سكان الفاشر السودانية يعانون الجوع في ظل أعنف هجمات منذ بدء الحرب

يتم فحص أطفال سودانيين بحثاً عن سوء التغذية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعد عبورهم عند نقطة حدود جودا الجنوبية بولاية أعالي النيل جنوب السودان (رويترز - أرشيفية)
يتم فحص أطفال سودانيين بحثاً عن سوء التغذية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعد عبورهم عند نقطة حدود جودا الجنوبية بولاية أعالي النيل جنوب السودان (رويترز - أرشيفية)
TT

سكان الفاشر السودانية يعانون الجوع في ظل أعنف هجمات منذ بدء الحرب

يتم فحص أطفال سودانيين بحثاً عن سوء التغذية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعد عبورهم عند نقطة حدود جودا الجنوبية بولاية أعالي النيل جنوب السودان (رويترز - أرشيفية)
يتم فحص أطفال سودانيين بحثاً عن سوء التغذية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعد عبورهم عند نقطة حدود جودا الجنوبية بولاية أعالي النيل جنوب السودان (رويترز - أرشيفية)

في مدينة الفاشر المُحاصَرة بإقليم دارفور غرب السودان، أخذت الحرب منحى عنيفاً في الأسابيع الأخيرة، بينما لا يجد السكان مفراً من الجوع والموت.

منذ أكثر من عام، تحاصر «قوات الدعم السريع» الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وهي العاصمة الوحيدة في الإقليم الشاسع التي لا تزال تحت سيطرة الجيش، إلا أن شهود عيان وطواقم إغاثة يتحدثون في الأسابيع الأخيرة عن هجمات لـ«الدعم السريع» هي الأعنف منذ بدء الحرب، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ودخلت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» عامها الثالث، وقد أودت بعشرات الآلاف، وأجبرت الملايين على النزوح، بينما ينتشر الجوع في معظم أنحاء البلاد.

أطفال فروا من السودان الذي مزقته الحرب يصلون إلى مركز المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الرنك بالقرب من نقطة عبور الحدود بمقاطعة الرنك بولاية أعالي النيل بجنوب السودان (رويترز - أرشيفية)

وأدت الحرب إلى تقسيم السودان إلى مناطق نفوذ، إذ يسيطر الجيش على شمال وشرق البلاد، بينما تسيطر «قوات الدعم السريع» على معظم إقليم دارفور في الغرب وأجزاء من الجنوب.

وعلى وقع انفجار القذائف المدفعية المستمر يعيش عشرات الآلاف في الفاشر دون مأوى أو طعام كافٍ، بينما تنتشر عدوى الكوليرا في غياب المياه النظيفة والرعاية الصحية.

فقدت حليمة هاشم، أم لـ4 أطفال وتبلغ 37 عاماً، زوجها في قصف مدفعي العام الماضي «حين كان يحاول شراء مستلزمات البيت»، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت: «بعد مقتل زوجي انتقلنا لمخيم زمزم (للنازحين في ضواحي الفاشر)، لكن قوات الدعم السريع هاجمته فرجعنا إلى الفاشر»، مضيفة: «الوضع صعب، لكن الخروج (من الفاشر) خطر ومكلف ونحن لا نملك المال».

في الأشهر الأخيرة، كثَّفت «قوات الدعم السريع» هجماتها على إقليم دارفور، وكردفان بجنوب البلاد في محاولة لإيجاد توازن مع الجيش الذي أخرجها من العاصمة الخرطوم ومدن رئيسية أخرى في وسط البلاد.

ومنذ ذلك الحين تشهد الفاشر ومخيمات اللجوء المحيطة بها أعمال عنف متواصلة تستهدف أسواقاً وأحياء مدنية.

في أبريل (نيسان) أودى قصف مدفعي عنيف على مخيم زمزم، أحد أكبر مخيمات النازحين المحيطة بالفاشر، بالمئات، وأدى إلى فرار نحو نصف مليون من سكانه انتهى بهم المطاف في شوارع الفاشر ومدن شمال دارفور.

وتحذِّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» من أن الفاشر أصبحت «بؤرة لمعاناة الأطفال».

ويقول محمد خميس دودة، عامل إغاثة نزح من مخيم زمزم إلى الفاشر في أبريل، إن «المدينة تعاني من المجاعة... وكوارث أخرى».

