الجزائر ومالي تتبادلان اتهامات حادة داخل مقر الأمم المتحدة

«حادثة إسقاط سلاح الجو الجزائري طائرة مالية» دفعت الأزمة إلى نقطة اللاعودة

وزير الخارجية الجزائري (الوزارة)
وزير الخارجية الجزائري (الوزارة)
TT

الجزائر ومالي تتبادلان اتهامات حادة داخل مقر الأمم المتحدة

وزير الخارجية الجزائري (الوزارة)
وزير الخارجية الجزائري (الوزارة)

منذ ظهور بوادر أزمة دبلوماسية بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي في بداية عام 2024، انحدرت العلاقة بين البلدين تدريجياً إلى أن بلغ التوتر ذروته في «حادثة إسقاط الطائرة المسيّرة» في أبريل (نيسان) 2025. وأمس الاثنين، وقعت ملاسنة حادة في مبنى الأمم المتحدة بين وزير الخارجية الجزائري ورئيس وزراء مالي وسفيرة مالي لدى الهيئة الأممية، مما دلّ على أن احتمال ترميم العلاقات في الأفق القريب بات أمراً غير وارد.

رئيس الوزراء المالي (وزراة الخارجية المالية)

في إطار الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة (في الفترة من 23 إلى 28 سبتمبر«أيلول» 2025)، عُقدت اجتماعات بعد ختام جلساتها الرسمية، شارك فيها رئيس الوزراء المالي عبد اللاي مايغا. وفي خطابه يوم الجمعة الماضي، تناول «العمل العدواني من جانب الجزائر» في قضية إسقاط طائرة تابعة للقوات المالية بتاريخ فاتح أبريل (نيسان) 2025 من طرف سلاح الجو الجزائري، الذي قال يومها إنها «كانت في مسار هجومي»، وفهم منه أن الطائرة كانت في مهمة لضرب مواقع المعارضة المسلحة بالحدود الجزائرية.

وقال مايغا، وفق ما أوردته الخارجية المالية، إن التوترات الحالية مع الجارة الشمالية «تعود أساساً إلى التدخلات غير المناسبة، وغير المقبولة للنظام الجزائري في الشؤون الداخلية لمالي»، في إشارة إلى رعاية الجزائر اتفاق السلام بين باماكو والمعارضة المسلحة الموقع بالجزائر 2015، الذي أبطله الحاكم العسكري في البلاد العقيد عاصيمي غويتا في 25 يناير (كانون الثاني) 2024، متهماً الجزائر بـ«توفير الحماية للإرهابيين»، وكان يقصد تنظيمات «أزواد» الطرقية المسيطرة على مدن الشمال الحدودي مع الجزائر.

مبارزة بالكلمات الحارقة

ذهب مايغا أبعد من ذلك، حيث هدد جاره الشمالي الكبير بقوله: «في وجه العداء، لن نقف متفرجين... وعلى كل كلمة تُستخدم في غير موضعها، سنرد بالمثل»، متهماً الجزائر بـ«دعم الإرهاب الدولي» عندما تحدث عن موضوع تحطيم «الدرون».

ورد عطاف بحدة على هذه الاتهامات يوم الاثنين من المنبر نفسه، في كلمة نشرتها الخارجية الجزائرية، ووصف المسؤول المالي بـ«الانقلابي»، مؤكداً أنه «للسنة الثانية على التوالي، يتجرأ من هذا المنبر على مهاجمة بلادي»، معرباً عن «أسفه» على ما وصفه بـ«الانحطاط والبذاءة والوقاحة، التي بلغها هذا الشاعر الزائف، لكنه انقلابي حقيقي»، عادّاً اتهاماته «هراء جندي متسلّط».

الحاكم العسكري في مالي مستقبلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)

كما قال عطاف إن «ثرثرته في المجاري لا تستحق إلا الاحتقار، ولا تثير سوى الاشمئزاز»، لافتاً إلى أنه «كان من الأفضل لهذا الانقلابي، هذا الجندي الفظّ، ومن على شاكلته، أن يتفوّقوا في مجالات أخرى أكثر شرفاً ونبلاً ونفعاً لمالي، بدلاً من التفوّق في فن إلقاء اللوم على الآخرين بسبب فشلهم».

