حبس صحافي فرنسي يهدد بوادر انفراجة دبلوماسية بين الجزائر وباريس

حُكم عليه بالسجن 7 سنوات للاشتباه بصلته بقيادي في تنظيم انفصالي

الرئيس الجزائري يستقبل رئيس مجموعة فرنسية عملاقة للنقل البحري يوم 2 يونيو 2025 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري يستقبل رئيس مجموعة فرنسية عملاقة للنقل البحري يوم 2 يونيو 2025 (الرئاسة الجزائرية)
TT

حبس صحافي فرنسي يهدد بوادر انفراجة دبلوماسية بين الجزائر وباريس

الرئيس الجزائري يستقبل رئيس مجموعة فرنسية عملاقة للنقل البحري يوم 2 يونيو 2025 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري يستقبل رئيس مجموعة فرنسية عملاقة للنقل البحري يوم 2 يونيو 2025 (الرئاسة الجزائرية)

عادت «حركة الحكم الذاتي في منطقة القبائل» الجزائرية إلى الواجهة مجدداً عقب إدانة صحافي فرنسي بالسجن في الجزائر للاشتباه في صلته بأحد قادة هذا التنظيم الذي يُعد من مصادر التوتر بين الجزائر وباريس نظراً لوجود زعيمه وعدد من أبرز نشطائه في فرنسا بصفة «لاجئين سياسيين».

واستأنف، يوم الاثنين، فريق الدفاع عن الصحافي الرياضي كريستوف غليز، المتعاون مع مجلة «سو فوت» (So Foot) الفرنسية، الحكم الصادر بحقه بالسجن سبع سنوات نافذة، الذي أصدرته محكمة تيزي وزّو، كبرى مدن منطقة القبائل الناطقة بالأمازيغية يوم السبت الماضي.

من جانبها، عبَّرت فرنسا عن الأسف للحكم الصادر بحق غليز، ونشرت وزارة الخارجية بياناً جاء فيه: «تأسف فرنسا بشدة لإدانة الصحافي الفرنسي كريستوف غليز بالسجن 7 سنوات نافذة».

وكان الصحافي قد خضع لمراقبة قضائية استمرت 13 شهراً، وفق ما أفاد به محامون من المدينة الواقعة على مسافة 110 كيلومترات شرق العاصمة الجزائرية.

وأُدين غليز، المتخصص في شؤون كرة القدم، بتهمة «تمجيد الإرهاب»، وذلك استناداً إلى ما ورد في لائحة الاتهام التي تلتها هيئة المحكمة، حسب ما أفاد به محامون لصحيفة «الشرق الأوسط». ونددت منظمة «مراسلون بلا حدود»، إلى جانب جهة عمله مجموعة «سو برس» (So Press)، بالحكم ووصفتاه بأنه «جائر».

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز المسجون في الجزائر (متداولة)

وغليز (36 عاماً) صحافي مستقل ومتعاون مع مجلتي «سو فوت» و«سوسايتي» التابعتين لمجموعة «سو برس». وسافر إلى الجزائر في مايو (أيار) 2024 لإنجاز تحقيق حول نادي شبيبة القبائل. ووفقاً لـ«مراسلون بلا حدود»، فقد أُوقف في الثامن والعشرين من ذلك الشهر في تيزي وزّو، ووُضع تحت الرقابة القضائية بتهمة «دخول البلاد بتأشيرة سياحية» في حين كان في مهمة صحافية، وكذلك بتهمتي «تمجيد الإرهاب»، و«حيازة منشورات بهدف الدعاية تمس بالمصلحة الوطنية».

وقالت «مراسلون بلا حدود» في بيان: «من المهم بذل كل الجهود، بما في ذلك على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، لضمان تحقيق العدالة للصحافي كريستوف غليز».

