مصادر لـ«الشرق الأوسط»: فصائل فلسطينية تبحث التوصل لـ«هدنة» استباقاً لزيارة ترمب

قالت إن القاهرة وَجّهت دعوات للمشاركين

وحدة مدفعية إسرائيلية تطلق النار باتجاه غزة يوم الثلاثاء (رويترز)
وحدة مدفعية إسرائيلية تطلق النار باتجاه غزة يوم الثلاثاء (رويترز)
TT

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: فصائل فلسطينية تبحث التوصل لـ«هدنة» استباقاً لزيارة ترمب

وحدة مدفعية إسرائيلية تطلق النار باتجاه غزة يوم الثلاثاء (رويترز)
وحدة مدفعية إسرائيلية تطلق النار باتجاه غزة يوم الثلاثاء (رويترز)

قالت مصادر فلسطينية إن «جولة جديدة من المفاوضات ستنطلق في القاهرة خلال أيام قليلة، في محاولة للتوصل إلى اتفاق حول هدنة في قطاع غزة قبل أو مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المنطقة»، بهدف تجنيب قطاع غزة «الحرب الموسعة التي أقرتها إسرائيل وتقوم على احتلال غزة وتهجير سكانها».

وأكد مصدر في «حماس» لـ«الشرق الأوسط» أنه «تم دعوة الحركة إلى مصر بجانب فصائل أخرى ستُبلغ تباعاً لبحث مقترح (حل وسط) يُفضي إلى اتفاق لوقف النار». وأضافت: «قد يحدث هذا نهاية الأسبوع الحالي، أو بداية المقبل».

وتقود مصر وقطر بالتنسيق مع الولايات المتحدة وساطة لوقف الحرب في غزة، نجحت سابقاً في التوصل لتبادل سجناء وأسرى ووقف إطلاق النار لمدد محدودة.

ومن المقرر أن يبدأ ترمب زيارته منتصف الشهر الحالي إلى السعودية، وقطر، والإمارات. وترهن إسرائيل بدء ما قالت إنها توسعة لحملتها العسكرية في غزة بانتهاء زيارة ترمب.

وأكد مصدر فلسطيني آخر، توجيه الدعوات للفصائل، وأضاف أن «الوسطاء يحاولون طرح اتفاق يتضمن إطلاق سراح نصف المحتجزين الإسرائيليين مقابل هدنة تستمر لشهور، على أن يكون هناك ضمانات أميركية لاتفاق نهائي بعد ذلك يُنهي الحرب».

وبحسب المصادر، «سيشمل الحل النهائي الاتفاق على المسائل الأكثر حساسية، مثل حكم غزة، وسلاح (حماس)»، مؤكدة أن «ملفي الحكم والسلاح» جزء من نقاشات داخلية فلسطينية ومع الوسطاء، وهي مستمرة ولم تتوقف».

تصورات مختلفة

ولا يلبي التصور المطروح المطالب الرئيسية لإسرائيل أو «حماس»؛ إذ تريد إسرائيل «اتفاقاً مرحلياً لأسابيع لا يتضمن أي تعهد بإنهاء الحرب في أي اتفاق لاحق، ويلزم (حماس) بمغادرة غزة، وتسليم سلاحها». وفي المقابل تُصر «حماس» على «اتفاق شامل ينهي الحرب، ولا يشمل أي تعهد من الحركة بمغادرة القطاع أو تسليم السلاح».

لكن الوسطاء يسعون إلى تضييق الفجوات، والتلبية الجزئية لمطالب الطرفين في محاولة لكبح خطة إسرائيل الجديدة في غزة.

وتأتي التحركات مواكبة لتأكيدات أميركية على السعي لاتفاق قريب؛ إذ قال المبعوث الأميركي الخاص للمنطقة، ستيف ويتكوف، مساء الاثنين، إنه «يأمل فعلاً في إحراز تقدم ملموس في جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار (قبل أو خلال) زيارة الرئيس دونالد ترمب للمنطقة».

ونقل مراسل موقع «والا» الإسرائيلي، و«أكسيوس» الأميركي، عن ويتكوف قوله خلال فعالية نظمتها السفارة الإسرائيلية في واشنطن، إنه «على تواصل شبه يومي مع مسؤولين من مصر وقطر وإسرائيل، من أجل تحقيق اختراق في المحادثات».

