الجوع والمرض يهددان السودانيين أكثر من المعارك

أطفال السودان ضحايا الحرب وكوارثها (أ.ف.ب)
أطفال السودان ضحايا الحرب وكوارثها (أ.ف.ب)
TT

الجوع والمرض يهددان السودانيين أكثر من المعارك

أطفال السودان ضحايا الحرب وكوارثها (أ.ف.ب)
أطفال السودان ضحايا الحرب وكوارثها (أ.ف.ب)

ينشغل المتحاربون في السودان بتبادل إطلاق النار، بينما يعيش ملايين المدنيين ليس فقط تحت زخات رصاص حرب لا ترحم، بل أيضاً الجوع والمرض وخراب البيئة، وهي مخاطر يومية تحصد أرواحاً ربما تفوق ما تحصده المعارك؛ مما يحول حياة ملايين المدنيين العزل إلى مأساة يومية تتعمق كل يوم ولا يبدو لها حلٌ في الأفق.

لم يعد الجوع في سودان اليوم مجرد أزمة غذاء، بل كارثة إنسانية تلتهم أرواح الصغار والكبار؛ إذ تشير تقارير «برنامج الغذاء العالمي» إلى أن أكثر من 3 ملايين طفل يعانون سوء تغذية حاداً، بينهم مئات الآلاف مهددون بالموت الوشيك إذا لم تصل إليهم مساعدات فورية.

ففي معسكرات النزوح بإقليمَي دارفور وكردفان، حيث تتكثف المعارك حالياً بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، يحيط اليأس بالأمهات اللاتي يفشلن في تقديم وجبة واحدة لأطفالهن كل يوم. وقالت حواء، وهي نازحة من دارفور، لـ«الشرق الأوسط» إن «طفلي عمره 5 سنوات، لكنه لا يقوى على المشي. لم يعد جسده ينمو. الحرب حرمتنا من البيت، لكن الجوع هو الذي يقتلنا كل يوم».

ويؤكد الأطباء أن سوء التغذية في البلاد تحوّل إلى وباء يهدد جيلاً كاملاً. وقال طبيب يعمل في مناطق النزاع لـ«الشرق الأوسط»: «نستقبل أطفالاً أوزانهم أقل من نصف المعدل الطبيعي، بعضهم يفقد البصر بسبب نقص الفيتامينات، وآخرون يموتون قبل أن نتمكن من مساعدتهم».

نزوح عكسي ووباء مستوطن

تسببت الحرب السودانية في مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص (د.ب.أ)

قصة الشاب «ب.ح» تكشف عن وجه آخر للمأساة، فقد عاد إلى منزله في حي «الصحافة» بجنوب الخرطوم بعد غياب طويل، ليجد البيت منهوباً والحشائش الطفيلية تغطي المكان. لكن لم يكن الخراب وحده ما فاجأه، بل أسراب الذباب والبعوض التي غزت المنزل.

لم يمكث طويلاً قبل أن ينزح من جديد إلى مدينة دنقلا في شمال البلاد، لكنه حمل معه فيروس حمى الضنك. ورغم أنه نجا منه، فإن آلافاً مثله يموتون يومياً بسبب أوبئة مثل الملاريا وحمى الضنك والحمى النزفية والكوليرا، في ظل غياب الدواء والرعاية الصحية.

وحكت لـ«الشرق الأوسط» السيدة «ط.ع» التي عادت إلى الخرطوم ضمن برنامج «العودة الطوعية»، قائلة: «حين وصلت وجدت الصورة مقلوبة: أكوام النفايات على مد البصر، مياه الأمطار راكدة في الشوارع، والحشرات والبعوض تنهش أجسادنا». وأضافت: «أُصبت بحمى الضنك مرتين، ولا علاج سوى البنادول ومقاومة جسمك الطبيعية. وفي العيادات شاهدت العشرات بأعراض مشابهة، بعضهم يحتاج لمحاليل وريدية نادرة وغالية».

الكوليرا واحتضار البيئة

أعلنت منظمة الصحة العالمية في أغسطس (آب) الحالي تسجيل أكثر من 11 ألف إصابة بالكوليرا في 10 ولايات سودانية، وقالت إن نقص العلاج والمياه النظيفة جعل الكوليرا وسوء التغذية «مزيجاً قاتلاً»، خصوصاً للأطفال والنساء الحوامل.

وفي مدينة الرهد بولاية شمال كردفان، تفشت الكوليرا وسط ظروف صحية بالغة التردي. وقال طبيب من أبناء المدينة لـ«الشرق الأوسط»: «نعالج عشرات المرضى يومياً دون إمكانات، وسوء التغذية يجعل أجسادهم عاجزة عن مقاومة أبسط الأمراض».

