 ويُقال إنها تستضيف بشار الأسد حالياً (نيويورك تايمز)

توفّر الشقق السكنية في فندق «فور سيزونز» بالعاصمة الروسية موسكو غرف معيشة تتدلّى فيها ثريات كريستالية، وإطلالات مباشرة على مقر الكرملين، مع خدمة فندقية رفيعة المستوى قادرة على ترتيب كل شيء، من حضور العروض الافتتاحية في مسرح البولشوي إلى استئجار الطائرات الخاصة.

وتُسوَّق هذه المساكن، التي يصل إيجارها إلى 13 ألف دولار أميركي أسبوعياً، على أنها «مثالية للتجمعات العائلية، وحفلات الكوكتيل، والفعاليات التجارية». لكنها، في حالة بعض أكثر مجرمي الحرب المطلوبين في العالم، قد تكون بداية فاخرة لحياة المنفى.

صور متداولة على السوشيال ميديا لتحديد موقع مكان ماهر الأسد

وقد شوهد ماهر الأسد، البالغ من العمر 58 عاماً، شقيق بشار وقائد الفرقة الرابعة، التي كانت تبث الرعب في نفوس السوريين، في صالة الألعاب الرياضية بالفندق وهو يتمتم بكلمة «العار»، حسب مسؤول سابق. وفي الوقت نفسه، كان آخرون يناقشون مصيرهم على موائد الإفطار، حسب ثلاثة من مرافقي أفراد النظام المقيمين في الفندق.

وتمكّن تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» من تحديد أماكن وجود عدد كبير من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين المرتبطين بأكثر فصول التاريخ السوري الحديث دموية، بمن فيهم علماء متورطون في تطوير أسلحة كيميائية، ورؤساء أجهزة استخبارات متهمون بممارسة التعذيب، كما كشف عن تفاصيل جديدة عن أوضاعهم الحالية وأنشطتهم الأخيرة.

انتهى حكم بشار الأسد الطويل والوحشي سريعاً لكنه وحاشيته المقربة وجدوا ملاذاً آمناً في روسيا (نيويورك تايمز)

وسعت الصحيفة الأميركية إلى تتبّع مصير 55 من قادة النظام السابق الذين اختفوا عند سقوط الأسد من السلطة، لتجد أن كثيرين منهم يعيشون في رفاهية أو في حالة اختفاء حذر خلال عامهم الأول في المنفى، وأن الغالبية الساحقة منهم أفلتوا، على ما يبدو، من أي مساءلة قانونية.

وحسب أقارب وأصدقاء ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أُقيمت حفلات عيد ميلاد فاخرة لبنات الأخوين الأسد في فيلا بموسكو وعلى متن يخت في دبي.

اللواء علي مملوك مع بشار الأسد (أرشيفية)

ويعيش علي مملوك، البالغ من العمر 79 عاماً، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات القوي، في شقة بموسكو على نفقة الدولة الروسية، ملتزماً العزلة ورافضاً استقبال معظم الزوار، وفقاً لشخصين مقرّبين منه.

أما غسان بلال، 59 عاماً، الذي يُعدّ أحد أبرز أركان شبكة المخدرات التابعة للنظام، فيقيم هو الآخر في موسكو، بينما يموّل نمط حياة مريحاً لأسرته في الخارج، من إسبانيا إلى دبي، حسب ثلاثة ضباط سابقين.

غير أن العديد من أعوان الأسد لم يحظوا بهذا الاستقبال المترف، فقد اضطر بعضهم إلى دفع رشى للصعود إلى طائرات شحن مكتظة متجهة إلى موسكو، ليُنقلوا بعدها إلى مساكن عسكرية. وكان من بينهم جميل حسن، 73 عاماً، مدير استخبارات سلاح الجو السابق المتهم بالإشراف على التعذيب المنهجي وإعدام المعتقلين، وفقاً لثلاثة أشخاص قالوا إنهم التقوه بعد وصوله. وتفرّق آخرون خارج روسيا، بين دبي ولبنان، بينما بقي بعضهم داخل سوريا متخفّياً.