وتابع عطاف قائلاً: «كان الأجدر بالمجلس العسكري المالي أن يتفوّق في السعي لاستعادة الأمن والاستقرار في بلاده، وفي تحسين مستوى معيشة السكان، وقبل كل شيء، في تزويد مالي بحكومة تليق بتاريخها العريق: حكومة تتميز بالكفاءة وتتحلى بالنزاهة، وتُعرف بصدقها وإخلاصها».

وفي تقدير الوزير الجزائري، «تستحق مالي أفضل من هؤلاء الانقلابيين جميعاً»، وأن الجزائر «واعية تماماً بأن هذه الأمة الشقيقة لا يمكن اختزالها في زمرة لا ترى مستقبلاً لبلدها إلا من خلال تمسكها بالسلطة، وهيمنتها على شعبها».

وفي ختام تدخله، خفف عطاف من حدة لهجته بالتأكيد على أن «يد الجزائر لا تزال ممدودة، ورصيد صبرها لم ينفد ولن ينفد من أجل تعزيز الروابط، التي تجمعها بأشقائها الماليين، روابط لا يمكن أن تزعزعها عوامل عرضية، رغم خبثها وانحطاط من يقف خلفها».

روايتان متناقضتان

لم تمض سوى ساعات قليلة حتى عاودت الحكومة المالية الهجوم على الجزائر، عن طريق ممثلها الدائم في الأمم المتحدة، عيسى كونفورو، الذي انتقد بحدة «الهجمات الشخصية والفظّة والمتعالية لوزير الشؤون الخارجية الجزائري»، مشيراً إلى أن «التوترات الحالية بين بلدينا تعود أساساً إلى التدخلات المتكررة وغير المقبولة من النظام الجزائري في الشؤون الداخلية لمالي»، مشدداً على أن الشعب المالي «قرر أن يأخذ مصيره بيده، وتبنّى مسار السلام الخاص به».

نموذج الطائرة المسيّرة المالية التي تم إسقاطها (صحافة مالية)

وبشأن الخلاف المتعلق بتدمير طائرة مسيّرة للاستطلاع والمراقبة، التابعة للقوات المسلحة المالية، قال الدبلوماسي المالي إن حكومته علمت بالأمر إثر إعلان لوزارة الدفاع الجزائرية «تدعي فيه تدمير طائرة مسيّرة مالية كانت قد اخترقت المجال الجوي الجزائري لمسافة كيلومترين». وقال إن بلاده طلبت من الجزائر «الأدلة الداعمة لهذه الادعاءات، وبعد مرور أكثر من 72 ساعة، لم يتم تقديم أي رد مرضٍ من الجانب الجزائري»، وعلى أثرها أجرت باماكو تحقيقاتها الخاصة وفق كونفورو، «وتوصلت إلى يقين مطلق: طائرتنا المسيّرة تم تدميرها بواسطة عمل عدائي ومتعمد من قبل النظام الجزائري». موضحاً أن حطامها عثر عليه على بعد 9.5 كلم من الحدود الجزائرية، داخل الأراضي المالية.

بقايا الطائرة المسيّرة بعد تحطيمها (المعارضة المالية المسلحة)

وتفيد الرواية الجزائرية حول الحادثة التي تسمم العلاقات، بأن الطائرة «اخترقت الحدود عدة مرات»، وبأنها كانت في آخر مرة قبل إسقاطها «في مسار هجومي». وعدّ الجيش الجزائري نشاطها «مناورة عدائية واضحة استوجبت وضع حد لها».


مقالات ذات صلة

البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

شمال افريقيا رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)

البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

عرض البرلمان الجزائري، السبت، نصَّين مهمّين للنقاش العام؛ الأول يخصّ مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، والثاني يتعلق بتعديل قانون الجنسية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا اجتماع لقيادات «حمس» الإسلامية (إعلام حزبي)

الجزائر: المعارضة الإسلامية تدعو لـ «مصالحة شجاعة» وتحذر من «الانتقام»

دعا حزب «حركة مجتمع السلم» الإسلامي الجزائري المعارض الرئيس عبد المجيد تبون إلى إطلاق «حوار شامل يفضي إلى مصالحة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا البرلمان الجزائري (متداولة)

الجزائر: سلاح تشريعي جديد لمواجهة الانفصاليين و«عملاء» الخارج

عرض نائب جزائري من «الأغلبية الرئاسية»، اليوم الأربعاء، مقترحاً على لجنة برلمانية خاصة، يتمثل في تعديل قانون الجنسية.

