الجميل: خدام كان عصا يحركها الأسد... وأساليبه خبيثة ولئيمة

قال لـ«الشرق الأوسط» إن حافظ لم يفاتحه بموضوع تحالف الأقليات لكن رفعت كان يجاهر به (2 من 3)

TT

الجميل: خدام كان عصا يحركها الأسد... وأساليبه خبيثة ولئيمة

كانت العلاقة بين الجميل وخدام بالغة التوتر (غيتي)
كانت العلاقة بين الجميل وخدام بالغة التوتر (غيتي)

كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مفاوضاً بارعاً وحريصاً على صورته. كان يفضل إنهاك الزائر برحلة طويلة عبر التاريخ قبل التطرق إلى جوهر المحادثات. وكان قادراً على كبح غضبه والالتفاف ثم معاودة الكرة. وكان يتفادى الألفاظ الخشنة وترك الكراهيات تعبر عن مشاعرها. لكنه لم يكن ينسى أولئك الذين حاولوا عرقلة مشروعه، وبينهم ياسر عرفات وكمال جنبلاط وبشير الجميل وأمين الجميل وسمير جعجع.

وفي اتهام الآخرين والعمل على تطويعهم، كان لدى الأسد - على حد قول الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل في الحلقة الثانية من مقابلته مع «الشرق الأوسط» - عصا اسمها عبد الحليم خدام الذي كان وزير خارجيته ونائبه لاحقاً. وكثيراً ما اعتبر سياسيون لبنانيون أن «فظاظة خدام وليدة تكليف رسمي من معلمه». ولم يكن الأسد يلجأ إلى التهديد المباشر لزائره ويفضل الإيحاء - كما حدث حين حكى للجميل أن مساعديه اقترحوا تفجير طائرة الرئيس أنور السادات لمنعه من الوصول إلى القدس.

تعمد خدام في أحيان كثيرة إذلال حلفاء سوريا وخصومها حين يعاندون ويخرجون عن الخط الذي ترسمه. وكان يتعمد إقلاقهم كي يصلوا مستسلمين إلى مكتب السيد الرئيس. سألت خدام «المتقاعد» في باريس عن اتهامه بتجاوز الحدود والخشونة، فأجاب أن الغرض لم يكن الإهانة، بل تفادي الوصول إلى صدام قد تكون عواقبه سيئة إذا أوكلت تسوية الأمور إلى الأجهزة الأمنية. وفي الجلسة نفسها، قال خدام إن أمين الجميل «عرقل طويلاً الوصول إلى حل في لبنان، وكان كثير التردد والشكوك». ولم ينكر أن الأسد فوجئ بسقوط «الاتفاق الثلاثي»؛ إذ لم يعتقد أن أحداً في لبنان يمكن أن يقدم على مثل هذا التحدي السافر لسوريا وللأطراف التي وقّعت الاتفاق.

كانت العلاقة بين الجميل وخدام بالغة التوتر (غيتي)

«كانت لدى الرئيس الأسد أوراق كثيرة، ولم تكن لدى الرئيس سركيس أي أوراق. كان باستطاعة الأسد إسقاط الحكومة اللبنانية أو شلّها قبل عودة الرئيس اللبناني إلى بيروت. ولم يكن لدى سركيس ما يضغط به على الأسد. لكن سركيس الذي كان يبدي مرونة كان يتصلب حين يرى أن المطلوب منه يمس بالثوابت اللبنانية»، هذا ما سمعته من وزير الخارجية اللبناني فؤاد بطرس، ولعله يصدق أيضاً على علاقة الجميل بالأسد. وقال بطرس إنه كان يمارس أقصى درجات الجدية لمنع خدام من أخذ الحوار إلى اتهامات وعبارات غير رزينة».

طلبت من الجميل أن يتذكر علاقته بخدام وها هو يروي: «من الأساس، لم يكن هناك ود بيني وبين خدام؛ لأنه كان يستعمل وسائل قوطبة (عرقلة) على رئاسة الجمهورية، وتأليب فريق عملي عليّ، أي كانت هنا وسائل خبيثة ولئيمة لإرباك الرئيس اللبناني. الرئيس الأسد بقدر ما كان ودوداً معي ويتصرف معي باحترام، بقدر ما كان بحاجة إلى فريق آخر يحرك العصا. والعصا كان خدام. يعني كل الضغوطات التي كانت تمارس عليّ، والتي كانت بمعرفة الرئيس الأسد، كان ينفذها عبد الحليم خدام.

