تعاون مصري - تركي في الصناعات الدفاعية يُتوج تقارب البلدين

تزامناً مع مناورات بحرية مشتركة في شرق المتوسط

الرئيس السيسي يستقبل نظيره التركي إردوغان في القاهرة فبراير الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس السيسي يستقبل نظيره التركي إردوغان في القاهرة فبراير الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

تعاون مصري - تركي في الصناعات الدفاعية يُتوج تقارب البلدين

الرئيس السيسي يستقبل نظيره التركي إردوغان في القاهرة فبراير الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس السيسي يستقبل نظيره التركي إردوغان في القاهرة فبراير الماضي (الرئاسة المصرية)

تتطلّع تركيا إلى تعزيز التعاون في الصناعات الدفاعية مع مصر، بالتزامن مع عودة مرتقبة لمناورات بحرية مشتركة في البحر المتوسط بين البلدين، بعد 13 عاماً من انقطاعها، وهو ما يُتوِّج التقارب بين القاهرة وأنقرة.

وأكّد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال لقاء متلفز، مساء الخميس، «تعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية والأمن المشترك مع مصر»، مشيراً إلى أن «التهديدات في المنطقة تدفع للحديث أكثر فيما يخص قضايا الأمن مع تطور العلاقات».

ولفت إلى أن علاقة بلاده مع مصر وصلت حالياً إلى «أفضل مستوياتها في التاريخ الحديث»، عادّاً أن «الخلافات السابقة مع مصر كانت نابعة من (عتاب الأحباء)، والدولتان تدركان حجم قوتهما وإمكانات التعاون بينهما إذا جمعتا قدراتهما معاً».

وتولي مصر أيضاً اهتماماً بالتعاون مع تركيا في مجال الصناعات الدفاعية، التي تشمل إنتاج المُسيّرات وحاملات الطائرات وأسلحة الحرب الكيميائية، وهناك رغبة من جانب تركيا نحو الاستفادة من قدرات القوات البحرية المصرية المتقدمة في التصنيف العالمي، حسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

وأعلنت وزارة الدفاع التركية، الخميس، استئناف مناورات «بحر الصداقة» البحرية المشتركة مع مصر في شرق البحر المتوسط، وذلك بعد انقطاع 13 عاماً، في حين لم تعلن القاهرة رسمياً بعد استئناف هذه المناورات.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية، زكي أق تورك، خلال إحاطة إعلامية، إن «المناورات ستجري في الفترة ما بين 22 و26 سبتمبر (أيلول) الحالي بمشاركة فرقاطات وغواصات وطائرات»، مشيراً إلى أنها تأتي في إطار ما وصفه بـ«تطوير العلاقات وتعزيز قابلية العمل المشترك بين القوات المسلحة في البلدين»، وفقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أكّد أن «المناورات بين البلدين توقفت في وقت سابق بسبب موقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من (تنظيم الإخوان) (مصنف إرهابياً في مصر)، وعودتها الآن ترافق التقارب السياسي وتعدد المقابلات على المستوى الرئاسي»، مضيفاً: «الآن الأمور عادت إلى طبيعتها، وجرى تنويع مسارات التعاون والتنسيق بين البلدين، ووصل إلى التصنيع الدفاعي المشترك عبر إنتاج المُسيّرات».

وأوضح فرج أن «تركيا لديها رغبة في الاستفادة من القوات البحرية المصرية المتقدمة في التصنيف العالمي، وتُتيح التدريبات المشتركة لها التعرف على مسرح عسكري جديد في البحر المتوسط، وتمنح المناورات مصر فرصة للتدريب في (بحر مرمرة) بالقرب من السواحل التركية، وكذلك الاستفادة من تطور قدرات قاعدة (غولجوك) البحرية التركية، وهي أيضاً تحوي صناعات بحرية متقدمة».

الجانبان المصري والتركي أثناء التوقيع على اتفاقية التصنيع المشترك (صفحة السفير التركي بالقاهرة)

ووقعت مصر وتركيا اتفاقية لإنتاج الطائرة المُسيّرة من نوع «تورخا» محلياً في مصر، نهاية أغسطس (آب) الماضي، في خطوة تهدف إلى «توطين تكنولوجيا الطائرات المُسيّرة، وتعزيز الصناعات الدفاعية المحلية»، وتمتلك الطائرة نظاماً متقدماً للاستطلاع والمراقبة، وتتميز بالإقلاع والهبوط العمودي.

