حملة مصرية مضادة لكسر ادعاءات «غلق» معبر رفح

حضور رئاسي متكرر واستنفار إعلامي

شاحنات المساعدات تصطف أمام معبر رفح استعداد لدخول قطاع غزة (تصوير محمد عبده حسنين)
شاحنات المساعدات تصطف أمام معبر رفح استعداد لدخول قطاع غزة (تصوير محمد عبده حسنين)
TT

حملة مصرية مضادة لكسر ادعاءات «غلق» معبر رفح

شاحنات المساعدات تصطف أمام معبر رفح استعداد لدخول قطاع غزة (تصوير محمد عبده حسنين)
شاحنات المساعدات تصطف أمام معبر رفح استعداد لدخول قطاع غزة (تصوير محمد عبده حسنين)

من أمام مبنى ماسبيرو العريق المطل على نهر النيل، وسط القاهرة، انطلقت حافلتان ضخمتان تضمان أكثر من 70 صحافياً وإعلامياً مصرياً وأجنبيّاً من مختلف دول العالم، فجر الأربعاء، في طريقهما إلى معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، في زيارة ليست الأولى من نوعها غير أنها تأتي في «ظرف مغاير».

الرحلة التي استغرقت نحو 9 ساعات تستهدف متابعة إدخال المواد الإغاثية والإنسانية لأهالي القطاع المنكوبين، والتأكيد على التسهيلات والدعم اللوجستي المقدم من الجانب المصري.

ورغم تكرارها عدة مرات منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فإنها حملت طابعاً مختلفاً هذه المرة، كونها تأتي ضمن حالة استنفار رسمي وهجمة إعلامية مضادة، تقودها السلطات المصرية على جميع المستويات لدحض «ادعاءات» تستهدف «تشويه دورها في القضية الفلسطينية»؛ أبرزها ما يتعلق بـ«إغلاق مصر لمعبر رفح والمشاركة في تجويع سكان غزة»، كما يقول أحد منظمي الرحلة لـ«الشرق الأوسط».

وتنفي مصر منذ اندلعت الحرب اتهامات تتعلق بإغلاقها معبر رفح أمام المساعدات، وتشير إلى الاحتلال الإسرائيلي للجانب الآخر من المعبر، ومنعه تمرير أي شاحنات، لكنْ الآن بدا الأمر مختلفاً في ظل احتجاجات منظمة ومتواترة أمام سفارات مصرية بالخارج، تضمنت «إغلاقاً» رمزياً لأبوابها.

شاحنة أمام معبر رفح استعداداً للدخول للقطاع (تصوير محمد عبده حسنين)

الرد المصري الاستنكاري على تلك الاتهامات، التي تضمنت حملات «سوشيالية» لمعارضين، وعناصر محسوبة على تيار «الإسلام السياسي» تدين موقف السلطات المصرية، وتصفه بـ«المتقاعس»، لم يبدأ تصاعدياً، كما المعتاد، بل على العكس انطلق من القمة، بخطابين للرئيس عبد الفتاح السيسي، في نحو أسبوع، أحدهما مفاجئ خصص للرد على تلك الاتهامات، تبعه كلام لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وبيانات متتالية لوزارة الخارجية تشرح فيها حقيقة الموقف المصري من معبر رفح.

وقال السيسي، الثلاثاء، في مؤتمر صحافي بالقاهرة مع نظيره الفيتنامي لوونغ كوونغ، إن الوضع في قطاع غزة «يُستخدم ورقةً سياسيةً للمساومة»، معتبراً الادعاءات بمشاركة مصر في حصار قطاع غزة «إفلاساً» من مدعيها، ومشيراً إلى أن أكثر من خمسة آلاف شاحنة مساعدات في الأراضي المصرية مستعدة للدخول إلى قطاع غزة من مصر ودول أخرى. وأضاف: «المعبر لم يغلق، وتم تدميره وإصلاحه أربع مرات أثناء الحرب الأخيرة».

من أمام معبر رفح تحدثت السفيرة نبيلة مكرم، رئيسة الأمانة الفنية للتحالف الوطني المسؤول عن إدخال المساعدات لـ«الشرق الأوسط»، قائلة إن «مصر تتعرض لحملة تشويه لدورها في غزة».