خدام هو العصا والسم. من أول الطريق، لم تكن هناك علاقة ودية معه. بقدر ما كان الأسد مهذباً ولطيفاً معي، بقدر ما كان خدام يجسد المقلب الآخر من سوريا الذي يريد أن يوقّع أمين الجميل مرغماً على اتفاقات تضر بمصلحة لبنان.

كنت أضع خدام عند حدوده. لم يستطع التطاول عليّ. كنا في اجتماع مرة مع الأسد، وكان موجوداً، وكان يشيع قبل الاجتماع أننا اجتمعنا مع بعض جماعتنا في لبنان، ويورد قضايا سخيفة، يعني خارج إطار المألوف. دخلنا إلى الاجتماع، فقال خدام كلمتين، فقلت للرئيس الأسد: سيادة الرئيس، نحن لدينا مشكلة مع خدام، ليتك تقول له أن يوقف جاسوسيته، الأسلوب الجاسوسي، في التعاطي معنا. خدام، كنت ألزمه حدوده، ولا يأخذ راحته معي كثيراً. كان مهيمناً على كثير من اللبنانيين، وفارضاً وهرة على اللبنانيين، وهذه لا تمشي معي.

كان بلا تهذيب. وكان وقحاً إلى درجة تبتعد عن المنطق والتهذيب. لكن معي أنا، كان يعرف أن أي كلمة خارج الحدود سيتلقى جواباً عليها».

الأسد ولغة الأقليات

أدرك حافظ الأسد باكراً هشاشة التركيبة اللبنانية وعدّها لقاء أقليات تحتاج دائماً إلى من يرعى حروبها وهدناتها. سمح بالانتصارات المحدودة ومنع الهزائم الساحقة؛ لأنها تبطل الحاجة إلى وصي أو وسيط. كان يريد أن يحكم سوريا كلها وإلى الأبد، وأن يكون لبنان حديقة ملحقة بنظامه. لم يستخدم لغة الأقليات والطلاق بين المكونات التي جاهر بها شقيقه رفعت أمام وليد جنبلاط ومروان حمادة، داعياً إلى تقسيم لبنان وسوريا معاً.

سألت الجميل إن كان شعر خلال حواراته مع الأسد أنها في عمقها حوار بين علوي وماروني، فأجاب: «لا، هذه كانت مع رفعت (الأسد). رفعت عندما بدأ يلعب دوراً في سوريا على الصعيد السياسي، كان يطرح هذا الموضوع، أي نحن الأقليات يجب أن نتفاهم مع بعضنا وأن نتضامن. هذه اللغة لم تكن في أي مرة على صعيد النظام. لا الرئيس الأسد ولا الحاشية كانت تطرح الموضوع من هذه الزاوية. نعم، رفعت كان يتحدث علناً عن أنه يجب أن يكون هناك تفاهم. لكن التفاهم بالتأكيد، على مقاسهم هم.

كانت سياسة حافظ الأسد ترمي إلى جمع الأوراق. هكذا كانت علاقته مع الدروز، والتصادم بينه وبين كمال جنبلاط ضمن هذا الإطار. كان يستعمل دروز سوريا، وكان يستعمل الأقلية المسيحية في سوريا. كان واضعاً يده على الأقليات كي يجمعها كلها تحت رايته هو ولتكون جزءاً من النظام السوري.

قصة التوتر بين السنة والعلويين كانت مكشوفة. وكان رفعت يعلنها، وعندما يتحدث إلينا كان واضحاً وجود العداوة بين العلويين والسنة، لكن مع الرئيس الأسد لم يكن يبدو لها أي أثر، لكن باطنياً ماذا هناك؟ لا يعرف أحد ماذا يوجد في باطن الآخر، لكن في الممارسة معنا، في العلاقة، لم نكن نشعر أبداً بهذا الشيء».

سألته عما تردد عن أن الرئيس كميل شمعون طرح ذات يوم على الرئيس الأسد أن تقوم علاقة كونفدرالية بين لبنان وسوريا، فأجاب: «ليس صحيحاً. هذا ليس صحيحاً أبداً. لا يمكن أن يكون الرئيس شمعون طرح مثل هذا الطرح. صدرت أخبار كثيرة. صدر خبر ثان أن (المبعوث الأميركي إلى لبنان) دين براون عرض على البطريرك نقل المسحيين إلى كاليفورنيا، كل هذا كلام للاستهلاك، كلام شعر ليس له مدلول على الأرض».

