الساحل الشمالي المصري… صفقات جديدة وأجواء مزدهرة لكن الأسعار «مرعبة»

السيسي ورئيس الإمارات محمد بن زايد خلال تدشين مشروع «رأس الحكمة» أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
السيسي ورئيس الإمارات محمد بن زايد خلال تدشين مشروع «رأس الحكمة» أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

الساحل الشمالي المصري… صفقات جديدة وأجواء مزدهرة لكن الأسعار «مرعبة»

السيسي ورئيس الإمارات محمد بن زايد خلال تدشين مشروع «رأس الحكمة» أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
السيسي ورئيس الإمارات محمد بن زايد خلال تدشين مشروع «رأس الحكمة» أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

تعيش منطقة الساحل الشمالي في مصر أجواءً سياحية واستثمارية مزدهرة، خصوصاً في ظل تقارير حديثة عن قرب إتمام صفقة ضخمة تقوم بموجبها دولة قطر باستثمار مليارات الدولارات لإنشاء مدينة سياحية هناك، على غرار صفقة «رأس الحكمة» الإماراتية، وهو ما أثار تساؤلات عن سر الإقبال على تلك المنطقة، رغم الأسعار التي وصفها البعض بـ«المرعبة».

وقبل أيام أفاد تقرير لوكالة «بلومبرغ» بأن مصر وقطر تضعان اللمسات النهائية لتدشين مشروع سياحي باستثمارات أولية تبلغ 4 مليارات دولار في منطقة «علم الروم» بالساحل الشمالي، وأن المشروع الذي جرى الاتفاق عليه خلال اجتماع بين رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ونظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني «يتضمن إنشاء مدينة سياحية متكاملة على مساحة تصل إلى 60 ألف فدان، تُخصص بنظام حق الانتفاع لصالح جهاز قطر للاستثمار».

ووفق الوكالة، فإن المخطط العام الأولي للمشروع يشمل «منتجعات سياحية عالمية، ووحدات سكنية فاخرة، ومراكز تجارية وترفيهية، إضافة إلى مرسى لليخوت ومرافق خدمية متطورة، على غرار قرية (رأس الحكمة)».

تقارير تتحدث عن اتفاق حكومي لاستثمارات قطرية بقيمة 4 مليارات دولار في الساحل الشمالي المصري (وكالة الأنباء القطرية)

الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة قال إن «منطقة الساحل الشمالي المصري هي منطقة متميزة عالمياً، وهناك إقبال كبير جداً من المطورين العقاريين في العالم عليها؛ لأنها تعد جوهرة على البحر المتوسط، لذلك فطبيعي أن تكون أسعار الأراضي مرتفعة جداً وحجم الصفقات ضخماً، ومعنى الإقبال الكبير أن هذه المنطقة ستكون مربحة لمن يدفع تلك الأرقام فيها، ومن ثم فهي أسعار ليست مبالَغاً فيها بحسب السوق، ووفقاً لمقياس الربح والخسارة الذي يحكم خريطة الاستثمارات في العالم كله».

وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تميز منطقة الساحل الشمالي بمصر هو الذي شجع إتمام الصفقات السابقة، وهو الذي يشجع دولة قطر حسب المعلن رسمياً على أن تشرع في ضح استثمارات بـ4 مليارات دولار في منطقة مرسى مطروح، وتحديداً منطقة (علم الروم)، وكل ذلك طبيعي أن يجعل المنطقة تزدهر، وهي منطقة معروفة بأنها سياحية والأسعار بالنسبة للخدمات والإقامة في هذه المنطقة، وفقاً لتقييم خبراء السياحة، مقبولة نظراً لتميزها وجودة الشواطئ فيها والتي تكاد تكون لا مثيل لها».

وتقع «علم الروم»، التي جاءت تسميتها لوجود حصن روماني قديم بها، شرق مدينة مرسى مطروح، وتعد وجهة مفضلة لعشاق الصيد والسياحة العائلية بفضل شواطئها الهادئة وجمال طبيعتها. وتفصلها نحو 50 كيلومتراً عن «رأس الحكمة» التي اجتذبت استثماراً إماراتياً بقيمة 35 مليار دولار في أكتوبر (تشرين الأول) 2024.

