كيف أصبحت حركة «جيل زد 212» الشبابية تقود الاحتجاجات في المغرب؟

ركزت على قطاعي الصحة والتعليم بوصفهما أبرز مظاهر التفاوتات الاجتماعية في البلاد

مظاهرات حاشدة شهدتها شوارع مدينة الدار البيضاء ليلة الخميس للمطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم (أ.ب)
مظاهرات حاشدة شهدتها شوارع مدينة الدار البيضاء ليلة الخميس للمطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم (أ.ب)
TT

كيف أصبحت حركة «جيل زد 212» الشبابية تقود الاحتجاجات في المغرب؟

مظاهرات حاشدة شهدتها شوارع مدينة الدار البيضاء ليلة الخميس للمطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم (أ.ب)
مظاهرات حاشدة شهدتها شوارع مدينة الدار البيضاء ليلة الخميس للمطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم (أ.ب)

فاجأت حركة «جيل زد 212» المغاربة باحتجاجات تركز على قطاعي الصحة والتعليم منذ أسبوع، تلتها أعمال عنف غير مسبوقة خلفت ثلاثة قتلى. فماذا نعرف عن هذه الحركة؟ وكيف تشكلت؟ يجمع اسم الحركة بين «جيل زد»؛ أي الفئة العمرية التي ينتمي إليها أفرادها وهم مواليد نهاية العقد الأخير من القرن الماضي وبداية العقد الأول من القرن الحالي، والرقم 212، وهو مفتاح الاتصال الهاتفي الدولي بالمملكة.

ووفق أحد منتسبيها الأوائل، فقد بدأت الحركة بفتح صفحة للنقاش حول مشاكل الصحة والتعليم في موقع «ديسكورد»، منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، إثر أنباء عن ثماني وفيات متفرقة لنساء حوامل بمستشفى عمومي في مدينة أكادير (جنوب)، وهي الوفيات التي فتح فيها تحقيق قضائي، وفق مصدر رسمي، لم تكشف نتائجه بعد. وكانت تلك «الشرارة» التي استقطبت «نحو ثلاثة آلاف منتسب» في البداية، وفق المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه.

استقطبت المظاهرات فئات عريضة من الشبان من كلا الجنسين (أ.ب)

ومن بين هؤلاء المنتسبين فاطمة الزهراء (20 عاماً)، التي جاءت للتظاهر، الاثنين، بالرباط، موضحة في تصريحات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «رأينا ما وقع في أكادير فخرجنا لندافع عن حقوقنا».

كيف خرجت المظاهرات إلى الشارع؟

لا يكشف مؤسسو الحركة ولا منتسبوها عن هوياتهم، ويشاركون كل ليلة في حلقات نقاش يديرها أحد منشطي صفحتها على موقع «ديسكورد»، حول مطالب الحركة وكيفية التعبير عنها، تختم بالتصويت. وهكذا قررت الحركة التظاهر سلمياً في مدن عدة، السبت والأحد الماضيين، لكن دون أن تؤخذ على محمل الجد. لكنها فاجأت الجميع بخروجها في مظاهرات منعتها السلطات على أساس أنها غير مرخصة ومجهولة المصدر. وبعد هذا المنع تزايد عدد منتسبيها على «ديسكورد» بسرعة فائقة ليناهز 170 ألفاً. لكن لا يمكن تحديد عدد الناشطين منهم فعلياً.

بروز حركة شبابية غير مسيّسة فاجأ الطبقة السياسية والسلطات (أ.ب)

وعندما سمحت لهم السلطات بالتظاهر في غير مدينة، راوحت التجمعات بين بضع عشرات ومئات، جلّهم شباب من الجنسين.

لماذا تركز المظاهرات على الصحة والتعليم؟

يجسد القطاعان أبرز مظاهر التفاوتات الاجتماعية في المغرب، حيث تضطر الفئات المتوسطة وحتى الفقيرة إلى اللجوء لمدارس خاصة توفر ظروف تعليم أفضل، بينما تعاني المدارس العمومية في الغالب من الاكتظاظ ومخاطر التسرب المدرسي، علماً بأن نقص التعليم مسؤول بنسبة 47.5 في المائة عن حالات الفقر، رغم تراجع المستوى العام للفقر من 11.9 في المائة في 2014 إلى 6.8 في المائة في 2024، وفق أرقام رسمية. بينما يعاني قطاع الصحة العمومية عجزاً في الأسرّة والأطباء والتجهيزات، ما يعيق الولوج للعلاج، رغم تعميم التغطية الصحية بدء من عام 2021.