وأوضح دودة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن الأمراض منتشرة، بينما لا توجد مياه نظيفة أو أدوية؛ ما يؤثر بشكل خاص على المصابين بالشظايا أو طلقات الرصاص.

وشدَّد: «نحن نرسل صوتنا لكل الجهات؛ للتدخل الفوري لاحتواء أزمة انتهاك حقوق الإنسان بشكل صارخ، وإجبار المقاتلين من الطرفين» على وقف الحرب «وإنقاذ مَن تبقَّى».

طريق تملأه الجثث

بينما تحاصر الحرب مئات الآلاف داخل الفاشر، يقول مَن حاولوا الفرار للمدن المحيطة، إن الطريق تملأه الجثث.

وبفعل الحصار والهجمات العنيفة، لا تدخل المساعدات إلى المدينة التي لم تشهد حركة تجارية منذ أشهر، بينما انقطعت عنها الاتصالات؛ ما يجعل الحصول على صور عن الحياة اليومية تحدياً كبيراً.

ويفيد السكان بأن تصوير أماكن معينة قد يعرِّضهم للهجمات.

وتوضِّح لقطات نادرة حصلت عليها «وكالة الصحافة الفرنسية»، مجموعات من 5 أو 6 أشخاص يتشاركون طبقاً واحداً في تكية (مطبخ جماعي) يملأها الدخان، بينما يبدو عليهم الهزال.

بالقرب منهم تستخدم نساء عصياً خشبية لتقليب معجون بني ثقيل يغلي في قدور وُضعت على مواقد من جذوع الشجر، بينما ينخل الرجال مسحوقاً من دقيق الدخن والذرة إذا توافر، ويستبدلون به علفاً حيوانياً في كثير من الأيام.

يخيّم على المشهد صمت ثقيل لا تقطعه إلا أصوات طلقات الرصاص.

متطوعون سودانيون يعدّون وجبات مجانية لبعض سكان مدينة الفاشر في منطقة دارفور... 11 أغسطس 2025 (أ.ف.ب)

وفي الآونة الأخيرة، باتت تقدّم التكايا وجبةً مجانيةً واحدةً في اليوم، بدلاً من اثنتين، في ظل نقص المواد الغذائية.

الأسبوع الحالي، توفيت أم وأطفالها الـ3، وجدتاهم بعدما تغذوا لأسابيع على العلف الحيواني، بحسب متطوعين إغاثيِّين.

وأعلنت الأمم المتحدة المجاعة في مخيمي «زمزم» و«أبو شوك» بالقرب من الفاشر، محذِّرةً من أن 40 في المائة من الأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد، أو سوء التغذية الحاد الشديد.

وقال آدم عيسى، أحد المتطوعين المحليين لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنه خلال الشهر الحالي، بلغ معدل وفيات الأطفال في مخيم «أبو شوك» وحده 5 أطفال يومياً.

يأخذ إبراهيم عيسى (47 عاماً) وزوجته أطفالهما الـ6 إلى التكية «حينما تكون الأوضاع هادئة لنتناول الوجبة، ثم تعود زوجتي للمنزل مع الأطفال، وأذهب أنا لإحضار المياه». ويقول: «أما في حالة القصف فنظل بالمنزل وندخل الخندق الذي حفرناه قبل 9 أشهر».

الأمن أو الطعام

خلال 10 أيام فقط في أغسطس (آب) الحالي، قتلت الهجمات العنيفة 89 شخصاً على الأقل في الفاشر ومخيم أبو شوك، بحسب الأمم المتحدة.

واستهدفت هجمات «الدعم السريع» كذلك مطار الفاشر، وأحياء سكنية، ومقراً للشرطة المحلية.

في محاولة للنجاة، يتجه كثيرون غرباً إلى مدينة طويلة على بعد نحو 70 كيلومتراً، إلا أن بعضهم يفقد حياته من الجوع والعطش على الطريق، وفقاً لمتطوعين محليين.

ويفيد مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية» في طويلة بأن معظم النازحين إليها يعانون من الصدمة والإرهاق، بالإضافة إلى إصابة كثير بطلقات الرصاص.

حاول إبراهيم عيسى بالفعل الفرار من الفاشر مع عائلته في مايو (أيار)، ولكن الاشتباكات العنيفة منعتهم.

أما صالح عيسى (42 عاماً) فمشى مع عائلته لـ3 أيام حتى وصلوا إلى طويلة.