شمال افريقيا الوزير الأول الجزائري مع رئيسة الحكومة التونسية 12 ديسمبر الحالي (الوزارة الأولى الجزائرية)

الجزائر تتحرك لمواجهة استنزاف عملتها الصعبة

تواجه الجزائر نزيفاً ملحوظاً في العملة الصعبة نتيجة الاستغلال غير المشروع لمنحة السفر السياحية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيسان الفرنسي والجزائري على هامش قمة مجموعة السبع في إيطاليا يوم 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

الجزائر تعيد ملف الاستعمار الفرنسي إلى الواجهة عبر قانون جديد

يرتكز مشروع القانون المقترح على حق الشعوب في العدالة التاريخية وعدم الإفلات من العقاب، ويهدف إلى «حماية الذاكرة الوطنية ومواجهة محاولات تزييف التاريخ».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

دفاع رئيس الحكومة التونسية الأسبق يطالب بمحاكمة حضورية

رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض (إ.ب.أ)
TT

دفاع رئيس الحكومة التونسية الأسبق يطالب بمحاكمة حضورية

رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض (إ.ب.أ)

طالبت هيئة الدفاع عن رئيس الحكومة التونسية الأسبق، علي العريض، الموقوف منذ 3 سنوات بمحاكمة حضورية له في جلسة الاستئناف المقررة في 29 من الشهر الحالي، بحسب ما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية». ويلاحق العريض، القيادي البارز في «حركة النهضة الإسلامية»، في قضايا ترتبط بشبكات «التسفير» المتورطة في تسفير تونسيين للقتال في الخارج، لا سيما في سوريا عقب اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السابق بشار الأسد. كما يواجه العريض اتهامات بالتساهل في مواجهة صعود الحركات السلفية العنيفة بعد ثورة 2011، التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. وهذه أحدث محاكمة ضمن سلسلة محاكمات عن بعد لسياسيين من المعارضة، ورجال أعمال ونشطاء ملاحقين في قضية التآمر على أمن الدولة. وتتهم المعارضة السلطة، التي يقودها الرئيس قيس سعيد بصلاحيات واسعة، منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 2021 وإرسائه لاحقاً نظام حكم جديداً، بتلفيق تهم سياسية إلى قيادييها. وأودع العريض السجن في 19 ديسمبر (كانون الأول) عام 2022، وصدر ضده حكم بالسجن مدة 34 عاماً، لكن الهيئة قدمت طعناً، ودفعت ببراءته من التهم الموجهة له، كما اتهمت المحققين بضم معطيات مزورة وغير صحيحة. وطالبت الهيئة في بيان بإجراء المحاكمة حضورياً وليس عن بُعد، كما حدث في المحاكمة الأولى. كما دعت السلطات القضائية إلى عرض إحصاءات دقيقة عن سجل المغادرين إلى مناطق النزاعات، وسماع شهادات المسؤولين الأمنيين والعسكريين، وضمان المعايير الدستورية للمحاكمة العادلة.

وقالت هيئة الدفاع إنها «تُسجّل مرور 3 سنوات على اعتقال علي العريض في ملفّ لا يستند إلى أدلّة مادية، ودون الاستجابة لمطالب الدفاع الأساسية، بما يُشكّل انتهاكاً جسيماً لمبادئ المحاكمة العادلة، وحقوق الدفاع المكفولة دستورياً»، مجدّدة «التأكيد على براءته»، وأعلنت عن عزمها «استنفاد جميع السبل القانونية المتاحة للطعن في الحكم الصادر ضدّه».

وذكّرت هيئة الدفاع بمناسبة مرور 3 سنوات على إيقاف رئيس الحكومة الأسبق، بأنّ «المحكمة أصدرت حكماً بالسجن مدّة 34 سنة ضدّه، دون الاستجابة لأيّ من طلبات الدفاع الجوهرية، في ملفّ افتقد منذ انطلاقه لأبسط ضمانات المحاكمة العادلة»، وفقها.