الإمارات استثمرت 35 مليار دولار في مشروع «رأس الحكمة» (الرئاسة المصرية)

ويرى الخبير الاقتصادي المصري حمدي الجمل أن الساحل الشمالي «له بريق خاص ومستقبل مضمون، وإلا فما الذي دفع الإمارات أن تضخ أكثر من 35 مليار دولار في منطقة رأس الحكمة؟ وكذا هناك إقبال غير مسبوق على موسم السياحة الصيفية بالساحل الشمالي، حيث تم حجز كل الليالي بالفنادق، ولا توجد غرفة فارغة رغم ارتفاع الأسعار»، وأضاف: «ربما جاء هذا الإقبال على الاستثمار بالمنطقة وفي مصر عموماً بسبب انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار»، (الدولار يساوي 49 جنيهاً في البنوك المصرية).

وأكد الجمل لـ«الشرق الأوسط» أن «اعتزام دولة قطر ضخ 4 مليارات دولار في مرسى مطروح - وهي امتداد طبيعي للساحل الشمالي، وإن كانت مرسى مطروح أقدم تاريخياً في استقبال السياحة الشاطئية، وتمتلك مقومات سياحية قائمة - يعني أن مصر باتت تستغل مزاياها في جذب الاستثمارات الخارجية».

وأوضح أن «الحكومة المصرية تعتزم، وفقاً للمخطط الاستراتيجي لها، إقامة أكثر من محافظة على سواحل البحر الأبيض المتوسط لتكون الإسكندرية ثم محافظة العلمين ومحافظة مطروح ومحافظة السلوم، في إطار استغلال هذه المقومات والخروج من الوادي الضيق على ضفاف النيل، وانتشار السكان على مساحة 30 في المائة من مساحة مصر بدلاً من 7 في المائة على ضفاف النيل».

والجمعة، تفقَّد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي المشروعات الجاري تنفيذها بمنطقة الساحل الشمالي الغربي للبلاد ومن بينها مشروع «رأس الحكمة»، وأكد أن هناك توجيهاً من الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة الإسراع في تنفيذ المشروعات ومتابعتها دوريّاً لضمان خروجها بالشكل الأمثل، بما يسهم في تطوير الأصول، وتعظيم الاستفادة منها، مع تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، في إطار تحويل منطقة الساحل الشمالي الغربي إلى مقصد دائم، وقبلة للسكن والاستثمار على مدار العام، وليس موسماً صيفياً فقط.

من جانبه، قال عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع الدكتور أحمد أبو علي، إن «الساحل الشمالي المصري يعيش حالياً واحدة من أكثر فتراته نشاطاً، سواء من حيث حجم الصفقات العقارية أو الإقبال الاستثماري المحلي والإقليمي. لكن اللافت أن هذه الطفرة تصاحبها ارتفاعات حادة في الأسعار، وصلت إلى مستويات توصف في السوق العقارية بأنها مرعبة، وهو ما يُثير جدلاً واسعاً حول جدوى هذه القفزات، ومدى توافقها مع القوة الشرائية الحقيقية».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الحديث المتداول عن قرب إتمام صفقة استثمارية قطرية ضخمة بقيمة 4 مليارات دولار في منطقة مرسى مطروح، يضع الساحل الشمالي مجدداً في بؤرة الاهتمام الإقليمي والدولي... هذه الصفقة، حال تنفيذها، ستُمثل دفعة قوية للاستثمار في المنطقة، وستُعيد رسم خريطة التنمية العمرانية غرب الساحل، وتُعزز ثقة رؤوس الأموال الخليجية في مستقبل السوق المصرية».

لكن أبو علي يرى أنه «لا يمكن تجاهل المخاوف المرتبطة بتسعير العقارات في تلك المناطق، فهل الأسعار الحالية تعكس قيمة مضافة حقيقية ناتجة عن تنمية متكاملة وبنية تحتية قوية؟ أم أنها فقاعة سعرية مدفوعة بالمضاربات الإعلامية والمضاربة الاستثمارية؟»، مضيفاً: «هذا هو السؤال الأهم الذي يجب أن يُطرح الآن».

