بلوحاتها، تُوثّق مختلف مراحل عمرها؛ ترصد تبدُّل مشاعرها وتطوّرها. فتارة تستدعي الفنانة المصرية شيماء كامل الماضي بملامحه الجميلة وذكرياته المستقرّة في الذهن، مثل مراتع الطفولة، ودفء البيوت وحكايات الجدّات في الجنوب، وتارة أخرى تُعبّر في أعمالها عن الحاضر بكل ما يحمله من أنماط جمالية وإنسانية. وفي أثناء ذلك، تُقدّم حزمة متنوّعة من العناصر الفنّية والأساليب المتناغمة مع الواقع والخيال معاً.
وفي معرضها الفردي الجديد بعنوان: «تسجيل»، في غاليري «أركيد» بحيّ المعادي الهادئ (جنوب القاهرة)، تُقدّم الفنانة المصرية 45 عملاً تناولت من خلالها كثيراً من الأفكار والرؤى والمشاعر المتعلّقة بتحوّلات اجتماعية مختلفة، والتي تتلاقى في كونها سجلاً مرئياً لحياتها: «الرسم مثل مذكراتي الشخصية؛ أعدُّه عملية توثيق لتجارب الفنان وحواديته مثل الأديب الذي يوثّق حياته ورؤاه بالقلم».

ربما يكون عنوان المعرض - «تسجيل» - صادماً أو مغايراً لحقيقة أنّ الفنّ لا يمكن اختزاله في التسجيل؛ ولذلك هي كلمة مرفوضة من جانب المبدعين دوماً، وإنما بالنسبة إلى شيماء كامل، فالأمر مختلف، وفق ما توضح لـ«الشرق الأوسط»: «أُرحّب بهذه الكلمة؛ لأنها لا تعني بالنسبة إليّ النقل الحرفي، وإنما تعبّر عن إحساسي بالفنّ؛ فكل قطعة من أعمالي تحمل مشاعر وأفكاراً وذكريات خاصة عشتُها».

وتُضيف: «إنها لحظات من الصراع والتغيُّر والتبدُّل؛ فالرسم عندي ليس مجرّد عملية إبداعية، إنما عملية حفظ اللحظات والمشاعر التي من الممكن أن تضيع مع الوقت، فتوثّقها لوحاتي قبل هذا الضياع».
ولا تهتم الفنانة بالأسماء: «لا يعنيني عنوان المعرض أو أسماء اللوحات؛ فثمة كلمات مطاطية لا تدل على شيء. ما أهتم به هو اشتباك المتلقّي مع الأعمال عينها، ومع تجربتي التي أقدّمها إليه».
تصف تلك التجربة، كما رصدتها في المعرض: «يتضمّن لوحات من مجموعات رسمتُها منذ عام 2007 حتى 2025، ولم تُعرَض من قبل». وتتابع: «كنت أرسم وأرسم، وأترك بعض اللوحات جانباً؛ لأنني أرى أنه لم يحن الأوان لعرضها ولتفاعلها مع الجمهور. مرَّت السنوات، واكتشفتُ عدداً كبيراً من الأعمال وحيدة في المرسم؛ أتطلّع إليها من حين إلى آخر».

وفي لحظةٍ ما، شعرت شيماء برغبتها في فحصها وتأمّلها، فإذا بها تكتشف عناصر متشابهة بين الأعمال، رغم أنها رسمتها على مدى سنوات طويلة، فاستكملتها ووضعت اللمسات الأخيرة عليها بعدما شعرت أخيراً بأنّ اللحظة المُنتَظرة لعرضها قد حانت، وفق قولها. وتُضيف: «شعرتُ أنّ هناك شيئاً يُناديني لاستخراجها والانتهاء من أي أعمال لم أكن قدّمتها بعدُ في صورتها النهائية».
تتزاحم على المسطح المَشاهد والوجوه بانفعالات متباينة، وتختلف ردات فعلها بين كثير من اللوحات، وحتى ضمن اللوحة الواحدة؛ لتقدّم مجموعة كبيرة من الحالات التي يمكن أن يمرّ بها الناس: «العلاقات البشرية من الأشياء المهمّة بالنسبة إلى الفنان، يميل دائماً لتوثيقها، سواء كانت لها علاقة به مباشرة، أو لها علاقة بأشخاص آخرين حوله. من جهتي، يستهويني تجسيد الناس، خصوصاً من خلال البورتريهات؛ حيث الانفعالات والإيماءات والأسرار التي تبوح بها النظرات».

لا تعتمد الفنانة على التوثيق الدقيق الحرفي لذكرياتها كما تفعل الصورة الضوئية، وإنما تُقارب ذلك لخلق فضاء إبداعي يدلّ على دواخلها، ويحمل أفكاراً هائمة عنها. ووسط ذلك كله، تنبعث طاقة من الدفء من داخل اللوحات يمكن إرجاعها إلى استخدامها أسلوب الحكي المرئي الذي استلهمته من حكايات الجدّة في الصعيد: «عندما كنت أزور جدّتي، كانت تحتضنني بمشاعرها الفياضة وحكاياتها المشوقة التي تمزج الواقع بالخيال، والأساطير بالقصص الشعبية المتوارثة عبر آلاف السنوات».
تضع شيماء كامل المتلقّي أمام رؤيتها التي تريد بثّها في وجدانه؛ وهي رؤية استخلصتها من اتجاهات تشكيلية عدة، تتبدّى فيها الصور الجمالية في أشكال مُفعمة بالحركة، والدلالات الفنّية المتنوّعة، مُستخدمةً الأبيض والأسود في كثير من اللوحات؛ مما يؤكد الإحساس باستعادة الذكريات، ويعزّز من ذلك أيضاً استخدامها للألوان الأكريلك الهادئة التي تضع المتلقّي في حالة تفاعل مع مشاعرها وتجربتها الفنّية.