«هدنة غزة» عالقة بين عراقيل الشروط وآمال الانفراجة

وسط جهود مكثفة للوسطاء واتهامات من «حماس» لنتنياهو بإفشال الاتفاق

فلسطينيون يتفقدون الأضرار في موقع الغارة الإسرائيلية الليلية على مدرسة حليمة السعدية بجباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون الأضرار في موقع الغارة الإسرائيلية الليلية على مدرسة حليمة السعدية بجباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة» عالقة بين عراقيل الشروط وآمال الانفراجة

فلسطينيون يتفقدون الأضرار في موقع الغارة الإسرائيلية الليلية على مدرسة حليمة السعدية بجباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون الأضرار في موقع الغارة الإسرائيلية الليلية على مدرسة حليمة السعدية بجباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

دخلت مفاوضات هدنة قطاع غزة يومها السادس في العاصمة القطرية الدوحة، وسط اتهامات من «حماس» لإسرائيل بعراقيل، وحديث أميركي إسرائيلي متفائل عن انفراجة بالمحادثات واتفاق «قريب» خلال «أيام قليلة».

ذلك المشهد التفاوضي المعقد، يفك خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» طلاسمه، مؤكدين أنه رغم التعتيم الجاري حالياً عن مستقبل المحادثات؛ فإن الأقرب حدوث «انفراجة» بضغوط أميركية صريحة ومباشرة وتجاوز أي «شروط معرقلة»، مع تقديم ضمانات لـ«حماس» في ظل توافقات أميركية إسرائيلية على تهدئة جبهة غزة لاحتمال توجيه ضربة ثانية لإيران حال فشلت المسار الحالي لمحادثات واشنطن طهران.

ووسط مفاوضات دائرة بالدوحة منذ الأحد الماضي، اشترط نتنياهو في مقطع مصور، الخميس، نزع سلاح «حماس» وألا تملك قدرات عسكرية وألا تحكم القطاع، مستبعداً إمكانية صفقة واحدة بغزة دون ذلك، ولوّح بالعودة للحرب، قائلاً: «إذا أمكن الحصول على ذلك عبر التفاوض، فسيكون ذلك جيداً، وإلا فسنحصل عليه بوسائل أخرى، بقوة جيشنا البطل».

وطرح وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، الخميس، في مقابلة مع صحيفة «داي برس» النمساوية، شرطاً آخر لمستقبل المفاوضات، قائلاً إن نفي قادة «حماس» يمكن «أن يكون جزءاً من الحل لوضع حد للحرب».

بالمقابل، انتقدت «حماس» في بيان «النيات الخبيثة والسيئة» الإسرائيلية، مؤكدة أنها عرضت سابقاً التوصل إلى «صفقة تبادل شاملة، يتم خلالها الإفراج عن جميع الأسرى دفعة واحدة، مقابل اتفاق يحقق وقفاً دائماً للعدوان، وانسحاباً شاملاً لجيش الاحتلال، وتدفّقاً حراً للمساعدات، لكنّ نتنياهو رفض هذا العرض في حينه، ولا يزال يراوغ ويضع المزيد من العراقيل».

غير أن «حماس» شددت على أنها مستمرة في تعاملها «الإيجابي والمسؤول» في المفاوضات نحو اتفاق يفضي لوقف الحرب مقابل إطلاق سراح أسرى من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وذلك بعد يوم من بيان للحركة، أفاد بأن «هناك العديد من النقاط الجوهرية قيد التفاوض في محادثات وقف إطلاق النار الجارية، بما في ذلك تدفق المساعدات، وانسحاب القوات الإسرائيلية من أراضي القطاع، وتوفير ضمانات حقيقية لوقف دائم لإطلاق النار».

امرأة تنظر إلى الفلسطينيين وهم يتفقدون الخيام المدمرة في مخيم مؤقت للنازحين في خان يونس (أ.ف.ب)

وتزامن ذلك مع تصريحات صحافية من القيادي في «حماس»، باسم نعيم، أكد خلالها أن «ما فشل فيه نتنياهو على مدار 22 شهراً في الحرب والمجاعة لن يأخذه على طاولة المفاوضات».