وأضافت المنظمة المدافعة عن حرية الصحافة أن التهم الموجهة إليه «لا أساس لها وقد دُحضت تماماً»، مشيرة إلى أن سبب الاتهام يعود إلى تواصله في عامي 2015 و2017 مع مسؤول في نادي شبيبة القبائل في تيزي وزّو يُعدّ من قياديي «حركة الحكم الذاتي في منطقة القبائل»، المعروفة اختصاراً بـ«ماك»، التي تصنّفها السلطات الجزائرية «منظمة إرهابية» منذ عام 2021.

ويُتهم زعيم الحركة، فرحات مهني، بـ«الإرهاب»، وقد صدرت بحقه مذكرة اعتقال دولية في العام نفسه. كما أن عدداً من أبرز نشطاء الحركة يواجهون بدورهم تهماً بالإرهاب داخل الجزائر وخارجها، ويقضي بعضهم أحكاماً بالسجن لفترات طويلة.

فرحات مهني زعيم التنظيم الانفصالي «حركة الحكم الذاتي في منطقة القبائل» (متداولة)

وحسب المحامين الذين يترافعون في القضية، فإن غليز تواصل مرتين مع ناشط «ماك»، وكان ذلك قبل أن تضع الجزائر التنظيم على لائحة الإرهاب، ما يعني حسبهم أن التهمة «لا تستند إلى أي أساس». كما أكدوا أن الاتصال الأخير بينهما عام 2024 «كان الغرض منه هو الإعداد لتحقيقه الصحافي حول نادي شبيبة القبائل، وهو ما أعلنه كريستوف غليز بشكل صريح ولم يُخفه في أي وقت».

وقد نقل الصحافي الفرنسي يوم السبت إلى سجن مدينة تيزي وزّو بعدما أدانته المحكمة الأولى. ويُنتظر إعادة محاكمته، بعد استئناف الحكم، خلال الدورة القضائية المقبلة التي ستبدأ في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

غضب من «احتضان باريس» رموز «ماك»

تُبدي الجزائر انزعاجاً شديداً مما تصفه بـ«الرعاية التي توفرها فرنسا» لتنظيم «ماك»، الذي يطالب بانفصال منطقة القبائل ويُعدُّ امتداداً للمواجهات الدامية التي اندلعت عام 2001 بين قوات الأمن وشباب معارضين للسلطة في المنطقة، وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص.

ويقيم زعيم التنظيم، مهني، في فرنسا منذ سنوات طويلة، وقد أُثير جدل واسع الشهر الماضي بعد استقباله في مجلس الشيوخ الفرنسي من قبل برلماني ينتمي إلى حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين.

وأثار هذا الاستقبال استياءً رسمياً في الجزائر عبَّر عنه «مجلس الأمة»، الغرفة الثانية في البرلمان، الذي يرأسه ثاني أعلى شخصية في الدولة بحسب الدستور.

ورأى مراقبون أن سجن الصحافي الفرنسي قد يُلقي بظلاله على محاولات التقارب الأخيرة بين الجزائر وفرنسا والهادفة إلى طي صفحة التوترات الحادة التي تأججت في أواخر يوليو (تموز) 2024 عقب اعتراف قصر الإليزيه بسيادة المغرب على الصحراء.

وأعاد الخلاف حول هذه القضية فتح ملفات قديمة، من بينها قضية الهجرة، وإرث الاستعمار، فضلاً عن استضافة فرنسا نشطاء الحركة الانفصالية الذين أنشأوا ما يُسمى بـ«حكومة القبائل المؤقتة» في الأراضي الفرنسية عام 2010.

وبرزت في الأيام الأخيرة مؤشرات على تهدئة بين البلدين، تمثَّلت في موافقة الجزائر على دخول محامٍ فرنسي للدفاع عن الكاتب الجزائري - الفرنسي المسجون بوعلام صنصال، وذلك بعد أن كانت قد رفضت سابقاً منح تأشيرة دخول للمحامي الفرنسي المعروف فرانسوا زيمراي، الذي كان ينوي تمثيل صنصال خلال أولى جلسات محاكمته في مارس (آذار) الماضي.

الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال (متداولة)

وشهد شهر يونيو (حزيران) سلسلة من المؤشرات الإيجابية التي تعكس تحسناً في العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا.

ففي بدايته، استقبل الرئيس عبد المجيد تبون رئيس مجموعة «سي جي إم سي إم آي» الفرنسية العملاقة المتخصصة في النقل البحري التجاري رودولف سعادة.

وتلى ذلك استقبال وزير النقل سعيد سعيود، نائبة الرئيس التنفيذي للمجموعة، كريستين كابو.

الرئيس الجزائري يستقبل رئيس مجموعة فرنسية عملاقة للنقل البحري يوم 2 يونيو 2025 (الرئاسة الجزائرية)

وفي منتصف الشهر، زار الجزائر وفدٌ من رجال الأعمال الفرنسيين يمثلون نحو 20 مؤسسة، وشاركوا في فعاليات «أيام الصناعة» التي نظمتها الغرفة الجزائرية - الفرنسية للتجارة والصناعة. وخلال المناسبة، صرّح رئيس الغرفة ميشال بيساك بأن «نحو 6000 شركة فرنسية ما زالت تواصل نشاطها في الجزائر»، معبّراً عن ارتياحه لما وصفه بـ«التقدم الملحوظ في العلاقات الثنائية»، ومؤكداً على أن «ما يجمع البلدين أقوى بكثير مما يفرقهما».

وفي السياق نفسه، حصلت مجموعة «توتال إنرجيز» الفرنسية على عقد للتنقيب عن النفط في جنوب الجزائر، بعد فوزها في مناقصة أطلقتها الوكالة الجزائرية لتثمين الموارد النفطية.

كما عكست اللقاءات المتتالية وتوقيع الاتفاقيات الجديدة، خصوصاً في قطاع الطاقة، انتعاشاً واضحاً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.


مقالات ذات صلة

الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

شمال افريقيا وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)

الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

هوَّن مسؤول حكومي رفيع من المخاوف المرتبطة بأحد نصين سيناقشان في البرلمان الجزائري، مؤكداً أنه «لا يستهدف أصحاب الرأي المخالف».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)

البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

عرض البرلمان الجزائري، السبت، نصَّين مهمّين للنقاش العام؛ الأول يخصّ مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، والثاني يتعلق بتعديل قانون الجنسية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا اجتماع لقيادات «حمس» الإسلامية (إعلام حزبي)

الجزائر: المعارضة الإسلامية تدعو لـ «مصالحة شجاعة» وتحذر من «الانتقام»

دعا حزب «حركة مجتمع السلم» الإسلامي الجزائري المعارض الرئيس عبد المجيد تبون إلى إطلاق «حوار شامل يفضي إلى مصالحة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا البرلمان الجزائري (متداولة)

الجزائر: سلاح تشريعي جديد لمواجهة الانفصاليين و«عملاء» الخارج

عرض نائب جزائري من «الأغلبية الرئاسية»، اليوم الأربعاء، مقترحاً على لجنة برلمانية خاصة، يتمثل في تعديل قانون الجنسية.

شمال افريقيا الوزير الأول الجزائري مع رئيسة الحكومة التونسية 12 ديسمبر الحالي (الوزارة الأولى الجزائرية)

الجزائر تتحرك لمواجهة استنزاف عملتها الصعبة

تواجه الجزائر نزيفاً ملحوظاً في العملة الصعبة نتيجة الاستغلال غير المشروع لمنحة السفر السياحية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)
وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)
TT

الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)
وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)

تزامناً مع إعلان البرلمان الجزائري تنظيم جلسة تصويت، الأربعاء، على نصّين يثيران جدلاً واسعاً، يتعلقان بـ«تجريم الاستعمار» و«سحب الجنسية من المعارضين»، هوَّن مسؤول حكومي رفيع من المخاوف المرتبطة بالنص الثاني، مؤكداً أنه «لا يستهدف أصحاب الرأي المخالف»، بل أولئك الذين «تثبت بحقهم تهمة الخيانة العظمى».