جانب من التعزيزات الأمنية المكثفة التي شهدتها شوارع العاصمة الرباط تزامناً مع خروج المظاهرات (أ.ب)

بهذا الخصوص، تقول فاطمة الزهراء: «نضطر لدفع رشوة أحياناً» لقاء سرير في مستشفى عمومي. في خضم هذه الأزمة، أكد وزير الصحة، أمين التهراوي، أمام البرلمان، الأربعاء، إطلاق إصلاحات، أبرزها تسريع بناء وتأهيل عدد من المستشفيات، لكنه لفت إلى أنها «تظل غير كافية لسد الخصاص»، الذي يعزى أساساً إلى نقص الأطباء والأطر الطبية، وهي إشكالية «لا يوجد حل فوري لها» كما أضاف، مراهناً على زيادة المقاعد بكليات الطب. والخميس، طالبت الحركة أيضاً بإقالة الحكومة، قبل أن تقول إنها ستنشر لاحقاً صيغة نهائية لمطالبها.

هل ترفض الحركة حقاً تنظيم مونديال 2030؟

لم تصدر الحركة أي موقف بخصوص التنظيم المشترك لكأس العالم لكرة القدم 2030 مع إسبانيا والبرتغال، الذي يعد إنجازاً في المغرب بعد محاولات فاشلة على مدى 35 عاماً. لكن بعض المظاهرات، التي سمحت بها السلطات رفعت شعارات «لا نريد كأس العالم»، و«الملاعب في أحسن تصميم فأين المستشفيات؟»، ما أوحى بأن الحركة ترفض استضافة هذه البطولة.

ركزت الاحتجاجات على قطاعي الصحة والتعليم بوصفهما أبرز مظاهر التفاوتات الاجتماعية في البلاد (إ.ب.أ)

وبحسب أحد أعضاء الحركة، هناك من طرح الموضوع عند النقاش حول المطالب، لكن «ليس لرفض المونديال، بل للمطالبة ببذل نفس الجهد الذي رأيناه لبناء الملاعب في بناء المستشفيات». وبحسب أرقام رسمية يكلف تأهيل ستة ملاعب وبناء ملعب جديد ضخم بحلول عام 2028 نحو 1.5 مليار دولار. وتراهن المملكة على استثمارات أضخم في البنى التحتية بحلول سنة 2030، مثل النقل السككي (نحو تسعة مليارات دولار)، والجيل الخامس للإنترنت (نحو ثماني مليارات)، والمطارات (3.8 مليار)، بحسب بيانات رسمية.

لماذا فاجأت الاحتجاجات المتابعين؟

إذا كانت الاحتجاجات الاجتماعية معتادة في المغرب، فإن بروز حركة شبابية غير مسيّسة فاجأ الطبقة السياسية والسلطات. بهذا الخصوص يقول أستاذ العلوم السياسية، محمد شقير: «يجب ألا ننسى أن الشباب يعبر عن غضبه منذ سنوات في ملاعب الكرة، دون أن تستطيع المنظمات السياسية استيعابه».

فاجأت حركة «جيل زد 212» المغاربة باحتجاجات تركز على قطاعي الصحة والتعليم منذ أسبوع (أ.ف.ب)

بعد زخم سياسي تلى مرحلة 2011 النسخة المغربية للربيع العربي، تراجع تأثير السياسيين في الأعوام الأخيرة لصالح التكنوقراط ورجال الأعمال، وأثارت محاكمة صحافيين وناشطين انتقادات منظمات حقوقية على خلفية «تراجع حرية التعبير»، وباستثناء قضايا تحظى بالإجماع مثل التضامن مع الفلسطينيين، تعجز المنظمات السياسية عن تعبئة الشارع.