وفيما بدا محاولة للضغط على «حماس»، قال ويتكوف إن إدارة ترمب «تدعم قرار إسرائيل توسيع العمليات في غزة»، داعياً إلى «نزع سلاح (حماس) باعتبار ذلك أحد مفاتيح الاتفاق، والاستقرار في قطاع غزة».

نزع السلاح عملياً

ويرى المحلل الإسرائيلي رون بن يشاي في مقال نشره بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن «ما يتم تقديمه بالفعل في وسائل الإعلام بوصفه عملية (عربات جدعون) - الاسم الذي اختارته إسرائيل لتوسعة تحركها في غزة - هو في الواقع حملة عسكرية مدنية سياسية مشتركة تهدف إلى تحقيق هدفين؛ الأول: دفع (حماس) و(الجهاد الإسلامي) إلى تخفيف مواقفهما والموافقة على صفقة إطلاق سراح رهائن كبيرة بشروط تكون مقبولة للحكومة الإسرائيلية. والثاني: إلحاق ضرر كبير بقوة (حماس) القتالية والبنية التحتية العسكرية والحكومية، بطريقة تسمح بفرض النظام في قطاع غزة». وأضاف: «في إطار هذا الترتيب المحتمل، سيتم نزع السلاح عملياً».

الدخان يتصاعد من غزة يوم الثلاثاء (رويترز)

وبحسب يشاي، فمن المقرر أن يتم تنفيذ عملية «عربات جدعون» على ثلاث مراحل رئيسية: المرحلة الأولى، والتي بدأت بالفعل - الاستعدادات؛ والمرحلة الثانية، إطلاق النار التحضيري من الجو والبر ونقل معظم السكان المدنيين في قطاع غزة إلى الملاجئ الآمنة في منطقة رفح، والمرحلة الثالثة هي مناورة برية لاحتلال أجزاء من القطاع تدريجياً، والإعداد لوجود عسكري طويل الأمد هناك.

وأكد بن يشاي أنه تم وضع الخطة بطريقة تسمح لـ«حماس» بالنزول عن الشجرة (أي قبول التفاوض وفق الشروط الإسرائيلية) قبل وبعد كل مرحلة.

ويدور الحديث عن عملية تستمر شهوراً يتم فيها «تطهير» أجزاء كبيرة في غزة فوق الأرض وتحت الأرض بما في ذلك تدمير المباني.

ويأملون في إسرائيل أن الأهداف المستخدمة (احتلال الأراضي، ونقل السكان، والسيطرة على المساعدات، وفصل الحركة عن بقية السكان) ستجبر «حماس» على التنازل، والموافقة على تسوية تكون مقبولة في تل أبيب.

«حماس» غير مستعدة

لكن «حماس» لم تظهر حتى الآن أنها مستعدة لذلك. وقالت الحركة في بيان، الثلاثاء، إن توسيع العملية العسكرية في قطاع غزة هو «قرار صريح بالتضحية بالأسرى الإسرائيليين»، وهو «إعادة إنتاج دورة الفشل التي بدأها (الجيش الإسرائيلي) قبل 18 شهراً، دون أن ينجح في تحقيق أي من أهدافه المعلنة».

وجاء بيان «حماس» بعد ساعات من تصريح لعضو المكتب السياسي في الحركة، باسم نعيم، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، قال فيه إنه «لا معنى لأي مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، ولا معنى للتعامل مع أي مقترحات جديدة لوقف إطلاق النار، في ظل حرب التجويع وحرب الإبادة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة».

و«يتعرض سكان غزة إلى عقاب جماعي»، وفق ما قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ويعيشون مجاعة حقيقية، مع استمرار حظر إسرائيل إدخال المساعدات إلى القطاع، منذ 18 مارس (آذار) الماضي.

صورة التقطت يوم الاثنين لخيام النازحين الفلسطينيين الفارين من شمال قطاع غزة وشرق مدينة غزة في ملعب بوسط مدينة غزة (إ.ب.أ)

وتخطط إسرائيل لنقل جميع سكان غزة إلى مناطق في رفح، ثم إنشاء آلية مساعدات هناك عبر مشاركة الولايات المتحدة وصندوق دولي.

