اليمن يطلب المساعدة الدولية لتجاوز أزمات الديون الخارجية

البنك الدولي حذر من ركود اقتصادي... و«الإسكوا» دعت إلى دعم حقيقي

نائب وزير المالية اليمني هاني وهاب خلال فعاليات الدورة الـ12 لمنتدى «نادي باريس» (سبأ)
نائب وزير المالية اليمني هاني وهاب خلال فعاليات الدورة الـ12 لمنتدى «نادي باريس» (سبأ)
TT

اليمن يطلب المساعدة الدولية لتجاوز أزمات الديون الخارجية

نائب وزير المالية اليمني هاني وهاب خلال فعاليات الدورة الـ12 لمنتدى «نادي باريس» (سبأ)
نائب وزير المالية اليمني هاني وهاب خلال فعاليات الدورة الـ12 لمنتدى «نادي باريس» (سبأ)

طالب اليمن بالحصول على المساعدة؛ للوقاية من أزمات الديون، في وقت صنَّفه فيه تقريرٌ للبنك الدولي ضمن أكثر 39 دولة حول العالم، وإحدى 8 دول عربية، تعاني من أوضاع هشّة ومتأثرة بالصراعات، منذ 5 أعوام.

ويعاني اليمن من مستويات مرتفعة وخطرة من الفقر متعدد الأبعاد، وسط تدهور اقتصادي وإنساني غير مسبوق، على الرغم من مرور أكثر من عقد على بدء الصراع، وفقاً لدراسة حديثة للبنك الدولي، أظهرت أن الركود الاقتصادي، وليس النمو، هو القاعدة السائدة في الاقتصاد اليمني.

كما أكد تقرير حديث للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) أنه، ورغم مرور أكثر من عقد على بدء الصراع، فإن البلاد لا تزال تعاني من مستويات مرتفعة وخطرة من الفقر متعدد الأبعاد، وسط تدهور اقتصادي وإنساني غير مسبوق.

وفي حين شدَّدت الوكالة الأممية على أن التقدُّم في اليمن مستحيل دون تقديم دعم دولي حقيقي، والإسهام الفاعل في حل النزاع، فإن الحكومة اليمنية طالبت «نادي باريس» بدعمها ومساعدتها في توفير البيانات المطلوبة التي تساعدها على استكمال قاعدة البيانات للمديونية، وإدخالها في نظام تحليل إدارة الديون (دمفاس).

مقر البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن (رويترز)

وشارك اليمن، بوفد من مسؤولين حكوميين ترأّسه نائب وزير المالية هاني وهاب، في الدورة الـ12 لـ«منتدى نادي باريس»، التي نظمتها وزارة الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسية، في العاصمة الفرنسية باريس، تحت شعار «تحسين الوقاية من أزمات الديون وحلها».

ودعا وهاب إلى زيادة حجم الدعم والمساعدات الإغاثية، ومعالجة المديونية، وهو الأمر الذي سيتيح فرصةً لتطوير آفاق التعاون بين اليمن و«نادي باريس»، ويسهم في خفض المديونية وتحقيق استدامة الدين، منوهاً إلى جهود الحكومة في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، ومواجهة التحديات التي فرضتها الجماعة الحوثية باستهداف منشآت النفط؛ ما أثر على مستوى استدامة المالية العامة.

وعقد وهاب، لقاءات مع ممثلي الدول المشارِكة في المنتدى، شملت لقاءً مع ممثل روسيا الاتحادية، جرى خلاله بحث معالجة المديونية القائمة على اليمن، حيث تمثل مديونية دولة روسيا الاتحادية، ما نسبته 74 في المائة من إجمالي مديونية دول «نادي باريس»، كما ذكرت وكالة «سبأ» الرسمية.

تعثر دائم

بلغ حجم الديون الخارجية لليمن نحو 7.6 مليار دولار، في عام 2021، ومثلت نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما ورد في البيانات المنشورة في تقرير «الديون الدولية» الصادر عن البنك الدولي حينها.

تراجع تمويل المساعدات الإنسانية في اليمن يهدد بزيادة عدد المتأثرين بتدهور الأمن الغذائي (أ.ف.ب)

وفي مطلع عام 2022 وافق «نادي باريس» على تمديد تعليق ديون اليمن، بوصفه أحد المقترضين المتعثرين، وحثه على الالتزام بالسعي للحصول من دائنيه الرسميين الآخرين جميعاً على معاملة لخدمة الدين تتماشى مع جدول الشروط المتفق عليه وملحقه.