ضغط أميركي لمصلحة إسرائيل... وسوريا

استفسرت من الجميل عن عبارة المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي: «مخايل الضاهر أو الفوضى» التي تردد أنه قالها للقيادات اللبنانية في خضم أزمة رئاسة الجمهورية عام 1988، باعتبار الضاهر المرشح الوحيد الذي تقبل به دمشق وتوافقت عليه مع أميركا، قبل أن يتنكر لها لاحقاً.

الجميل مع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان (أرشيف الرئيس أمين الجميل)

قال الجميل: «نعم مورفي قالها. كانت لدينا مشكلة. الأميركي يريد سوريا ولا يريدها. يعرف أن سوريا دورها سلبي جداً في لبنان، لكنه لا يريد أن يعاكسها، لا يريد أن يخوض معركة معها. فكان يظل يدفع لكي يجد قاسماً مشتركاً مع سوريا وليس معنا نحن. وقضية مورفي أنهم اعتبروا مخايل الضاهر تسوية؛ لأن مخايل الضاهر رجل محترم إلى حد يمكن أن يكون مقبولاً لبنانياً، فلذلك مشوا مع سوريا بترشيح مخايل الضاهر. وكان الأميركيون، مثل كل سياستهم عندنا في لبنان، مع سوريا وغير سوريا كما كان في اتفاق 17 مايو (أيار) مع إسرائيل، كانوا دائماً في الحلول في المقلب الآخر. يريدون أن يفرضوا على لبنان بعض الأمور؛ أي إنهم لا يقدرون على إسرائيل، فلبنان لازم يدفع. لا يقدرون على سوريا، سوريا عنيدة وعندها الإمكانات ولا يريدون أن يصطدموا معها، كانوا يجربون أن يقنعونا بشيء ليس لصالح لبنان كثيراً. كانت أميركا، البراغماتية الدبلوماسية الأميركية، تريد حلولاً بأي ثمن. من الطرف الذي يستطيعون أن يأخذوا منه بأسرع ما يمكن. من الذي يستطيعون أن يمونوا عليه؟ كان عندهم حرص على إرضاء سوريا، كما كان عندهم حرص على إرضاء إسرائيل. في الاتفاق مع إسرائيل، كانوا كثيراً يزركوننا (يحشروننا) في نواحٍ معينة، ومع سوريا أيضاً، كان من الواضح أنهم لا يريدون أن يزعلوا سوريا، ومن الواضح أنهم في النهاية يعرفون أن القوة بيد سوريا ولا يريدون أن يواجهوا هذه القوة، لذا يحاولون أن يجدوا طريقة ليمشّوا المصلحة السورية بأي ثمن. هذه كانت قصة مخايل الضاهر».

وعن أبرز موفديه إلى دمشق، قال الجميل: «في الأساس العلاقة والقرار بيدي أنا. والقرار كنت أنا أفاوض عليه. بالنسبة إلى التمهيد، كان جان عبيد (الوزير الراحل)، ولعب دورا مفيداً جداً، رجلاً ذكياً وحريصاً على المصلحة اللبنانية وعلاقاته حميمة مع السوريين. لعب دوراً إيجابياً، لم يقدر أن يأخذ كل شيء، إنما حلحل بعض الأمور. إيلي سالم كذلك لعب دوراً إيجابياً. وبطريقته البديهية، كان يقدر أن يصل إلى بعض الأمور المعينة، وخاصة مع خدام الذي كان يعرف أن علاقتي به ليست طيبة، وكان هو يحاول أن يعوض من هذه الناحية، وكانت علاقته جيدة مع خدام واستطاعا أن يصلا إلى كيمياء مشتركة. هذان الاثنان كانا أساسيين، وما تبقى كانت الأجهزة. والذي لعب دوراً، ستتفاجأ، إيجابياً جداً في هذه العلاقة (الضابط) جميل السيد. جميل السيد كان ضابط مخابرات في الجيش اللبناني في البقاع. وعندما كنت أذهب إلى الشام كنت أتوقف في البقاع وأجتمع به ويعطيني معلومات دقيقة جداً جداً عن الوضع في القصر الجمهوري والوضع السوري بصورة عامة. كان مطلعاً وكان مخلصاً. أشعر أنه كان يعطيني معطيات غير موجودة عند العموم وتفيد لبنان».

هل كان هناك انزعاج سوري من دور غسان تويني معك؟ قال: «لم يكن هناك ود لغسان أبداً. غسان جاء مرة واحدة معي إلى سوريا. لم يكن هناك ود. كانت هناك مشادات عندما يكون موجوداً. غسان وخدام يلعبان كرة الطاولة بعضهما مع بعض. يرمون الطابة بعضهما لبعض. لم يكن لديهما حب له بسبب جريدة (النهار). لم تكن ترحم سوريا، وبقدر ما يتنصل غسان من أي مقال فيها، تبقى ظاهرة للكل».