وأكد ترمب في تصريحات أدلى بها في البيت الأبيض، أن بلاده ستسعى لإيصال مساعدات غذائية إلى سكان غزة، لكنه اتهم جهات متعددة، بينها «حماس» بالمساهمة في تدهور الأوضاع، زاعماً أن الحركة «تستولي على ما يتم إدخاله إلى القطاع».

«تبرير التجويع»

ونفت «حماس»، وقالت إن ترمب «يردد بشكل مستغرَب أكاذيب حكومة نتنياهو الإرهابية، التي تسعى لتبرير جريمة التجويع الممنهج التي تمارسها بحق المدنيين الأبرياء». وأضافت: «هذه الاتهامات تتناقض بوضوح مع التقارير والشهادات الأممية».

وأكدت الحركة أنه «ليس كافياً أن يطلب ترمب من نتنياهو (إرسال بعض الطعام)، فالمطلوب موقفٌ مسؤول يحترم القانون الإنساني الدولي، ويطالب بفتحٍ فوري للمعابر، وضمان تدفّق المساعدات والإغاثة، ووقف استخدام الغذاء كسلاح للابتزاز والضغط في المعركة».

صبي فلسطيني مع أقرانه في أثناء الحصول على الطعام من مطبخ خيري في مخيم النصيرات وسط غزة أمس (أ.ف.ب)

وتقديم المساعدات حصرياً في منطقة رفح، متعلق بخطة لتهجير السكان.

وقال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الثلاثاء، إن إسرائيل ستتمكن من إعلان النصر على «حماس» خلال 6 أشهر، مضيفاً: «ستُدمر غزة بالكامل، وسيتم تركيز سكانها من محور موراج جنوباً، ومن هناك سيغادرون بأعداد كبيرة إلى دول ثالثة».

وتابع في تصريحات نقلتها «يديعوت» و«القناة الـ12»: «لن تكون هناك (حماس) في غزة». وتحدث سموتريتش عن نقاشات مع «دولة ثالثة» لم يسمها لاستيعاب سكان غزة.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

المشرق العربي فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ) play-circle

إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

بدأت الحكومة الإسرائيلية سحب تصاريح منظمات إنسانية دولية تعمل في قطاع غزة والضفة الغربية، بحجة عدم استكمال إجراءات التسجيل المطلوبة لممارسة أي نشاط.

«الشرق الأوسط» (غزة - تل أبيب)
تحليل إخباري طفل يقف وسط ملاجئ مؤقتة للنازحين الفلسطينيين في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «اتفاق غزة»: موعد محتمل للمرحلة الثانية يجابه «فجوات»

حديث عن موعد محتمل لبدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، ضمن النتائج البارزة للقاء الرئيس دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

محمد محمود (القاهرة)
العالم ​تدهور ‌الوضع الإنساني في غزة (أ.ف.ب)

10 دول تحذر من استمرار الوضع الإنساني «الكارثي» في غزة

عبرت بريطانيا وكندا وفرنسا ودول أخرى في بيان مشترك، ‌الثلاثاء، ‌عن ‌قلقها البالغ ⁠إزاء ​تدهور ‌الوضع الإنساني في غزة، ودعت إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات ⁠عاجلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا شعار شركة «إيرباص» (رويترز)

إسبانيا تستثني «إيرباص» من حظر استخدام التكنولوجيا الإسرائيلية

منحت إسبانيا شركة «إيرباص» إذناً استثنائياً لإنتاج طائرات وطائرات مسيرة باستخدام التكنولوجيا الإسرائيلية في مصانعها الإسبانية.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
المشرق العربي لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب و رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فلوريدا الاثنين (أ.ف.ب) play-circle

كيف قرأ الإسرائيليون لقاء ترمب - نتنياهو؟

أظهرت تقييمات إسرائيلية أن قمة فلوريدا بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منحت الأخير فرصة للحفاظ على شروطه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب - غزة)

أوجلان يشيد بـ «اتفاق 10 مارس»


رجل يمر أمام جدارية لأنصار «قسد» في القامشلي تُظهر علمها وصورة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام جدارية لأنصار «قسد» في القامشلي تُظهر علمها وصورة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
TT

أوجلان يشيد بـ «اتفاق 10 مارس»


رجل يمر أمام جدارية لأنصار «قسد» في القامشلي تُظهر علمها وصورة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام جدارية لأنصار «قسد» في القامشلي تُظهر علمها وصورة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)

وأعياد صاخبة لكسر الخوف عدَّ زعيم «حزب العمال الكردستاني»، السجين في تركيا عبد الله أوجلان، اتفاقَ 10 مارس (آذار) الموقع بين «قوات سوريا الديمقراطية» والحكومة السورية، نموذجاً للحكم الذاتي المشترك، داعياً أنقرة إلى لعب دور يسهل تنفيذه.