وعادت إسرائيل للحديث عن تهديد ضرب إيران بعد زيارة نتنياهو لواشنطن التي تطرقت لملفي غزة وإيران، وقال وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، في تصريحات الخميس، إن إسرائيل ستضرب إيران مجدداً «بقوة أشد» إذا تعرضت لتهديد منها.

وشنّت إسرائيل حرباً جوية استمرت 12 يوماً على إيران في يونيو (حزيران) الماضي، ما أثار مخاوف من اتساع رقعة الصراع في المنطقة. واتفق الجانبان على وقف إطلاق نار بوساطة أميركية، أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 23 يونيو الماضي.

أستاذ العلوم السياسية بمصر المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، الدكتور طارق فهمي، يتوقع أن تتحرك مفاوضات الهدنة من العراقيل والتعتيم المفروض على تفاصيلها إلى قبول الطرفين بانفراجة بضغوط أميركية، لافتاً إلى أن زيارة نتنياهو لواشنطن ناقشت ملفي غزة وإيران بشكل تباينت فيه الرؤى؛ لكن ترمب مُصرّ على إتمام الصفقة بغزة مع السماح لإسرائيل بتوجيه ضربة لإيران حال اضطرت الظروف لذلك.

وفرص الانفراجة، بحسب فهمي، ستتضمن قبول إسرائيل انسحابات تدريجية، خصوصاً من ممر موارغ قرب الحدود مع مصر، وقد تقبل «حماس» بذلك مع استمرار قناة الاتصال المباشر بينها وبين الإدارة الأميركية، ما يعزز مواقفها على حلبة المفاوضات وعدم دخول نتنياهو في تصادم مع ترمب وقبوله بتنفيذ صفقة غزة مقابل تقبل تطلعاته في استهداف إيران مجدداً.

المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور سهيل دياب، يرى أن «الحركة الفلسطينية قدمت أكثر ما يمكن تقديمه؛ لكن المفاوضات عالقة بسبب أزمات نتنياهو والإدارة الأميركية والداخل الإسرائيلي خاصة، ولا يزال لديه تردد كبير في اختيار السيناريوهات المطروحة له خاصة وكل محاولات تلاعبه بالجميع من أجل مصالحه الشخصية انتهت».

ولم يستبعد دياب أن يكون ملف التهدئة في غزة مرتبطاً بتفاصيل الملف الإيراني خاصة، وتفاصيل لقاءات نتنياهو وترمب لم تصدر بشكل تفصيلي بعد. ويبدو الترويج لحدوث انفراجة واتفاق خيار تدفع له إسرائيل وواشنطن مجدداً بشكل لافت في هذا التوقيت الذي يترقب العالم خلاله مسار اتفاق أو اختلاف أميركا وإيران.

قتلى فلسطينيون جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وأعرب نتنياهو، الخميس، في مقابلة متلفزة، عن أمله في إبرام اتفاق خلال أيام قليلة، قائلاً: «50 رهينة لا يزالون محتجزين (لدى حماس)، ويُعتقد أن 20 منهم فقط على قيد الحياة، ولدينا الآن اتفاق من المفترض أن يخرج نصف الأحياء ونصف الأموات، وبهذا سيكون لدينا 10 أحياء متبقون، ونحو 12 رهينة متوفين، لكنني سأخرجهم أيضاً. آمل أن نتمكن من إبرامه في غضون أيام قليلة».

وعقب لقاء نتنياهو في البيت الأبيض مرتين، الأسبوع الماضي، كرر ترمب الحديث عن هدنة قريبة، وحدد الأسبوع الحالي (أي بعد أيام) موعداً محتملاً، وقال وزير خارجتيه، ماركو روبيو، الخميس، إن لديه «أملاً كبيراً» بالتوصل إلى اتفاق.

ووسط ذلك الترقب بين العراقيل والانفراجة، أطلع وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي خلال اتصال هاتفي نظيره الألماني، يوهان فاديفول، على مستجدات الأوضاع في قطاع غزة وتطورات المفاوضات الخاصة باستئناف وقف إطلاق النار وإطلاق سراح عدد من الرهائن والأسرى، مؤكداً «ضرورة حقن دماء الشعب الفلسطيني وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع في ظل ما يعانيه من أوضاع إنسانية مأساوية»، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية»، الجمعة.