سوريا واغتيال بيار الجميل

أسأله عن اغتيال نجله الوزير والنائب بيار الجميل، وما إذا كان مقتنعاً بأن سوريا في عهد بشار الأسد وراء الاغتيال، فيجيب: «نحن قناعتنا أنه لا يمكن أن يُفعل هذا الشيء إذا لم تكن هناك يد سورية؛ لأن المخابرات السورية كانت ممسكة بكل المفاصل، خاصة في تلك المرحلة بالذات. انسحبت القوات السورية لكن بقيت المخابرات بالكامل. بقيت المخابرات في بيروت، والذي أخذ محل السوري هو الإيراني، وكانت هناك وحدة حال بين إيران وسوريا، وبقيت إيران بعد ما كانت ركزت أجهزة المخابرات التابعة لها.

أمين الجميل متكئاً على نعش نجله بيار خلال جنازته (أ.ف.ب)

«حزب الله» لم يكن أخذ كل هذا النفوذ، كانت سوريا لا تزال هي الأداة التنفيذية لإيران في تلك المرحلة، حتى تمكن لاحقاً الإيرانيون ورتبوا «حزب الله» بالشكل المعروف، وأخرجوا سوريا من الساحة السياسية إلى حد ما.

لا توجد قصاصة ورقة في ملف التحقيق في اغتيال بيار. معروف أن القضاء لا يستطيع العمل إلا بالتعاون مع قوى الأمن، قوى الأمن تتقصى وتأتي بالمعلومات، قوى الأمن هي التي تحضر للقاضي الدعوى، وكان ممنوعاً على القضاء، على قوى الأمن، إعطاء أي معلومات لديهم عن هذا الموضوع.

لا توجد ولا قصاصة ورق في الملف. لا توجد أي قصاصة ورق على الإطلاق. رغم كل تقديري للقضاة المحققين، ماذا يقدر أن يفعل القاضي إذا قوى الأمن لا تنفذ استنابته؟ لا نزال حتى اليوم نتأمل. ثمة شاب صديق لنا التقى بالرئيس أحمد الشرع في سوريا في مناسبة معينة، وتحدث معه عن موضوع بيار. الرئيس الشرع، عندما عرف أن الشخص قريب منا، فتح السيرة وقال له نحن نعرف كم عانى لبنان والاغتيالات ومنها بيار الجميل، ذكر بيار الجميل، أرسلنا للرئيس الشرع نسأله إن كان يمكنه أن يساعدنا في توفير معلومات إضافية حول هذا الموضوع ووعد خيراً».

سقوط بشار وصعود الشرع

لم يستغرب الجميل سقوط نظام بشار الأسد. قال إن الأمر كان متوقعاً؛ «لأن الرئيس بشار لم يكن مؤهلاً للوصول إلى هذا الموقع... وكان لديه نوع من الطموح الشخصي يفوق قدراته، فضلاً عن أن الطاقم المحيط به لم يكن على قدر المسؤولية، وقدم مصالحه الشخصية على ما عداها».

أمين الجميل خلال المقابلة مع غسان شربل (الشرق الأوسط)

وعن رأيه بإطلالة الرئيس الشرع على الساحة السورية، قال: «نتمنى له التوفيق، ونحن بحاجة إلى أن يكون في سوريا قيادة منفتحة وعندها تفهم للمصلحة اللبنانية - السورية بشكل نظيف ونزيه، وهو يظهر الاستعدادات الطيبة، لكن المهم أن يدعوه يعمل. إلى أي حد سيستطيع الوصول إلى النتيجة المرجوة، ونحن نتمناه، خاصة بعد كل هذه المواقف والتصريحات التي تصدر. شيء يطمئن، هل يستطيع يا ترى أن ينفذ؟ هل يستطيع يا ترى أن يأتي أحد من الرعيل الأول في هذه التنظيمات المعروفة يخرب مشروعه؟ لا يزال من السابق لأوانه أن يعرف المرء ماذا سيحصل، لكن المهم أولاً أنه انتهى عهد الأسد وهذا شيء إيجابي جداً، وأي شخص سيأتي من بعده لن يكون أسوأ منه، ثانياً، التصريحات الأولية للرئيس الشرع مطمئنة، ثالثاً المهم أن يقدر أن يطبق ويستوعب الأجنحة المتعددة والمتضاربة في سوريا، يستطيع أن يستوعبها حتى يخلق مناخاً جديداً لسوريا؛ لأن الدولة يجب أن يكون فيها تضامن. ما نعاني منه في لبنان، هذا التشرذم في السلطة. بقدر ما يستوعب القيادات الأخرى ويوحد القرار بسوريا، بقدر ما يخدم مصلحة سوريا ومصلحة لبنان ومصلحة المنطقة».