وأشار إلى أنه في التقييم العام، تسهم مثل هذه الصفقات الكبرى «في تعزيز صورة مصر بوصفها وجهة استثمارية موثوقاً بها، لكنها تحتاج إلى إدارة دقيقة للتوازن بين جذب الاستثمارات الخارجية، والحفاظ على منطقية الأسعار حتى لا تتحول بعض المناطق إلى أسواق نخبوية مغلقة غير مستدامة اقتصادياً أو اجتماعياً».


مقالات ذات صلة

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

شمال افريقيا منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

تسريبات إسرائيلية جديدة تتضمن توسيع وجود قواتها بقطاع غزة من 53 إلى 75 في المائة، وسط جهود للوسطاء من أجل الدفع بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

محمد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)

أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان

انطلقت من القاهرة، الأحد، أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان، تحمل نحو 70 طناً من الأغذية والمستلزمات الطبية.

عصام فضل (القاهرة )
شمال افريقيا الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح مع عائلته بعد وصوله لندن (حساب شقيقته على فيسبوك)

علاء عبد الفتاح يثير أزمة في بريطانيا... و«شماتة» مصرية

أثار ترحيب رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر بوصول الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح إلى لندن، بعد سنوات من سجنه في مصر، قبل صدور عفو عنه، أزمة واسعة.

أحمد عدلي (القاهرة)
الاقتصاد مصر تعيش انتعاشة سياحية في الربع الأخير من عام 2025 (تصوير: عبد الفتاح فرج)

الفنادق المصرية كاملة العدد بموسم إجازات «رأس السنة»

وسط توقعات بتحقيق أرقام قياسية في أعداد السائحين خلال عام 2025 أكد مسؤولون مصريون أن موسم احتفالات رأس السنة شهد إقبالاً واسعاً

عصام فضل (القاهرة)
شمال افريقيا مقر وزارة الداخلية في مصر (صفحة الوزارة على «فيسبوك»)

«الداخلية المصرية» تنفي وفاة محتجز بسبب التعذيب

أكَّد مصدر أمني، الأحد، عدم صحة ما تم تداوله على إحدى الصفحات التابعة لجماعة «الإخوان» بمواقع التواصل الاجتماعي بشأن وفاة متهم داخل أحد أقسام الشرطة بالجيزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الجامعة» ترفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»


جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
TT

«الجامعة» ترفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»


جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)

رفضت الجامعة العربية اعتراف إسرائيل بانفصال إقليم الشمال الغربي بالصومال، ما يسمى «إقليم أرض الصومال»، مشددة على الوقوف ضد «أي إجراءات تترتب على هذا الاعتراف الباطل بغية تسهيل مخططات التهجير القسري للشعب الفلسطيني أو استباحة موانئ شمال الصومال لإنشاء قواعد عسكرية فيها».

وعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، أمس (الأحد)، دورةً غير عادية، أكد فيها «الموقف العربي الثابت والواضح بشأن عدّ إقليم الشمال الغربي بالصومال جزءاً لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية، ورفض أي محاولة للاعتراف بانفصاله بشكل مباشر أو غير مباشر».

وطالب البيان الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بـ«وضع خطة عمل عربية - أفريقية مشتركة تحُول دون إحداث أي تغيير في الوضع الأمني والجيوسياسي القائم، ومنع أي تهديد لمصالح الدول العربية والأفريقية في هذه المنطقة الحيوية».


«التوتر المصري - الإسرائيلي»... تسريبات تدعم موقف القاهرة

الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
TT

«التوتر المصري - الإسرائيلي»... تسريبات تدعم موقف القاهرة

الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)

نقلت تسريبات إسرائيلية عن مسؤولين أمنيين كبار أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تجاهل مخاوف وتحذيرات الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك)، معتمداً على «سلسلة من التقارير الكاذبة أضرت بالعلاقات مع القاهرة»، خاصة فيما يتعلق بتسليح الجيش المصري في سيناء، وهو ما اعتبره دبلوماسيون وعسكريون سابقون بمصر «دعماً للموقف المصري»، مؤكدين أن «تجاهل نتنياهو كان متعمداً في إطار خطة تكتيكية لخدمة مصالحه الشخصية، ولو على حساب علاقات إسرائيل بمصر».