في المقابل، ترك ضحايا أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد يتساءلون عن أماكن المسؤولين عن بعض أبشع الجرائم في هذا القرن، وعن فرص مثولهم يوماً أمام العدالة.

كان الأشخاص الخمسة والخمسون الذين شملهم تحقيق «نيويورك تايمز»، رجالاً يتمتعون بنفوذ هائل، لكن بحضورٍ عامٍّ محدود. وقد أتاح لهم ذلك، على مدى عقود، إتقان فن إخفاء هوياتهم باستخدام أسماء مستعارة وجوازات سفر مزوّرة أو مشتراة، وجميعهم خاضعون لعقوبات دولية، فيما يواجه عدد منهم مذكرات توقيف دولية.

صورة لغسان بلال على جدار إحدى فيلاته بدمشق التي هُجرت بعد سقوط النظام في سوريا (نيويورك تايمز)

ولسدّ الثغرات المتعلقة بمصائرهم، قام صحافيو «نيويورك تايمز» بتفتيش فيلات مهجورة تعود للنظام، ومراجعة مصادر الإنترنت المفتوحة، والتشاور مع ناشطين ومحامين سوريين يسعون لملاحقة مضطهديهم السابقين. كما أُجريت مقابلات مع جهات إنفاذ قانون دولية وشخصيات من النظام السابق، وفي بعض الحالات تمت مواجهتهم بشكل مباشر.

وأسفر هذا الجهد عن تحديد أماكن وجود نصف هؤلاء فقط، ووجد الصحافيون أنه لم يُحتجز سوى شخص واحد، أما الآخرون فقد اختفوا عن الأنظار أو تركوا آثاراً ضئيلة للغاية.

وتحدث معظم مَن أُجريت معهم المقابلات شرط عدم الكشف عن هوياتهم، إما لانخراطهم في جهود سرية من أجل تحقيق العدالة، وإما خشية التعرّض للانتقام، سواء من شخصيات النظام السابق أو من ضحاياه.

ويؤكد محامون وناشطون يعملون على ملاحقة مرتكبي جرائم حقبة الأسد أن جهودهم تصطدم بغياب الإرادة السياسية، فالحكومة السورية الجديدة تركّز على ترسيخ سلطتها، فيما تتردد بعض الحكومات الأجنبية في تسليم حلفاء سابقين، أو تفضّل الاحتفاظ بالفارّين مصادرَ استخباراتية.

جولات تسوّق ومساكن تعود للحقبة السوفياتية

بالنسبة لبعض أفراد نخبة النظام السوري السابق، بدت الأشهر الأولى في موسكو كأنها سياحة منفى. فقد شوهد جمال يونس، 63 عاماً، المتهم بإصدار أوامر مباشرة بإطلاق النار على متظاهرين عُزّل، وهو يتجوّل على دراجة كهربائية قرب الملعب الوطني الروسي، في مقطع فيديو جرى تداوله على الإنترنت وتأكدت الصحيفة من صحته.

منظر لمركز «موسكو سيتي» للأعمال خلف جدار الكرملين في موسكو (رويترز)

كما شوهد وزير الدفاع السوري السابق علي عباس، 64 عاماً، ورئيس هيئة الأركان عبد الكريم إبراهيم، 62 عاماً، وكلاهما متهم بالتعذيب والعنف الجنسي خلال الانتفاضة السورية، وهما يتجولان في «المول الأوروبي» الفاخر المؤلف من ثمانية طوابق في موسكو.

ويعيش كفاح ملحم، 64 عاماً، المدير السابق لمكتب الأمن الوطني السوري، والمستشار المقرّب من الأسد، في فيلا كبيرة بموسكو مع صهره غسان إسماعيل، 65 عاماً، حسب شخصين على تواصل معه. ويُتهم الجنرالان السابقان في الاستخبارات بالإشراف على تعذيب واعتقال المتظاهرين.