الإطلالة الأولى للحريري

سألته عن الإطلالة الأولى لرفيق الحريري على الملفات اللبنانية في عهده، فقال: «نعم. أول مرحلة، جاء رفيق كمندوب للملك فهد بن عبد العزيز للقيام ببعض الأعمال الإنمائية. مثلاً أول عمل كان تنظيف شارع المعرض، أنفقوا مبلغاً معيناً لتنظيف شارع المعرض وتأهيله. كان وقتها مغطى بالركام. وبعض المشاريع. كان هناك مبلغ معين تسلمه رفيق الحريري، وهو مخصص لبعض القضايا. المساعدات الاجتماعية بكثافة، وبعدها تطورت الأمور حتى بدأ رفيق يأخذ موقعاً سياسياً خاصة في مؤتمر لوزان ومؤتمر جنيف. كان مرافقاً للسفير السعودي والمندوب السعودي لهذا المؤتمر، وضابط ارتباط بينهم وبين القيادات اللبنانية، ونسج علاقات مع معظم القيادات اللبنانية، ولعب دوراً تنسيقياً ودور تبادل آراء في هاتين المرحلتين، مرحلة لوزان ومرحلة جنيف، لم يلعب دوراً سياسياً أبعد من هذا الشيء في عهدي».

أما عن تجربة رفيق الحريري في عهد الأسدين، فيقول الجميل: «قد أكون الأقدر على فهم ما عاناه الحريري في ضوء تجربتي؛ لأن المعاناة تتشابه. متى بدأت الصراعات بين الحريري والأسد؟ عندما بدأ الأسد يطلب من الحريري أموراً فوق طاقة الحريري القبول بها، والتي هي تتعلق بسيادة لبنان واستقلال لبنان. مر بمراحل صعبة جداً جداً. علينا أن نتذكر عندما اضطر أن يوافق على التجديد لإميل لحود. كانت كارثة له، لم ينم الليل. لا يستطيع أن يقول لا ولا يستطيع أن يقول نعم. وأنا مررت بها. أنا قلت لا وظللت حياً. مررنا بالمعاناة نفسها، أنا وهو، فيما يتعلق بهذه النقطة بالذات. لذلك، أنا أفهمه تماماً. وأيضاً، بقيت العلاقات طيبة جداً بيننا وبينه، لأننا نفهم بعضنا.

الجميل مع الحريري ولحود (أ.ف.ب)

كنت ألتقي الحريري كثيراً. وكنت أحكي له عن تجربتي. لم يكن يريد التحدث عن تجربته. كان يعرف أن الحيطان لها آذان، ولم يكن يجرؤ على التحدث كي لا يصل الكلام إلى السوريين. كنا نفهم بعضنا «على الطاير».

في عهد بشار، قاوم الحريري بشراسة. ظاهرة رفيق الحريري مميزة ومضمونها نقيض مصلحة سوريا في لبنان. من هنا، بقدر ما هو قريب إلى الخليج ولديه هذا المفهوم للبنان المعتدل المنفتح ولبنان الدور الإقليمي والدولي، بقدر ما يزعج هذا الشيء سوريا. لا أريد أن أعمل تشبيهاً، لكن بصورة ما، كانت لدينا نفس الأهداف، ولهذا السبب نفس الحساسية مع السوريين.

الحريري واختراق النظام السوري

تجاوز حضور الحريري في سوريا الحدود المسموح بها. لا أعرف إلى أي حد، كان خدام مؤمناً بالأسد أكثر مما هو مؤمن برفيق الحريري مثلاً. هذا ما أقوله لك. هناك شخص فهم المسألة بذكاء. إنه رئيس الأركان حكمت الشهابي، ترك سوريا وراح إلى أميركا. تركها بحجة مشاكل صحية. وهناك مجموعة كبيرة صارت قريبة من رفيق الحريري. وبعض أبنائهم استفادوا من الحريري ودرسوا على حسابه.