وحثَّ أوجلان، في رسالة بمناسبة العام الجديد نشرها حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد في تركيا على «إكس»، الثلاثاء، أنقرةَ على أداء دور تيسيري وبنّاء يركّز على الحوار في هذه العملية.

وجاءت رسالة أوجلان في الوقت الذي كادت تنتهي فيه المهلة المحددة لتنفيذ «اتفاق 10 مارس» نهاية العام الحالي، وسبقتها رسالة كشفت عنها وسائل إعلام تركية قريبة من الحكومة، الأسبوع الماضي، بعث بها إلى مظلوم عبدي مطالباً فيها بإنهاء وجود العناصر الأجنبية ضمن صفوف «قسد».


احتجاجات إيران من البازار إلى الجامعات

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء
صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء
TT

احتجاجات إيران من البازار إلى الجامعات

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء
صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء

اتَّسعتِ الاحتجاجات في إيران مع انتقالها من الأسواق التجارية في طهران إلى الجامعات وعدد من المدن، في تطوّر لافت للحراك الذي بدأ الأحد، على خلفية تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتراجع الريال إلى مستويات قياسية، وارتفاع معدلات التضخم وتزايد الضغوط المعيشية.

وأفادت وسائل إعلام إيرانية بتنظيم مظاهرات طلابية في جامعات عدة بالعاصمة، إضافة إلى أصفهان، مع تسجيل تجمعات في كرمانشاه وشيراز ويزد وهمدان وأراك، وحضور أمني مكثف في مشهد.

ودعتِ الحكومة إلى التهدئة عبر الحوار، إذ أعلن الرئيس مسعود بزشكيان تكليفَ وزير الداخلية الاستماعَ إلى «المطالب المشروعة» للمحتجين. في المقابل، حذّر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من محاولات «استغلال الاحتجاجات».

وقالتِ المتحدثة باسم اللجنة الاقتصادية في البرلمان، النائبة فاطمة مقصودي، لوكالة «إيلنا»، إنَّ تقلباتِ السوق ترتبط أساساً بالأجواء السياسية والحديث عن الحرب. وأضافت: «يكفي أن يقول ترمب لنتنياهو: تعالَ نشرب قهوة، حتى ترتفع أسعار العملات فجأة».


احتجاجات إيران تنتقل من البازار إلى الجامعات

صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
TT

احتجاجات إيران تنتقل من البازار إلى الجامعات

صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران

اتسعت الاحتجاجات في إيران لليوم الثالث على التوالي، مع انتقالها من الأسواق التجارية في طهران إلى جامعات ومدن أخرى، في وقت تزامن فيه الحراك مع إجراءات أمنية وتحذيرات رسمية، وخطوات حكومية اقتصادية طارئة وإعلانات عن تعطيل مؤسسات عامة.

وبينما دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى الإنصات للمحتجين عبر الحوار، حذر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من محاولات استغلال التطورات، وسط تفاعلات داخلية وخارجية رافقت أحدث موجة من الاحتجاجات، عكست حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد.

وفي تطور لافت، برز انضمام طلاب الجامعات إلى الحراك الاحتجاجي. وأفادت وكالة «إيلنا» الإصلاحية بأن مظاهرات طلابية نُظّمت في عدد من الجامعات بطهران، إضافة إلى مدينة أصفهان وسط البلاد. وحسب الوكالة، شملت التحركات جامعات «بهشتي، وخواجة نصير، وشريف، وأمير كبير، وجامعة العلوم والثقافة، وجامعة العلوم والتكنولوجيا» في طهران، إلى جانب جامعة التكنولوجيا في أصفهان.

