تجري نقاشات حالية بين أطراف في رواندا والكونغو الديمقراطية الغنية بالكوبالت والليثيوم واليورانيوم إلى جانب معادن أخرى، لاتفاق اقتصادي بدعم أميركي يقود لنهاية صراع منذ عقود بين كينشاسا وكيغالي.
تلك المحادثات الأفريقية التي تأتي وسط تصعيد كبير في شرق الكونغو في الشهور الأخيرة، يراه خبير في الشؤون الأفريقية، لـ«الشرق الأوسط»، بأنه يعكس تحوّلاً استراتيجيّاً في مقاربة البلدين للأزمة، وسيحد من التوترات، لكن دون إصلاحات سياسية وأمنية حقيقية، فإن احتمالات الانتكاس تبقى قائمة.
ونقلت «رويترز» عن مصدر مطلع، الأحد، أن رواندا والكونغو الديمقراطية اتفقتا على مسودة إطار عمل بشأن توريد المعادن والتي تعد جزءاً من اتفاق السلام الذي أبرم في واشنطن يونيو (حزيران) الماضي، لوضع حد لقتال لا سيما في شرق الكونغو أودى بحياة الآلاف، وإلى جذب استثمارات غربية بمليارات الدولارات إلى منطقة غنية بمعادن التنتالوم والذهب والكوبالت والنحاس والليثيوم.
ورجح المصدر أن تعقد الكونغو ورواندا اجتماعاً في أوائل أكتوبر (تشرين الأول) لوضع اللمسات النهائية على إطار العمل الذي تناقش مسودته حالياً بين وكالات مانحة وقطاعات اقتصادية بالبلدين، وسيوقعه رئيسا الدولتين لاحقاً.
وفي إطار اتفاق يونيو (حزيران) المبرم في واشنطن، وافقت كينشاسا وكيغالي على إطلاق إطار التكامل الاقتصادي الإقليمي في غضون 90 يوماً، وبموجب الاتفاق، تعهد الطرفان بتنفيذ اتفاق لعام 2024 ينص على انسحاب القوات الرواندية من شرق الكونغو التي تستهدف القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وذلك خلال 60 يوماً.
وهناك عقبات رئيسية أمام هذا الاتفاق الاقتصادي، وفق ما ذكره دبلوماسي غربي لـ«رويترز» تتمثل في «تعثر الترتيبات الأخرى لعملية السلام، حيث إن رواندا لم تسحب قواتها كما أن جهوداً منفصلة للوساطة بين حكومة الكونغو ومتمردي حركة «23 مارس» المدعومة من رواندا، وتعرف بعملية الدوحة، تواجه صعوبات في المضي قدماً».

ورعت وزارة الخارجية القطرية، في 19 يوليو (تموز) الماضي، «إعلان مبادئ» بين حكومة الكونغو الديمقراطية والحركة، ولم يلتزم الطرفان بالتوصل إلى اتفاق نهائي بحلول 18 من الشهر نفسه.
بينما سيطر متمردو «23 مارس» على أكبر مدينتين في شرق الكونغو ومناطق تعدين مربحة في سلسلة هجمات منذ بداية العام، وترى كينشاسا أن نهب ثرواتها المعدنية هو السبب الرئيسي وراء الصراع بين قواتها ومتمردي حركة 23 مارس في شرق الكونغو.
وقال مسؤول كونغولي لـ«رويترز» هذا الشهر إن كينشاسا «لا يمكنها بحث التعاون الاقتصادي مع رواندا ما دام جيشها يحتل جزءاً من أراضينا»،
ويرى المحلل السياسي التشادي، المختص بالشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن اتفاق المعادن بين رواندا والكونغو الديمقراطية، كما كشفت عنه مسودة الإطار، يعكس تحوّلاً استراتيجيّاً في مقاربة البلدين للأزمة التي طال أمدها في شرق الكونغو، والتي أودت بحياة آلاف المدنيين، وشردت الملايين، ويشير إلى أن الطرفين باتا يعترفان بأن التكلفة الاقتصادية للصراع تفوق كثيراً أي مكاسب سياسية أو أمنية مزعومة.