وطالبت مكرم الإعلاميين الموجودين بنقل «حقيقة الدور المصري في إدخال المساعدات إلى غزة»، مشددةً على أن نقل الحقيقة لا يقل أهمية عن نقل المساعدات.

معبر رفح البري مفتوح من الجانب المصري لكن من دون دخول المساعدات (تصوير محمد عبده حسنين)

وفق السيسي، فإن «أكثر من 70 في المائة من المساعدات الإنسانية التي دخلتْ إلى قطاع غزة مصرية»، مشيراً إلى أن الجانب الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح. ولفت إلى أنه «قبل الحرب، كان يدخل من مصر 600 إلى 700 شاحنة محملة بالأغذية والمواد المطلوبة لإعاشة نحو 2.3 مليون من الفلسطينيين يومياً... هذه الكمية تم تقليلها لدرجة الصفر على مدى الأشهر الـ21 الماضية... والوضع الذي ترونه الآن في القطاع ناجم عن ذلك، وليس ناجماً عن أن مصر تخلت عن دورها في إدخال المساعدات، أو أنها تشارك في حصار القطاع».

ويعد معبر رفح شرياناً اقتصادياً وأمنياً على الحدود بين مصر وقطاع غزة، يُسهل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وخروج المسافرين والمصابين منه، قبل أن تسيطر إسرائيل على الجانب الفلسطيني منه في 7 مايو (أيار) 2024، وتعلن مصر عدم التنسيق مع إسرائيل بشأنه لعدم «شرعنة احتلاله»، والتزاماً باتفاقية المعابر التي وقّعت عليها في 2005 تل أبيب ورام الله بشأن إدارة السلطة الفلسطينية لمعبر رفح.

واتهم محافظ شمال سيناء خالد مجاور، «الإخوان»، بنشر ادعاءات منع السلطات المصرية دخول المساعدات إلى قطاع غزة، موكداً خلال مؤتمر صحافي من أمام المعبر، الأربعاء، أن الموقف المصري سيظل رافضاً لتهجير الفلسطينيين مهما كانت الضغوط، باعتبار ذلك هدفاً رئيساً للحفظ على الأراضي الفلسطينية.

وسبق أن وصف وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الحملة ضد مصر، بـ«الدنيئة»، مشيراً في مؤتمر صحافي، الأحد الماضي، إلى أنها «تستهدف تشتيت الانتباه عن إسرائيل بوصفها الوحيدة المسؤولة عن المأساة في غزة».

كان السيسي خرج في 28 يوليو (تموز) الماضي في خطاب مخصص لغزة، ليشرح آلية معبر رفح، مؤكداً أنه «لا بد أن يكون مفتوحاً من الجانب الفلسطيني لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة».

وأضاف في كلمة بثها التلفزيون المصري أن معبر رفح هو معبر أفراد وتشغيله لا يرتبط بالجانب المصري فقط، بل بالجانب الآخر داخل قطاع غزة. وتابع قائلاً: «هناك أكثر من 5 معابر متصلة بقطاع غزة، من جانبنا هناك معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم بشكل أو بآخر».

أكثر من 70 في المائة من المساعدات الإنسانية التي دخلت إلى قطاع غزة مصرية (تصوير محمد عبده حسنين)

وشهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية في دول عدة حول العالم، على مدار الأيام الماضية، احتجاجات، ومحاولات لـ«حصار وإغلاق» بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح»، وإيصال المساعدات للأهالي الذين يعانون من التجويع.

يأتي «حصار السفارات» المصرية في الخارج ضمن «حملات تحريضية» يدبرها تنظيم «الإخوان»، المحظور في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية»، حسب مسؤولين وبرلمانيين مصريين.

وانتقد ضياء رشوان، رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات المصرية» التابعة للرئاسة، الحملة ضد مصر، قائلاً: «الأصوات التي تهاجم مصر لا تبحث عن الحقيقة، وإنما هي حملات مغرضة تستهدف التحريض، وتروِّج لمزاعم لا علاقة لها بالواقع، رغم أن ما تقوم به الدولة المصرية على الأرض يشهد له العالم أجمع»، وفق تعبيره.