كما أن الحرب لم تقتصر على قتل البشر، بل قتلت مساحات زراعية واسعة في ولايتي الجزيرة والخرطوم، ولوثت مصادر المياه، فيما تكدست النفايات في المدن دون معالجة. ويتفق الجميع على أن التلوث والمخلفات ستجعل الأمراض حاضرة حتى بعد توقف القتال؛ لأن البيئة أصبحت عدواً صامتاً لا يقل خطورة عن الرصاص.

إلى جانب الجوع والمرض، سيواجه السكان خطراً آخر أقل ظهوراً رغم أنه مميت، هو خطر الأسلحة الكيماوية ومخلفات الحرب السامة، التي تحدثت عنها تقارير دولية. ففي يونيو (حزيران) الماضي، دخلت عقوبات أميركية ضد الجيش حيز التنفيذ بعد أن اتهمته جهات دولية باستخدام أسلحة كيماوية. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في يناير (كانون الثاني) الماضي أن الجيش استخدم أسلحة كيماوية مرتين على الأقل خلال الحرب، ورجحت أنه «غاز الكلور»، وهو ما نفته قيادة الجيش.

ضحايا دون أسماء

أشخاص خارج مركز عزل للكوليرا في مخيمات النازحين بإقليم دارفور غرب السودان (أ.ف.ب)

وتزداد المخاوف من الآثار المترتبة على استخدام الذخائر المحرمة دولياً، بل حتى تخزينها في مناطق مأهولة بالسكان المدنيين؛ لأن أضرارها لا تقتصر على قتل البشر فقط، بل إنها تترك آثاراً طويلة الأمد على التربة ومياه الشرب، وتهدد الأجيال الجديدة، وتسبيب أمراضاً خطيرة للأطفال، من بينها السرطانات والتشوهات الخلقية.

وقال عدد من المراقبين إن وفيات الجوع والمرض قد تتجاوز قتلى المواجهات العسكرية المباشرة، فذكر أحدهم أن «الموت الصامت بسبب الجوع والمرض يتجاوز بكثير ما تفعله المدافع. هؤلاء الضحايا لا نراهم في الأخبار، لكنهم الوجه الأشد قسوة للحرب».

وفي واقع السودان الحالي، حتى لو سكتت البنادق، فلن تنتهي المأساة؛ لأن الحرب الأخرى التي على السودانيين خوضها، سوف تبدأ بإعادة بناء النظام الصحي، وتأهيل الزراعة، وإنقاذ البيئة، وإعادة ما جرى تدميره بشكل عام. ودون ذلك، فستظل الأمراض والجوع والتلوث والفقر تقتل كثيرين في بلد يملك كثيراً من مقومات الحياة.


مقالات ذات صلة

أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان

شمال افريقيا القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)

أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان

انطلقت من القاهرة، الأحد، أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان، تحمل نحو 70 طناً من الأغذية والمستلزمات الطبية.

عصام فضل (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يصافح رئيس «مجلس السيادة» قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في مجمع الرئاسة بأنقرة يوم 25 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

البرهان يطلب من الرئيس التركي المساعدة في وقف الحرب

طلب رئيس «مجلس السيادة» قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التدخل والمساعدة في وقف الحرب ببلاده

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا نازحون من شمال كردفان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: أكثر من عشرة آلاف نازح خلال ثلاثة أيام في السودان

نزوح أكثر من عشرة آلاف شخص في غضون ثلاثة أيام خلال الأسبوع الحالي بولايات شمال دارفور وجنوب كردفان بالسودان وسط استمرار المعارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع»

«الشرق الأوسط» (بورتسودان (السودان))
شمال افريقيا رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

قالت وزيرة شؤون مجلس الوزراء السودانية لمياء عبد الغفار اليوم الأحد إن رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس سيباشر مهامه من العاصمة الخرطوم في «غضون الأيام المقبلة».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز) play-circle

بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

كشفت الأمم المتحدة عن وصول بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في أول دخول إنساني للمدينة منذ سيطرة «قوات الدعم السريع»

أحمد يونس (كمبالا)

«الجامعة» ترفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»


جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
TT

«الجامعة» ترفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»


جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)

رفضت الجامعة العربية اعتراف إسرائيل بانفصال إقليم الشمال الغربي بالصومال، ما يسمى «إقليم أرض الصومال»، مشددة على الوقوف ضد «أي إجراءات تترتب على هذا الاعتراف الباطل بغية تسهيل مخططات التهجير القسري للشعب الفلسطيني أو استباحة موانئ شمال الصومال لإنشاء قواعد عسكرية فيها».

وعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، أمس (الأحد)، دورةً غير عادية، أكد فيها «الموقف العربي الثابت والواضح بشأن عدّ إقليم الشمال الغربي بالصومال جزءاً لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية، ورفض أي محاولة للاعتراف بانفصاله بشكل مباشر أو غير مباشر».

وطالب البيان الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بـ«وضع خطة عمل عربية - أفريقية مشتركة تحُول دون إحداث أي تغيير في الوضع الأمني والجيوسياسي القائم، ومنع أي تهديد لمصالح الدول العربية والأفريقية في هذه المنطقة الحيوية».


«التوتر المصري - الإسرائيلي»... تسريبات تدعم موقف القاهرة

الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
TT

«التوتر المصري - الإسرائيلي»... تسريبات تدعم موقف القاهرة

الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)

نقلت تسريبات إسرائيلية عن مسؤولين أمنيين كبار أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تجاهل مخاوف وتحذيرات الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك)، معتمداً على «سلسلة من التقارير الكاذبة أضرت بالعلاقات مع القاهرة»، خاصة فيما يتعلق بتسليح الجيش المصري في سيناء، وهو ما اعتبره دبلوماسيون وعسكريون سابقون بمصر «دعماً للموقف المصري»، مؤكدين أن «تجاهل نتنياهو كان متعمداً في إطار خطة تكتيكية لخدمة مصالحه الشخصية، ولو على حساب علاقات إسرائيل بمصر».

وبحسب ما نشرته صحيفة «إسرائيل هيوم»، فقد شملت هذه التقارير مزاعم بأنّ مصر تُشيِّد قواعد هجومية في سيناء، وهو ما ردّده السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر، وأيضاً مزاعم بأنّ شخصيات بارزة في المخابرات المصرية كانت تتقاضى عمولات من تهريب الأسلحة إلى سيناء، وبأنّ مصر كانت متواطئة في خداع إسرائيل قبل هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول).

واحتجّت مصر على حملة التشويه، وأثارت القضية في اجتماعات بين مسؤولين أمنيين من البلدين، ولكن دون جدوى. وقد تسبب ذلك في تصاعد الخلاف بين مصر وإسرائيل.

في سبتمبر الماضي أعلن نتنياهو مخاوفه من حشد مصر قواتها العسكرية في سيناء (رويترز)

يقول السفير حسين هريدي، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري، إن «التجاهل من جانب نتنياهو لم يكن صدفة، لكنه تجاهل تكتيكي في إطار خطته وسعيه لخدمة نفسه ومصالحه، وتصوير أن هناك خطراً داهماً ودائماً يهدد إسرائيل».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن تصوير الخطر على الحدود من جانب مصر مسألة تجعل الرأي العام في إسرائيل يحتشد خلفه تحت تأثير الخوف».

ونوّه هريدي بأن «نتنياهو نفسه وهو يردد الاتهامات ضد مصر يعلم تماماً أنها زائفة، لكنه ينظر لما يجنيه من جراء تلك الأكاذيب من مصالح تصرف النظر عن أي اتهامات توجّه له في ملفات الحرب على غزة، أو غيرها من اتهامات بالفساد، كما أنه يستغل ذلك في إطار الضغوط على مصر التي تقف حجر عثرة أمام مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة».

هريدي أشار كذلك إلى أن «ظهور مثل هذه التسريبات التي تكشف تجاهل نتنياهو للتحذيرات الأمنية من الاتهامات الزائفة لمصر، قد يكون مقصوداً بغرض محاولة تهدئة الأجواء مع القاهرة قبيل لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وغير مستبعد أن يعود نتنياهو مرة أخرى لترديد اتهاماته عن الحشد العسكري المصري في سيناء، وغيرها من الاتهامات، ما دام ذلك يخدمه سياسياً في الداخل الإسرائيلي وفي تحركاته الإقليمية الأخرى».

وتثار حالياً خلافات بين مصر وإسرائيل تتعلق بالأوضاع في قطاع غزة، وتحميل مصر لإسرائيل مسؤولية عدم البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من «اتفاق وقف إطلاق النار»، وكذلك فتح معبر رفح مع وجود رغبة إسرائيلية في أن يكون في اتجاه واحد، وملف تهجير الفلسطينيين، والوجود الإسرائيلي في «محور فيلادلفيا»، والتأكيد المصري على ضرورة إيجاد مسار سياسي لدولة فلسطينية.