وكان ملحم من القلة التي أمكن التواصل معهم للتعليق، إذ أرسل رداً مطوّلاً نفى فيه اتهامات ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، معتبراً أن انتهاكات النظام السابق «لا تُقارن» بجرائم قادة سوريا الجدد، الذين قادوا سابقاً تنظيماً تابعاً لتنظيم «القاعدة». وادعى أن التقارير الموثقة عن التعذيب والإعدامات الجماعية في سجون مثل صيدنايا «مفبركة». وعند سؤاله عن حياته في روسيا، اكتفى بالقول: «نعيش كمواطنين عاديين».

أما الضباط الذين اعتادوا السلطة والنفوذ، فقد وجدوا في المنفى الروسي واقعاً مهيناً، إذ فرضت روسيا قيوداً صارمة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتحدث علناً، كما حدّت من تحركات كثير من كبار المسؤولين عبر إجراءات أمنية مشددة.

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

ولم تردّ السلطات الروسية على استفسارات الصحيفة بشأن وجود مسؤولي النظام السوري السابق في البلاد. وبالنسبة إلى أكثر من 1200 ضابط سوري، فقد بدأ فصل أكثر قسوة عندما سارعوا، وأحياناً دفعوا رشى، للصعود إلى طائرات «إليوشن» المتجهة إلى موسكو من قاعدة روسية على الساحل السوري. وعند وصولهم، اضطروا إلى تقديم طلبات لجوء مؤقت، مما جعل كثيرين يشعرون بأن وضعهم القانوني هش.

ولم يُنقل هؤلاء إلى فنادق فاخرة، بل أُسكنوا في منشآت تعود إلى الحقبة السوفياتية، غالباً في غرف جماعية تضم ثلاثة أو أربعة أشخاص. واشتكى كثيرون من الطعام الروسي ومواعيد الوجبات الصارمة.

وفي ظل هذا الوضع، اندلعت تصفيات حسابات قديمة، ففي حادثة أثارت جدلاً واسعاً، تعرّض آصف الدكر، 60 عاماً، قائد الشرطة العسكرية المتهم بالإشراف على تعذيب السجناء، للضرب والبصق من قبل ضباط ناقمين، وفقاً لأربعة ضباط سابقين ومساعد لا يزال على تواصل معه.

وبعد أسابيع من المنفى، خُيّر الضباط بين العيش بحرية على نفقتهم الخاصة، والبقاء على إعانات الدولة وتوزيعهم في أنحاء روسيا. وقيل إن بعض مَن اختاروا الخيار الثاني نُقلوا إلى مناطق نائية مثل سيبيريا.

كشف تحقيق صحيفة «نيويورك تايمز» عن أماكن وجود كبار المسؤولين السوريين الذين فروا وعديد منهم ما زالوا أحراراً محميين بثرواتهم وبمجاملات الدول المضيفة (نيويورك تايمز)

في المقابل، نجح كثير من كبار القادة في تأمين شقق خاصة، غالباً فاخرة. ومن بين مَن لم يتمكن من ذلك في البداية اللواء أوس أصلان، 67 عاماً، المشتبه بإشرافه على عمليات قتل جماعي وقمع دموي للمدنيين.

وقد أُرسل أوس أصلان إلى مدينة قازان، الواقعة على بُعد نحو 450 ميلاً شرق موسكو، وفقاً لثلاثة أصدقاء وضابط زميل قالوا إنه أخبرهم بأنه لا يملك أي مدخرات يعتمد عليها.

غير أن الحياة المتواضعة التي فُرضت عليه سرعان ما دفعته إلى التراجع عن هذا المسار، على حد قولهم، إذ عاد بعد أشهر للظهور مجدداً في شقة فاخرة تُقدَّر قيمتها بملايين الدولارات في موسكو. وقال أحد أصدقائه في دمشق، مازحاً: «حاول أن يبدو فقيراً، لكنه لم يستطع الاستمرار. الآن يعيش أفضل أيام حياته».