جهود مصرية لإدخال المواد الإغاثية والإنسانية لأهالي القطاع المنكوبين (تصوير محمد عبده حسنين)

وتكلفت مصر 578 مليون دولار لتقديم خدمات طبية للفلسطينيين المصابين، الذين دخلوا أراضيها منذ بدء الحرب، كما تم إجراء أكثر من 5 آلاف عملية جراحية للمصابين والمرضى من الأشقاء الفلسطينيين، وفق نائب رئيس الوزراء المصري وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار.


مقالات ذات صلة

مبعوثو ترمب إلى الشرق الأوسط... تغريد خارج سرب البيروقراطية

الولايات المتحدة​ ويتكوف في برلين في 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

مبعوثو ترمب إلى الشرق الأوسط... تغريد خارج سرب البيروقراطية

لم يدخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في عهده الثاني برتابة الرؤساء السابقين الذين التزموا بالسياسات الأميركية التقليدية والأعراف الدولية.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد انفجارات نفذها الجيش الإسرائيلي داخل الخط الأخضر شمال شرقي بيت لاهيا بغزة (أ.ف.ب) play-circle

الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيين اثنين في غزة

كشف الجيش الإسرائيلي اليوم (الجمعة) أنه قتل فلسطينيين اثنين في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول (د.ب.أ)

ألمانيا لن تشارك في قوة استقرار بغزة «في المستقبل المنظور»

أعلن وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان اليوم الخميس إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق برج دبابة متمركزة في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

تقرير: إسرائيل تصدر أوامر إخلاء جديدة في شرق حي التفاح بمدينة غزة

أصدر الجيش الإسرائيلي، مساء اليوم (الخميس)، «أوامر إخلاء» جديدة للمواطنين في شرق حي التفاح بمدينة غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة )

سقوط قادة ميليشيات يُعيد رسم خريطة النفوذ الأمني في العاصمة الليبية

شكّل التراجع النسبي لنفوذ «جهاز الردع» محطةً مفصليةً في هذا التحول عززت سيطرة «الوحدة» على العاصمة (الشرق الأوسط)
شكّل التراجع النسبي لنفوذ «جهاز الردع» محطةً مفصليةً في هذا التحول عززت سيطرة «الوحدة» على العاصمة (الشرق الأوسط)
TT

سقوط قادة ميليشيات يُعيد رسم خريطة النفوذ الأمني في العاصمة الليبية

شكّل التراجع النسبي لنفوذ «جهاز الردع» محطةً مفصليةً في هذا التحول عززت سيطرة «الوحدة» على العاصمة (الشرق الأوسط)
شكّل التراجع النسبي لنفوذ «جهاز الردع» محطةً مفصليةً في هذا التحول عززت سيطرة «الوحدة» على العاصمة (الشرق الأوسط)

مع نهاية العام الحالي، طوى أهالي العاصمة الليبية طرابلس صفحة أسماء ظلّت لسنوات تُوصف بـ«الأرقام الصعبة»، وذلك في إطار رسم خريطة النفوذ الأمني والعسكري بالمدينة ومحيطها، بعد أن سقطت تباعاً بين القتل والسجن والإبعاد.

ويرى مراقبون أن التحول الأبرز في المشهد المسلح بغرب ليبيا تمثل في مقتل عبد الغني الككلي، رئيس جهاز «دعم الاستقرار»، قبل سبعة أشهر خلال مواجهات مع قوات حكومة «الوحدة» المؤقتة، إلى جانب إقالة مقربين منه، بالإضافة إلى التخلص من أحمد الدباشي، الملقب بـ«العمو»، المطلوب دولياً في قضايا الاتجار بالبشر، منتصف الشهر الحالي خلال مواجهات أمنية. كما شكّل التراجع النسبي لنفوذ «جهاز الردع»، بعد مواجهة مع قوات «الوحدة»، محطة مفصلية في هذا التحول، عززت سيطرة «الوحدة» على العاصمة، خصوصاً مع سجن اثنين من أبرز قيادات الجهاز لاحقاً بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

الدبيبة متحدثاً خلال استقباله وفداًً من قيادات محلية في ديسمبر الجاري (حكومة الوحدة)

ووفق قراءات سياسية، تتجاوز هذه التطورات كونها صدامات أمنية عفوية، لتندرج ضمن عملية إعادة تشكيل المشهد الأمني، وهندسة النفوذ في الغرب الليبي، في ظل مناخ دولي أقل تسامحاً مع الجماعات المتورطة في الجريمة المنظمة.