وبين الحين والآخر يخرج الجيش الإسرائيلي ببيانات رسمية يشير فيها إلى أنه «أسقط طائرة مُسيَّرة كانت تُهرّب أسلحة من الأراضي المصرية إلى إسرائيل»، وحدث ذلك أكثر مرة في أكتوبر الماضي قبل قرار تحويل الحدود إلى «منطقة عسكرية مغلقة».

وسبق أن عدَّ رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» في مصر، ضياء رشوان، أن «اتهامات إسرائيل بتهريب السلاح من مصر خطاب مستهلك»، وأشار في تصريحات إعلامية إلى أن القاهرة «سئمت من هذه الادعاءات التي تُستخدم لإلقاء المسؤولية على أطراف خارجية كلّما واجهت الحكومة الإسرائيلية مأزقاً سياسياً أو عسكرياً».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن نتنياهو «مخاوفه من حشد مصر قواتها العسكرية في سيناء»، وردت «الهيئة العامة للاستعلامات» بتأكيدها على أن «انتشار القوات المسلحة جاء بموجب تنسيق كامل مع أطراف معاهدة السلام».

وأشارت «الهيئة» حينها إلى أن «القوات الموجودة في سيناء في الأصل تستهدف تأمين الحدود المصرية ضد كل المخاطر، بما فيها العمليات الإرهابية والتهريب».

مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق في الجيش المصري، اللواء سمير فرج، قال لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم يتأكد للجميع زيف ما يردده نتنياهو وإعلامه، وصدق الرواية المصرية، وأن ما يقوله ما هو إلا خطة من أجل خدمة نفسه انتخابياً في الفترة المقبلة، وتصوير أن مصر العدو الرئيسي ولا بد من الاستعداد لها ونسيان أي أمور أخرى تتعلق بالاتهامات الموجهة له».

وأشار إلى أن «تحذيرات الأجهزة الأمنية في إسرائيل لنتنياهو من مغبة هذه الادعاءات ضد مصر؛ لأن تلك الأجهزة تعلم، وكذلك نتنياهو نفسه يعلم، أن مصر قضت تماماً على الأنفاق التي كانت تهدد الأمن القومي المصري، كما أن التحركات المصرية في سيناء تتم من أجل حفظ الأمن وليست لتهديد أحد».

بدوره، قال وكيل المخابرات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «طريقة الإسرائيليين هي إطلاق تصريحات مستفزة للتغطية على خروقاتهم، ومصر تعي ذلك جيداً، ولن تنجر إليه؛ فهم يريدون صرف الأنظار عن مخالفتهم لاتفاق غزة في شرم الشيخ، ورغبتهم في عدم الالتزام به».

رشاد الذي كان يشغل رئيس ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية بالمخابرات المصرية، أوضح: «كل ما تطلقه إسرائيل من اتهامات يعتبر استمراراً لتشويه سمعة مصر؛ لأنها الحاجز القوي لأطماعها في الضفة الغربية وغزة وسوريا ولبنان، وهذا ليس جديداً. وستستمر هذه الاتهامات الزائفة، والتقارير الإسرائيلية المنشورة حديثاً تؤكد ذلك».

وشدد رشاد على أن «الأجهزة المصرية تعلم جيداً أغراض نتنياهو وما يردده ضد القاهرة؛ لذلك لا تنجر إلى الأرض التي يريد جرها إليها، وتتعامل بحكمة وقوة وحزم، والأيام تثبت صحة وعقلانية الموقف المصري».


احتجاجات مستمرة وقطع طرق بالعاصمة الليبية

رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
TT

احتجاجات مستمرة وقطع طرق بالعاصمة الليبية

رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

عاشت العاصمة الليبية، طرابلس، ليلة جديدة على صفيح ساخن، مع تجدُّد موجة احتجاجات غاضبة ضد حكومة «الوحدة» المؤقتة، بالتزامن مع انضمام ما تُعرف بـ«كتائب وسرايا الثوار بمدينة مصراتة» إلى مطالب المحتجين التي تجاوزت الدعوة لإقالة الحكومة إلى المطالبة بإسقاط جميع «الأجسام السياسية» الحاكمة، في بلد يرزح منذ سنوات تحت وطأة الانقسام السياسي والأمني.

وحسب شهود عيان ووسائل إعلام محلية، شهدت طرابلس، مساء السبت، إغلاق الطريق السريع وطريق الشط من قبل محتجين على حكومة عبد الحميد الدبيبة، مع إشعال إطارات في وسط العاصمة، وخروج مظاهرات ليلية بعدة أحياء، احتجاجاً على ما وُصف بتفشي الفساد وتدهور الخدمات والأوضاع المعيشية.