ويرى فهمي أن «اتفاق غزة قادم قادم، والاتفاق سيدخل مراحله الأخيرة والنهائية، والأمر مسألة أيام. وقد نرى زيارة الأحد أو الاثنين من المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف للمنطقة لوضع اللمسات الأخيرة»، مؤكداً أنه «لن تسمح واشنطن بإفشال الاتفاق حرصاً على مصالحها بالمنطقة وعدم إحراج ترمب أمام جمهوره خاصة وهو وعد أكثر من مرة بإتمامه».

ويعتقد دياب أن نتنياهو يريد صفقة بعد زيارة لواشنطن، ولا يستطيع أن يقول لا لترمب، ولذا هو أمام انفراجة قد تتيح له مزيداً من الوقت في إطار مصالحه السياسية أو تعثر وانفجار يطيح به، خاصة مع الخلافات والموقف الأميركي الضاغط.


مقالات ذات صلة

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

شمال افريقيا منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

تسريبات إسرائيلية جديدة تتضمن توسيع وجود قواتها بقطاع غزة من 53 إلى 75 في المائة، وسط جهود للوسطاء من أجل الدفع بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

محمد محمود (القاهرة)
تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية

محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي مركبات للشرطة الإسرائيلية تعمل أثناء مداهمة في الضفة الغربية... 9 نوفمبر 2024 (رويترز)

الشرطة الإسرائيلية: مقتل شخصين في هجوم شنه فلسطيني 

قالت السلطات الإسرائيلية ​اليوم الجمعة إن شخصين قتلا في هجوم نفذه فلسطيني بالطعن والدهس في ‌شمال ‌إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق

محمد محمود (القاهرة)
المشرق العربي مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز) play-circle

إسرائيل تعتبر إدانة قرارها إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة «خطأ أخلاقياً»

رفضت إسرائيل إدانة صادرة عن 14 دولة لقرارها إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة، ووصفت الانتقادات بأنها تنطوي على «تمييز ضد اليهود».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«شلل ليلي» مستمر في طرابلس على وقع الاحتجاجات... و«الوحدة» تغض الطرف

شرطي في أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس (مديرية أمن طرابلس)
شرطي في أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس (مديرية أمن طرابلس)
TT

«شلل ليلي» مستمر في طرابلس على وقع الاحتجاجات... و«الوحدة» تغض الطرف

شرطي في أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس (مديرية أمن طرابلس)
شرطي في أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس (مديرية أمن طرابلس)

تواصل مشهد «الشلل الليلي» في بعض أحياء العاصمة الليبية طرابلس، على وقع احتجاجات مناهضة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لليوم الثالث على التوالي.

جاء ذلك قبيل ساعات من انعقاد جلسة مجلس النواب في بنغازي، صباح الاثنين، حيث صادق على استكمال تعيينات مفوضية الانتخابات، وأقر بالإجماع رفع مرتبات قوات «الجيش الوطني»، وزيادة رواتب أسر الشهداء والجرحى.

وفي مقابل تصاعد الاحتجاجات الليلية في طرابلس، التزمت حكومة الوحدة الصمت الرسمي، فيما نشرت صفحات موالية لها على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة سابقة لرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، كان قد أكد فيها ترحيبه بالتعبير السلمي عن الرأي، مع رفضه استهداف مؤسسات الدولة.

واستعادت طرابلس هدوءها مجدداً صباحاً بعدما أقدم محتجون، مساء الأحد، على إغلاق طرق سريعة في مناطق عدة من بينها زناتة والشط عبر إشعال الإطارات، تعبيراً عن غضبهم من تفشي الفساد، وتردي الأوضاع المعيشية، وهو ما وثقته وسائل إعلام محلية وتداوله نشطاء عبر صور ومقاطع فيديو.

رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة مستقبلاً السفير التركي لدى ليبيا (الصفحة الرسمية للمجلس)

وسبق أن امتدت رقعة الاحتجاجات إلى مدن أخرى في المنطقة الغربية كما حدث في موجات سابقة، حيث شهدت الزاوية مظاهرات أدت إلى إغلاق بوابة الصمود، إلى جانب احتجاجات في مصراتة تخللها إشعال الإطارات وانضمام كتائب محلية، فضلاً عن تحركات احتجاجية في صبراتة وتاجوراء، تنديداً بالأوضاع السياسية والاقتصادية.

ويرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات، التي انطلقت مساء الجمعة، تعكس تصاعداً في الغضب الشعبي المتراكم، في مشهد يعيد إلى الأذهان موجات الاحتجاج بين عامي 2020 و2022، التي اجتاحت غرب البلاد بسبب أزمات متشابهة. ويحذر هؤلاء من احتمالات التصعيد ما لم تبادر الحكومة بخطوات ملموسة، مثل إجراء تعديل وزاري مرتقب، خصوصاً في ظل تراجع الإيرادات النفطية، وتفاقم الضغوط المعيشية.

أعضاء بمجلس النواب الليبي خلال جلسة في بنغازي يوم الاثنين (المكتب الإعلامي للمجلس)

وفي هذا السياق، عد المبروك أبو عميد، الرئيس السابق للمجلس الأعلى لقبائل ورشفانة (جنوب غربي طرابلس)، أن استمرار المظاهرات «يعكس سخطاً شعبياً على الفقر، والنهب، والفوضى، والانقسام، والصراع السياسي، والتدخلات الخارجية والقواعد الأجنبية، وسطوة الميليشيات، وتدهور الاقتصاد»، غير أنه رأى أنها «تفتقر إلى رؤية وقيادة واضحة قادرة على تحويل الغضب إلى مسار منظم».

وحذَّر أبو عميد في منشور عبر حسابه على موقع «فيسبوك» من أن غياب القيادة قد يحول هذه الاحتجاجات إلى «ساحة توظيف متبادل بين أطراف الصراع»، ما يفقدها مضمونها ويشوّه أهدافها، متوقعاً أن يكون تأثيرها محدوداً ومتقطعاً، مع عودة سريعة لحالة الهدوء، وأن تبقى رهينة الاختراقات الجهوية والمصلحية دون تحقيق نتائج سياسية حاسمة في المدى القريب.

على الصعيد الأمني، أعلنت السلطات الأمنية في طرابلس، ممثلة فيما يعرف بـ«الإدارة العامة للدعم المركزي»، مواصلة تنفيذ خطتها للانتشار الأمني واسع النطاق في مختلف مناطق العاصمة. وأكد بيان نقلته «وكالة الأنباء الليبية» أن هذه التحركات تأتي في إطار الحفاظ على الأمن والاستقرار، عبر تسيير دوريات ثابتة ومتحركة لضبط المخالفين وحماية الأرواح والممتلكات.

جلسة مجلس النواب الليبي في بنغازي الاثنين (المكتب الإعلامي للمجلس)

أما في شرق البلاد، فقد صوت مجلس النواب لصالح قرار استكمال تعيينات مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

ووافق المجلس، خلال جلسة عقدها الاثنين، على مشروع قانون تعديل جدول مرتبات منتسبي القوات المسلحة الذي أحاله نائب قائد «الجيش الوطني» الفريق ركن صدام حفتر.

ودون توضيح من مجلس النواب بشأن آليات تنفيذ القرار في بلد يعاني انقساماً عسكرياً بين شرقه وغربه، فإن زيادة مرتبات العسكريين ستشمل جميع أرجاء ليبيا، متضمنة زيادة 150 في المائة لرواتب الشهداء والأسرى والمفقودين وجرحى العمليات الحربية. كما أُرجئت مناقشة الميزانية المطلوبة من مجلس المفوضية لإجراء الانتخابات إلى جلسة الثلاثاء.

وشهدت الجلسة جدلاً حول آلية التصويت قبل تحويلها إلى جلسة سرية وتأجيل مناقشة ميزانية الانتخابات إلى الثلاثاء.

وحذر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح من أن «أي محاولة لحل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أو تعطيلها ستؤدي حتماً إلى فشل إجراء الانتخابات»، ملوحاً بردود فعل من شرق البلاد (برقة)، قد تشمل المطالبة بنقل المصرف المركزي وديوان المحاسبة، أو حتى المفوضية والمحكمة العليا، إلى الشرق أو الجنوب، وهي مطالب قال إنها «تفتح أبواب الشقاق والخلاف»، ولن يقبل بها الطرف الآخر في طرابلس.