في هذا السياق، اعتبر مدير «المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية»، شريف عبد الله، أن التعامل مع المجموعات المسلحة خلال هذا العام الذي يوشك على الانتهاء «بمثابة فصل جديد في تاريخ العاصمة، صاغته حكومة (الوحدة)، بما لا ينفصل عن ضوء أخضر غير معلن من عواصم غربية معنية بالملف الليبي».

وقال عبد الله لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة «سعت إلى حصر القرارين السياسي والأمني بيدها، من خلال الاعتماد على قادة مجموعات وأجهزة أمنية مقربة منها، نجحت في الاندماج بالمنظومة الأمنية والعسكرية الرسمية».

وتعيش ليبيا ازدواجية في السلطة بين حكومة «الوحدة» في الغرب، وحكومة أسامة حمّاد المكلفة من البرلمان، والمدعومة من قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

واعتبر عبد الله أن مقتل الككلي «كشف محدودية القدرات الفعلية لهذه المجموعات»، إذ تفرق أتباعه دون مؤشرات على امتلاكه سلاحاً نوعياً، وهو مشهد يتكرر مع «جهاز الردع»، الذي يستمد قوته الرئيسية من حاضنته الشعبية بمناطق وسط العاصمة.

عانت العاصمة طرابلس لسنوات من ويلات اشتباكات عنيفة بين الجماعات المسلحة (الوحدة)

ولسنوات فرض الككلي سيطرته على مساحات واسعة من طرابلس، وشغل موالون له مناصب داخل وزارات ومؤسسات مالية، وأداروا سجوناً وأجهزة أمنية، من بينها «جهاز الأمن الداخلي»، برئاسة لطفي الحراري، الذي أُقيل بعد مقتله.

وشدد الشريف على أن الدبيبة «لم ينجح في حصر السلاح بالغرب إلى الآن»، وقدم مثلاً على ذلك «بما تضم مدينة الزاوية القريبة من العاصمة من مجموعات مسلحة متعددة، وكيف تتكرر صراعات هؤلاء على مناطق النفوذ بها».

وإلى جانب ترتيب المشهد الأمني بالغرب الليبي، وتعزيز موقعها في أي مفاوضات مستقبلية بشأن الأزمة السياسية، رأى مدير «مركز الصادق للدراسات»، أنس القماطي، أن أحد دوافع حكومة «الوحدة» لسن هذه الإجراءات هو تفادي تشكل تحالفات محتملة بين بعض قادة المجموعات المسلحة في العاصمة، وخصومها في الشرق الليبي. واعتبر القماطي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «توجيه ضربات لبعض المجموعات في صبراتة والزاوية يأتي في هذا السياق»، مشيراً إلى أن الدبيبة «استفاد من توقيف اثنين من قيادات «الردع» داخل البلاد وخارجها». وذهب إلى أن مجمل هذه التحولات «عززت قيادات مقربة من الدبيبة، مثل مدير الاستخبارات العسكرية محمود حمزة، ووكيل وزارة الدفاع عبد السلام الزوبي».

ومطلع الشهر الحالي، مثل القيادي بـ«جهاز الردع» خالد الهيشري أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم «القتل والاغتصاب والتعذيب» في سجن معيتيقة، فيما يواجه الميليشياوي أسامة نجيم اتهامات مماثلة ولا يزال محتجزاً لدى السلطات الليبية.