وإذا كان الجدل الدائر بشأن مقترح قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر (1830 - 1962) يثير حفيظة قطاع من الطيف السياسي الفرنسي، لا سيما اليمين التقليدي، فإن هناك إجماعاً واسعاً في الجزائر على تسريع وتيرة إصداره، ونشره في الجريدة الرسمية، في خطوة مرتبطة بالتوترات القائمة مع باريس، التي كانت اندلعت صيف عام 2024 على خلفية اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء. وقد شهدت هذه التوترات مع مرور الوقت تصعيداً خطيراً، ظل ملف الاستعمار وما تُعرف بـ«آلام الذاكرة» في صلبه.

البرلمان الجزائري (البرلمان)

وعشية اجتماع مكتب «المجلس الشعبي الوطني» لضبط أجندة التصويت على المقترحَين، سعى وزير العدل، لطفي بوجمعة، في تصريحات أمام النواب، إلى التخفيف من المخاوف المرتبطة بنص تعديل قانون الجنسية الذي تقدم به هشام صيفر، النائب عن حزب «التجمع الوطني الديمقراطي» المؤيد لسياسات السلطة التنفيذية، حيث شدد على أن «المعارضين أصحاب الرأي المخالف للحكومة الذين يوجدون في الخارج، غير معنيين بإجراءات التجريد من الجنسية» المتضمنة في النص الذي يحظى بتأييد غالبية الكتل البرلمانية.

وقال الوزير إن النص، الذي أثار كثيراً من الانتقادات، «يتضمن ضمانات صارمة تهدف إلى تأطير إجراءات إسقاط الجنسية، من خلال تحديد الحالات التي يمكن فيها تطبيق هذا الإجراء بشكل واضح ودقيق». مؤكداً أن التعديلات المقترحة «تنص على تعزيز الإطار القانوني، إذ تشترط توفر أدلة ملموسة ومعطيات ثابتة تثبت ارتكاب أفعال خطيرة».

كما تتناول، وفق قوله، استحداث «لجنة مختصة»، تتولى دراسة ملفات سحب الجنسية «بطريقة موضوعية ومحايدة»، من دون أن يذكر هوية الأشخاص الذين ستُسند إليهم عضوية هذه «اللجنة». وأوضح الوزير أيضاً أن مقترح تعديل القانون يتضمن تدابير «تتيح للشخص الذي أُسقطت عنه جنسيته إمكانية استرجاعها في ظل شروط معينة، بما يمنحه فرصة ثانية قبل أن يصبح القرار نهائياً».

«نظام إنذار» يسبق إسقاط الجنسية

من جانبه، صرَح النائب هشام صيفر بأن المقترح الذي تقدم به «يحترم بدقة (المادة 36) من الدستور، ولا يتعارض مع القانون الدولي». وتفيد المادة الدستورية بأن «شروط اكتساب الجنسية الجزائرية، والاحتفاظ بها، وفقدانها أو سحبها، تُحدَّد بمقتضى القانون».

ووفق صيفر فإنه لا تطبق إجراءات التجريد من الجنسية «إلا على المواطنين الجزائريين الذين تتوفر بحقهم أدلة قوية ومتماسكة تثبت ارتكابهم خارج التراب الوطني أفعالاً خطيرة محددة قانوناً، واستمرارهم في ارتكابها رغم توجيه إنذار رسمي من قبل الحكومة». وأشار إلى أن النص يشمل «نظام إنذار، وهو آلية تتيح للشخص المعني التراجع عن أفعاله، قبل اتخاذ قرار إسقاط الجنسية؛ مما يشكل ضمانة إضافية لتحقيق العدالة»، وفق تصريحات البرلماني، الذي لفت إلى إدراج شرط في النص يقضي بعدم جواز إسقاط الجنسية الأصلية عن أي شخص لا يحمل جنسية أخرى؛ تفادياً لحالات انعدام الجنسية، مع استثناءات محددة تتعلق بالجرائم الخطيرة، مثل الخيانة والتجسس لمصلحة دولة أجنبية، أو حمل السلاح ضد الجزائر.