صورة ممزقة لماهر الأسد ملقاة على الأرض في فيلته في بلدة يعفور (أ.ف.ب)

ومن بين هؤلاء الجنرال السابق غسان بلال، حسب ضابطين زميلين وصديق للعائلة. وقد زارت الصحيفة عقارين شاسعين قال الجيران إنهما يعودان للجنرال السابق غسان بلال، وكان أحدهما يضم مسابح، وحمّاماً تركياً، وسينما خارجية، إضافة إلى صور عائلية معلّقة على الجدران. وتتهمه العقوبات الأميركية والأوروبية بتسهيل تهريب مخدر الكبتاغون، وهو منبه شديد الإدمان يُقدَّر أنه درّ على النظام أكثر من خمسة مليارات دولار.

وفي أغسطس (آب)، أصدرت فرنسا مذكرة توقيف بحق بلال، متهمةً إياه وستة مسؤولين آخرين بإصدار أوامر باستهداف المدنيين خلال حصار وحشي لمدينة حمص عام 2012. كما اتهمهم المحققون بتدبير التفجير الذي أسفر عن مقتل المصور الفرنسي ريمي أوشليك، ومراسلة الحرب الأميركية ماري كولفن، في العام نفسه.

رئيس هيئة الأركان السورية السابق عبد الكريم إبراهيم (متداولة)

وتعيش زوجته وأبناؤه جزءاً من العام في إسبانيا، حيث تمتلك العائلة عقارات، وفقاً للضابطين وصديقين للعائلة، مؤكدين أن هذا الترتيب قائم منذ سنوات. وتدرس ابنة بلال في جامعة خاصة شمال مدريد، حسب أصدقاء العائلة، وتنشر على ما يبدو على مواقع التواصل الاجتماعي عن دراستها هناك، وقد شاهدها صحافي من «نيويورك تايمز» في أثناء زيارته للحرم الجامعي. ورفضت وزارة الخارجية الإسبانية الرد على طلب الصحيفة الحصول على تعليق، قائلةً إنها «لا تستطيع تقديم بيانات عن أشخاص بعينهم».

أما الجنرال ياسين ضاحي، البالغ من العمر 64 عاماً، فقد واجه مشكلات صحية ومالية في دبي، حسب إحدى بناته. وكان ضاحي، الذي تقاعد قبل سقوط النظام، يرأس الفرع 235 في إدارة المخابرات العسكرية بدمشق، المعروف بين السوريين باسم «فرع فلسطين» المخيف، بسبب التعذيب المنهجي وحالات الاختفاء القسري.

وانتظر ضاحي يومين لرحلة إجلاء روسية، لكنه، بسبب معاناته من مرض في القلب وخشيته على سلامته، فضّل بدلاً من ذلك الالتحاق بعائلته في دبي بتأشيرة سياحية انتهت صلاحيتها الآن، وفقاً لما قالته ابنته. وأضافت أنه، خوفاً من الترحيل، لم يتمكن من تلقي العلاج في أي مستشفى، وأنه «على وشك نفاد المال». وأشارت الصحيفة إلى أن ضاحي يخشى العودة إلى سوريا، جزئياً لأن صهره، وهو مهندس يعمل في القصر الرئاسي، قُتل فيما يبدو بعملية انتقام.

مطاردة الأشباح

توجد فئة أخرى من مسؤولي النظام السوري السابق: أولئك الذين لم يفرّوا. بعضهم متوارٍ عن الأنظار، وأحدهم على الأقل قيد الاحتجاز، فيما يعيش آخرون في العلن دون ضجيج.