وبحسب ما نشرته صحيفة «إسرائيل هيوم»، فقد شملت هذه التقارير مزاعم بأنّ مصر تُشيِّد قواعد هجومية في سيناء، وهو ما ردّده السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر، وأيضاً مزاعم بأنّ شخصيات بارزة في المخابرات المصرية كانت تتقاضى عمولات من تهريب الأسلحة إلى سيناء، وبأنّ مصر كانت متواطئة في خداع إسرائيل قبل هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول).

واحتجّت مصر على حملة التشويه، وأثارت القضية في اجتماعات بين مسؤولين أمنيين من البلدين، ولكن دون جدوى. وقد تسبب ذلك في تصاعد الخلاف بين مصر وإسرائيل.

في سبتمبر الماضي أعلن نتنياهو مخاوفه من حشد مصر قواتها العسكرية في سيناء (رويترز)

يقول السفير حسين هريدي، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري، إن «التجاهل من جانب نتنياهو لم يكن صدفة، لكنه تجاهل تكتيكي في إطار خطته وسعيه لخدمة نفسه ومصالحه، وتصوير أن هناك خطراً داهماً ودائماً يهدد إسرائيل».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن تصوير الخطر على الحدود من جانب مصر مسألة تجعل الرأي العام في إسرائيل يحتشد خلفه تحت تأثير الخوف».

ونوّه هريدي بأن «نتنياهو نفسه وهو يردد الاتهامات ضد مصر يعلم تماماً أنها زائفة، لكنه ينظر لما يجنيه من جراء تلك الأكاذيب من مصالح تصرف النظر عن أي اتهامات توجّه له في ملفات الحرب على غزة، أو غيرها من اتهامات بالفساد، كما أنه يستغل ذلك في إطار الضغوط على مصر التي تقف حجر عثرة أمام مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة».

هريدي أشار كذلك إلى أن «ظهور مثل هذه التسريبات التي تكشف تجاهل نتنياهو للتحذيرات الأمنية من الاتهامات الزائفة لمصر، قد يكون مقصوداً بغرض محاولة تهدئة الأجواء مع القاهرة قبيل لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وغير مستبعد أن يعود نتنياهو مرة أخرى لترديد اتهاماته عن الحشد العسكري المصري في سيناء، وغيرها من الاتهامات، ما دام ذلك يخدمه سياسياً في الداخل الإسرائيلي وفي تحركاته الإقليمية الأخرى».

وتثار حالياً خلافات بين مصر وإسرائيل تتعلق بالأوضاع في قطاع غزة، وتحميل مصر لإسرائيل مسؤولية عدم البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من «اتفاق وقف إطلاق النار»، وكذلك فتح معبر رفح مع وجود رغبة إسرائيلية في أن يكون في اتجاه واحد، وملف تهجير الفلسطينيين، والوجود الإسرائيلي في «محور فيلادلفيا»، والتأكيد المصري على ضرورة إيجاد مسار سياسي لدولة فلسطينية.

وبين الحين والآخر يخرج الجيش الإسرائيلي ببيانات رسمية يشير فيها إلى أنه «أسقط طائرة مُسيَّرة كانت تُهرّب أسلحة من الأراضي المصرية إلى إسرائيل»، وحدث ذلك أكثر مرة في أكتوبر الماضي قبل قرار تحويل الحدود إلى «منطقة عسكرية مغلقة».

وسبق أن عدَّ رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» في مصر، ضياء رشوان، أن «اتهامات إسرائيل بتهريب السلاح من مصر خطاب مستهلك»، وأشار في تصريحات إعلامية إلى أن القاهرة «سئمت من هذه الادعاءات التي تُستخدم لإلقاء المسؤولية على أطراف خارجية كلّما واجهت الحكومة الإسرائيلية مأزقاً سياسياً أو عسكرياً».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن نتنياهو «مخاوفه من حشد مصر قواتها العسكرية في سيناء»، وردت «الهيئة العامة للاستعلامات» بتأكيدها على أن «انتشار القوات المسلحة جاء بموجب تنسيق كامل مع أطراف معاهدة السلام».