في المقابل، شكك المحلل السياسي الليبي، عبد الحكيم فنوش، في الحديث عن وجود دعم دولي أو إقليمي للدبيبة في مسار مواجهة قادة المجموعات، كما شكك في «تمكن الدبيبة من تشكيل قوة عسكرية موحدة في الغرب»، مرجعاً ذلك إلى «تعدد المجموعات المسلحة التي تنتهج أسلوب المافيا».

ورغم إقراره «بوجود ارتياح شعبي من التخلص من بعض الأسماء»، رأى فنوش «أن الفرحة منقوصة بسبب الخوف من ظهور أسماء جديدة».

أما رئيس «مركز بنغازي لدراسات الهجرة واللجوء»، طارق لملوم، فتوقع استمرار استهداف أسماء أخرى من قادة المجموعات المسلحة، تحديداً ممن ازداد السخط الشعبي من تكرار انتهاكاتها، أو لكثرة استفزازها للشارع عبر التباهي بما تملكه من سيارات فارهة وطائرات خاصة. ورأى لملوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه العناصر لم تستطع -ربما لعدم حصولها على قدر كافٍ من التعليم وسلوكها الفوضوي- تكرار سيناريو اندماج وتدرج كل من الزوبي وحمزة في المؤسسة العسكرية، والوصول لمستويات عليا بها، مهدت لقبولها إقليمياً ودولياً».

فوات أمنية تعزز تواجدها في محيط طرابلس إثر اندلاع اشتباكات بين ميليشيات مسلحة (متداولة)

ورأى لملوم أن «إنهاء دورهم ربما يُدعم من حكومات عواصم أوروبية، وظفتهم مرحلياً في السابق لخدمة مصالحها بالساحة الليبية، خصوصاً في ملف منع المهاجرين غير النظاميين من الوصول لشواطئها، إلا أن تلك الحكومات باتت تتعرض لانتقادات حادة جراء تكشف مثل هذه التحالفات».

وانتهى لملوم إلى أن «اختفاء بعض قادة الميليشيات بالمنطقة الغربية قد يفتح باب العدالة للضحايا الليبيين والمهاجرين، بينما تبقى الانتخابات رهينة الانقسام السياسي بين شرق وغرب البلاد».


مقاتلات «JF-17» إلى بنغازي... هل انتهى مفعول «حظر السلاح» الأممي؟

من مراسم توقيع اتفاق مشترك بين «الوطني الليبي» والجيش الباكستاني بحضور صدام حفتر وعاصم منير (إعلام القيادة العامة)
من مراسم توقيع اتفاق مشترك بين «الوطني الليبي» والجيش الباكستاني بحضور صدام حفتر وعاصم منير (إعلام القيادة العامة)
TT

مقاتلات «JF-17» إلى بنغازي... هل انتهى مفعول «حظر السلاح» الأممي؟

من مراسم توقيع اتفاق مشترك بين «الوطني الليبي» والجيش الباكستاني بحضور صدام حفتر وعاصم منير (إعلام القيادة العامة)
من مراسم توقيع اتفاق مشترك بين «الوطني الليبي» والجيش الباكستاني بحضور صدام حفتر وعاصم منير (إعلام القيادة العامة)

أعادت «صفقة سلاح» مرتقبة بين «الجيش الوطني» الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر وباكستان، تُقدّر قيمتها بأكثر من 4 مليارات دولار، فتح ملف جدوى حظر الأسلحة الأممي المفروض على ليبيا منذ عام 2011، وسط تساؤلات متجددة حول مدى فاعليته، في ظل التحولات الإقليمية والدولية الجارية.

وتتضمن هذه الصفقة -التي لم يُعلن عنها رسمياً- مقاتلات من طراز «JF-17»، بالإضافة إلى بيع معدات برية وبحرية، في وقت لا تزال فيه ليبيا رسمياً خاضعة لحظر تسليح صارم، يشترط الحصول على موافقة مسبقة من مجلس الأمن لأي تعاقدات عسكرية. علماً بأن القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» اكتفت فقط بالإعلان عن توقيع اتفاق تعاون، ولم تتحدث عن أي صفقات.