ومن بين الجنرالات الذين قيل إنهم لا يزالون في سوريا، عصام حلاق، الذي أشرف على سلاح الجو السوري من عام 2010 وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وهي الفترة التي بدأ فيها النظام استخدام الغارات الجوية ضد شعبه لقمع الاحتجاجات.

وبعد سقوط النظام، شكّل حلاق وعدد من الضباط المتقاعدين لجنة للمحاربين القدامى، وسعوا إلى التعاون مع القيادة السورية الجديدة، مقدمين خبراتهم التقنية في مجالات مثل صيانة الدبابات والطائرات لوزارة الدفاع الناشئة، حسب ثلاثة ضباط زملاء. غير أن هذا التعاون لم يدم طويلاً، إذ قررت الحكومة الجديدة بعد عدة أشهر، العمل فقط مع الضباط الذين تقاعدوا قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية عام 2011، وتقديم معاشات لهم.

وقال الضباط إن حلاق يعيش اليوم في فقر شديد، ويلزم شقته في دمشق خشية اعتقاله، وقد رفض، عبر وسيط، إجراء مقابلة.

ضابط واحد محتجز

ومن بين 55 شخصية من النظام حققت فيها الصحيفة الأميركية، لم يُعثر إلا على شخص واحد بدا أنه محتجز، هو طاهر خليل، البالغ من العمر 70 عاماً، والذي كان يرأس إدارة المدفعية والصواريخ، وأشرف، حسب الاتحاد الأوروبي، على استخدام الأسلحة الكيميائية وضرب مناطق مدنية.

ولسنوات طويلة، كان خليل أشبه بالشبح، إذ ظلت صورته وتفاصيل سيرته الذاتية شبه مجهولة للعامة. غير أن الصحيفة عثرت على صورته وتاريخ ميلاده ومسقط رأسه في ملفات حكومية.

وقادت هذه المعلومات الصحيفة إلى مدينة صافيتا، مسقط رأس خليل، الواقعة على بُعد نحو 90 ميلاً شمال غربي دمشق. وهناك قال مسؤول أمني محلي، اكتفى بذكر اسمه الحركي، إن خليل اعتُقل في فبراير (شباط) بعد أن حاول التخفي عبر تقديم نفسه بوصفه ضابطاً متقاعداً. وشارك المسؤول صورة لخليل في أثناء احتجازه، إلى جانب تفاصيل داعمة أخرى، مؤكداً أنه محتجز حالياً في دمشق.

ولم تعلن الحكومة السورية رسمياً اعتقال خليل، في مؤشر ربما إلى أنها لا تزال تتعامل بحذر مع كيفية معالجة مثل هذه الملفات.

طوّر برنامج الأسلحة الكيمياوية

في قلب حي دمشقي تاريخي، وتحت عرائش من النباتات المتسلقة، يقع مبنى حجري أنيق يعرفه كثير من السوريين، إذ ظهر مؤخراً كخلفية في مسلسل تلفزيوني شهير. لكن قلة فقط تعلم أنه أيضاً منزل عماد الأرمنازي، البالغ من العمر 81 عاماً، المدير السابق لمركز البحوث العلمية الذي طوّر برنامج الأسلحة الكيمياوية السوري. وقد تقاعد عام 2021، ويبدو أنه يعيش حياة مريحة.

قصف إسرائيلي لمركز البحوث العلمية «برزة» شمال دمشق 10 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

فتح الباب مرتدياً رداء الاستحمام، ودعا صحافياً من «نيويورك تايمز» إلى شقة ذات أرضيات رخامية مكسوّة بسجاد شرقي، وكان مستعداً للحديث عن كل شيء، من قصة حياته إلى تاريخ سوريا، باستثناء العمل الذي دفع 33 دولة إلى منعه من دخول أراضيها.

وحسب العقوبات الأميركية والأوروبية والبريطانية، لعب الأرمنازي دوراً رئيسياً في إنتاج الأسلحة الكيميائية التي استُخدمت ضد المدنيين السوريين.