وأشارت «الهيئة» حينها إلى أن «القوات الموجودة في سيناء في الأصل تستهدف تأمين الحدود المصرية ضد كل المخاطر، بما فيها العمليات الإرهابية والتهريب».

مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق في الجيش المصري، اللواء سمير فرج، قال لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم يتأكد للجميع زيف ما يردده نتنياهو وإعلامه، وصدق الرواية المصرية، وأن ما يقوله ما هو إلا خطة من أجل خدمة نفسه انتخابياً في الفترة المقبلة، وتصوير أن مصر العدو الرئيسي ولا بد من الاستعداد لها ونسيان أي أمور أخرى تتعلق بالاتهامات الموجهة له».

وأشار إلى أن «تحذيرات الأجهزة الأمنية في إسرائيل لنتنياهو من مغبة هذه الادعاءات ضد مصر؛ لأن تلك الأجهزة تعلم، وكذلك نتنياهو نفسه يعلم، أن مصر قضت تماماً على الأنفاق التي كانت تهدد الأمن القومي المصري، كما أن التحركات المصرية في سيناء تتم من أجل حفظ الأمن وليست لتهديد أحد».

بدوره، قال وكيل المخابرات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «طريقة الإسرائيليين هي إطلاق تصريحات مستفزة للتغطية على خروقاتهم، ومصر تعي ذلك جيداً، ولن تنجر إليه؛ فهم يريدون صرف الأنظار عن مخالفتهم لاتفاق غزة في شرم الشيخ، ورغبتهم في عدم الالتزام به».

رشاد الذي كان يشغل رئيس ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية بالمخابرات المصرية، أوضح: «كل ما تطلقه إسرائيل من اتهامات يعتبر استمراراً لتشويه سمعة مصر؛ لأنها الحاجز القوي لأطماعها في الضفة الغربية وغزة وسوريا ولبنان، وهذا ليس جديداً. وستستمر هذه الاتهامات الزائفة، والتقارير الإسرائيلية المنشورة حديثاً تؤكد ذلك».

وشدد رشاد على أن «الأجهزة المصرية تعلم جيداً أغراض نتنياهو وما يردده ضد القاهرة؛ لذلك لا تنجر إلى الأرض التي يريد جرها إليها، وتتعامل بحكمة وقوة وحزم، والأيام تثبت صحة وعقلانية الموقف المصري».


احتجاجات مستمرة وقطع طرق بالعاصمة الليبية

رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
TT

احتجاجات مستمرة وقطع طرق بالعاصمة الليبية

رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

عاشت العاصمة الليبية، طرابلس، ليلة جديدة على صفيح ساخن، مع تجدُّد موجة احتجاجات غاضبة ضد حكومة «الوحدة» المؤقتة، بالتزامن مع انضمام ما تُعرف بـ«كتائب وسرايا الثوار بمدينة مصراتة» إلى مطالب المحتجين التي تجاوزت الدعوة لإقالة الحكومة إلى المطالبة بإسقاط جميع «الأجسام السياسية» الحاكمة، في بلد يرزح منذ سنوات تحت وطأة الانقسام السياسي والأمني.

وحسب شهود عيان ووسائل إعلام محلية، شهدت طرابلس، مساء السبت، إغلاق الطريق السريع وطريق الشط من قبل محتجين على حكومة عبد الحميد الدبيبة، مع إشعال إطارات في وسط العاصمة، وخروج مظاهرات ليلية بعدة أحياء، احتجاجاً على ما وُصف بتفشي الفساد وتدهور الخدمات والأوضاع المعيشية.

ونقل الدبلوماسي الليبي محمد خليفة العكروت مشهداً اتسم بقطع طرق وحرق إطارات وارتباك في حركة المرور، وازدحام خانق أسفر عن اصطدام عدد من السيارات.