من استعراض عسكري أقيم في بنغازي وترأسه المشير حفتر (الجيش الوطني)

وكانت وكالة «رويترز» قد أفادت بأن الاتفاق جرى توقيعه عقب اجتماع جمع عاصم منير، قائد الجيش الباكستاني بالفريق صدام حفتر، نائب القائد العام لـ«الجيش الوطني» خلال زيارته الأخيرة إلى بنغازي، وذلك في مؤشر على تغيير محتمل في مقاربة بعض القوى لملف التسليح الليبي.

غضّ الطرف عن تدفق السلاح إلى ليبيا

يرى مدير «المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية»، شريف بوفردة، أن «حظر السلاح على ليبيا لم يعد عائقاً فعلياً أمام تمرير مثل هذه الصفقات»، ويعتقد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تغضّ الطرف عن تدفق السلاح إلى أطراف ليبية في شرق ليبيا وغربها، عبر مواني طرابلس ومصراتة وطبرق»، رغم استمرار الحظر شكلياً.

ويُشير بوفردة إلى أن الصفقة المحتملة «ستُسهم في تعزيز القدرات العسكرية لقوات الجيش في شرق ليبيا ورفع معنوياتها».

حفتر وقائد الجيش الباكستاني عاصم منير في بنغازي (إعلام القيادة العامة)

وتنسجم هذه القراءة مع ما خلص إليه تقرير سابق للجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة العام الماضي، وصف حظر الأسلحة المفروض على ليبيا بأنه «غير فعّال»، كاشفاً عن «تنامي انخراط دول أجنبية في تقديم التدريب والدعم العسكري لقوات ليبية في الشرق والغرب، رغم القيود الرسمية».

كما نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين ليبيين وباكستانيين أن إسلام آباد ليست الوحيدة التي تقيم علاقات عسكرية مع ليبيا، وأنه لا توجد عقوبات دولية مفروضة على قائد الجيش الليبي.

من جانبه، يُقدّم المحلل السياسي، محمد مطيريد، قراءة مختلفة للحظر، عادّاً أنه فُرض في «ظروف استثنائية كانت فيها مؤسسات الدولة غائبة»، ولم يكن الهدف منه حرمان ليبيا من حقها في الدفاع عن نفسها، بل منع وصول السلاح إلى الجماعات الخارجة عن الشرعية.

ورأى مطيريد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن وجود مؤسسة عسكرية منضبطة اليوم «يفتح الباب أمام إعادة تفسير الحظر، أو تجاوزه عبر قنوات تفاهم دولية مشروعة».

أما الناشط السياسي، عمر أبوسعيدة، فيرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن القضية «ليست خرقاً لحظر الأسلحة بقدر ما هي انعكاس لتغيّر موازين السياسة الدولية تجاه ليبيا»، في ظل مقاربات أكثر براغماتية تتعامل مع الواقع العسكري القائم.

«رئة بديلة للتسلّح»

تشير معلومات، استناداً إلى نسخة من الصفقة، تقول وكالة «رويترز» إنها اطلعت عليها قبل استكمالها، أن ليبيا تعتزم شراء 16 طائرة مقاتلة متعددة المهام من طراز «JF-17» المطوّرة، بالشراكة بين باكستان والصين، إضافة إلى 12 طائرة تدريب لتأهيل الطيارين، بقيمة تبلغ 4.6 مليار دولار.

من الزاوية الباكستانية، تحظى الصفقة بقبول داخلي واسع، بوصفها فرصة لتعزيز الحضور الدفاعي لباكستان إقليمياً ودولياً. وفي هذا السياق، توقّع المحلل السياسي الباكستاني، حذيفة فريد، أن تشهد المرحلة المقبلة «تسهيلات أميركية محتملة قد تمهّد لرفع تدريجي للقيود المفروضة على ليبيا».

من مراسم توقيع اتفاق بين «الوطني الليبي» والجيش الباكستاني (إعلام القيادة العامة)

وتذهب تقديرات حديثة لمؤسسة «سلفيوم» الليبية للدراسات والأبحاث، إلى أن باكستان «لا تلتزم بصرامة بالقيود الأوروبية على تصدير السلاح»، ما يوفّر للقيادة العامة في شرق ليبيا «رئة بديلة للتسلح»، بعيداً عن ضغوط لجان العقوبات الدولية.