وكشف مصدر في البنك المركزي اليمني لـ«الشرق الأوسط» عن أن الحكومة اليمنية تسعى منذ عامين تقريباً للاتفاق مع الدائنين على إعفائها من جزء من الديون بدلاً من طلبات التمويل والدعم الاقتصادي، وهو أمر يصعب الاستجابة له، مرجحاً أن تتغير هذه السياسة في عهد سالم بن بريك، رئيس الحكومة الجديد.

واستبعد المصدر، الذي رفض الكشف عن بياناته لعدم تخويله بالحديث لوسائل الإعلام، أن تتم الاستجابة لهذه المطالب، لاعتبارات عدة، أهمها محدودية الدعم، وإشراف الممولين على توجيهه لتنفيذ مشروعات محددة، أو تعزيز القدرات الحكومية أو الإغاثة الإنسانية، مقابل حجم الديون الكبير واعتماد الحكومة عليه في تمويل مشروعات التنمية، أو مواجهة الأزمات، أو سد عجز الموازنة.

الحرب اليمنية دمرت البنية التحتية وتسبب بتدهور الخدمات واتساع رقعة الفقر (أ.ف.ب)

وبيَّن المصدر أن الحكومة باتت تدرك كارثية القرارات التي تسربت بموجبها أموال المساعدات الدولية، والديون الخارجية، والودائع السعودية في الإنفاق على خدمات وإجراءات ملحة كان يفترض أن تعتمد على الإيرادات، وهو ما أضاع فرص تمويل مشروعات التنمية المستدامة.

وتشترط «الإسكوا» حدوث تعافٍ في الاقتصاد اليمني بإعادة بناء المؤسسات، وتوسيع نطاق المساعدات التنموية، وتمكين السكان من خدمات مياه الشرب، والصرف الصحي، والطاقة، والتعليم، والصحة، والتغذية، مشيرة إلى أن القضاء على الفقر في اليمن أصبح تحدياً إنسانياً وأخلاقياً إلى جانب كونه اقتصادياً.

تحديات كبيرة

يواجه اليمن تحديات سياسية واقتصادية كبيرة تتطلب، وفق خبراء اقتصاديين، الحصول على الدعم والتوجيه من طرف الدول الكبرى.

اليمن تصنف ضمن أكثر 39 دولة حول العالم تعاني من أوضاع هشّة ومتأثرة بالصراعات (البنك الدولي)

ويرى هؤلاء أن المسؤولية لا تقتصر على الحكومة اليمنية، وأن على الدول الكبرى تحمل جزء منها ضمن مسؤوليتها في إدارة الملف اليمني الذي يخضع لتأثيرها فيه من خلال قرارات الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، ما يلزمها بتقديم ما يكفي لتمكين البلد من الاستقرار، واستغلال مقدراته لتحسين الاقتصاد والمعيشة.

ويدعو الأكاديمي اليمني محمد علي، مدرس الاقتصاد في جامعة تعز، إلى مواجهة المضاربات المصرفية المنتشرة بشكل واسع، وأغلبها غير مصرَّح له، والتي تتسبب في زيادة تدهور العملة المحلية، وتتسبب في خروج العملات الأجنبية من أرصدة اليمنيين إلى الخارج أو إلى مناطق سيطرة الجماعة الحوثية.

ويقدِّر الأكاديمي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» حجم الدعم الذي يحتاج إليه اليمن ليتمكَّن من التعامل مع الأزمة الاقتصادية والمعيشية والبدء في إيجاد الحلول بـ5 مليارات دولار على الأقل، وهو المبلغ الذي يرى أن من الصعوبة الحصول على أكثر منه، وعليه، فإن توفر دعم خارجي بمثل هذا المبلغ يكفي لبدء المعالجات الملحة والعاجلة.

الصراع المحلي تسبب في عجز اليمن عن سداد الديون الخارجية ومضاعفة فوائد التأخير (إ.ب.أ)

لكنه يعود للتأكيد على أن المعالجات لا يمكن أن تكلل بالنجاح دون إجراءات عدة لخفض النفقات والتقشف، ومنها عودة القادة والمسؤولين الحكوميين إلى مواقعهم في المؤسسات العمومية داخل البلاد، ووقف صرف المعونات المقدمة لهم بالعملات الأجنبية، والاكتفاء برواتب مجزية بالعملة المحلية، والحد من الإنفاق الخارجي للمنح الدراسية والصحية والسفريات، ولو بشكل مؤقت.