إطارات محترقة في أحد شوارع العاصمة طرابلس (لقطة مثبتة)

ودخلت الاحتجاجات يومها الثاني بعد تظاهرات مماثلة يوم الجمعة في طرابلس، ترافقت مع مظاهرات أخرى في مدينتي مصراتة والزاوية؛ حيث ندد المحتجون بتردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية والأمنية، مطالبين بإنهاء المرحلة الانتقالية.

وأعلن قادة «كتائب وسرايا الثوار بمدينة مصراتة» تأييدهم الكامل لما وصفوه بـ«انتفاضة شعبية»، مطالبين بـ«إسقاط كل الأجسام السياسية المسؤولة عن معاناة الوطن»، ودعوا الليبيين إلى الخروج للشوارع، كما وجَّهوا نداءً للأجهزة الأمنية والعسكرية في مصراتة للوقوف إلى جانب المحتجين.

ويبدو أن إشارة البيان إلى «الأجسام السياسية» تشمل مجلسَي النواب والأعلى للدولة، إضافة إلى حكومة الوحدة في طرابلس، والحكومة المكلفة من البرلمان في شرق البلاد.

وتبرأ قادة «الكتائب» في بيان لهم من وكيل وزارة الدفاع عبد السلام زوبي، معتبرين أنه «لا يمثلهم»، وأنه لم يقم بأي دور يُذكَر «في الدفاع عن حقوق الثوار»، أو في التعاطي مع حادثة وفاة رئيس الأركان محمد الحداد، إثر سقوط طائرة كانت تقله وقادة عسكريين بعد قليل من إقلاعها من العاصمة التركية أنقرة، الثلاثاء الماضي، منتقدين صمته حيالها.

كما استنكروا ما وصفوه بالموقف «الهزيل» لحكومة الوحدة، بسبب غياب بيان نعي رسمي متلفز أو مؤتمر صحافي يوضح ملابسات تحطم الطائرة، عادِّين ذلك «إهانة للمؤسسة العسكرية وتضحيات الثوار».

وتُعتبر «كتائب ثوار مصراتة» أكبر وأقوى القوى العسكرية المنظمة في غرب ليبيا، ولعبت منذ بروزها خلال ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، دوراً محورياً في العمليات العسكرية التي أسهمت في إسقاط نظام الرئيس السابق معمر القذافي؛ خصوصاً في جبهات مصراتة وسرت وطرابلس.

جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الليبي في بنغازي (مكتب إعلام المجلس)

وعلى مدى السنوات اللاحقة، احتفظت هذه التشكيلات بنفوذ عسكري ملحوظ داخل مصراتة وخارجها، مستندة إلى تنظيمها القتالي وتسليحها وقاعدتها الاجتماعية الواسعة، إضافة إلى حضورها في عدد من المفاصل الأمنية والعسكرية للدولة.

في هذه الأثناء، تجددت الحرائق الغامضة في مدينة الأصابعة بغرب البلاد؛ حيث اندلعت نحو 3 حرائق متزامنة، ما أعاد تسليط الضوء على سلسلة الحرائق التي شهدتها المدينة في 19 فبراير الماضي، وأسفرت عن احتراق عشرات -وربما مئات- المنازل.

وناشد المجلس البلدي لمدينة الأصابعة الجهات المعنية توفير سيارة إطفاء إضافية وأخرى للإسعاف، لتعزيز قدرات فرق السلامة الوطنية في ظل محدودية الإمكانات، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الليبية (وال) نقلاً عن مدير مكتب الإعلام بالمجلس، الصديق المقطف.

وأكد المقطف أن أسباب الحرائق «لا تزال مجهولة»، ودعا إلى «تكثيف المتابعة واتخاذ تدابير لحماية السكان؛ خصوصاً مع تكرار الحوادث منذ فبراير الماضي، بعد توقف مؤقت في مايو (أيار)».

أما في شرق البلاد، فيسود تكتم حول جدول أعمال جلسة مجلس النواب المقررة في بنغازي يومي الاثنين والثلاثاء، وسط ترجيحات بمناقشة 3 ملفات رئيسية، تشمل اعتماد ترشيحات رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح لتعيينات إدارية، وتعديل جدول مرتبات «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، إضافة إلى إعادة انتخاب هيكل قيادي جديد للمجلس.