وقال: «كنا نسير في الليل لتفادي نقاط التفتيش، ونقضي النهار في ظل شجرة، وبعد 3 أيام بلغنا طويلة».

الوضع في طويلة «أمان... لا يوجد قصف» بحسب عيسى، لكن «الحصول على الأكل والمياه صعب».


مقالات ذات صلة

رئيس الوزراء السوداني: لن نقبل قوات أممية دون موافقة الحكومة

شمال افريقيا رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)

رئيس الوزراء السوداني: لن نقبل قوات أممية دون موافقة الحكومة

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، الجمعة، إن بلاده لن تقبل بنشر أي قوات أممية أو رقابة دون اتفاق مع الحكومة

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

تتقدم «قوات الدعم السريع» حثيثاً باتجاه بلدة «الطينة»، عند الحدود التشادية - السودانية، بعد أن أعلنت إكمال سيطرتها على بلدة «كرنوي»، صباح الخميس.

أحمد يونس (كمبالا)
أوروبا  وزيرة التنمية الألمانية ريم العبدلي رادوفان تتحدث في البرلمان الألماني (د.ب.أ) play-circle

ألمانيا تصف حرب السودان بـ«أسوأ أزمة إنسانية في العالم»

دعت وزيرة التنمية الألمانية ريم العبدلي رادوفان إلى تكثيف الجهود الدولية لإنهاء الصراع في السودان، واصفة إياه بأنه «أسوأ أزمة إنسانية في العالم».

«الشرق الأوسط» (برلين)
الرياضة صورة من حفل افتتاح كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

سجلت المنتخبات العربية حضوراً لافتاً في المباريات الافتتاحية مؤكدة أنها تدخل المنافسة برؤية واضحة وثقة فنية تعكس تطور كرة القدم العربية على الساحة القارية.

كوثر وكيل (الرباط)
شمال افريقيا لاجئون سودانيون من دارفور يجلسون على الأرض أثناء عاصفة رملية في مخيم طولوم على مشارف بلدة إيريبا شرق تشاد - ٣٠ نوفمبر (رويترز)

«قوات الدعم السريع» تعلن سيطرتها على مناطق قرب الحدود التشادية

أعلنت «قوات الدعم السريع» الأربعاء إكمال سيطرتها على مناطق على الحدود مع تشاد في ولاية شمال دارفور.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

رئيس الوزراء السوداني: لن نقبل قوات أممية دون موافقة الحكومة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)
TT

رئيس الوزراء السوداني: لن نقبل قوات أممية دون موافقة الحكومة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إن المبادرة التي طرحتها حكومته لوقف الحرب، والتي عرض تفاصيلها أمام مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي، بعثت برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن السودان «دولة تسعى إلى السلام لا الحرب»، وإنها نقلت البلاد «من موقع المتلقي للمبادرات إلى موقع صانعها». وأكد إدريس في الوقت نفسه أن السودان، بوصفه دولة ذات سيادة، لن يقبل بنشر أي قوات أممية أو فرض أي آليات رقابة دولية دون اتفاق صريح مع الحكومة.

وتنص المبادرة الحكومية على وقف شامل لإطلاق النار تحت رقابة إقليمية ودولية، بمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، إلى جانب انسحاب «قوات الدعم السريع» من جميع المناطق التي تسيطر عليها، وتجميع عناصرها في معسكرات محددة.

وفي مؤتمر صحافي عقده بمدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة، عقب عودته من الولايات المتحدة، شدد إدريس على أن مخاطبته لمجلس الأمن تمثل «اعترافاً دولياً كاملاً بشرعية الحكومة المدنية في السودان»، مضيفاً: «عرضنا رؤيتنا الشاملة لحل الأزمة وأكدنا للعالم أننا دعاة سلام ولسنا دعاة حرب».

نزع السلاح أولوية

وأوضح رئيس الوزراء أن أي هدنة لا تترافق مع نزع سلاح «قوات الدعم السريع» وتجميع قواتها، ستؤدي إلى تعقيد النزاع وإطالة أمد الحرب، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات يجب أن تتم بتوافق وضمن رقابة دولية متفق عليها. وفي رده على التساؤلات بشأن آليات الرقابة الدولية، أكد إدريس أن السودان «لن يقبل بأي قوات أممية مفروضة»، قائلاً: «اكتوينا بجمرة القوات الدولية، ولن نكرر تجارب سابقة ذقنا فيها الأمرّين»، مشدداً على أن أي رقابة دولية مشروطة بموافقة الحكومة السودانية.