ولا يُعرَف الحجم الحقيقي للديون الخارجية لليمن، حيث تتضارب الأرقام والمؤشرات، فإلى جانب ما سبق ذكره عن حجمها في تقارير البنك الدولي؛ ذكر مسؤولون حكوميون قبل 3 أشهر أنها لا تتجاوز 6 مليارات دولار، في حين قدرتها بيانات حكومية أخرى بنحو 10 مليارات دولار، تتضمن فوائد التأخير والأقساط التي تراكمت منذ اندلاع الحرب.


مقالات ذات صلة

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

العالم العربي جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

يترقَّب الشارع اليمني أن تُكلَّل الجهود التي تقودها السعودية، بشراكة مع الإمارات، بنزع فتيل التوتر وإنهاء التصعيد في حضرموت والمهرة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم العربي الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)

في زمن الحرب... «الدان الحضرمي» على قائمة التراث الإنساني اللامادي

في إنجاز ثقافي يُعد من أبرز المكاسب الرمزية لليمن في السنوات الأخيرة، أدرجت الأمم المتحدة فن الدان الحضرمي على قائمة التراث الإنساني اللامادي.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الخليج منظر عام للعاصمة اليمنية المؤقتة عدن (رويترز)

فريق «سعودي - إماراتي» عسكري في عدن... وعودة قوات «الانتقالي» بإشراف «التحالف»

وصل فريق عسكري «سعودي - إماراتي» إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، في مهمة عاجلة تهدف إلى وضع الآليات التنفيذية لخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» من حضرموت والمهرة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي في شرق اليمن يفاقم الانقسام داخل الشرعية، وسط تحذيرات من فوضى تهدد حضرموت والمهرة وتعطي الحوثيين فرصة لتوسيع نفوذهم.

العالم العربي ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)

جبايات الحوثيين تعمّق الركود الاقتصادي وتغلق عشرات الشركات

تتواصل الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بصورة متسارعة، مع تصاعد شكاوى التجار من الزيادات الجديدة في الضرائب والرسوم المفروضة عليهم.

محمد ناصر (تعز)

مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
TT

مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)

أكدت مصر «موقفها الثابت والرافض للمساس بسيادة لبنان ووحدة وسلامه أراضيه، فضلاً عن دعم المؤسسات الوطنية للاضطلاع الكامل بمسؤولياتها في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان». وشددت على «ضرورة منع التصعيد واحتوائه، ورفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية».

جاء ذلك خلال لقاء وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط، كلير لوجندر، على هامش «منتدى صير بنى ياس» في الإمارات، السبت.

وثمن عبد العاطي العلاقات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا، معرباً عن التطلع لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وزيادة الاستثمارات الفرنسية في مصر، فضلاً عن تعزيز التعاون في مختلف المجالات وفى مقدمتها قطاعات الصناعة والنقل والسياحة والثقافة والتعليم. كما رحب بقرب انعقاد الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين وزارتي الخارجية المصرية والفرنسية.

وفيما يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية، رحب وزير الخارجية المصري بالموقف الفرنسي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، مبرزاً الجهود التي تقوم بها مصر لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأكد «ضرورة تضافر الجهود الدولية لضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن 2803 وسرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة للاضطلاع بمسؤوليتها ومهامها».

ونوه عبد العاطي بأهمية المضي في خطوات تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لإدارة قطاع غزة. ولفت إلى أهمية ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى قطاع غزة في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية، مشدداً على أهمية خلق الأفق السياسي للتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية من خلال تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

الشيخ عبد الله بن زايد خلال لقاء وزير الخارجية المصري في الإمارات (الخارجية المصرية)

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، تم التطرق خلال اللقاء إلى الأوضاع في السودان، حيث أطلع الوزير عبد العاطي المسؤولة الفرنسية على الجهود المصرية في إطار الرباعية بهدف تحقيق وقف إطلاق النار بما يسمح بإطلاق عملية سياسية سودانية شاملة، مؤكداً على ثوابت الموقف المصري بشأن حماية سيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، ورفض التقسيم، ودعم مؤسسات الدولة. وشدد على ضرورة توحيد الجهود الإقليمية والدولية لدفع مسار التهدئة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار ونفاذ المساعدات الإنسانية. كما حرص وزير الخارجية على إطلاع المسئولة الفرنسية على نتائج زيارته الأخيرة للبنان.