اخترق الحريري النظام السوري بكل معنى الكلمة. نتحدث ماذا أعطى سوريا وماذا أعطته سوريا. أعطى سوريا، أتذكر عندما جاء شيراك إلى لبنان، وقال في مجلس النواب إن اللبنانيين يجب أن يفهموا الموقع السوري في لبنان، وأن الجيش السوري في لبنان عنصر إيجابي، ويجب ألا تطالبوا أنتم بانسحاب الجيش السوري. ما ثمنها هذه؟ كان الحريري يبيع سوريا هذا الموقف نظراً لتأثيره على شيراك. أثّر على شيراك ليأتي ويقول كلاماً عكس جمهور فرنسا في لبنان، جمهور فرنسا في لبنان يريد انسحاب السوري، بينما طرح شيراك عكس المفهوم. سلف رفيق سورياً كثيراً.

لقاء بين الجميل وشيراك (أرشيف الرئيس أمين الجميل)

لسوء الحظ، أنا كنت أتوقع استهداف الحريري، وقلت: انتبه لحالك. رفيق الحريري وصل إلى مرحلة أعطى لبنان نفساً أكثر مما تستطيع سوريا أن تحتمله. أعطى للبنان نفساً وموقعاً. مثل اجتماعاته مع الرئيس جاك شيراك، واجتماعاته مع السعودية، ومع الأميركيين، واجتماعاته مع اللبنانيين، منفتح على الكل، لا يوجد لبناني لم يتواصل معه، هذا كله نقيض ما تريده سوريا في لبنان. سوريا تريده معزولاً عربياً أولاً، ودولياً ثانياً. سوريا تريد أن تكون هي المرجع بين اللبنانيين بين بعضهم البعض. إذا أمين الجميل يريد أن يتحدث مع أخيه فعليه أن يذهب إلى الشام أو إلى عنجر، ومن هناك يتم التواصل، بينما رفيق الحريري تجاوز هذا المنطق وأعطى، حقيقة، طموحاته الوطنية بُعداً أبعد من أن تستوعبه سوريا على الصعيد اللبناني».

غداً حلقة ثالثة (أخيرة)


مقالات ذات صلة

من منفاهما في روسيا... رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

المشرق العربي عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر في مقر الفرقة الرابعة بدمشق يناير الماضي (رويترز)

من منفاهما في روسيا... رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

كشف تحقيق عن أن اثنين كانا ذات يوم من أقرب رجال بشار الأسد وفرَّا من سوريا بعد سقوطه، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عبد الرؤوف الكسم رئيس الوزراء السوري الأسبق (ويكيبيديا)

رحيل عبد الرؤوف الكسم رئيس «حكومات التقشف» السورية في الثمانينات

رحل عبد الرؤوف الكسم، أحد أبرز رموز نظام حافظ الأسد، في مدينة ميونخ بألمانيا، الذي لعب دوراً رئيسياً في إدارة الاقتصاد السوري في مرحلة عصيبة في الثمانينات.

سعاد جرَوس (دمشق)
المشرق العربي سوريون ولبنانيون يحتفلون بسقوط النظام السوري في مدينة طرابلس شمال لبنان (أرشيفية - أ.ف.ب)

«المجلس الأعلى اللبناني - السوري»... إعلان وفاة متأخر

أبلغت دمشق نظيرتها بيروت، قرار تعليق عمل «المجلس الأعلى اللبناني - السوري» وحصر كل أنواع المراسلات بين البلدين بالطرق الرسميّة الدبلوماسيّة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي سوري ينظر لملصق دعائي للسوري الأميركي هنري حمرة أول يهودي يرشح نفسه لعضوية مجلس الشعب منذ عقود (أ.ف.ب)

مرشح يهودي لعضوية مجلس الشعب في سوريا لأول مرة منذ عقود

يخوض السوري الأميركي هنري حمرة، ابن آخر حاخام غادر سوريا في التسعينات، السباق إلى مجلس الشعب الذي تستعد السلطات السورية لتشكيله الأحد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص آثار الانفجار الذي أودى بحياة رينيه معوض عام 1989 (غيتي) play-circle 07:43

خاص إلياس عطاالله: ضغط جامع جامع على الزر فقتل الرئيس معوض

إلياس عطاالله يكشف خفايا خطف الدبلوماسيين السوفيات والإيرانيين، ويتحدث عن شراكة دمشق وطهران في الاغتيالات، وتحول «المقاومة» إلى «مهنة» بيد «حزب الله».