رئيس «ماك» فرحات مهني مستهدَف بخطوة سحب الجنسية الجزائرية (ناشطون)

ويتضمن المقترح كذلك إنشاء لجنة خاصة تتكفل الدراسة والبت في ملفات إسقاط الجنسية، على أن يحدَّد تنظيمها، وتشكيلها، وكيفيات عملها، بموجب نص تنظيمي.

وبشأن الآثار المترتبة على الأقارب، فإن إجراء إسقاط الجنسية لا يشمل الزوج ولا الزوجة ولا الأطفال القُصّر. كما يمكن للأطفال المولودين بعد صدور قرار إسقاط الجنسية اكتساب الجنسية الجزائرية تلقائياً عن طريق الأم.

وطُرحت فكرة إسقاط الجنسية أول مرة في مارس (آذار) 2025، بمناسبة هجوم حاد من الرئيس عبد المجيد تبون ضد الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال، بسبب تصريحات صحافية، زعم فيها أن «أجزاء واسعة من الغرب الجزائري اجتزأها الاستعمار الفرنسي من المغرب». وجره هذا الكلام إلى المتابعة القضائية، حيث أدانه القضاء بالسجن 7 سنوات مع التنفيذ، لكن أُفرج عنه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بموجب إجراءات عفو رئاسي بناء على التماس من الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير.

الكاتب بوعلام صنصال (حسابات ناشطين متعاطفين معه)

وظلت الفكرة مجرّد اقتراح ذي طابع سياسي تقدّم به النائب صيفر، لكنها عادت بقوة خلال الأيام الأخيرة على خلفية إعلان انفصاليي القبائل الجزائرية من باريس قيام «دولة مستقلة». ويُعتقد أن النص الجديد قد يُطبق ضد عدد كبير منهم، على رأسهم زعيم «حركة تقرير مصير القبائل (ماك)» فرحات مهني.

«أداة للتكميم»

أكدت منظمة «شعاع لحقوق الإنسان»، المهتمة بالأوضاع الحقوقية في الجزائر التي يوجد مقرها في لندن، في بيان، أن التعديل المقترح لقانون الجنسية، «يفتح الباب أمام المساس بحق الجزائريين في جنسيتهم الأصلية، استناداً إلى مفاهيم فضفاضة، من قبيل المسّ بمصالح الدولة أو بالوحدة الوطنية؛ مما يشكل تهديداً مباشراً لحقوق المواطنة، ويكرّس في الوقت ذاته مساراً تشريعياً خطيراً، من شأنه تحويل التجريد من الجنسية إلى أداة لتكميم الأفواه ومعاقبة الرأي المخالف، بدل أن يظل إجراء استثنائياً محكوماً بضوابط صارمة تحمي الحقوق والحريات».

ووفق البيان، «يحوّل المسعى الجنسية من حق أصيل وملازم للشخص، إلى وسيلة ضغط وابتزاز سياسي مشروطة بالولاء للسلطة لا بالانتماء للوطن»، لافتاً إلى أن «تركيز النص على الأفعال المرتكبة خارج التراب الوطني يكشف عن استهداف خاص للجزائريين المقيمين في الخارج، الذين يشكّلون اليوم الفئة الأكثر ممارسة لحقها في انتقاد السلطة، بحكم وجودهم خارج سطوة الاعتقال والسجن، رغم ما يواجهه العديد منهم من متابعات قضائية، وأحكام غيابية قاسية».