وقال محققون في الأمم المتحدة إن الأرمنازي خضع لاستجواب من الوكالة الأممية المكلفة بتطبيق الحظر الدولي على الأسلحة الكيميائية، إلا أنه لم يُستجوب بشأن جرائم حرب محتملة.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت السلطات السورية قد استجوبته، رغم انضمامه في يوليو (تموز) إلى مجلس الأمناء في إحدى الجامعات السورية، وفقاً لمنشور على صفحة الجامعة في منصة «فيسبوك». ويُعد الأرمنازي واحداً من عدة مسؤولين بارزين من حقبة الأسد يبدو أنهم أحرار داخل سوريا، من دون توضيح رسمي عمّا إذا كانوا قد تمت تبرئتهم أو عقدوا صفقات تعاون مقابل التخفيف من العقوبة.

ضميره مرتاح

وقالت وزارة الإعلام السورية إن الحكومة لم تمنح حصانة لمسؤولي النظام السابق، لكنها لم تردّ على طلبات متكررة للحصول على معلومات إضافية بشأن أوضاع كبار المسؤولين أو التحقيقات المتعلقة بجرائمهم. وقال مسؤولان سوريان، طلبا عدم الكشف عن هويتيهما لأنهما غير مخولَين بالتحدث باسم الحكومة، إن أولوية الحكومة تتمثل في تقديم مَن أصدروا الأوامر أو نفذوا الهجمات إلى العدالة، لا العلماء الذين ساعدوهم.

لكن الأرمنازي «كان أكثر بكثير من مجرد موظف بيروقراطي»، حسب نضال شيخاني، مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا، وكذلك منظمة «Same Justice»، التي تبحث في انتهاكات حقوق الإنسان، موضحاً أنه كان «المهندس الرئيسي للمركز، سواء في طموحاته العلمية أو في إرثه الأكثر ظلمة».

وخلال زيارتين لمنزله، رفض الرجل البالغ من العمر 81 عاماً مراراً الحديث عن ماضيه، لكنه أصرّ على التأكيد على نقطة كررها تقريباً كل مسؤول سابق تواصلت معه الصحيفة، وهي أن «ضميره مرتاح».

* خدمة «نيويورك تايمز»

اقرأ أيضاً


مقتل 3 أشخاص في الساحل السوري خلال اشتباكات مع قوات الأمن

نقطة تفتيش تابعة لقوى الأمن الداخلي السوري في السويداء (رويترز)
نقطة تفتيش تابعة لقوى الأمن الداخلي السوري في السويداء (رويترز)
TT

مقتل 3 أشخاص في الساحل السوري خلال اشتباكات مع قوات الأمن

نقطة تفتيش تابعة لقوى الأمن الداخلي السوري في السويداء (رويترز)
نقطة تفتيش تابعة لقوى الأمن الداخلي السوري في السويداء (رويترز)

قُتل ثلاثة أشخاص، الأربعاء، خلال اشتباكات مع قوات الأمن في محافظة اللاذقية، معقل الأقلية العلوية في غرب سوريا وفق ما أفاد الإعلام الرسمي.

وأفاد التلفزيون الرسمي عن مقتل ثلاثة أشخاص قال إنهم من «فلول النظام السابق»، في حين أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن عناصر من قوات الأمن الداخلي اشتبكوا مع «مجموعة من المطلوبين الخارجين عن القانون في محيط مدينة جبلة بريف اللاذقية».

ومنذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق بشار الأسد قبل أكثر من عام، أعلنت السلطات السورية عن عمليات أمنية عدة ضد ما تسميه «فلول النظام».

ووفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية»، فمحافظة اللاذقية هي أكبر محافظة في منطقة الساحل السوري، وهي معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

وحصدت أعمال عنف على خلفية طائفية في مارس (آذار) نحو 1700 قتيل غالبيتهم الساحقة من العلويين، وفق وسائل إعلام سورية.