وتضمنت الاتفاقيات الموقعة في ذلك الحين أيضاً «إنتاج المركبات الأرضية غير المأهولة بين شركة (هافيلسان) التركية ومصنع (قادر) المصري التابع لوزارة الإنتاج الحربي»، وفق تدوينة السفير التركي في القاهرة، صالح موتلو شن.

«التعاون في الصناعات الدفاعية يشمل أيضاً أسلحة الحرب الإلكترونية، إلى جانب المُسيّرات والاستفادة من القدرات التصنيعية المشتركة بين الدولتين»، حسب مستشار كلية القادة والأركان، عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، اللواء محمد الشهاوي.

وأضاف أن «العلاقة الآن أصبحت استراتيجية بين القاهرة وأنقرة، ما يُمهد لعودة التدريب العسكري المشترك، مع حاجة تركيا للاستفادة من الخبرات القتالية المصرية في الحرب ضد الإرهاب والحروب التقليدية».

ونفذ البلدان تدريبات عسكرية مشتركة بين وحدات من القوات الخاصة التركية والمصرية، أجريت على الأراضي التركية، في مايو (أيار) الماضي.

وسبق أن زودت تركيا جمهورية مصر بالمُسيّرة التركية «بيرقدار تي بي 2» خلال صفقة جرى الإعلان عنها في فبراير (شباط) الماضي، تزامناً مع زيارة الرئيس التركي إلى مصر.

زيارة رئيس الأركان المصري إلى تركيا في مايو الماضي (صفحة المتحدث العسكري)

الخبير العسكري المصري، اللواء علاء عز الدين، يرى أن «العلاقات بين البلدين وصلت إلى أعلى درجات التنسيق السياسي والدبلوماسي، والمناورات في منطقة البحر المتوسط بهدف التنسيق لتأمين الثروات الاقتصادية للبلدين والدول الصديقة لهما»، مؤكداً أن «التدريبات تُركز أيضاً على مجابهة الإرهاب وتنفيذ عمليات البحث والإنقاذ والمساعدات في حالات الكوارث ومواجهة (الهجرة غير المشروعة) وحماية الثروات الطبيعية».

وبدأت مناورات «بحر الصداقة» للمرة الأولى في عهد الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، واستمرت خلال عامي 2009 و2010، وتكررت كذلك في 2011 و2012، قبل أن تتوقف تماماً في 2013.

ويعدّ التعاون العسكري بين البلدين ركيزة أساسية في الزيارات المتبادلة على مستوى رؤساء الدولتين خلال العام الماضي، التي أفرزت عقد أول اجتماع للحوار العسكري رفيع المستوى بين البلدين في العاصمة التركية أنقرة خلال مايو الماضي.

الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، بشير عبد الفتاح، يرى أن «العلاقات بين البلدين تشهد في تلك الأثناء تعاوناً استخباراتياً وعسكرياً، وهو ما يقود لزيادة وتيرة التنسيق في التدريبات والتصنيع المشترك، ويدعم ذلك المشروع الوطني المصري في الصناعات الدفاعية وزيادة المدخلات المحلية في البرامج الدفاعية».

ويطول التعاون أيضاً الشراكة في إنتاج حاملات الطائرات، إلى جانب بحث سُبل إعداد برامج دفاعية مشتركة، وفق عبد الفتاح، الذي أوضح أن «زيادة وتيرة التعاون تهدف إلى مواجهة طموحات إسرائيل التوسعية بالمنطقة، وإعادة هيكلة التوازنات، وتأكيد أن هندسة المنطقة لن تكون على حساب القوى المهمة».


مقالات ذات صلة

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

شمال افريقيا بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

أكد عبد العاطي «أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع الكونغو وزيادة حجم التبادل التجاري بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق سمية الألفي كما ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية

وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي عن عمر 72 عاماً

توفيت الفنانة المصرية سمية الألفي صباح اليوم (السبت)، عن عمر يناهز 72 عاماً بعد صراع مع المرض.