«الوطني الليبي» يتجاهل مجدداً اتهامات بـ«التعاون» مع «الدعم السريع»

القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)
القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)
TT

«الوطني الليبي» يتجاهل مجدداً اتهامات بـ«التعاون» مع «الدعم السريع»

القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)
القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)

تجاهل «الجيش الوطني الليبي»، برئاسة المشير خليفة حفتر، مجدداً الاتهامات، التي تربطه بتقديم دعم لقوات «الدعم السريع» في السودان، وذلك بعد تقارير تحدثت عن استخدام مهبط للطائرات في مطار الكفرة (جنوب شرقي ليبيا) منصة لوجيستية لتعزيز السيطرة على مدينة الفاشر، في سياق الحرب الأهلية السودانية.

وحاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع ثلاثة قادة عسكريين بارزين في شرق ليبيا للحصول على تعليق رسمي، إلا أنه لم يتسنَّ الحصول على رد، فيما قال أحدهم إنه «ليس مخولاً بالتحدث سواء بالنفي أو التأكيد».

قوات تابعة للجيش الوطني بقيادة المشير حفتر (الجيش الوطني)

وأشار تقرير لوكالة «رويترز»، الذي قالت إنه يستند إلى «أكثر من اثني عشر مسؤولاً عسكرياً واستخباراتياً ودبلوماسياً»، إلى أن «خط الإمداد عبر الكفرة كان محورياً في تعزيز سيطرة (الدعم السريع) على مدينة الفاشر؛ ما أتاح لها ترسيخ وجودها في دارفور».

وعدّ المحلل العسكري الليبي، محمد الترهوني، المقرب من قيادة «الجيش الوطني»، أن تقرير وكالة «رويترز» «لا يعكس الحقائق على الأرض»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن مطار الكفرة «منشأة ليبية مهمة، تُستخدم لدعم القوات الليبية المنتشرة في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي، وهو نقطة وصل بين شرق ليبيا وجنوبها».

مضيفاً أن «القوات الليبية في الجنوب تعمل بحياد كامل، بعيداً عن أي نزاعات داخلية في دول الجوار، وتركز على تأمين العمق والحدود الليبية فقط، دون الانخراط في أي تجاذبات سياسية، أو عسكرية لدعم طرف ضد آخر».

عناصر من قوات «الدعم السريع» (أ.ف.ب)

وأبرز الترهوني أن «الجنوب الليبي ومطار الكفرة كانا عبارة عن مناطق مهملة سابقاً، استُخدمت كأنها ممرات لتنظيمات مسلحة، وتمويل الهجرة غير النظامية، لكنها أُمنت اليوم بشكل كامل لتصبح منطقة مستقرة ومحمية»، وهو ما عده «تجسيداً لنجاح جهود الجيش الوطني في حماية أراضي ليبيا وسيادتها».

ومنذ بداية الحرب الأهلية في السودان في أبريل (نيسان) 2023، تعرض «الجيش الوطني» الليبي لاتهامات متكررة بتقديم الدعم لقوات «الدعم السريع»، إلا أن القيادة العامة سارعت إلى نفي ذلك حينذاك، مؤكدة «استعدادها للوساطة» بين الأطراف السودانية لوقف القتال، وفقاً للناطق باسمها اللواء أحمد المسماري.

وحسب الرواية ذاتها، فقد سجلت بيانات وتتبع رحلات الجوية لما لا يقل عن 105 عمليات هبوط لطائرات شحن بين أبريل ونوفمبر (تشرين الثاني) 2025، نقلت أسلحة ومرتزقة لدعم سيطرتها في دارفور.

ونسبت الوكالة إلى مسؤول أممي، طلب عدم ذكر اسمه، قوله إن استخدام هذه القناة «غيّر قواعد اللعبة بالكامل في السودان»، وذلك من خلال توفير إمكانات الإمداد والمقاتلين، وهو ما أسهم في تعزيز الحصار الذي استمر 18 شهراً على المدينة.