وفي الشهر الماضي، تظاهر الآلاف في مدينة اللاذقية، ومناطق أخرى ذات غالبية علوية، تنديداً باعتداءات متكررة استهدفت هذه الأقلية.

ويعد بسط الأمن أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطات السورية منذ توليها الحكم، ولا سيما في مناطق الساحل التي تسجل فيها حوادث أمنية متكررة.


شقيق الضباط اللبناني يروي تفاصيل استدراجه واختفائه

TT

شقيق الضباط اللبناني يروي تفاصيل استدراجه واختفائه

عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)

لم تتبدد الصدمة عن وجوه أفراد عائلة النقيب المتقاعد من «الأمن العام» اللبناني أحمد شكر، المخطوف منذ أيام، وذلك بعد ترجيحات أمنية وقضائية لبنانية بأن المخابرات الإسرائيلية اختطفته على خلفية صلات مشبوهة باختفاء الطيار الإسرائيلي رون آراد في جنوب لبنان عام 1986.

ويقول شقيقه عبد السلام شكر، إن قصة أحمد بدأت بعدما تواصل معه المغترب اللبناني في كينشاسا (ع. م.)، طالباً منه استئجار شقته في منطقة الشويفات (جنوب بيروت)، وبالفعل اتفقا قبل أشهر، ودفع 500 دولار إيجار الشقة. تكررت زيارات المغترب إلى لبنان، والتقى في إحداها بشكر في منزله، ولاحقاً، اتصل بالنقيب المتقاعد أحمد شكر ليبلغه بأن هناك متمولاً كبيراً في أفريقيا يُدعى سليم كساب (تبين لاحقاً أنه اسم وهمي) يبحث عن قطعة أرض لشرائها في زحلة، طالباً مساعدتهما.

يضيف عبد السلام: «نزل المغترب وعاين قطعة الأرض، وبعد أسبوعين على مغادرته، اتصل ليبلغ بأن المتمول كساب وافق على شراء الأرض، وهو سيزور لبنان، وعليه أن يلاقيه فيها في الساعة 4 والنصف من بعد ظهر يوم اختفاء أحمد»، مشيراً إلى أن المغترب «أصرّ على أن يكون هذا الموعد؛ لأنه يناسب الشاري، رغم تأكيد أحمد أن هذا الوقت تكون العتمة قد حلّت في المنطقة، ولن تظهر طبيعة الأرض». وقال إن المغترب «اعتذر عن عدم الحضور، متذرعاً بأن قدمه قد كُسِرت، وأن المتمول سيزور المكان وحده، برفقة أحمد».

في تلك الساعة من اللقاء، اختفى شكر. يقول عبد السلام: «لا نعلم عنه أي شيء سوى من التسريبات الأمنية والقضائية»، مضيفاً: «ما علمناه أن الخاطفين كانوا استأجروا منزلاً في زحلة، وأزالوا كل بصماتهم منه بعد اختطاف أحمد»، وأن «كاميرات المراقبة رصدت تحرك السيارة باتجاه بلدية الصويرة في البقاع الغربي حيث اختفت الأدلة بعدها»، علماً بأن الصويرة كانت تُستخدم كخط تهريب من جنوب دمشق الغربي، باتجاه لبنان.

ولاء للدولة

ويضيف عبد السلام: «أخي قضى أربعين عاماً في السلك العسكري، لم يكن ولاؤه إلا للدولة والمؤسسات، ولم يرتبط طوال حياته بأي من الأحزاب... نحن عائلة لا تتعاطى السياسة».

وشكر، تعرّض قبل أسبوع لعملية استدراج محكمة انطلقت من مسقط رأسه في بلدة النبي شيت (البقاع الشمالي بشرق لبنان)، قبل أن يُفقد أثره في نقطة قريبة جداً من مدينة زحلة.