غسان شربل (بيروت)

الجيش الإسرائيلي: استهدفنا عنصراً في «الحرس الثوري» بشمال شرقي لبنان

سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في منطقة حوش السيد علي الحدودية مع سوريا بشمال شرقي لبنان مما أدى لمقتل شخصين (متداول)
سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في منطقة حوش السيد علي الحدودية مع سوريا بشمال شرقي لبنان مما أدى لمقتل شخصين (متداول)
TT

الجيش الإسرائيلي: استهدفنا عنصراً في «الحرس الثوري» بشمال شرقي لبنان

سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في منطقة حوش السيد علي الحدودية مع سوريا بشمال شرقي لبنان مما أدى لمقتل شخصين (متداول)
سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في منطقة حوش السيد علي الحدودية مع سوريا بشمال شرقي لبنان مما أدى لمقتل شخصين (متداول)

أعلن الجيش الإسرائيلي الخميس أنه قتل عنصراً مرتبطاً بـ«فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني» في ضربة نفذها في لبنان، متهماً إياه بالتخطيط لشن هجمات ضد الدولة العبرية.

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه نفّذ غارة أسفرت عن مقتل «حسين محمود مرشد الجوهري، وهو من أبرز المخربين المنتمين إلى وحدة العمليات التابعة لفيلق القدس».

وقال إن العملية كانت مشتركة بين الجيش وجهاز «الشاباك».

وقتل شخصان في غارة إسرائيلية استهدفت صباح الخميس سيارة في منطقة حوش السيد علي الحدودية مع سوريا في شمال شرقي لبنان. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية بأن مسيرة إسرائيلية «استهدفت سيارة على طريق حوش السيد علي قضاء الهرمل، وأدت إلى سقوط شهيدين نقلا إلى مستشفى البتول في مدينة الهرمل».

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان مساء الخميس إن المستهدف في الناصرية (حوش السيد علي) هو المدعو حسين محمود مرشد الجوهري، مضيفاً أنه «من أبرز المخربين المنتمين إلى وحدة العمليات التابعة لفيلق القدس الإيراني (840)»، واتهمه الجيش بأنه «دفع خلال الأعوام الأخيرة بعمليات إرهابية ضد دولة إسرائيل في الساحتين السورية واللبنانية».

وأضاف أدرعي: «عمل المدعو حسين تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني، وتورط في العمل الإرهابي ضد دولة إسرائيل وقوات الأمن بتوجيه إيراني».

وقال إن «الوحدة 840» تعتبر «وحدة العمليات التابعة لفيلق القدس، والتي يترأسها أصغر باقري ونائبه محمد رضى أنصاري، الوحدة المسؤولة عن توجيه العمل الإرهابي الإيراني ضد دولة إسرائيل».


الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عنصر بارز بـ«فيلق القدس» الإيراني في غارة على لبنان

دخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية سابقة على جنوب لبنان (أرشيفية-د.ب.أ)
دخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية سابقة على جنوب لبنان (أرشيفية-د.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عنصر بارز بـ«فيلق القدس» الإيراني في غارة على لبنان

دخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية سابقة على جنوب لبنان (أرشيفية-د.ب.أ)
دخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية سابقة على جنوب لبنان (أرشيفية-د.ب.أ)

قال الجيش الإسرائيلي، اليوم الخميس، إنه قتل شخصاً وصفه بأنه عنصر بارز في «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، في غارة على منطقة الناصرية بلبنان.

وذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن الغارة أسفرت عن مقتل حسين الجوهري، الذي قال إنه ينتمي لوحدة العمليات، التابعة لـ«فيلق القدس» الإيراني.

وأشار أدرعي، عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى أن القتيل شارك في عمليات ضد إسرائيل «في الساحتين السورية واللبنانية»، خلال السنوات الأخيرة.

كانت وزارة الصحة اللبنانية قد أفادت، في وقت سابق، بـ«استشهاد مواطنين اثنين» في غارة إسرائيلية على سيارة، في قضاء الهرمل المُحاذي لسوريا. يأتي ذلك في وقت تُواصل فيه إسرائيل شنّ ضربات على لبنان، رغم وقف إطلاق النار المُبرم منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، عقب حربٍ امتدت لأكثر من عام بين الدولة العبرية و«حزب الله». وتقول إسرائيل إن الضربات تستهدف عناصر من الحزب المدعوم من إيران، إضافة إلى منشآت ومواقع تابعة له، وأن هدفها منعه من ترميم قدراته العسكرية بعد الحرب. ومنذ سريان الاتفاق، قُتل أكثر من 340 شخصاً بغارات إسرائيلية في لبنان، وفق بيانات وزارة الصحة. وسبق للدولة العبرية أن أعلنت، في يوليو (تموز) الماضي، أنها قتلت «مُخرّباً كان يعمل في مجال تهريب الأسلحة والدفع بمخططات إرهابية ضد مواطنين إسرائيليين... نيابة عن (فيلق القدس)»، وذلك في ضربة جوية قرب بيروت. وشنّت إسرائيل، في يونيو (حزيران) 2025، هجوماً غير مسبوق على إيران استهدف مواقع عسكرية ونووية، إضافة إلى مناطق سكنية. وأشعل الهجوم حرباً استمرت 12 يوماً، ردّت خلالها إيران بهجمات بطائرات مُسيّرة وصواريخ على إسرائيل. ودخل وقف إطلاق النار بين البلدين حيّز التنفيذ في 24 يونيو.