وانتقد رئيس مجلس النواب بشدة قرار رئيس مجلس الدولة محمد تكالة حل لجنة (6 + 6) المشتركة المكلفة بإعداد القوانين الانتخابية، وتكليف لجنة بديلة، واصفاً الإجراء بأنه «باطل ومخالف للإعلان الدستوري وقرارات المجلسين»، مؤكداً ضرورة استمرار اللجنة المنتخبة في عملها حتى إجراء الانتخابات.

كما عدّ صالح أن تكالة «لم يطَّلع جيداً» على القوانين الانتخابية، خصوصاً ما يتعلق بقضية حاملي الجنسية المزدوجة، مشدداً على أن أي تعديل يجب أن يكون عبر اللجنة نفسها ثم يعرض على مجلس النواب، وإلا تبقى القوانين الحالية سارية، لا سيما بعد ترحيب بعثة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بها. وفي المقابل، ثمّن بيان كتلة التوافق في مجلس الدولة الداعمة لاستمرار اللجنة، عادّاً ذلك دليلاً على الحرص على تسريع الانتخابات والخروج من الأزمة.

وفي تصعيد غير مسبوق، دعا صالح إلى إقالة رئيس محكمة النقض عبد الله أبو رزيزة، واصفاً إياه بـ«الخصم السياسي غير المحايد»، وطالب بتعيين «قاضٍ يتسم بالنزاهة والحياد». كما شدد على أن المحكمة العليا لا تملك ولاية النظر في دستورية القوانين، داعياً إلى إنشاء محكمة إدارية مستقلة متخصصة في القضايا الإدارية أسوة بالدول المتقدمة. وأوضح أن قرار فرض الضريبة على بيع النقد الأجنبي الذي أقره المجلس انتهى بنهاية عام 2024، مؤكداً أن الضريبة المطبقة حالياً فُرضت من قبل مصرف ليبيا المركزي دون علاقة للمجلس بها.

وتعكس هذه التطورات، حسب مراقبين، استمرار حدة الخلافات السياسية بين المؤسسات التشريعية، وسط مطالب محلية ودولية كبيرة بضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية، في ظل انقسام مزمن يعرقل استقرار ليبيا منذ سنوات.


الجزائر: حديث عن «تعديل دستوري فني» يثير جدلاً وحيرةً بين السياسيين

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع مع مجلس الوزراء الأحد (الرئاسة)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع مع مجلس الوزراء الأحد (الرئاسة)
TT

الجزائر: حديث عن «تعديل دستوري فني» يثير جدلاً وحيرةً بين السياسيين

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع مع مجلس الوزراء الأحد (الرئاسة)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال اجتماع مع مجلس الوزراء الأحد (الرئاسة)

فاجأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأوساط السياسية بإعلانه تأجيل دراسة «تعديل دستوري فني»، وذلك بعد ساعات قليلة من تأكيد الرئاسة أن الموضوع مطروح للدراسة والمصادقة في مجلس الوزراء؛ وسط تخمينات بأن هذا التعديل قد يمسّ القواعد المنظمة للولايات الرئاسية التي يحددها الدستور الحالي بعهدتين فقط.

وأفاد بيان لمجلس الوزراء، مساء الأحد، بأن الرئيس «أمر بتأجيل التعديل الفني للدستور من أجل الدراسة، تعزيزاً للمكسب الديمقراطي الانتخابي الذي تمثله السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات»، وهي الجهاز الإداري والفني الذي يعهد له الدستور بتنظيم العملية الانتخابية بالكامل، بينما كانت قبل انتخابات الرئاسية التي جرت في 2019 من صلاحيات وزارة الداخلية.

وكان بيان للرئاسة قد أكد قبل ذلك ببضع ساعات أن الرئيس سيبحث في اجتماعه بحكومته «مشروع قانون يتضمن تعديلاً دستورياً فنياً، ومشروعي قانونين عضويين يتعلقان بنظام الانتخابات والأحزاب السياسية، بالإضافة إلى عرض يخص تعويض تكاليف النقل في المجال الاقتصادي».