ويرى عيسى أن الوساطة الأميركية، وتحديداً الدور الذي لعبته واشنطن في صياغة هذا الإطار، ليست مجرد محاولة للسلام، بل تدخل ضمن رؤية جيوسياسية أوسع تهدف لتقليل الاعتماد الغربي على المعادن القادمة من الصين، وتعزيز النفوذ الأميركي في أفريقيا.
ويعتقد أن المصالح الاقتصادية قد تحد من التوترات لكن ليست وحدها، مؤكداً أن المصالح قد تؤسس لهدنة، وقد تدفع الأطراف نحو التعاون المرحلي، لكنها لا تمحو تلقائيّاً أسباب الصراع العميقة، والنزاع على الهوية، والنفوذ الإقليمي، وتنافس النخب السياسية داخل البلدين، موضحاً أنه إذا لم تُرافق الاتفاقات الاقتصادية بإصلاحات سياسية وأمنية حقيقية، فإن احتمالات الانتكاس تبقى قائمة.
وتتبادل حركات إرهابية ومتمردة في شرق الكونغو عملياتها ضد المدنيين بشكل متصاعد للشهر الثالث على التوالي، في ظل خفوت لمسار المفاوضات، ووسط عدم التزام بتوقيع اتفاق سلام كان مقرراً قبل نحو شهر.
وسجلت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، أحدث تلك الهجمات قبل أيام، مخلفة 89 قتيلاً، لتواصل هجماتها شرق الكونغو مع تصاعد عمليات من حركة «23 مارس» المتمردة، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة، التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو وأغسطس (آب) الماضيين وسبتمبر (أيلول) الحالي.
ومسار السلام في الكونغو شهد 10 محاولات سابقة منذ 2021 دون جدوى، وسط مخاوف دولية؛ ما دعا مجلس الأمن لبحث الأوضاع بالدولة الأفريقية في إحاطة طارئة، أغسطس الماضي، وحثّت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا، مارثا بوبي، المجلس على ممارسة كامل نفوذه لدعم جهود السلام هناك.
ويرى المحلل السياسي التشادي، المختص بالشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن سلسلة الاتفاقات التي تم الترويج لها سابقاً، سواء عبر واشنطن أو الدوحة، لم تفض إلى تهدئة حقيقية في شرق الكونغو، بل كانت أقرب إلى محاولات لاحتواء الانفجار لا لمعالجة جذوره، وهذا ما يدفع كثيرين إلى التشكيك في جدية الاتفاق الجديد بين رواندا والكونغو، خاصة في ظل سوابق عديدة من الاتفاقات التي وُقّعت ثم انهارت في لحظات التصعيد التالية.
والواقع الميداني لا يتغير باتفاقيات على الورق، وفق عيسى، مؤكداً أن الجماعات المسلحة لا تزال تسيطر على مساحات شاسعة، والثقة بين كينشاسا وكيغالي في أدنى مستوياتها، واللاعبون الإقليميون كأوغندا وبوروندي لا يقفون موقف الحياد الكامل، بل حتى داخل الكونغو نفسها، هناك انقسامات سياسية وأمنية تحول دون فرض الدولة لسيادتها على كامل التراب الوطني.
ويشدد على أنه لم تكن هناك آلية تنفيذ صارمة، تضمن التزامات متبادلة وواضحة، وتربط التقدم الاقتصادي بتحقيق مؤشرات أمنية وسياسية على الأرض، فإن هذا الاتفاق قد لا يكون مختلفاً عن عشرات الاتفاقات السابقة التي انتهت إلى لا شيء، مؤكداً أن الجميع ينتظر ما إذا كان اجتماع أكتوبر سيُترجم إلى خريطة طريق واقعية، أم أنه سيكون مجرد عنوان جديد على قائمة طويلة من الوعود غير المنجزة.