الضابط المتقاعد من «الأمن العام اللبناني» أحمد شكر الذي خُطف من شرق لبنان (أرشيف العائلة - الشرق الأوسط)

في دارة مختار بلدة النبي شيت عباس شكر، يتوافد أبناء البلدة والأصدقاء الذين أعربوا عن احتجاجهم واستنكارهم لعملية الخطف والاختفاء.

تقول العائلة إن أحمد شكر تقاعد قبل 9 سنوات، بعد أربعين عاماً من الخدمة في الأمن العام، وتنقل خلالها بأكثر من موقع، بينها نقطة المصنع الحدودية مع سوريا، ونقطة القاع الحدودية مع سوريا أيضاً في شمال شرقي لبنان.

ويقول شقيقه عبد السلام لـ«الشرق الأوسط»: «شقيقي دخل الخدمة العسكرية في 1979، ما يعني أنه كان (ابن دولة) حين اختفى آراد في عام 1986... ومن المعروف أن ابن الدولة، لا يتعاطى الأحزاب».

ويردّ على محاولات ربط العائلة بنسب إلى فؤاد شكر، القيادي في «حزب الله» الذي اغتالته إسرائيل في يوليو (تموز) 2024 في الضاحية الجنوبية، بالقول: «لم يكن أحد من أبناء البلدة يعرف فؤاد شكر أصلاً... منذ مطلع الثمانينات خرج من البلدة ولم يعد إليها، وكان بعيداً عن أقربائه»، مشدداً على أن شقيقه، ومنذ تقاعده من الخدمة العسكرية، «لم يخرج خارج البقاع. التزم بيته، ويلعب الورق مع أصدقائه ليلاً».

عبد السلام شكر شقيق المخطوف أحمد شكر يتحدث لـ«الشرق الأوسط» من بلدة النبي شيت (الشرق الأوسط)

ويخيم الذهول على العائلة وزائري المنزل. هو مشهد متواصل منذ اختفائه في الأسبوع الماضي، ولم يتسارع الملف بمنحى رسمي، إلا حين اتصل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، بالرئيس اللبناني جوزيف عون، وبوزير الداخلية أحمد الحجار، حسبما يقول عبد السلام، مضيفاً أن عون «تعهّد بطلب من الأجهزة الأمنية والقضائية التوسع في التحقيقات وكشف الملابسات». وقال إن المسؤولين في «حركة أمل» كانوا على اتصال دائم مع رئيس البرلمان نبيه بري، لمتابعة الملف.

لغز الاختفاء

وقال عبد السلام: «نطالب القضاء والأجهزة الأمنية بتأكيد أو نفي التسريب حول صلة مزعومة باختفاء رون آراد، هذا التسريب الذي حصل لا يعنينا، ما يعنينا هو ما تقوله الأجهزة الأمنية والأمن العام الذي ينتمي له شكر، وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي التي تتولى التحقيق».

وأكد عبد السلام شكر أن «لغز الاختفاء موجود لدى (ع. م) ابن بلدة قانا الجنوبية الذي يقيم في كينشاسا ويتهرب من اتصالاتنا، وعلى الدولة اللبنانية أن تطلب عبر الإنتربول توقيفه وإحضاره إلى لبنان للتحقيق معه»، لافتاً إلى أن أرقام هواتفه «لم يعد يرد عليها»، وأن جميع المعلومات المتوفرة عنه، بما فيها مقاطع فيديو له، باتت بحوزة الأجهزة الأمنية.

ويعرب شكر عن اعتقاده بأن المغترب (ع. م.) «هو من رتب القصة مع الموساد، وأوصلهم إلى هذه المرحلة، ونفذوا العملية بطريقة دقيقة واحترافية»، لافتاً إلى أن ما فهمته العائلة من الأجهزة الأمنية اللبنانية، أن الخاطفين لم يتركوا أي بصمات، لا في شقة ضهور زحلة، ولا في الشويفات، ولم يتم العثور على أي دليل، كما أن سيارة الخاطفين ما زالت مجهولة».