سودانيون يشاركون في مظاهرة للتنديد بانتهاكات «الدعم السريع» (إ.ب.أ)

وتجدد الجدل حول هذا الملف في يونيو (تموز) الماضي، بعد اتهامات الجيش السوداني لقوات «الجيش الوطني» بـ«تقديم إسناد لقوات (الدعم السريع) في اشتباكات حدودية»، وهو ما نفته وزارة الدفاع التابعة للحكومة المكلفة من البرلمان في شرق ليبيا حينذاك، مؤكدة أن عقيدة القوات المسلحة «ترتكز على السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى».

وتوقع المحلل السياسي الليبي، أيوب الأوجلي، أن تستمر «التسريبات» حول الموضوع، وأنها «مرشحة للزيادة» رغم النفي المستمر. ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض الأطراف الدولية تحاول تسريب الأخبار لوكالات الأنباء لتحقيق مكاسب سياسية، أو الضغط عبر ورقة الإعلام، وهو أسلوب تقليدي متجدد».

وتعيش ليبيا منذ 2014 حالة من الانقسامين السياسي والعسكري، وتشهد حالياً وجود حكومتين متنازعتين؛ إحداهما في طرابلس (غرباً) برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وأخرى في الشرق برئاسة أسامة حماد ومقرها مدينة بنغازي، وتتمتع بدعم «الجيش الوطني» الليبي، الذي يسيطر على معظم مناطق الشرق والجنوب، بما يشمل حقول النفط الاستراتيجية، ومطارات حيوية مثل مطار الكفرة.


الليبيون يحتفلون بالذكرى الـ74 للاستقلال على وقع انقسام حاد

في ليبيا بات كل مواطن يحتفل بـ«ثورته» في مواعيدها (أ.ف.ب)
في ليبيا بات كل مواطن يحتفل بـ«ثورته» في مواعيدها (أ.ف.ب)
TT

الليبيون يحتفلون بالذكرى الـ74 للاستقلال على وقع انقسام حاد

في ليبيا بات كل مواطن يحتفل بـ«ثورته» في مواعيدها (أ.ف.ب)
في ليبيا بات كل مواطن يحتفل بـ«ثورته» في مواعيدها (أ.ف.ب)

تحتفل ليبيا هذا الأسبوع بالذكرى الـ74 لاستقلالها عن الاحتلال الإيطالي، بينما لا تزال تعاني من انقسام سياسي حاد، وسط تعارض «الأجندات الخاصة» في ظل سعي كل فصيل سياسي إلى استدعاء ماضيه، وتطبيقه على حاضره.

وقبل 74 عاماً من الآن، أعلن الملك الليبي الراحل إدريس السنوسي استقلال بلاده، بعد عقود من الاحتلال الإيطالي، الذي بدأ عام 1911، وتمت مقاومته بمعارك دامت لأكثر من عقدين، خاضها «شيخ المجاهدين» عمر المختار مع رفاقه.

ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي (حسابات ليبية موثوقة)

وبشكل منفصل، أعلن كل من رئيسي حكومتي ليبيا عبد الحميد الدبيبة، وأسامة حماد يومي الأربعاء والخميس عطلة رسمية لمناسبة «عيد الاستقلال»، في بلد يعاني من تداعيات انقسام سياسي، وتعثر المسار الانتخابي منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.

ومن شرفة قصر «المنار» ببنغازي، زفّ السنوسي لشعبه عام 1951 بشارة الاستقلال، قائلاً: «نتيجة جهاد أمتنا، وتنفيذاً لقرار الأمم المتحدة الصادر في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1949، تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة».

وقال أشرف بودوارة، رئيس اللجنة التحضيرية لـ«المؤتمر الوطني لتفعيل دستور الاستقلال»، لمناسبة حلول هذه الذكرى: «نستحضر لحظة فارقة في تاريخ البلاد، حين توحّد الليبيون على بناء دولتهم بإرادتهم الحرة، وعلى أساس سيادة القانون والشرعية الدستورية».