كما أظهرت مقاطع فيديو متداولة تجمعات ومسيرات طلابية تضامناً مع الاحتجاجات على الغلاء والأزمة الاقتصادية، فيما رددت شعارات احتجاجية مناهضة لنظام الحكم، في بعض الجامعات، وفق ما نقلته قنوات طلابية على تطبيق «تلغرام». وفي مقطع فيديو نُشر من تجمع احتجاجي في شارع ملاصدرا بطهران، يظهر محتجون يرددون شعار: «لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران».

طهران تستعد للذكرى السادسة لمقتل الجنرال قاسم سليماني بضربة أميركية يناير 2020 في بغداد (إ.ب.أ)

وأفاد مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية في طهران بأن معظم المتاجر والمقاهي في العاصمة كانت مفتوحة كالمعتاد، صباح الثلاثاء، على امتداد جادة ولي عصر، التي تمتد لمسافة 18 كيلومتراً من شمال العاصمة إلى جنوبها، رغم استمرار الاحتجاجات في مناطق أخرى. وأضافت الوكالة أن شرطة مكافحة الشغب كانت تراقب الساحات الرئيسية في وسط المدينة، من دون الإشارة إلى مواجهات واسعة النطاق خلال ساعات النهار.

في المقابل، أظهرت صور ومقاطع فيديو من مناطق أخرى، من بينها ميدان شوش، استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين، إضافة إلى دخول قوات أمنية إلى بعض الأسواق وتهديد التجار بإعادة فتح محالهم.

إلى جانب طهران وأصفهان، أفادت تقارير إعلامية بوقوع تجمعات احتجاجية في مدن أخرى، من بينها كرمانشاه، وشيراز، ويزد، وهمدان وأراك، فضلاً عن كرج وملارد وقشم خلال اليومين السابقين. وفي سياق امتداد التحركات إلى مدن أخرى، أظهرت الصور وجوداً كثيفاً لقوات الأمن ومكافحة الشغب في مشهد، ثاني كبريات المدن في البلاد، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية وشبكات اجتماعية.

بالتزامن مع الاحتجاجات، أفادت وسائل إعلام رسمية بأن مدارس ومصارف ومؤسسات عامة ستغلق في طهران و19 محافظة أخرى، الأربعاء، بسبب موجة البرد ولتوفير الطاقة. وأوضحت السلطات أن هذا القرار لا يرتبط بالاحتجاجات، مشيرة إلى أن المراكز الطبية والإغاثية، والوحدات الأمنية، وفروع البنوك المناوبة، مستثناة من التعطيل.

حسب مصادر محلية، جاءت الاحتجاجات رداً على الغلاء المتزايد، والتضخم المرتفع، وتراجع القدرة المعيشية. وسجل الريال الإيراني، وفق سعر السوق السوداء غير الرسمي، مستوى قياسياً جديداً مقابل الدولار، الأحد، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد 1.4 مليون ريال، مقارنة بنحو 820 ألف ريال قبل عام، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

إيرانية تمر من دار صرافة بينما تظهر أسعار العملة الثلاثاء (رويترز)

ورغم تسجيل تحسُّن طفيف في قيمة العملة، الاثنين، فإن تقلبات سعر الصرف المستمرة أدت إلى تضخم مرتفع وتقلبات حادة في الأسعار، حيث ترتفع بعض أسعار السلع من يوم لآخر.

انطلقت التحركات، الأحد الماضي، من أكبر أسواق الهواتف المحمولة في طهران، حيث أغلق تجار محالهم بشكل عفوي احتجاجاً على الركود الاقتصادي وتدهور القدرة الشرائية، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.

وتوسعت الاحتجاجات لتشمل مناطق أوسع من وسط العاصمة، حيث واصل التجار إغلاق محالهم ونظموا تجمعات محدودة، تعبيراً عن استيائهم من الانخفاض السريع لقيمة الريال تحت وطأة العقوبات الغربية.

وذكرت وكالة «إرنا» الرسمية أن عدداً من التجار فضلوا تعليق أنشطتهم «لتجنب خسائر محتملة»، في وقت ترددت فيه شعارات احتجاجية داخل بعض الأسواق.