وعلى نحو براغماتي، يرى محللون أن الصفقة تتجاوز كونها مجرد تعاقد تسليحي لتندرج ضمن إعادة تموضع إقليمي ودولي محسوب للطرفين.

وفي هذا السياق، يرى بوفردة أن التقارب الليبي-الباكستاني يندرج ضمن مساعٍ أميركية لتقليص النفوذ الروسي في شرق ليبيا، مستشهداً بالتحضيرات الجارية لمناورات عسكرية مشتركة بين قوات من شرق وغرب ليبيا، برعاية القيادة الأميركية في أفريقيا «أفريكوم» في أبريل (نيسان) 2026، بما يشمل إعادة توجيه بعض القدرات العسكرية خارج دائرة التأثير الروسي.

ويعدّ المحلل السياسي الباكستاني أن الصفقة «تُمثل فرصة استراتيجية لباكستان لتأكيد مكانتها في سوق السلاح، لا سيما بعد ما أظهرته الاشتباكات مع الهند في مايو (أيار) الماضي من تطور في قدراتها العسكرية»، مؤكداً أن علاقات بلاده مع مختلف الأطراف المعنية بالملف الليبي «تُدار بما يحفظ المصالح المشتركة، دون الإضرار باستقرار ليبيا».

وفي بلد يعاني انقساماً سياسياً وعسكرياً منذ عام 2014، تظل مسألة تمويل صفقات التسلح موضوعاً غاية في الحساسية. غير أن بوفردة يستبعد وجود عقبات مالية، في حين يرى مطيريد أن الإنفاق الدفاعي «واجب سيادي، واستثمار مباشر في أمن ليبيا واستقرارها».

يُذكر أن زيارة قائد الجيش الباكستاني إلى بنغازي ليست الأولى من نوعها، إذ بدأت دينامية التقارب في يوليو (تموز) الماضي، حين زار نائب قائد القوات في القيادة العامة، الفريق صدام حفتر، العاصمة إسلام آباد، ووقع اتفاق تعاون بين القوات الجوية الباكستانية، في خطوة بدت مفاجئة آنذاك.


رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
TT

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، اليوم الجمعة، إن الحكومة عرضت رؤيتها للسلام خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي، حيث تستند إلى مرجعيات من بينها إعلان منبر جدة، مشدداً على أن بلاده لن تقبل بوجود أي قوات أممية أو أي رقابة مفروضة عليها.

وأوضح إدريس، خلال مؤتمر صحافي في بورتسودان بعد عودته من الولايات المتحدة، أن معظم التفاعلات في جلسة مجلس الأمن تجاه مبادرة الحكومة للسلام كانت «إيجابية»، وأكد أن هذه المبادرة من شأنها أن توقف الحرب وتحقق السلام العادل والشامل للشعب السوداني.

وأضاف رئيس الوزراء: «نحن دعاة سلام ولسنا دعاة حرب، بل الحرب قد فُرضت علينا»، محذراً من أن أي هدنة لا يصاحبها نزع سلاح مَن سماهم «الميليشيات» ستؤدي إلى تعقيد الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في مبنى الأمم المتحدة بنيويورك (صور الأمم المتحدة)

وأوضح أن مبادرة الحكومة للسلام تستند إلى مرجعيات عدة، منها قرارات مجلس الأمن وإعلان منبر جدة الموقع في مايو (أيار) 2023، إلى جانب الزيارات التي أجراها رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان لا سيما لمصر وقطر.

كان رئيس الوزراء السوداني قد توجه إلى الولايات المتحدة يوم السبت الماضي ليبحث مع مسؤولين بالأمم المتحدة تعزيز التعاون بين الجانبين ويجري مشاورات بشأن تداعيات الحرب وآفاق السلام.

اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023 بعد صراع على السلطة خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.

وتسيطر «قوات الدعم السريع» الآن على إقليم دارفور بالكامل في غرب السودان، بعدما أعلنت سيطرتها مؤخراً على مدينة الفاشر عقب حصارها لمدة 18 شهراً، فيما يسيطر الجيش على النصف الشرقي من البلاد.