وشغل علي العريض (70 عاماً) منصب وزير الداخلية بين عامي 2011 و2013، إبان فوز حزبه بأول انتخابات ديمقراطية تعددية، ثم تولى منصب رئيس الحكومة حتى 29 يناير (كانون الثاني) 2014. ولمنع انزلاق البلاد إلى الفوضى عقب اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013، تنحت حكومة علي العريض عن الحكم، عقب حوار وطني، وتولت حكومة تكنوقراط السلطة، بدلاً منها حتى انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2014 التي أفرزت حكومة سياسية جديدة.


البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)
رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)
TT

البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)
رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)

في خطوة مثيرة للجدل، عرض البرلمان الجزائري، السبت، نصَّين مهمّين للنقاش العام؛ الأول يخصّ مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي (1830–1962)، والثاني يتعلق بتعديل قانون الجنسية، علماً أنه لم يسبق لهيئة التشريع أن تعاملت مع مبادرتين برلمانيتين بهذه السرعة، ما يُفهم منه أن «إيعازاً» من أعلى سلطات البلاد وراء هذا المسعى.

تجريم الاستعمار

لم يستغرق الإعلان عن الصياغة النهائية للمقترحين، وتحديد تاريخ تداولهما تشريعياً سوى بضعة أيام فقط، ولاحظ غالبية أعضاء الكتل البرلمانية أن وتيرة إعدادهما واعتمادهما غير معتادة مقارنة بالإجراءات التشريعية العادية، وهو ما يوحي بـ«وجود استعجال سياسي لطرح المقترحين في هذا التوقيت بالذات»، حسب نائب من حزب يتبع إلى «الموالاة»، طلب عدم نشر اسمه. في حين رجح برلماني آخر من كتلة المستقلين احتمال أن يكون هناك توجيه، أو دعم من مستويات عليا في السلطة لتسريع المسار التشريعي.

البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

وبدأ أعضاء «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية السفلى) بتداول نص تجريم الاستعمار؛ إذ أكد أصحاب المبادرة أنه يقوم على «مبدأ عدم الإفلات من العقاب وحق الشعوب في العدالة التاريخية»؛ إذ يصنف الاستعمار الفرنسي في الجزائر «جريمة دولة منتهكة للقيم الإنسانية، وممارساته تعد جرائم غير قابلة للتقادم».

ويتضمن التوصيف القانوني للجرائم الإبادة والمجازر الجماعية، كالقتل العمد والإعدامات خارج القانون، والتعذيب المنظم، والجرائم بحق الإنسان والبيئة، المترتبة على التفجيرات النووية في الصحراء خلال الستينات، وكذا التجارب الكيماوية والألغام المزروعة على طول الحدود الشرقية والغربية لمنع وصول الأسلحة إلى «المجاهدين».

كما يشمل التوصيف النهب والاستنزاف، كالسطو على الخزينة الوطنية ونهب الثروات، واحتجاز الأرشيف ورفات رموز المقاومة، و«طمس الهوية»، ومنها محاولات التنصير القسري، وتدنيس دور العبادة، والتمييز العنصري.

وعلى أساس هذا التشخيص، يُلزم القانون الدولة الفرنسية بتحمل المسؤولية القانونية الكاملة، ويفرض على الطرف الجزائري السعي لانتزاع اعتراف واعتذار رسميين من باريس، مع المطالبة بتعويضات شاملة ومنصفة عن الأضرار المادية والمعنوية، بما في ذلك تنظيف مواقع التجارب النووية وتسليم خرائطها. كما يذهب القانون إلى أبعد من ذلك بتجريم كل أشكال تمجيد الاستعمار أو تبريره داخل الجزائر، وفرض عقوبات سالبة للحرية، وغرامات مالية على كل من ينكر طبيعته الإجرامية، أو يمس برموز الثورة الوطنية، مع اعتبار التعاون مع الاحتلال (الحركي) «خيانة عظمى».

جانب من مظاهرة في باريس نظمها دعاة الانفصال (ناشطون)

ويأتي هذا التحرك البرلماني في ظرف يتسم باستمرار التصعيد في العلاقات مع فرنسا، حاملاً دلالة قوية من السلطات الجزائرية: لا مصالحة بلا إقرار تاريخي. وإذ يُميز القانون بوضوح بين إدانة المنظومة الاستعمارية وبين الشعب الفرنسي، فإنه ينقل «ملف الذاكرة» من الحيز السياسي العابر إلى الإطار التشريعي المُلزم، محولاً استرداد الحقوق المنهوبة إلى «ثوابت وطنية عصيّة على المساومة».