وأدخل حديث الرئاسة عن «تعديل دستوري فني» العديد من المراقبين والناشطين السياسيين في حيرة، عكستها حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي. ففي كل التغييرات التي شهدها دستور البلاد، جرى استعمال كلمة «تعديل» فقط، دون «فني».

لماذا كلمة «فني»؟

يقول خبير القانون والمحامي المعروف عبد الله هبول، الذي اشتغل قاضياً في سنوات سابقة، إن أي دستور هو وثيقة سياسية «وأي لمسة تُدخل عليه هي فعل سياسي بالضرورة وليس فنياً».

وذهبت قراءات أخرى إلى الربط بين هذا التعديل و«طموح مفترض» لتمديد العهدة الرئاسية لما بعد عام 2029، رغم خلوّ خطاب الرئيس العلني من أي إشارة بهذا المعنى.

ويستند أصحاب هذا الطرح إلى سابقة وقعت عام 2008، حين ألغى الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة القيد الدستوري على عدد الولايات عبر تصويت البرلمان، مما مهد الطريق لترشحه لولاية ثالثة في انتخابات 2009.

لكن بوتفليقة عاد وأغلق الترشح للرئاسة بولايتين في تعديل للدستور عام 2016، في خطوة أثارت استغراب قطاع واسع من الجزائريين.

ولما عدَّل الرئيس الحالي تبون الدستور في 2020، أبقى على هذا القيد، حيث تذكر المادة 88 منه: «مدة العهدة الرئاسية 5 سنوات... لا يمكن لأي شخص ممارسة أكثر من عهدتين متتاليتين أو منفصلتين، وتُعدّ العهدة كاملة في حالة انقطاعها مهما كان السبب». غير أن الدستور ينص، في موضع آخر، على أن لرئيس الجمهورية «حق المبادرة بتعديل الدستور»، حيث يعرض التعديل على الاستفتاء الشعبي بعد التصويت عليه في البرلمان.

جولة حوار الرئاسة الجزائرية مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)

وبخصوص «التعديل الدستوري الفني» المؤجل، أفاد سياسيون مؤيدون لسياسات الرئيس بأن «الأمر قد يتعلق بتغيير تواريخ إجراء الانتخابات أو بتمديد أو تقصير بعض الآجال القانونية، أو باستعادة وزارة الداخلية بعض الصلاحيات التي أخذتها سلطة تنظيم الانتخابات».

وحسبهم، قد يشمل التعديل الدستوري المتوقع إعادة توزيع بعض الصلاحيات الإجرائية، كتنظيم كيفية المصادقة على القوانين أو ضبط العلاقة الإجرائية بين غرفتي البرلمان، من دون المساس بطبيعة النظام السياسي أو جوهره.

وفي تقدير وزير سابق تحدثت معه «الشرق الأوسط» وطلب عدم نشر اسمه: «يُستعمل وصف التعديل الفني لإيصال رسالة طمأنة مفادها أنه لن يمس الثوابت الوطنية مثل اللغة والدين والعلم، ولن يطول المبادئ الديمقراطية الجوهرية، ويُقدم الهدف من هذا التعديل على أنه تحيين لبعض النصوص الدستورية لتتلاءم مع متطلبات المرحلة الجديدة أو لتسهيل سير عمل مؤسسات الدولة».

غير أن هذا التوجه لا يبدد المخاوف خصوصاً لدى قوى المعارضة؛ حيث يُخشى أن يتحول التوصيف «الفني» إلى وسيلة لمنح السلطة التنفيذية صلاحيات أوسع، مما قد يؤدي إلى إعادة رسم خريطة توازنات القوى داخل بنية النظام.

قانون الأحزاب

في شأن متصل بالحياة السياسية، صادق مجلس الوزراء في الاجتماع نفسه على مشروع قانون متعلق بالأحزاب السياسية، لافتاً في بيانه إلى أن ذلك تم «بعد الموافقة على التعديلات المقترحة التي طلبتها الأحزاب السياسية».