ونقل الدبلوماسي الليبي محمد خليفة العكروت مشهداً اتسم بقطع طرق وحرق إطارات وارتباك في حركة المرور، وازدحام خانق أسفر عن اصطدام عدد من السيارات.

إطارات محترقة في أحد شوارع العاصمة طرابلس (لقطة مثبتة)

ودخلت الاحتجاجات يومها الثاني بعد تظاهرات مماثلة يوم الجمعة في طرابلس، ترافقت مع مظاهرات أخرى في مدينتي مصراتة والزاوية؛ حيث ندد المحتجون بتردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية والأمنية، مطالبين بإنهاء المرحلة الانتقالية.

وأعلن قادة «كتائب وسرايا الثوار بمدينة مصراتة» تأييدهم الكامل لما وصفوه بـ«انتفاضة شعبية»، مطالبين بـ«إسقاط كل الأجسام السياسية المسؤولة عن معاناة الوطن»، ودعوا الليبيين إلى الخروج للشوارع، كما وجَّهوا نداءً للأجهزة الأمنية والعسكرية في مصراتة للوقوف إلى جانب المحتجين.

ويبدو أن إشارة البيان إلى «الأجسام السياسية» تشمل مجلسَي النواب والأعلى للدولة، إضافة إلى حكومة الوحدة في طرابلس، والحكومة المكلفة من البرلمان في شرق البلاد.

وتبرأ قادة «الكتائب» في بيان لهم من وكيل وزارة الدفاع عبد السلام زوبي، معتبرين أنه «لا يمثلهم»، وأنه لم يقم بأي دور يُذكَر «في الدفاع عن حقوق الثوار»، أو في التعاطي مع حادثة وفاة رئيس الأركان محمد الحداد، إثر سقوط طائرة كانت تقله وقادة عسكريين بعد قليل من إقلاعها من العاصمة التركية أنقرة، الثلاثاء الماضي، منتقدين صمته حيالها.

كما استنكروا ما وصفوه بالموقف «الهزيل» لحكومة الوحدة، بسبب غياب بيان نعي رسمي متلفز أو مؤتمر صحافي يوضح ملابسات تحطم الطائرة، عادِّين ذلك «إهانة للمؤسسة العسكرية وتضحيات الثوار».

وتُعتبر «كتائب ثوار مصراتة» أكبر وأقوى القوى العسكرية المنظمة في غرب ليبيا، ولعبت منذ بروزها خلال ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، دوراً محورياً في العمليات العسكرية التي أسهمت في إسقاط نظام الرئيس السابق معمر القذافي؛ خصوصاً في جبهات مصراتة وسرت وطرابلس.

جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الليبي في بنغازي (مكتب إعلام المجلس)

وعلى مدى السنوات اللاحقة، احتفظت هذه التشكيلات بنفوذ عسكري ملحوظ داخل مصراتة وخارجها، مستندة إلى تنظيمها القتالي وتسليحها وقاعدتها الاجتماعية الواسعة، إضافة إلى حضورها في عدد من المفاصل الأمنية والعسكرية للدولة.

في هذه الأثناء، تجددت الحرائق الغامضة في مدينة الأصابعة بغرب البلاد؛ حيث اندلعت نحو 3 حرائق متزامنة، ما أعاد تسليط الضوء على سلسلة الحرائق التي شهدتها المدينة في 19 فبراير الماضي، وأسفرت عن احتراق عشرات -وربما مئات- المنازل.

وناشد المجلس البلدي لمدينة الأصابعة الجهات المعنية توفير سيارة إطفاء إضافية وأخرى للإسعاف، لتعزيز قدرات فرق السلامة الوطنية في ظل محدودية الإمكانات، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الليبية (وال) نقلاً عن مدير مكتب الإعلام بالمجلس، الصديق المقطف.

وأكد المقطف أن أسباب الحرائق «لا تزال مجهولة»، ودعا إلى «تكثيف المتابعة واتخاذ تدابير لحماية السكان؛ خصوصاً مع تكرار الحوادث منذ فبراير الماضي، بعد توقف مؤقت في مايو (أيار)».

أما في شرق البلاد، فيسود تكتم حول جدول أعمال جلسة مجلس النواب المقررة في بنغازي يومي الاثنين والثلاثاء، وسط ترجيحات بمناقشة 3 ملفات رئيسية، تشمل اعتماد ترشيحات رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح لتعيينات إدارية، وتعديل جدول مرتبات «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، إضافة إلى إعادة انتخاب هيكل قيادي جديد للمجلس.