الجنرال مظلوم عبدي: تم التوصل إلى تفاهم مشترك مع دمشق فيما يخص دمج القوى العسكرية

اجتماع الهيئة الاستشارية لدعم لجنة تفاوض شمال شرقي سوريا مع دمشق في مدينة الطبقة الخميس (نورث برس)
اجتماع الهيئة الاستشارية لدعم لجنة تفاوض شمال شرقي سوريا مع دمشق في مدينة الطبقة الخميس (نورث برس)
TT

الجنرال مظلوم عبدي: تم التوصل إلى تفاهم مشترك مع دمشق فيما يخص دمج القوى العسكرية

اجتماع الهيئة الاستشارية لدعم لجنة تفاوض شمال شرقي سوريا مع دمشق في مدينة الطبقة الخميس (نورث برس)
اجتماع الهيئة الاستشارية لدعم لجنة تفاوض شمال شرقي سوريا مع دمشق في مدينة الطبقة الخميس (نورث برس)

أعلن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، مظلوم عبدي، التوصل إلى تفاهم مشترك مع الحكومة السورية، بشأن دمج القوى العسكرية بما يتماشى مع ما وصفه بالمصلحة العامة، مؤكداً أن عدداً من القضايا السياسية والدستورية ما زال يحتاج إلى وقت وحوارات أعمق.

وفي كلمة مصورة ألقاها خلال مشاركته في اجتماع الهيئة الاستشارية للجنة تفاوض الإدارة الذاتية مع دمشق، المنعقد في مدينة الطبقة، قال عبدي: «هناك تقدم في تشكيل رؤية مشتركة مع دمشق بخصوص المعابر والحدود والثروات الباطنية لكل السوريين»، مؤكداً أن الثروات الباطنية هي ملك لجميع السوريين، وليست حكراً على جهة بعينها.

ونقل موقع تلفزيون سوريا، الخميس، عن عبدي قول: «إن الاجتماع ناقش آخر المستجدات السياسية على الساحة السورية، إضافة إلى اتفاقية 10 مارس (آذار)، مشيراً إلى وجود تقارب في الآراء حول ملفات أساسية». وأضاف أن شكل النظام السياسي في سوريا، وآليات التشاركية بين المكونات، يعدان من الركائز الأساسية لأي حل، لافتاً إلى أن ذلك يتطلب حوارات أعمق للوصول إلى دستور يعكس تطلعات السوريين كافة.

وبيّن قائد «قسد» أن هناك أموراً دستورية تحتاج إلى وقت للوصول إلى حل يشمل كل سوريا، مشيراً إلى أنه «نرى بأن الحل في سوريا يجب أن يكون لا مركزياً، ونريد أن يدير أبناء مناطق شمال وشرق سوريا مناطقهم ضمن إطار دستوري»، معرباً عن أمله في التوصل خلال الفترة المقبلة إلى اتفاقات شاملة حول القضايا العالقة.

وأشار إلى أن بعض الملفات الدستورية لا تزال قيد النقاش، وأن الوصول إلى حل يشمل كامل الجغرافيا السورية يتطلب وقتاً وتوافقاً وطنياً أوسع، وفق قناة «روجافا» الرسمية التابعة «للإدارة الذاتية».

ويتضمن الاتفاق الموقع في 10 مارس (آذار) الماضي بين الرئيس السوري أحمد الشرع ومظلوم عبدي، دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة وحماية حقوق جميع السوريين، مع الالتزام بعدم الانقسام وإنهاء الخلافات قبل نهاية العام الحالي.

ونقلت صحيفة «الوطن» السورية، الخميس، عن مصدر بالحكومة نفيه الأنباء عن قرب التوصل إلى اتفاق عسكري بين الحكومة السورية و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد).

وشدد المصدر على أن الاتصالات مع «قسد» متوقفة حالياً، وأن الحكومة تدرس رد «قوات سوريا الديمقراطية» على مقترح من وزارة الدفاع السورية.