نازحة سودانية من منطقة هجليج داخل مخيم في مدينة القضارف شرق السودان 26 ديسمبر (أ.ف.ب)

وأشار إدريس إلى أن من أولويات المبادرة ضمان وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في جميع أنحاء البلاد، لافتاً إلى أن مرجعيتها تستند إلى خريطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية للأمم المتحدة، والجهود السعودية – الأميركية، وما تم التوصل إليه في إعلان مبادئ اتفاق جدة. كما كشف عن لقاءات وصفها بالإيجابية والداعمة لجهود وقف الحرب، جمعته مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس مجلس الأمن الدولي، وأعضاء المجموعة الأفريقية بالمجلس، التي تضم الجزائر وسيراليون والصومال.

وأشار رئيس الوزراء إلى رفض عدد كبير من الدول والمنظمات الدولية لأي محاولة لتشكيل حكومة موازية في السودان، في إشارة إلى حكومة «تحالف تأسيس» التي تقودها «قوات الدعم السريع» وحلفاؤها في مدينة نيالا بجنوب دارفور.

وأكد إدريس أن الحكومة تعتزم الشروع في خطوات عملية لتنفيذ المبادرة، عبر الدعوة إلى حوار سوداني – سوداني شامل لا يستثني أحدًا، تسبقه إجراءات لتهيئة المناخ العام، تتيح مشاركة السودانيين في الخارج، من خلال رفع القيود وشطب البلاغات غير المؤثرة، وصولًا إلى انتخابات حرة ونزيهة. وختم إدريس بالإشارة إلى أن الحكومة السودانية ستكثف تحركاتها الدبلوماسية مع دول الجوار لدعم مبادرة السلام، والعمل على تحسين علاقاتها مع الدول التي ما زالت تقدم دعمًا لـ«قوات الدعم السريع».

لاتفاوض ولاهدنة

من جهة ثانية، أكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، أنه «لا تفاوض ولا هدنة» مع «قوات الدعم السريع»، مشددًا على أن «السلام العادل سيتحقق عبر رؤية وخريطة طريق يضعها الشعب السوداني وحكومته». وأوضح عقار أن الحرب الدائرة في البلاد تمثل صراعًا على الموارد، وتهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي في السودان.

ميدانيًا، اتهمت «قوات الدعم السريع» الجيش السوداني بشن غارة جوية باستخدام طائرة مسيّرة استهدفت احتفالًا لمواطنين بأعياد الميلاد في منطقة «بيام جلد» بجنوب كردفان، ما أسفر، بحسب قولها، عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 19 آخرين، بينهم أطفال ونساء.

وفي سياق متصل، أعلنت «القوة المشتركة» المتحالفة مع الجيش السوداني أنها تمكنت من إحباط هجمات متزامنة شنتها «قوات الدعم السريع» على عدد من المناطق في ولاية شمال دارفور، مؤكدة تكبيدها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. وأضافت «القوة المشتركة» في بيان أن «قوات الدعم السريع» أقدمت على إحراق قرى بأكملها، في محاولة لتفريغ المناطق من سكانها، ووصفت ذلك بأنه انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

وكانت «قوات الدعم السريع» قد أعلنت، الأربعاء الماضي، سيطرتها على بلدتي أبو قمرة التابعة لمحلية كرنوي، وأمبرو، عقب معارك محدودة مع «القوة المشتركة».


مصر تعوّل على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة في اليمن

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تعوّل على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة في اليمن

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)

تعوّل مصر على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة وخفض التصعيد في اليمن، بما يحافظ على وحدة وسلامة أراضيه، إلى جانب تحقيق «تسوية شاملة تلبي تطلعات الشعب اليمني في الأمن والاستقرار والتنمية».

وأكدت وزارة الخارجية المصرية «موقف القاهرة الثابت الداعم للشرعية في اليمن»، وشددت في إفادة، الجمعة، على «حرصها الكامل على وحدة اليمن، وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية، بما يمهد لاستعادة الاستقرار في اليمن والمنطقة، ويضمن حرية الملاحة في البحر الأحمر».

وعاد التصعيد أخيراً للساحة اليمنية، بعد تحركات عسكرية نفذها «المجلس الانتقالي الجنوبي»، في محافظتي حضرموت والمهرة، شرق اليمن.