ورأى بودوارة أن «الاستقلال لم يكن مجرد حدث تاريخي، بل يعد تعبيراً عن وعي وطني عميق بأهمية الدولة والمؤسسات ووحدة الوطن»، متمنياً أن «تتجاوز ليبيا محنها، وتستعيد استقرارها، وتجمع كلمتها، وتسير بثقة نحو مستقبل يليق بتضحيات أبنائها».

المناضل عمر المختار (صفحات ليبية على مواقع التواصل)

ولم تُنسِ الأحداث الجسام والصراعات الدموية، التي شهدتها ليبيا، مواطنيها الاحتفال بـ«ثوراتهم»، كل واحد حسب انتمائه وآيديولوجيته، ما يجعل المشهد السياسي يبدو «فسيفسائياً»، ومغلفاً بالانقسامات.

وفي ليبيا لم يطو الزمن المناسبات السياسية، ولا ذكرى الأحداث الأليمة بعد، ففي هذا البلد الأفريقي يحتفل كل مواطن بـ«ثورته» في مواعيدها. أنصار «الملكية» يحيون «يوم الاستقلال»، ومؤيدو «الفاتح من سبتمبر» يتمسكون بذكراها، بينما تعمّ الاحتفالات في ذكرى «ثورة 17 فبراير»، التي أسقطت نظام القذافي. فيما يسعى كل فصيل لاستدعاء ماضيه بغرض العودة إلى حكم ليبيا.

ويرى سياسيون ليبيون موالون لنظام القذافي أن ليبيا وإن كانت تحررت من الاحتلال الإيطالي قبل 74 عاماً، إلا أنها «لم تتخلص من آثاره، المتمثلة في وجود القواعد العسكرية والقوات الأجنبية في غرب البلاد وشرقها».

وفي مثل هذا التوقيت من كل عام، يدعو أنصار «الملكية» إلى «إعادة استحقاق ولاية العهد للأمير محمد الحسن الرضا السنوسي، وتوليه مُلك البلاد، وتحمّل مسؤولياته الدستورية كاملة».

والأمير محمد الحسن هو نجل الحسن الرضا السنوسي، الذي كان ولي عهد الملك إدريس السنوسي، آخر ملوك ليبيا، وعمل مؤخراً على تكثيف لقاءاته في الخارج بشخصيات ليبية مختلفة؛ بهدف «إنجاح المساعي نحو حوار وطني شامل، تحت مظلة الشرعية الملكية الدستورية».

وفي مطلع سبتمبر (أيلول) 1969 أطاحت مجموعة من «الضباط الوحدويين»، التي قادها القذافي، بالنظام الملكي وحكمت ليبيا قرابة 42 عاماً.

السنوسي يتوسط أكاديميين وقيادات من غرب ليبيا في لقاء سابق (حساب السنوسي على منصة إكس)

وتتوالى برقيات التهنئة على رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، لمناسبة عيد الاستقلال؛ حيث أعلن عبر حسابه على «فيسبوك» تلقيه، الاثنين، برقية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان.

كما أعلن مكتب المنفي، الثلاثاء، تلقيه برقية تهنئة من محمد إدريس ديبي، رئيس تشاد لمناسبة يوم الاستقلال، ونقل عن الأخير «التزامه الدؤوب بالعمل معاً من أجل توطيد وتعميق علاقاتنا الثنائية، بهدف جعلها تعاوناً ناجحاً بين بلدينا الأفريقيين الشقيقين».

وفي كل احتفال سنوي بالاستقلال، يحرص الأمير محمد الحسن على بث رسائل المحبة، والدعوة للتوافق بين عموم الليبيين، ويذكر بأن «مخزون ليبيا التاريخي كفيل بإعادة الوحدة والتوافق المفقودين، في ظل الصراعات والتجاذبات».