وفق مركز الإحصاء الإيراني الرسمي، بلغ معدل التضخم في ديسمبر (كانون الأول) نحو 52 في المائة على أساس سنوي. غير أن وسائل إعلام محلية، بينها صحيفة «اعتماد»، أشارت إلى أن هذه النسبة لا تعكس بالكامل الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية.

ونقلت الصحيفة عن أحد المتظاهرين قوله: «لم يدعمنا أي مسؤول أو يسعَ لفهم كيف يؤثر سعر صرف الدولار على حياتنا»، مضيفاً: «كان يجب أن نظهر استياءنا».

الحكومة وخيار الحوار

في وقت متأخر الاثنين، دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للاستماع إلى «المطالب المشروعة» للمتظاهرين. وقال بزشكيان، في منشور على منصة «إكس» نقلته وكالة «إرنا»: «طلبت من وزير الداخلية الاستماع إلى مطالب المحتجين المشروعة من خلال الحوار مع ممثليهم، حتى تتمكن الحكومة من التصرف بمسؤولية وبكل ما أوتيت من قوة لحل المشاكل والاستجابة لها».

كما أشار إلى أن «معيشة الناس» تشكل هاجسه اليومي، مؤكداً أن الحكومة تضع «إجراءات أساسية لإصلاح النظام النقدي والمصرفي والحفاظ على القوة الشرائية» على جدول أعمالها.

وقالت المتحدثة باسم ‌الحكومة، ⁠فاطمة ​مهاجراني، إنه ‌سيتم إطلاق آلية حوار تشمل إجراء محادثات مع قادة الاحتجاجات.

وحسب وكالة «مهر» شبه الرسمية، التقى بزشكيان، الثلاثاء، مسؤولين نقابيين، واقترح عدداً من الإجراءات الضريبية المؤقتة التي يفترض أن تساعد الشركات لمدة عام، في محاولة لتخفيف الضغوط الاقتصادية.

ولم تورد الوكالة تفاصيل إضافية عن طبيعة هذه الإجراءات أو آلية تنفيذها.

وقالت مهاجراني، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام رسمية، إن الحكومة «ستستمع بصبر حتى لو واجهت أصواتاً حادة». ونقلت «رويترز» قولها في هذا الصدد: «نتفهم الاحتجاجات... نسمع أصواتهم وندرك أن هذا نابع من الضغط الطبيعي الناجم عن الضغوط المعيشية على الناس». وأضافت أن الحكومة «تعترف بالاحتجاجات»، وتؤكد «حق التجمعات السلمية المعترف به في دستور الجمهورية الإسلامية».

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» من ثاني أيام احتجاجات البازار (أ.ب)

وكانت إيران قد شهدت خلال الأعوام الماضية احتجاجات واسعة لأسباب اقتصادية واجتماعية، من بينها موجة 2022 التي اندلعت عقب وفاة مهسا أميني، وتعاملت معها السلطات بإجراءات أمنية مشددة.

وأشارت مهاجراني إلى أن الحكومة تعمل على «إعداد برنامج للظروف الطارئة»، موضحة أن اجتماعاً للفريق الاقتصادي عُقد لوضع برنامج لإدارة الوضع الاقتصادي على المدى القصير، ضمن إطار زمني يقارب 15 شهراً، بهدف تحقيق الاستقرار.

وكانت الحكومة قد أعلنت، الاثنين، استبدال حاكم البنك المركزي. وقال مهدي طباطبائي، مسؤول الإعلام في الرئاسة الإيرانية، في منشور على منصة «إكس»: «بقرار من الرئيس، سيتم تعيين عبد الناصر همتي حاكماً للبنك المركزي».

ويعود همتي إلى هذا المنصب بعد أن كان البرلمان قد عزله في مارس (آذار) الماضي من منصبه كوزير للاقتصاد، بسبب فشله في معالجة المشاكل الاقتصادية في ظل الانخفاض الحاد لقيمة الريال، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.

يواجه الاقتصاد الإيراني صعوبات متراكمة جراء عقود من العقوبات الغربية، التي ازدادت وطأتها بعد إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، عقب انهيار الترتيبات المرتبطة بالاتفاق النووي. وحسب تقارير اقتصادية، ساهمت هذه العقوبات في تقييد التجارة الخارجية، والضغط على العملة الوطنية، ورفع معدلات التضخم.