سفينة هولندية تعرّضت لهجوم حوثي في خليج عدن أواخر سبتمبر الماضي (أ.ب)

وأعربت القاهرة، الجمعة، عن «تقديرها للجهود المبذولة للعمل على خفض التصعيد في اليمن، للحيلولة دون تفاقم الوضع الراهن».

وناقش وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع نظيره اليمني، شائع الزنداني، «الجهود التي تقودها المملكة العربية السعودية والإمارات من أجل خفض التصعيد وتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن»، وأكد، وفقاً لبيان «الخارجية المصرية»، الجمعة، «ترحيب بلاده بالاتفاق المتعلق بتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، باعتباره خطوة تدعم الجهود الجارية لتهيئة مناخ مُواتٍ لاستئناف مسار التسوية».

وكانت السعودية قد أشارت إلى إرسال فريق عسكري سعودي - إماراتي مشترك إلى عدن، لوضع ترتيبات تضمن عودة قوات «الانتقالي» إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق إجراءات منظمة وتحت إشراف قوات التحالف.

وأكد بيان لـ«الخارجية السعودية»، الخميس، أن «القضية الجنوبية عادلة، ولن تُحل إلا عبر الحوار، ضمن الحل السياسي الشامل، بعيداً عن فرض الأمر الواقع بالقوة».

في سياق ذلك، دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، إلى تجنب التصعيد وتغليب المصلحة العليا للشعب اليمني، والتمسك بوحدة البلاد، وقال في إفادة، الخميس، إن «التطورات الأخيرة، تزيد من تعقيد الأزمة اليمنية، وتضر بمبدأ وحدة التراب اليمني».

وأعاد أبو الغيط التأكيد على الموقف العربي الموحد بشأن الالتزام بوحدة اليمن وسيادته وأمنه وسلامة أراضيه، ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية، مؤكداً «دعم الحكومة اليمنية الشرعية بقيادة مجلس القيادة الرئاسي».

سفير مصر السابق لدى اليمن، يوسف الشرقاوي، أكد أن «تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية بهذا الشكل المتسارع يهدد الوضع الأمني في اليمن كاملاً»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجهود العربية والإقليمية يجب أن تركز على حماية وحدة اليمن وسلامة أراضيه، والتصدي لأي محاولات تشجع لاتجاهات انفصالية تضر بوحدة الأراضي اليمنية».

وباعتقاد الشرقاوي، فإن «الدور العربي محوري لخفض التصعيد في الأراضي اليمنية»، وقال إن «التسوية يجب أن تقوم على حوار وطني يمني داخلي، ويتم تنفيذ مخرجاته»، إلى جانب «البناء على (اتفاق مسقط) الخاص بتبادل الأسرى، بما يهيئ المناخ لتسوية سياسية للأزمة».

و«تخشى القاهرة من انعكاسات التوتر والتصعيد في اليمن على الأوضاع الإقليمية»، وفق الشرقاوي، الذي قال إن «مصر تهتم بالتهدئة في اليمن، بما ينعكس إيجابياً على الوضع الأمني في جنوب البحر الأحمر، وحركة الملاحة في باب المندب، لارتباطها المباشر بحركة الملاحة في قناة السويس».


«ضعف المشاركة» في الاقتراع يهدد إعادة الدوائر الملغاة بـ«النواب» المصري

مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
TT

«ضعف المشاركة» في الاقتراع يهدد إعادة الدوائر الملغاة بـ«النواب» المصري

مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)

تُلاحق مخاوف «ضعف المشاركة» مجدداً الانتخابات البرلمانية المصرية، مع انطلاق جولة إعادة التصويت في الدوائر الـ19 التي أُلغيت نتائجها في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، والمقرر إجراؤها يومَي السبت والأحد، وهو ما بدا واضحاً في تقديرات حقوقيين وسياسيين وإعلاميين راهناً.

وتُعد نسب المشاركة أحد أبرز التحديات التي تواجه انتخابات «النواب»، التي وُصفت بأنها «الأطول والأكثر إثارة للجدل»، بعد أن جرى التصويت خلالها عبر ثماني جولات متتالية، تخللتها إعادة الانتخابات في عشرات الدوائر التي أُلغيت نتائجها بقرارات من الهيئة الوطنية للانتخابات والمحكمة الإدارية العليا.