يسرا سلامة (القاهرة)
تحليل إخباري الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)

تحليل إخباري القاهرة تضغط للحل في لبنان عبر زيارة مدبولي

أكد مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» أن زيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى لبنان هدفها اقتصادي، لكنها تحمل هدفاً استراتيجياً وسياسياً يتعلق بدعم لبنان.

هشام المياني (القاهرة )
تحليل إخباري الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان بالقاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري هل تلجأ مصر إلى الخيار العسكري لدعم «وحدة السودان»؟

تمثلت المحددات المصرية للخطوط الحمراء في «الحفاظ على وحدة السودان، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية».

أحمد جمال (القاهرة )
تحليل إخباري محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية) play-circle

تحليل إخباري ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

أصدرت الرئاسة المصرية عقب زيارة البرهان للقاهرة بياناً تضمن خطوطاً حمراء للحرب في السودان، تنطلق من وحدة السودان ومؤسساته، ولوّحت بالدفاع المشترك لدعمه.

وجدان طلحة (بورتسودان)

دفاع رئيس الحكومة التونسية الأسبق يطالب بمحاكمة حضورية

رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض (إ.ب.أ)
TT

دفاع رئيس الحكومة التونسية الأسبق يطالب بمحاكمة حضورية

رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريض (إ.ب.أ)

طالبت هيئة الدفاع عن رئيس الحكومة التونسية الأسبق، علي العريض، الموقوف منذ 3 سنوات بمحاكمة حضورية له في جلسة الاستئناف المقررة في 29 من الشهر الحالي، بحسب ما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية». ويلاحق العريض، القيادي البارز في «حركة النهضة الإسلامية»، في قضايا ترتبط بشبكات «التسفير» المتورطة في تسفير تونسيين للقتال في الخارج، لا سيما في سوريا عقب اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السابق بشار الأسد. كما يواجه العريض اتهامات بالتساهل في مواجهة صعود الحركات السلفية العنيفة بعد ثورة 2011، التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. وهذه أحدث محاكمة ضمن سلسلة محاكمات عن بعد لسياسيين من المعارضة، ورجال أعمال ونشطاء ملاحقين في قضية التآمر على أمن الدولة. وتتهم المعارضة السلطة، التي يقودها الرئيس قيس سعيد بصلاحيات واسعة، منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 2021 وإرسائه لاحقاً نظام حكم جديداً، بتلفيق تهم سياسية إلى قيادييها. وأودع العريض السجن في 19 ديسمبر (كانون الأول) عام 2022، وصدر ضده حكم بالسجن مدة 34 عاماً، لكن الهيئة قدمت طعناً، ودفعت ببراءته من التهم الموجهة له، كما اتهمت المحققين بضم معطيات مزورة وغير صحيحة. وطالبت الهيئة في بيان بإجراء المحاكمة حضورياً وليس عن بُعد، كما حدث في المحاكمة الأولى. كما دعت السلطات القضائية إلى عرض إحصاءات دقيقة عن سجل المغادرين إلى مناطق النزاعات، وسماع شهادات المسؤولين الأمنيين والعسكريين، وضمان المعايير الدستورية للمحاكمة العادلة.

وقالت هيئة الدفاع إنها «تُسجّل مرور 3 سنوات على اعتقال علي العريض في ملفّ لا يستند إلى أدلّة مادية، ودون الاستجابة لمطالب الدفاع الأساسية، بما يُشكّل انتهاكاً جسيماً لمبادئ المحاكمة العادلة، وحقوق الدفاع المكفولة دستورياً»، مجدّدة «التأكيد على براءته»، وأعلنت عن عزمها «استنفاد جميع السبل القانونية المتاحة للطعن في الحكم الصادر ضدّه».

وذكّرت هيئة الدفاع بمناسبة مرور 3 سنوات على إيقاف رئيس الحكومة الأسبق، بأنّ «المحكمة أصدرت حكماً بالسجن مدّة 34 سنة ضدّه، دون الاستجابة لأيّ من طلبات الدفاع الجوهرية، في ملفّ افتقد منذ انطلاقه لأبسط ضمانات المحاكمة العادلة»، وفقها.