وقال وزير الخارجية المصري خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت، الشهر الماضي، إن بلاده تنظر إلى لبنان بعدّه ركناً أساسياً في منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي، مؤكداً على أن صون سيادته واستقلال قراره الوطني يظلان أولوية ثابتة في السياسة الخارجية المصرية.

في سياق آخر، التقى عبد العاطي، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، مساء السبت. وتناول اللقاء آفاق تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين والبناء على ما تشهده من زخم إيجابي في مختلف المجالات، في ضوء ما يجمع القيادتين والشعبين من روابط راسخة وشراكة استراتيجية.

وبحسب «الخارجية المصرية»، السبت، تبادل الجانبان الرؤى حول عدد من القضايا والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع في الضفة الغربية وتنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام في قطاع غزة، فضلاً عن تطورات الأوضاع في السودان والتنسيق القائم في إطار الرباعية، والأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا. واتفق الوزيران على «أهمية مواصلة التنسيق والتشاور لدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز العمل العربي المشترك».


«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)

تستضيف العاصمة القطرية، الدوحة، اجتماعاً عسكرياً، الثلاثاء، لبحث «تشكيل قوة الاستقرار» في قطاع غزة التي تنص عليها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام، التي دخلت حيز التنفيذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولاقت دعماً من مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت.

ذلك الاجتماع المرتقب يأتي وسط ضبابية بشأن مستقبل تلك القوات وتعثر الانتقال للمرحلة الثانية، ويراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» محاولة لسد فجوات، منها مهام تعترض عليها فصائل فلسطينية مرتبطة بالوجود داخل القطاع أو نزع السلاح، بخلاف وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة دول بينها تركيا، وسط تباين بشأن قدرة الاجتماع على تقديم حلول ناجزة، في ظل عدم اتفاق سياسي على الانتقال للمرحلة الثانية، وترقب نتائج لقاء ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أواخر هذا الشهر.

وتوقع مسؤولون أميركيون نشر هذه القوات مطلع العام المقبل، بعد بحث التفاصيل خلال اجتماع للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة عدد من الدول، في العاصمة القطرية، الدوحة، الثلاثاء، وفق ما أوردت وكالة «رويترز».

وقال مسؤولان أميركيان للوكالة، أخيراً، إنه من المتوقع أن ترسل أكثر من 25 دولة ممثلين عنها للمشاركة في الاجتماع الذي «سيتضمن جلسات لمناقشة هيكل القيادة، وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة»، لافتين إلى أن «قوة الاستقرار الدولية لن تقاتل حركة (حماس)، وأن دولاً كثيرة أبدت رغبتها في المساهمة فيها».

ونقل موقع «أكسيوس»، الجمعة، أن مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، الذي زار إسرائيل أخيراً، أبلغ نتنياهو ومسؤولين آخرين بأن إدارة ترمب ستتولى قيادة ما تُعرف باسم «قوة الاستقرار الدولية» وستعين جنرالاً قائداً لها.

ويعطي قرار تبناه مجلس الأمن الدولي في 17 نوفمبر الماضي تفويضاً «لمجلس سلام» في غزة والدول التي تتعاون معه، من أجل تأسيس «قوة استقرار دولية» مؤقتة في القطاع.

وسبق أن تحدثت القناة الـ«14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة الأميركية حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة لإمكانية تأجيله مجدداً.

صبيَّان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرُّها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن اجتماع الدوحة سيركز على «سد الفجوات» مثل عدم تعيين قائد للقوة، رغم أن التسريبات تشير إلى أنه أميركي، فلا مهام محددة بشأن القوة حتى الآن، كما أنه لم يتم تشكيل «مجلس السلام» الذي صدر له التفويض الأممي بتشكيل القوة، بجانب وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة تركيا، وهذا يعرقل مسار تحديد الدول، بخلاف عدم حسم قضايا سياسية مرتبطة بنزع السلاح.