مقالات ذات صلة

«مرسى المغرب» لتشغيل المواني للاستحواذ على 45 % من «بولودا ماريتايم تيرمينالز» الإسبانية

الاقتصاد مشهد عام لميناء الحاويات في القصر الصغير في طنجة بالمغرب (رويترز)

«مرسى المغرب» لتشغيل المواني للاستحواذ على 45 % من «بولودا ماريتايم تيرمينالز» الإسبانية

قالت شركة «مرسى المغرب» لتشغيل المواني، إنها وقعت صفقة للاستحواذ على حصة 45 في المائة في شركة «بولودا ماريتايم تيرمينالز» الإسبانية، مقابل 94 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا عمال البلدية يرفعون الركام من أحد شوارع بلدة آسفي الساحلية الاثنين (أ.ف.ب)

37 قتيلاً في فيضانات مفاجئة ضربت بلدة ساحلية مغربية

أفادت السلطات المحلية بأن آسفي الواقعة على بعد نحو 300 كيلومتر جنوب الرباط تعرضت لعواصف رعدية شديدة تسببت في تدفقات سيول استثنائية خلال ساعة واحدة.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا جانب من احتجاجات سابقة شهدتها مدينة الدار البيضاء (أرشيفية - أ.ف.ب)

توقيف 14 شخصاً في الدار البيضاء المغربية بعد أعمال شغب رياضي

سجلت الشبكات الاجتماعية انتشار فيديوهات تظهر مشاهد الفوضى التي شهدتها المنطقة قبل أسبوع من انطلاق «كأس أمم أفريقيا».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية وليد الركراكي المدير الفني لمنتخب المغرب (رويترز)

الركراكي يعلن قائمة المغرب بشريط مصور

أثار وليد الركراكي، المدير الفني لمنتخب المغرب، جدلاً واسعاً بعد تراجعه عن عقد مؤتمر صحافي مخصص للإعلان عن القائمة النهائية المشاركة في كأس أمم أفريقيا 2025.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
يوميات الشرق صورة من حساب القنصلية المغربية بباريس على «إكس»

القفطان المغربي… أناقة عبر القرون تتوجها «اليونيسكو» باعتراف عالمي

اعتراف عالمي بثراء التراث المغربي، وبقدرة هذا القفطان العريق على أن يتحول إلى لغة ثقافية عابرة للحدود، تجمع بين الجمال والهوية وتستمر في الإلهام عبر الزمن.

كوثر وكيل (نيودلهي )

مصرع سائحة إيطالية بحادث تصادم بين مركبين سياحيين في جنوب مصر

الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل
الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل
TT

مصرع سائحة إيطالية بحادث تصادم بين مركبين سياحيين في جنوب مصر

الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل
الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل

قضت سائحة إيطالية، الأحد، إثر حادث تصادم بين مركبين سياحيين في محافظة الأقصر بجنوب مصر، وفقاً لوزارة النقل المصرية ووسائل إعلام إيطالية.

وأكدت وزارة النقل المصرية في بيان تصادم فندقين عائمين بنهر النيل في محافظة الأقصر بجنوب مصر أثناء إبحارهما بين مدينتي الأقصر وأسوان السياحيتين و«وفاة إحدى النزيلات».

وأشار البيان إلى «تهشم 3 كبائن» في أحد الفندقين العائمين وتضرر الآخر، بينما تمت إحالة الواقعة إلى النيابة.

https://www.facebook.com/MinistryTransportation/posts/في المائةD8في المائةA8في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة86-في المائةD8في المائةA7في المائةD8في المائةB9في المائةD9في المائة84في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة85في المائةD9في المائة8A-في المائةD9في المائة85في المائةD9في المائة86-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة87في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA6في المائةD8في المائةA9-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD8في المائةB9في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة85في المائةD8في المائةA9-في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD9في المائة82في المائةD9في المائة84-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD9في المائة87في المائةD8في المائةB1في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA7في المائةD8في المائةB9في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD8في المائةAA-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة87في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA6في المائةD8في المائةA9-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD8في المائةB9في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة85في المائةD8في المائةA9-في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD9في المائة82في المائةD9في المائة84-في المائةD8في المائةA7في المائةD9في المائة84في المائةD9في المائة86في المائةD9في المائة87في المائةD8في المائةB1في المائةD9في المائة8A-في المائةD9في المائة81في المائةD9في المائة8A-في المائةD8في المائةA8في المائةD9في المائة8Aفي المائةD8في المائةA7/1174605321503189/?locale=ar_AR

وأفادت وكالة «أنسا» الإيطالية للأنباء بمقتل سائحة إيطالية تبلغ 47 عاماً بعد نقلها للمستشفى عقب إصابتها في الحادث.

وتعتبر محافظتا الأقصر وأسوان (أكثر من 600 كيلومتر جنوب القاهرة) وجهتين سياحيتين بارزتين، بينما تحاول الحكومة المصرية تنشيط قطاع السياحة الذي عانى من الأزمات الاقتصادية والجائحة العالمية في السنوات الأخيرة.