أعضاء الحكومة الجزائرية خلال المصادقة على قانون الأحزاب الجديد (الرئاسة)

كانت الرئاسة قد تسلمت في الأشهر الأخيرة تعديلات على مشروع الحكومة الخاص بقانون الأحزاب السياسية أعدتها قوى المعارضة و«الموالاة»، تناولت في معظمها تخفيف القيود الإدارية وتعزيز ضمانات حرية العمل الحزبي. كما شملت تقليص صلاحيات وزارة الداخلية في الترخيص لتأسيس الأحزاب، وتوضيح أحكام منع «الترحال السياسي»، أي تنقل القياديين من حزب لآخر، وتخفيف شرط حل الحزب في حال عدم المشاركة في انتخابين متتاليين.

واجتمع الرئيس بغالبية الأحزاب، العام الماضي، حيث عرض عليها بعض «قوانين الإصلاح»، وسمع من قادتها تحفظات حول «التجاوزات» في مجال الحقوق النقابية والسياسية وحرية الصحافة.

ومن أهم ما شملته التحفظات ما ينص عليه القانون حول حل الحزب السياسي في حال عدم تقديمه مترشحين في انتخابين متتاليين، في خطوة تهدف إلى حل الأحزاب غير النشطة أو الشكلية، وإلزام التشكيلات السياسية بالمشاركة الفعلية في الحياة العامة.


اعتذار علاء عبد الفتاح عن «تدويناته المُحرضة» لم يخفف الهجوم عليه

علاء مع عائلته في لندن بعد وصوله (حساب شقيقته على فيسبوك)
علاء مع عائلته في لندن بعد وصوله (حساب شقيقته على فيسبوك)
TT

اعتذار علاء عبد الفتاح عن «تدويناته المُحرضة» لم يخفف الهجوم عليه

علاء مع عائلته في لندن بعد وصوله (حساب شقيقته على فيسبوك)
علاء مع عائلته في لندن بعد وصوله (حساب شقيقته على فيسبوك)

لم يخفف اعتذار قدمه الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح عبر حساباته في مواقع التواصل بشأن «تدوينات تُحرض على العنف» كتبها سابقاً عبر حساباته، من الانتقادات التي يواجهها، وسط دعوات في القاهرة ولندن لإسقاط جنسيته.

واعتذر عبد الفتاح، الذي أفرجت عنه مصر من السجن ويقيم حالياً في بريطانيا، الاثنين، عن منشورات «صادمة ومؤذية»، نشرها على منصة تواصل اجتماعي قبل أكثر من عقد، وقالت شرطة مكافحة الإرهاب في بريطانيا إنها تعمل على تقييمها.

وكان عبد الفتاح وصل إلى بريطانيا، يوم الجمعة، بعد ‌حصوله على ‌الجنسية البريطانية في 2021 عن طريق والدته، ‌وقال ⁠رئيس ​الوزراء ‌البريطاني كير ستارمر إنه «سعيد» بهذه الأنباء. ونشرت الصحف البريطانية بعد ذلك مقالات عن منشورات كتبها عبد الفتاح بين عامي 2008 و2014 على منصة «تويتر» سابقاً («إكس» حالياً) وتؤيد فكرة اللجوء إلى العنف ضد «الصهاينة» والشرطة.

وذكر عبد الفتاح، في بيان، أن عدداً من تغريداته أسيء فهمها، ‌لكن بعضها غير مقبول. وتابع قائلاً: «بالعودة إلى تلك التغريدات الآن، تلك التي لم تحرف تماماً بعيداً عن مقصدها، أتفهم حقاً كيف كانت صادمة ومؤذية، ولهذا أعتذر عنها بكل صراحة». وأضاف: «كانت في معظمها تعبيراً عن غضب وإحباط شاب يافع في وقت أزمات بالمنطقة، الحرب على العراق ولبنان وغزة، وتصاعد وحشية الشرطة ضد الشباب المصري».

وأرسل زعيم المعارضة وعضو البرلمان البريطاني، نايجل فاراج، خطاباً لوزارة الداخلية أبرز فيه عدداً من تدوينات عبد الفتاح، مؤكداً أن منحه الجنسية البريطانية خلال فترة حبسه في مصر لم يتضمن إجراء «الحد الأدنى» من التحريات، مطالباً بسحب الجنسية منه وترحيله خارج البلاد.