ورغم أن «الوطنية للانتخابات» المخولة بالإشراف على العملية الانتخابية، لا تعلن رسمياً نسب المشاركة، فإن «تراجع الإقبال بدا واضحاً»، بحسب متابعات منظمات حقوقية، من بينها المركز الإعلامي لحقوق الإنسان (إحدى الجهات المعتمدة لمراقبة الانتخابات)، وظهر ذلك جلياً في أحد مراكز الاقتراع بحي الهرم في محافظة الجيزة، ضمن الدوائر الثلاثين التي أُعيد التصويت فيها يومَي 10 و11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وعلى الرغم من أن دوائر الريف عادة ما تشهد إقبالاً نسبياً أكبر، بفعل الاعتبارات العائلية والقبلية، فإن النتائج جاءت دون التوقعات خلال جولة الإعادة في المرحلة الثانية، التي أُجريت يومَي 14 و15 ديسمبر. ففي دائرة مركز ومدينة طنطا، على سبيل المثال، «لم تتجاوز نسبة المشاركة 9.3 في المائة».

مركز اقتراع بجولة الإعادة في المرحلة الثانية لانتخابات «النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب)

وعلى وقع هذه الأرقام التي تحدثت عنها نتائج الفرز، تصاعد الحديث في وسائل إعلام حكومية وشبه حكومية عن ضعف المشاركة. وخصّص الكاتب الصحافي المصري، محمود مسلم، في مقال له بصحيفة «الأهرام» شبه الرسمية، الجمعة، الضوء على ما وصفه بـ«المقارنات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي بين انتخابات مجلس النواب وانتخابات الأندية»، معتبراً أن هذه المقارنات «ليست في مصلحة العملية السياسية ولا القائمين عليها».

وفي السياق نفسه، أشار الإعلامي المصري، أسامة كمال، عبر برنامجه على قناة «دي إم سي» مساء الأربعاء الماضي، إلى أن «انتخابات مجلس النواب تكشف عن ضعف في نسب المشاركة في عدد من الدوائر»، متناولاً المسألة بإيجاز ضمن نقاش أوسع حول المشهد السياسي.

وتكرر الهيئة الوطنية للانتخابات، في مؤتمراتها الصحافية المتعاقبة خلال جولات الإعادة، دعوة المواطنين إلى «المشاركة بكثافة في الاقتراع». وكان رئيس غرفة العمليات المركزية بالهيئة، القاضي أحمد بنداري، قد دعا المواطنين، أخيراً، إلى «المشاركة والتصويت بشكل أكبر في الانتخابات».

غير أن رئيس حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي»، مدحت الزاهد، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «ضعف المشاركة لا يقتصر على المرحلة الحالية، بل يمثل امتداداً لسنوات سابقة».

ناخبون مصريون أمام أحد مراكز الاقتراع في محافظة كفر الشيخ خلال جولة إعادة المرحلة الثانية (تنسيقية شباب الأحزاب)

وعزا الزاهد ضعف المشاركة الانتخابية إلى «سياق عام يتيح لأصحاب الأموال الفوز، مروراً بتقسيم الدوائر، وصولاً إلى نظام القوائم المطلقة، الذي يحرم كثيراً من الكفاءات من التمثيل البرلماني». ويرى أن «تعزيز المشاركة السياسية وحماية حقوق المرشحين والمواطنين يمثلان خطوة أساسية لتقوية الديمقراطية وإنتاج برلمان قادر على مواجهة التحديات الوطنية».

وفي مقابل الجدل المتزايد حول ضعف الإقبال، نقلت «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية بمصر، الجمعة، استعدادات أمنية مكثفة لتأمين جولة الإعادة في الدوائر الـ19. وأفادت بأن وزير الداخلية المصري، اللواء محمود توفيق، كلف مديري الأمن والقيادات الأمنية والمستويات الإشرافية بالمحافظات المعنية، بالمرور على القوات المشاركة في خطة التأمين، للتأكد من جاهزيتها الكاملة لتنفيذ المهام الموكلة إليها بدقة وانضباط.

في حين يعتقد أستاذ علم الاجتماع، الدكتور سعيد صادق، أن ضعف الإقبال على انتخابات الإعادة في الدوائر الملغاة «ليس مفاجئاً»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا التراجع يعكس انخفاض حماس الناخبين مقارنة بالجولات السابقة».