«دبلوماسية المشاعر الطيبة»

جاء أول رد فعل من فرنسا حيال «مسعى تجريم الاستعمار» من رئيس حزب «الجمهوريون» اليميني، وزير الداخلية السابق برونو ريتايو، الذي علّق على حسابه بمنصة «إكس» قائلاً: «عندما تتخلى فرنسا عن سياسة الحزم مع الجزائر، فإن ذلك يؤتي ثماره».

الكاتب بوعلام صنصال (حسابات ناشطين متعاطفين معه)

بعد سجن الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وحادثة الطعن في مدينة مولوز (شرق فرنسا) في فبراير (شباط) 2025، التي ارتكبها مواطن جزائري خاضع لأمر بمغادرة التراب الفرنسي، والذي رفضت الجزائر إعادته إلى أراضيها عشر مرات، كان وزير الداخلية ريتايو، المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة 2027، قد دخل في مواجهة مباشرة مع الحكومة الجزائرية؛ إذ اقترح «رداً متدرجاً»، قد يصل إلى «إعادة النظر في اتفاقيات الهجرة لسنة 1968 إذا واصلت الجزائر (إذلال فرنسا)».

وندد ريتايو، الذي تصدر الأزمة مع الجزائر لشهور، بـ«دبلوماسية المشاعر الطيبة للرئيس إيمانويل ماكرون تجاه المستعمرة سابقاً»، وكان قد لمّح من قبل إلى استعداده للاستقالة إذا طلبت منه الحكومة التنازل في التوترات مع الجزائر، التي نشأت عقب اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء.

وبعد تنحيته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن تشكيل حكومي جديد، استعادت العلاقات الثنائية توازنها نسبياً، لكن سرعان ما عاد التصعيد بعد إدانة صحافي رياضي فرنسي بالسجن 7 سنوات مع التنفيذ، بتهمة «الإرهاب» في الثالث من الشهر الحالي.

وفي نفس الجلسة البرلمانية، تم عرض مقترح للنائب هشام صفر، عن حزب «التجمع الوطني الديمقراطي»، يخص إدخال تعديل على قانون الجنسية، ويهدف إلى تمكين الدولة من تجريد بعض المواطنين من جنسيتهم، خصوصاً معارضين وناشطين في الخارج، إذا ثبت تورطهم في أفعال تُعدّ مساساً بالمصالح العليا للدولة، أو بالوحدة الوطنية.

وينصّ التعديل المقترح على سحب الجنسية الأصلية أو المكتسبة، في حال ارتكاب أفعال داخل الوطن أو خارجه، مثل التعاون مع دول أو جهات أجنبية معادية، أو تلقّي تمويل أو امتيازات للإضرار بالجزائر، أو العمل لصالح أجهزة عسكرية أو أمنية أجنبية، أو الانخراط في تنظيمات إرهابية أو تخريبية أو دعمها. كما يشمل التجريد من الجنسية المكتسبة في حال صدور حكم قضائي نهائي بسبب جرائم تمسّ أمن الدولة أو وحدتها، ضمن آجال زمنية محددة.

وزير الداخلية الفرنسي السابق برونو روتايو تصدر الأزمة منذ بدايتها (رويترز)

وتم إطلاق هذه الخطوة كتوجّه رسمي لمواجهة النزعات الانفصالية، وبعض المعارضين في الخارج المصنفين «عملاء للعدو»، خصوصاً بعد أن بادر تنظيم «حركة استقلال القبائل»، المصنف جزائرياً «جماعة إرهابية»، إلى إعلان ما سماه «دولة القبائل»، في باريس الأسبوع الماضي.

وتعليقاً على مقترح تعديل قانون الجنسية، كتب المحامي المعروف، عبد الله هبول، وهو قاضٍ سابق، في حسابه بالإعلام الاجتماعي: «هل يدرك من يقف وراء مقترح قانون إسقاط الجنسية الأصلية عن الجزائريين، بموجب مرسوم رئاسي - أي قرار إداري وسياسي - معنى الشعب والدولة والمواطن، وحقوق الإنسان والدستور؟ وإلى أي مدى تحمل هذه الفكرة خطورة بالغة؟».


مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)

ضمن مساعٍ مصرية لتعزيز تعاونها الأفريقي، شددت مصر والكونغو على «تعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية». كما أكدت القاهرة وبرازافيل «استمرار التنسيق والتشاور إزاء القضايا الإقليمية والدولية».

جاء ذلك خلال محادثات وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع وزير خارجية جمهورية الكونغو، جون كلود جاكوسو، تناولت «سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، إلى جانب التنسيق والتشاور حول القضايا الأفريقية ذات الاهتمام المشترك».

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، أكد عبد العاطي «أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع الكونغو وزيادة حجم التبادل التجاري بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة»، مشدداً على «مواصلة تطوير التعاون في مختلف المجالات، ولا سيما في مجال التدريب وبناء القدرات».

وأشار إلى «حرص مصر على دعم التعاون الاقتصادي مع جمهورية الكونغو، خصوصاً في مجالات الاستثمار والتجارة»، لافتاً إلى اهتمام الشركات المصرية ذات الخبرات الكبيرة في قطاعات البنية التحتية والطاقة والنقل والتشييد بالمشاركة في المشروعات التنموية، مجدداً التأكيد على أهمية تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار وتذليل العقبات أمام حركة التبادل التجاري.

وتوافقت مصر والكونغو على «تعزيز التعاون الثنائي في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية»، وذلك خلال زيارة عبد العاطي إلى الكونغو ولقاء الرئيس الكونغولي دنيس ساسو نجيسو، في مارس (آذار) الماضي.

الرئيس الكونغولي خلال استقبال وزير الخارجية المصري في الكونغو مارس الماضي (الخارجية المصرية)

وقدّم عبد العاطي حينها رسالة من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى نظيره الكونغولي تناولت «التطورات الإيجابية التي تشهدها علاقات البلدين»، إلى جانب التأكيد على «اتخاذ مزيد من الخطوات لدفع مجالات التعاون الثنائي».

كما توافقت رؤى مصر والكونغو حينها في العديد من ملفات الأوضاع الإقليمية، لا سيما التطورات في مناطق «البحيرات العظمى والساحل والقرن الأفريقي»، وتوافق البلدان أيضاً على ضرورة «الحفاظ على وحدة وسلامة واستقرار السودان والصومال».

وفيما يتعلق بالتعاون الإقليمي ومتعدد الأطراف، أكد وزير الخارجية المصري، السبت، أهمية التنسيق والتشاور المشترك إزاء مختلف القضايا الأفريقية، ولا سيما ما يتعلق بملف الإصلاح المؤسسي لأجهزة الاتحاد الأفريقي، باعتباره ركيزة أساسية لتطوير كفاءة عمل تلك الأجهزة وتمكينها من الاضطلاع بمهامها على النحو الأمثل، مع التأكيد على «ضرورة أن تتم عملية الإصلاح بصورة منهجية وتدريجية وواضحة، وعلى أساس من الشمولية ومشاركة جميع الدول الأعضاء في مسار الإصلاح».

وزير الخارجية المصري يلتقي نظيره الكونغولي في القاهرة السبت لبحث تعزيز التعاون الثنائي (الخارجية المصرية)

وحسب «الخارجية المصرية»، السبت، شهد لقاء الوزير عبد العاطي ونظيره الكونغولي تبادلاً للرؤى حول أبرز القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها الأوضاع في منطقتي الساحل والبحيرات العظمى، حيث أكد الجانبان «التزامهما بمواصلة التنسيق والتشاور إزاء القضايا الإقليمية والدولية، وتعزيز التعاون في مجالات التنمية والأمن، بما يدعم جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة».

وكانت القاهرة وبرازافيل قد توافقتا خلال محادثات الرئيس الكونغولي مع وزير الخارجية المصري في مارس الماضي على أهمية «تعزيز التعاون في شتى المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والتنموية»، وأشارت وزارة الخارجية المصرية حينها إلى «تطلع الشركات المصرية لزيادة استثماراتها بالسوق الكونغولية في مجالات البنية التحتية والطاقة والموارد المائية والزراعة والدواء».