وتساهم السياحة بـ10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المصري ويعمل في هذا القطاع نحو مليوني شخص، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأعلنت الحكومة المصرية الشهر الماضي نمو نشاط الفنادق بنسبة 13 في المائة مقارنة بالعام السابق، بالتزامن مع افتتاح المتحف المصري الكبير في بداية نوفمبر (تشرين الثاني).

وأعلن وزير السياحة المصري شريف فتحي الأسبوع الماضي ارتفاع أعداد السائحين إلى نحو 19 مليون، مقارنة بنحو 15 مليون عام 2024.


توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان

صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان

صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

بينما أكدت تقارير في جوبا حدوث توتر بين «قوات الدعم السريع» وقوات دفاع جنوب السودان، في منطقة هجليج النفطية بولاية جنوب كردفان، نفت «الدعم السريع» وقوع أي اشتباكات مسلحة بين الجانبين.

وأفادت صحيفة «جوبا بوست» بأن توتراً حادّاً حدث ليل السبت - الأحد بين القوات الجنوبية الموكَلة إليها حماية حقول النفط في هجليج - باتفاق ثلاثي بين جوبا وبورتسودان ونيالا - و«قوات الدعم السريع» التي سيطرت على المنطقة، بعد انسحاب الجيش السوداني منها إلى الدولة الجارة.

لكن الباشا طبيق، مستشار قائد «الدعم السريع»، قال في تغريدة على «فيسبوك» إن ما تناولته صحفٌ ووسائل إعلام سودانية موالية للجيش بشأن وقوع «اشتباكات في هجليج لا أساس له من الصحة». من جهة أخرى، تواصلت عمليات إجلاء العاملين في المنظمات الإنسانية والأممية من كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» بالاشتراك مع حليفتها «قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو».


تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
TT

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)

جدد مجلس الأمن الدولي ولايةَ «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر (كانون الأول) 2026، وسط مسار سلام يراوح في مكانه رغم تعدد الاتفاقات، مع عودة العنف مجدداً إلى صدارة المشهد.

هذه الخطوة الدولية، التي تضمنت دعوات إلى انسحاب حركة «23 مارس (إم 23)» المتمردة من مناطق احتلتها، يراها خبير في الشؤون الأفريقية، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، دفعةً لجهود السلام في شرق الكونغو الذي يعاني صراعات على مدى عقود عدة، موضحاً أن «غيابها يعني مزيداً من الفوضى؛ لكن مع التمديد يمكن تقديم دعم إضافي لمسار السلام المتعثر حالياً، على الرغم من الاتفاقات؛ لأسباب مرتبطة بعدم وجود تفاهمات حقيقية على الأرض».

وتتصدر أزمة شرق الكونغو، الممتدة منذ 3 عقود، الاهتمامات الأفريقية. وبحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ونظيره الرواندي، أوليفييه أندوهونجيريهي، في لقاء بالقاهرة، سبلَ إرساء الاستقرار والسلم والأمن في منطقة شرق الكونغو، مؤكداً دعمَ مصر الكامل الجهودَ كافة الرامية إلى تثبيت الأمن والاستقرار، وفق بيان من «الخارجية المصرية» الأحد.

وجاء اللقاء عقب قرار مجلس الأمن الدولي تمديد ولاية «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر 2026، مع الحفاظ على سقف القوات المصرح به عند 11 ألفاً و500 فرد عسكري، و600 مراقب عسكري وضابط أركان، و443 فرد شرطة، و1270 فرداً من وحدات الشرطة المشكّلة، ومطالبة رواندا بوقف دعمها حركة «إم 23» المتمردة.

ويرى المحلل السياسي التشادي الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» يمكن أن يشكل دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو، «إذا اقترن بتغييرات عملية في أسلوب عملها، وتعاون حقيقي مع السلطات المحلية والمجتمعات المتضررة... فالوجود الأممي يوفر غطاء دولياً لحماية المدنيين، ودعماً لوجيستياً ومؤسساتياً للجيش والشرطة، كما يساهم في مراقبة حقوق الإنسان، وتهيئة بيئة أفضل أمناً للعمل الإنساني والحوار السياسي. لكن نجاح التجديد لا يعتمد على الاستمرار الشكلي، إنما على معالجة أسباب الصراع المزمنة، مثل ضعف الدولة، وتعدد الجماعات المسلحة، والتنافس على الموارد، وانعدام الثقة بين السكان والبعثة»، وفق عيسى.