تحذيرات البرلمان

في المقابل، حذر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من مخاطر «استغلال التظاهرات لبث الفوضى والاضطرابات».

وأعلن قاليباف أن النواب عقدوا اجتماعاً مغلقاً لبحث التطورات الأخيرة، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية حول جدول الأعمال أو مخرجات الجلسة.

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء

وقال قاليباف، في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي، إن «الأعداء» يسعون إلى جر مطالب الناس إلى الفوضى، مضيفاً أن الشعب «سيمنع انحراف الاحتجاجات».

وقالت المتحدثة باسم اللجنة الاقتصادية في البرلمان، النائبة فاطمة مقصودي، لوكالة «إيلنا» إن تقلبات سوق العملة والذهب ترتبط أساساً بالأجواء السياسية وتصريحات قادة دوليين ومحليين، لا بتطورات اقتصادية فعلية، مؤكدة أن تصاعد الحديث عن الحرب أو صدور خبر واحد كفيل بدفع الأسعار إلى الارتفاع.

وأضافت مقصودي: «يكفي أن يقول ترمب لنتنياهو: تعال نشرب قهوة، حتى ترتفع أسعار العملات فجأة. إذا تحدث نتنياهو بكلمة واحدة، فترتفع الأسعار».

في الداخل، أفاد عدد من مستخدمي الهواتف المحمولة بتلقي رسائل نصية تحذيرية من جهاز استخبارات «الحرس الثوري» الإيراني، تحذرهم من المشاركة في تجمعات وصفت بأنها «غير قانونية»، حسبما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي.

ردود داخلية وخارجية

على الصعيد السياسي، أصدر حزب «نهضت آزادى (حركة الحرية)» رسالة مفتوحة انتقد فيها أداء الحكومة، معتبرة أن «تجاوز التحديات من دون إصلاح بنيوي لن يكون سوى وهم». وقالت الحركة إن سجل الحكومة خلال العام ونصف العام الماضيين «غير قابل للدفاع عنه إلى حد كبير، ولا ينسجم مع مطالب الشعب».

كما وصف مصطفى تاج زاده، السجين السياسي ونائب وزير الداخلية السابق، الاحتجاجات بأنها «حق» للمواطنين، معتبراً أن جذور الأزمة تعود إلى «البنية السياسية الحاكمة»، حسبما نقلت منصات إعلامية معارضة.

في الخارج، عبّر رضا بهلوي، نجل آخر شاه لإيران، عن دعمه العلني للاحتجاجات، معتبراً أن تدهور الأوضاع الاقتصادية سيستمر «ما دام هذا النظام في السلطة». وفي رسالة نشرها على منصة «إكس»، دعا بهلوي مختلف فئات المجتمع إلى الانضمام للاحتجاجات، كما وجه نداءً إلى القوات الأمنية والعسكرية بعدم الوقوف في وجه المحتجين، لصالح «نظام في طور الانهيار».

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، عبر حسابها الناطق بالفارسية على منصة «إكس»، دعمها لما وصفته بـ«صوت الشعب الإيراني»، معتبرة أن الاحتجاجات تعكس حالة السخط الواسع من «السياسات الفاشلة وسوء الإدارة الاقتصادية».

ودعت الوزارة السلطات الإيرانية إلى احترام الحقوق الأساسية للمواطنين والاستجابة لمطالبهم المشروعة، مؤكدة أن الولايات المتحدة تتابع التطورات عن كثب. وفي منشورات لاحقة، نشرت الخارجية الأميركية مقاطع مصورة من مدن إيرانية عدة، مشددة على أن موقف واشنطن ينسجم مع دعمها المعلن لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وقال مايك والتز، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إن الشعب الإيراني يريد الحرية وقد عانى سنوات من حكم رجال الدين.

في إسرائيل، علق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت على الاحتجاجات الجارية في إيران عبر رسالة مصوّرة نشرها على منصة «إكس»، قال فيها إن المتظاهرين الإيرانيين يستحقون «مستقبلاً أفضل» و«شرق أوسط أكثر استقراراً». واعتبر بينيت أن ما يجري يعكس، على حد تعبيره، فشل السياسات الاقتصادية والسياسية في طهران، موجهاً حديثه مباشرة إلى المحتجين.