وقال المتحدث باسم ستارمر إنه لم يكن يعلم بالتغريدات وهو يطالب بالإفراج عن عبد الفتاح، ووصف التعليقات بأنها «شائنة». لكنه قال أيضاً إن الحكومة لديها سجل حافل في مساعدة مواطنيها بالخارج.

وكان عبد الفتاح يقضي حكماً بالسجن لمدة 5 سنوات في مصر صدر بحقه في ‌ديسمبر (كانون الأول) 2021 بعد أن شارك منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي عن وفاة سجين.

وانتقدت تدوينات عدة في مصر موقف عبد الفتاح من الاعتذار للبريطانيين، بوقت لم يقدم فيه اعتذاراً للمصريين مع تداول تدوينات سابقة له أيضاً قيل إنها «حملت تحريضاً على قتل رجال الشرطة وعائلاتهم في مصر».

وضجّت مواقع التواصل في مصر بردود فعل غاضبة تجاه عبد الفتاح الذي أعاد نشر الاعتذار عبر حسابه على «فيسبوك» بالإنجليزية واعداً بحديث قريب باللغة العربية مع متابعيه، بينما اعتبرت تدوينات عدة أن ما حدث معه يعكس إدراكاً بريطانياً متأخراً لما حذرت منه مصر.

وتضمنت التدوينات في مصر مطالبات بسحب الجنسية منه.

ورغم حالة الغضب، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مرور فترة طويلة على التدوينات وتغير أفكار صاحبها واعتذاره عما ورد فيها أمر يجعل هناك تفهماً لموقفه الحالي»، مشيراً إلى أنها «ليست المرة الأولى التي يعاد فيها ظهور هذه التدوينات، وغالبيتها جرى تداوله في مصر من قبل».

وأضاف: «هناك أشخاص لديهم مواقف معارضة ورافضة له بشكل مستمر ولن يقبلوا أي تصريحات منه»، وأن «ما كتبه يعكس تغيراً واضحاً في أفكاره وشرحه لظروف وملابسات كتابة هذه التدوينات».

لكن مستشار رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عماد جاد، يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «بيان الاعتذار يعكس محاولة للخروج من الأزمة وليس تعبيراً عن تغير في الأفكار المتشددة التي تبناها من قبل»، مشيراً إلى أن «الاعتذار تضمن فقط ما يتعارض مع الثقافة البريطانية ولم يكن اعتذاراً عن التطرف في الآراء».

ويفسّر جاد بيان الاعتذار بأنه «من أجل احتواء الغضب بعد تصاعد الغضب البريطاني ضده بشكل واضح».

وحسب مصادر صحيفة «ذا ستاندرد» البريطانية، فإن رئيس الحكومة ووزراء حكومته لم يكونوا على علم بالمنشورات التي كتبها عبد الفتاح من قبل، لكن رئيس وحدة دراسات الإعلام والرأي العام بالمركز المصري للفكر والدراسات، محمد مرعي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «جميع ما كتبه عبد الفتاح من قبل جرى إبلاغ الجانب البريطاني به عدة مرات ومن بينها ما حدث خلال زيارة رئيس الوزراء البريطاني السابق ريتشي سوناك إلى مصر عام 2022».

وأضاف: «الاعتذار الذي أعلنه عبد الفتاح لم يتضمن اعتذاراً لضباط وجنود الشرطة المصريين، وهو أمر يعكس بوضوح كونه اعتذاراً لمحاولة الخروج من المأزق، متسائلاً عما إذا كان البريطانيون سيكونون على استعداد لتقبل ازدواجية المعايير بالاعتذار عن التحريض على العنف ضدهم وضد قيمهم وأفكارهم في مقابل قبولها تجاه مؤسسات الدولة المصرية».

ويرصد مرعي «تزايد المطالبات السياسية والشعبية بإسقاط الجنسية المصرية عن علاء عبد الفتاح على خلفية مواقفه الأخيرة»، مشيراً إلى أن «الأمر سيكون مرتبطاً بصانع القرار في مصر ويخضع لاعتبارات عدة».