وأشار إلى أن حديث انتشار القوات بداية العام يكون صحيحاً إذا كنا قد عرفنا الآن مهام وتسليح القوات، وباتت تتجمع هذه الأيام، وبالتالي نحن بصدد ترتيبات ستأخذ ربما شهرين لتحقيق انتشار لو حُسمت الملفات السياسية.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن اجتماع الدوحة بشأن تلك القوات يناقش سد الفجوات «لكنه يشكل إطاراً عاماً للتعايش معها، وليس لحلها»، موضحاً أن الفجوات تتعلق بكيفية الانتشار ومهام القوات، وهل ستنزع سلاح «حماس» وتبدأ الانسحابات. ونبه إلى أن هذا الاجتماع قد يحسم التشكيل والتمويل، و«لا يعني مشاركة 25 دولة فيه أن هناك موافقة على الانخراط في القوة؛ لكن ستتم مناقشة الخطوط الأولية».

منظر عام لمخيَّم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بغزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش مشاركته في «منتدى صير بني ياس» بالإمارات، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت: «ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأهمية تشكيل قوة الاستقرار الدولية»، وذلك خلال لقاء المدير العام لـ«أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية»، والمنسق الأممي الخاص السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وهذا التأكيد ليس الأول من نوعه من جانب مصر؛ حيث أعلنته أكثر من مرة أخيراً.

وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، على الصحافيين أخيراً بشأن تطورات اتفاق غزة، قائلة إن «هناك كثيراً من التخطيط الهادئ الذي يجري خلف الكواليس في الوقت الحالي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام... نريد ضمان سلام دائم ومستمر».

وأوضح راغب أن المرحلة الأولى لم تنتهِ بعد، وهناك أمور سياسية لم تُحَل، لافتاً إلى أن «قمة ترمب-نتنياهو» المقررة نهاية هذا الشهر ستكون فاصلة في المرحلة الثانية، وتشكيل القوات، ورفع «الفيتو»، وإنهاء الفجوات.

أما نزال فيرى أن المرحلة الثانية لم تنضج بعد، والهدوء الأميركي في المناقشات محاولة لتفادي الفشل من أي إعلان قد يُحدث ضجة عند أي طرف، في ظل ريبة فلسطينية مما يُعد في الكواليس، متوقعاً أن تزداد مساعي الوسطاء تجاه الانتقال للمرحلة الثانية بأقل تكلفة ومخاطرة، وهذا سيتضح عقب لقاء ترمب بنتنياهو.


حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يترقَّب الشارع اليمني أن تُكلَّل الجهود التي تقودها السعودية، بشراكة مع الإمارات، بنزع فتيل التوتر وإنهاء التصعيد في حضرموت والمهرة على خلفية التحركات الأحادية الميدانية التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام الماضية، التي أدت إلى إرباك معسكر الشرعية اليمنية، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى تبعات اقتصادية وإنسانية وأمنية في ظل تربص الجماعة الحوثية بالمناطق المُحرَّرة.

جاء ذلك غداة حراك سياسي وعسكري مكثَّف في إطار الجهود السعودية - الإماراتية الرامية إلى احتواء التوتر في المحافظات الشرقية، وذلك مع وصول فريق عسكري مشترك إلى عدن، وعقد لقاءات رسمية مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتوازي مع لقاءات في حضرموت مع قيادات محلية وقبلية، في مسعى لإعادة تطبيع الأوضاع ومنع انزلاقها إلى مزيد من التصعيد.

وجاءت هذه التحركات في وقت تشهد فيه محافظتا حضرموت والمهرة توتراً متزايداً على خلفية تحركات ميدانية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وما أعقبها من مواجهات وأحداث أمنية، دفعت «تحالف دعم الشرعية» إلى تكثيف مساعيه السياسية والعسكرية لفرض التهدئة، والحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة في المناطق المُحرَّرة.

الزبيدي استقبل في عدن وفداً عسكرياً سعودياً إماراتياً مشتركاً (سبأ)

في هذا السياق، استقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، وهو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في القصر الرئاسي بعدن، قيادة القوات المشتركة لـ«تحالف دعم الشرعية»، يتقدمهم اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي، بحضور عضو مجلس القيادة عبد الرحمن المحرمي، ورئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة العليا اللواء هيثم قاسم طاهر.