وإذا ركزت «مونوسكو» على «دعم حلول سياسية محلية، وتعزيز المصالحة، وبناء قدرات مؤسسات الدولة، والاستجابة لمطالب السكان بشأن الحماية والشفافية، فقد ينعكس التجديد إيجاباً على الاستقرار»؛ يضيف عيسى، موضحاً: «أما إذا استمر الشعور بعدم الفاعلية أو غياب التنسيق، فقد يحد ذلك من أثرها... لذلك؛ يكون التجديد فرصة حقيقية للسلام عندما يُستثمر لإصلاح الأداء وتوجيه الجهود نحو جذور الأزمة».

ويسلط القرار الدولي الضوء على «الأزمة الأمنية والإنسانية المتدهورة بسرعة» في شرق الكونغو الديمقراطية بسبب هجوم حركة «23 مارس» في شمال وجنوب كيفو «بدعم وبمشاركة مباشرة من قوات الدفاع الرواندية»، وفق بيان «المجلس».

وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، جنيفر لوسيتا، مساء الجمعة، إن «المفاوضات التي تقودها تعطلت مرة أخرى بسبب تقدم حركة (23 مارس) المدعومة من قوات الدفاع الرواندية».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود، وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتَين في الإقليم. وشنّت «23 مارس»، بدعم من رواندا، هجوماً جديداً في بداية ديسمبر الحالي بإقليم جنوب كيفو شرق البلاد على طول الحدود مع بوروندي، وأحكمت سيطرتها على بلدة أوفيرا الاستراتيجية في 11 ديسمبر الحالي.

وجاء التقدم الأخير للحركة في شرق الكونغو الغني بالمعادن بعد أسبوع من لقاء الرئيسَين؛ الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي والرواندي بول كاغامي الرئيسَ الأميركي دونالد ترمب في واشنطن خلال وقت سابق من هذا الشهر، وأكدا التزامهما اتفاق سلام توسطت فيه الولايات المتحدة.

ووسط أنباء عن انسحاب الحركة من المنطقة المحتلة حديثاً، قال مسؤولون في «الصليب الأحمر»، الخميس الماضي، إن «شهر ديسمبر هو الأعلى حدة في النزاع».

ويعدّ الاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية بواشنطن في مطلع ديسمبر الحالي هو الأحدث ضمن سلسلة «تفاهماتٍ بإطار» أُبرمت خلال يونيو (حزيران) الماضي في واشنطن، إضافة إلى «إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة»، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاقٍ يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن المطالب الدولية بانسحاب «23 مارس» من المناطق التي سيطرت عليها في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعبر عن ضغط سياسي ودبلوماسي متصاعد، «لكنها لا تعني بالضرورة أن الانسحاب يمكن تحقيقه قريباً». وأوضح أن «الحركة» ما زالت «تمتلك قوة عسكرية على الأرض، وتستفيد من تعقيدات المشهد الإقليمي، وضعف سلطة الدولة في بعض المناطق؛ مما يجعل استجابتها للضغوط وحدها أمراً غير مضمون».

وأضاف: «كما أن تجارب سابقة أظهرت أن بيانات الإدانة والمطالب الدولية لا تتحول سريعاً إلى واقع ميداني ما لم تُدعم بآليات تنفيذ واضحة، مثل عقوبات فعالة، أو ضغط إقليمي من الدول المؤثرة، أو تقدم حقيقي في المسارات التفاوضية».

في المقابل؛ قد يصبح الانسحاب ممكناً، وفق صالح إسحاق عيسى، «إذا ترافقت هذه المطالب مع تحرك منسق من (الاتحاد الأفريقي)، ومع ضمانات أمنية وسياسية تعالج دوافع الحركة، إضافة إلى تعزيز قدرات الدولة الكونغولية على بسط سيطرتها بعد أي انسحاب؛ لتفادي فراغ أمني». لذلك؛ «يبقى تحقيق الانسحاب القريب مرتبطاً بمدى جدية المجتمعَين الدولي والإقليمي في الانتقال من المطالبة إلى الفعل، وبإيجاد تسوية أوسع تعالج جذور الصراع»؛ وفق ما خلص إليه عيسى، وسط تفاقم الأزمة بشرق الكونغو.