وشغل علي العريض (70 عاماً) منصب وزير الداخلية بين عامي 2011 و2013، إبان فوز حزبه بأول انتخابات ديمقراطية تعددية، ثم تولى منصب رئيس الحكومة حتى 29 يناير (كانون الثاني) 2014. ولمنع انزلاق البلاد إلى الفوضى عقب اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013، تنحت حكومة علي العريض عن الحكم، عقب حوار وطني، وتولت حكومة تكنوقراط السلطة، بدلاً منها حتى انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2014 التي أفرزت حكومة سياسية جديدة.


البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)
رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)
TT

البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)
رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)

في خطوة مثيرة للجدل، عرض البرلمان الجزائري، السبت، نصَّين مهمّين للنقاش العام؛ الأول يخصّ مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي (1830–1962)، والثاني يتعلق بتعديل قانون الجنسية، علماً أنه لم يسبق لهيئة التشريع أن تعاملت مع مبادرتين برلمانيتين بهذه السرعة، ما يُفهم منه أن «إيعازاً» من أعلى سلطات البلاد وراء هذا المسعى.

تجريم الاستعمار

لم يستغرق الإعلان عن الصياغة النهائية للمقترحين، وتحديد تاريخ تداولهما تشريعياً سوى بضعة أيام فقط، ولاحظ غالبية أعضاء الكتل البرلمانية أن وتيرة إعدادهما واعتمادهما غير معتادة مقارنة بالإجراءات التشريعية العادية، وهو ما يوحي بـ«وجود استعجال سياسي لطرح المقترحين في هذا التوقيت بالذات»، حسب نائب من حزب يتبع إلى «الموالاة»، طلب عدم نشر اسمه. في حين رجح برلماني آخر من كتلة المستقلين احتمال أن يكون هناك توجيه، أو دعم من مستويات عليا في السلطة لتسريع المسار التشريعي.

البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

وبدأ أعضاء «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية السفلى) بتداول نص تجريم الاستعمار؛ إذ أكد أصحاب المبادرة أنه يقوم على «مبدأ عدم الإفلات من العقاب وحق الشعوب في العدالة التاريخية»؛ إذ يصنف الاستعمار الفرنسي في الجزائر «جريمة دولة منتهكة للقيم الإنسانية، وممارساته تعد جرائم غير قابلة للتقادم».

ويتضمن التوصيف القانوني للجرائم الإبادة والمجازر الجماعية، كالقتل العمد والإعدامات خارج القانون، والتعذيب المنظم، والجرائم بحق الإنسان والبيئة، المترتبة على التفجيرات النووية في الصحراء خلال الستينات، وكذا التجارب الكيماوية والألغام المزروعة على طول الحدود الشرقية والغربية لمنع وصول الأسلحة إلى «المجاهدين».

كما يشمل التوصيف النهب والاستنزاف، كالسطو على الخزينة الوطنية ونهب الثروات، واحتجاز الأرشيف ورفات رموز المقاومة، و«طمس الهوية»، ومنها محاولات التنصير القسري، وتدنيس دور العبادة، والتمييز العنصري.

وعلى أساس هذا التشخيص، يُلزم القانون الدولة الفرنسية بتحمل المسؤولية القانونية الكاملة، ويفرض على الطرف الجزائري السعي لانتزاع اعتراف واعتذار رسميين من باريس، مع المطالبة بتعويضات شاملة ومنصفة عن الأضرار المادية والمعنوية، بما في ذلك تنظيف مواقع التجارب النووية وتسليم خرائطها. كما يذهب القانون إلى أبعد من ذلك بتجريم كل أشكال تمجيد الاستعمار أو تبريره داخل الجزائر، وفرض عقوبات سالبة للحرية، وغرامات مالية على كل من ينكر طبيعته الإجرامية، أو يمس برموز الثورة الوطنية، مع اعتبار التعاون مع الاحتلال (الحركي) «خيانة عظمى».

جانب من مظاهرة في باريس نظمها دعاة الانفصال (ناشطون)

ويأتي هذا التحرك البرلماني في ظرف يتسم باستمرار التصعيد في العلاقات مع فرنسا، حاملاً دلالة قوية من السلطات الجزائرية: لا مصالحة بلا إقرار تاريخي. وإذ يُميز القانون بوضوح بين إدانة المنظومة الاستعمارية وبين الشعب الفرنسي، فإنه ينقل «ملف الذاكرة» من الحيز السياسي العابر إلى الإطار التشريعي المُلزم، محولاً استرداد الحقوق المنهوبة إلى «ثوابت وطنية عصيّة على المساومة».