ووفق مصادر رسمية، ناقش اللقاء سبل توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تهدِّد أمن اليمن والمنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والتهديدات التي تمس المصالح الدولية وحرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين القوات اليمنية والتحالف.

وأشاد الزُبيدي بالدور الذي تضطلع به دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، مؤكداً أهمية الشراكة القائمة في دعم القوات اليمنية، بينما أكدت قيادة القوات المشتركة دعمها المستمر للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المرحلتين الحالية والمستقبلية.

بيان رئاسي

بالتوازي مع هذه التحركات، جدَّد مصدر مسؤول في مكتب الرئاسة اليمني الإشادة بجهود السعودية لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، وذلك بعد وصول الفريق العسكري السعودي - الإماراتي إلى عدن.

وأوضح المصدر أن الزيارة تأتي ضمن جهود الرياض وأبوظبي لتعزيز وحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ومعالجة تداعيات الإجراءات الأحادية الأخيرة، بما يضمن عودة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي، وتمكين السلطات المحلية والحكومة من أداء مهامها وفقاً للدستور والقانون.

وأشار البيان إلى أن المشاورات الجارية تتناول معالجة مسألة القوات المُستقدَمة من خارج المحافظات الشرقية، وسبل مغادرتها، إضافة إلى تمكين مؤسسات الدولة من ممارسة صلاحياتها الحصرية، واحترام المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (أ.ف.ب)

وحذَّر المصدر من أن أي تصعيد إضافي من شأنه تبديد المكاسب المُحقَّقة، وصرف الانتباه بعيداً عن المعركة ضد جماعة الحوثي، وتقويض جهود الإصلاحات الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد، مؤكداً حرص قيادة الدولة على تغليب الحلول السياسية، ودعم الجهود السعودية - الإماراتية، والعمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

آليات مرتقبة للحل

أفادت مصادر مطلعة بأن الفريق العسكري السعودي - الإماراتي يبحث وضع آليات تنفيذية لخروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتَي حضرموت والمهرة، وإعادتها إلى مواقعها السابقة، إلى جانب ترتيبات لتسليم بعض المواقع لقوات «درع الوطن»، في إطار إجراءات منسقة تهدف إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

كما عقد الوفد السعودي، برئاسة اللواء الدكتور محمد القحطاني، لقاءً موسعاً في حضرموت مع قيادة السلطة المحلية برئاسة المحافظ سالم الخنبشي، وقيادات الكتلة البرلمانية ومجلس الشورى، ومرجعيات قبائل حضرموت، ومشايخ وأعيان الوادي والصحراء.

وأكد المحافظ الخنبشي أن زيارة الوفد السعودي تمثل دعامةً لأواصر الأخوة بين البلدين، مشيداً بمواقف المملكة الداعمة لحضرموت في هذه الظروف، بينما شدَّد رئيس الوفد السعودي على أن اللقاءات تأتي في إطار فرض التهدئة، ورفض أي تشكيلات عسكرية خارج نطاق الدولة، والحفاظ على أمن واستقرار المحافظة.

رئيس الوفد السعودي في حضرموت اللواء محمد القحطاني يلتقي قيادات قبلية ومحلية (سبأ)

وأشادت القيادات البرلمانية والقبلية بالموقف السعودي، عادّةً أن هذه التحركات تمثل تطميناً للمواطنين، وتؤكد الحرص على معالجة تداعيات دخول قوات من خارج المحافظة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي.

في المقابل، نعت رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية عدداً من منتسبي المنطقة العسكرية الأولى، الذين سقطوا خلال مواجهات وصفتها بأنها اعتداءات نفَّذتها مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مشيرةً إلى سقوط 32 قتيلاً و45 جريحاً، إضافة إلى مفقودين، ومؤكدة التزام القوات المسلحة بواجباتها تحت قيادة الدولة ووفقاً للدستور والقانون.

وفي موقف سياسي لافت دعا أحمد علي عبد الله صالح، وهو النجل الأكبر للرئيس اليمني الأسبق، جميع الأطراف اليمنية، إلى وقف التصعيد وضبط النفس، والعودة إلى الحوار، محذِّراً من أن استمرار التوتر في المحافظات الشرقية لا يخدم استقرار البلاد، ولا جهود توحيد الصف في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.