«دبلوماسية المشاعر الطيبة»

جاء أول رد فعل من فرنسا حيال «مسعى تجريم الاستعمار» من رئيس حزب «الجمهوريون» اليميني، وزير الداخلية السابق برونو ريتايو، الذي علّق على حسابه بمنصة «إكس» قائلاً: «عندما تتخلى فرنسا عن سياسة الحزم مع الجزائر، فإن ذلك يؤتي ثماره».

الكاتب بوعلام صنصال (حسابات ناشطين متعاطفين معه)

بعد سجن الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وحادثة الطعن في مدينة مولوز (شرق فرنسا) في فبراير (شباط) 2025، التي ارتكبها مواطن جزائري خاضع لأمر بمغادرة التراب الفرنسي، والذي رفضت الجزائر إعادته إلى أراضيها عشر مرات، كان وزير الداخلية ريتايو، المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة 2027، قد دخل في مواجهة مباشرة مع الحكومة الجزائرية؛ إذ اقترح «رداً متدرجاً»، قد يصل إلى «إعادة النظر في اتفاقيات الهجرة لسنة 1968 إذا واصلت الجزائر (إذلال فرنسا)».

وندد ريتايو، الذي تصدر الأزمة مع الجزائر لشهور، بـ«دبلوماسية المشاعر الطيبة للرئيس إيمانويل ماكرون تجاه المستعمرة سابقاً»، وكان قد لمّح من قبل إلى استعداده للاستقالة إذا طلبت منه الحكومة التنازل في التوترات مع الجزائر، التي نشأت عقب اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء.

وبعد تنحيته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن تشكيل حكومي جديد، استعادت العلاقات الثنائية توازنها نسبياً، لكن سرعان ما عاد التصعيد بعد إدانة صحافي رياضي فرنسي بالسجن 7 سنوات مع التنفيذ، بتهمة «الإرهاب» في الثالث من الشهر الحالي.

وفي نفس الجلسة البرلمانية، تم عرض مقترح للنائب هشام صفر، عن حزب «التجمع الوطني الديمقراطي»، يخص إدخال تعديل على قانون الجنسية، ويهدف إلى تمكين الدولة من تجريد بعض المواطنين من جنسيتهم، خصوصاً معارضين وناشطين في الخارج، إذا ثبت تورطهم في أفعال تُعدّ مساساً بالمصالح العليا للدولة، أو بالوحدة الوطنية.

وينصّ التعديل المقترح على سحب الجنسية الأصلية أو المكتسبة، في حال ارتكاب أفعال داخل الوطن أو خارجه، مثل التعاون مع دول أو جهات أجنبية معادية، أو تلقّي تمويل أو امتيازات للإضرار بالجزائر، أو العمل لصالح أجهزة عسكرية أو أمنية أجنبية، أو الانخراط في تنظيمات إرهابية أو تخريبية أو دعمها. كما يشمل التجريد من الجنسية المكتسبة في حال صدور حكم قضائي نهائي بسبب جرائم تمسّ أمن الدولة أو وحدتها، ضمن آجال زمنية محددة.

وزير الداخلية الفرنسي السابق برونو روتايو تصدر الأزمة منذ بدايتها (رويترز)

وتم إطلاق هذه الخطوة كتوجّه رسمي لمواجهة النزعات الانفصالية، وبعض المعارضين في الخارج المصنفين «عملاء للعدو»، خصوصاً بعد أن بادر تنظيم «حركة استقلال القبائل»، المصنف جزائرياً «جماعة إرهابية»، إلى إعلان ما سماه «دولة القبائل»، في باريس الأسبوع الماضي.

وتعليقاً على مقترح تعديل قانون الجنسية، كتب المحامي المعروف، عبد الله هبول، وهو قاضٍ سابق، في حسابه بالإعلام الاجتماعي: «هل يدرك من يقف وراء مقترح قانون إسقاط الجنسية الأصلية عن الجزائريين، بموجب مرسوم رئاسي - أي قرار إداري وسياسي - معنى الشعب والدولة والمواطن، وحقوق الإنسان والدستور؟ وإلى أي مدى تحمل هذه الفكرة خطورة بالغة؟».


مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكونغو لتعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال محادثات مع وزير خارجية جمهورية الكونغو في القاهرة السبت (الخارجية المصرية)

ضمن مساعٍ مصرية لتعزيز تعاونها الأفريقي، شددت مصر والكونغو على «تعميق التعاون في مجالات الأمن والطاقة والتنمية». كما أكدت القاهرة وبرازافيل «استمرار التنسيق والتشاور إزاء القضايا الإقليمية والدولية».

جاء ذلك خلال محادثات وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع وزير خارجية جمهورية الكونغو، جون كلود جاكوسو، تناولت «سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، إلى جانب التنسيق والتشاور حول القضايا الأفريقية ذات الاهتمام المشترك».

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، أكد عبد العاطي «أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع الكونغو وزيادة حجم التبادل التجاري بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة»، مشدداً على «مواصلة تطوير التعاون في مختلف المجالات، ولا سيما في مجال التدريب وبناء القدرات».

وأشار إلى «حرص مصر على دعم التعاون الاقتصادي مع جمهورية الكونغو، خصوصاً في مجالات الاستثمار والتجارة»، لافتاً إلى اهتمام الشركات المصرية ذات الخبرات الكبيرة في قطاعات البنية التحتية والطاقة والنقل والتشييد بالمشاركة في المشروعات التنموية، مجدداً التأكيد على أهمية تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار وتذليل العقبات أمام حركة التبادل التجاري.

وتوافقت مصر والكونغو على «تعزيز التعاون الثنائي في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية»، وذلك خلال زيارة عبد العاطي إلى الكونغو ولقاء الرئيس الكونغولي دنيس ساسو نجيسو، في مارس (آذار) الماضي.

الرئيس الكونغولي خلال استقبال وزير الخارجية المصري في الكونغو مارس الماضي (الخارجية المصرية)

وقدّم عبد العاطي حينها رسالة من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى نظيره الكونغولي تناولت «التطورات الإيجابية التي تشهدها علاقات البلدين»، إلى جانب التأكيد على «اتخاذ مزيد من الخطوات لدفع مجالات التعاون الثنائي».

كما توافقت رؤى مصر والكونغو حينها في العديد من ملفات الأوضاع الإقليمية، لا سيما التطورات في مناطق «البحيرات العظمى والساحل والقرن الأفريقي»، وتوافق البلدان أيضاً على ضرورة «الحفاظ على وحدة وسلامة واستقرار السودان والصومال».

وفيما يتعلق بالتعاون الإقليمي ومتعدد الأطراف، أكد وزير الخارجية المصري، السبت، أهمية التنسيق والتشاور المشترك إزاء مختلف القضايا الأفريقية، ولا سيما ما يتعلق بملف الإصلاح المؤسسي لأجهزة الاتحاد الأفريقي، باعتباره ركيزة أساسية لتطوير كفاءة عمل تلك الأجهزة وتمكينها من الاضطلاع بمهامها على النحو الأمثل، مع التأكيد على «ضرورة أن تتم عملية الإصلاح بصورة منهجية وتدريجية وواضحة، وعلى أساس من الشمولية ومشاركة جميع الدول الأعضاء في مسار الإصلاح».

وزير الخارجية المصري يلتقي نظيره الكونغولي في القاهرة السبت لبحث تعزيز التعاون الثنائي (الخارجية المصرية)

وحسب «الخارجية المصرية»، السبت، شهد لقاء الوزير عبد العاطي ونظيره الكونغولي تبادلاً للرؤى حول أبرز القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها الأوضاع في منطقتي الساحل والبحيرات العظمى، حيث أكد الجانبان «التزامهما بمواصلة التنسيق والتشاور إزاء القضايا الإقليمية والدولية، وتعزيز التعاون في مجالات التنمية والأمن، بما يدعم جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة».

وكانت القاهرة وبرازافيل قد توافقتا خلال محادثات الرئيس الكونغولي مع وزير الخارجية المصري في مارس الماضي على أهمية «تعزيز التعاون في شتى المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والتنموية»، وأشارت وزارة الخارجية المصرية حينها إلى «تطلع الشركات المصرية لزيادة استثماراتها بالسوق الكونغولية في مجالات البنية التحتية والطاقة والموارد المائية والزراعة والدواء».