«لطالما ظننت أن الطريق إلى البيت أجمل من الوصول إليه؛ بيد أنني عدت إلى نفسي وبيتي وذكرياتي». بهذه الكلمات تقدّم الرسامة ميسم هندي لمعرضها «في الطريق إلى البيت». وتنقل في لوحاتها مشاهد من حياتها الشخصية. فيحضر في أعمالها الأخ، والأب، والجدّة، والجارة كما الابنة، فتعبر ما بين العتمة والضوء على طريق كانت تسلكه ما بين المدينة وبيتها البعيد.

وتروي بلوحاتها الصراع الذي كانت تعيشه على طريق العودة وخوفها من الظلمة. فأدرجت ألوان الأكليريك الداكنة والفاتحة لتُترجم مشاعرها تلك. واكتشفت بأنها تفسّر العتمة بالضوء.
تقول ميسم هندي لـ«الشرق الأوسط»: «غالباً ما أتناول في رسماتي علاقة الإنسان بالمكان. وهنا أحكي عن العودة إلى البيت عبر طريق نخاف ألا تنتهي. وفي ظل حال بلادنا المضطربة تُصبح الطريقة موحشة، فتغمرنا مشاعر الالتقاء بالمكان الآمن ألا وهو البيت. ونحن نتّجه نحوه تراودنا صور ممتعة، فتزيد من ارتباطنا الوثيق بكل ما يتضمنه بالشكل والروح».
تُطالعك عند مدخل المعرض في غاليري «مرفأ» وسط بيروت، لوحة لسيدة تُوحي لك بالألفة. فهي تستريح على كنبة بكامل أناقتها أثناء استقبالها لزائريها. ونُدرك ذلك من خلال أطباق ترفع عليها الشوكة والسكين معلنة انتهاء الزيارة.

وتوضح ميسم هندي في سياق حديثها: «إنها الجارة التي تسكن بجوارنا، وهي واحدة من الشخصيات المزروعة في يومياتي. تماماً كما أخرى لجدَّتي نُشاهدها بين لوحات المعرض». وترسم جدّتها تدخّن سيجارة على خلفية حائط من الحجر الأصفر يحمل صورة الجدّة.
وفي صورة أخرى تأخذنا ميسم إلى مشاهد مشبّعة بالطفولة، فتلفتنا مدينة الملاهي حيث تركب فتاة صغيرة الحصان الكهربائي. وفي أخرى نُشاهد رجلاً يحضن طفلة رضيعة. «إنه شقيقي يحمل ابنتي عندما كانت طفلة. وهي اليوم كبرت وتركض بيننا في صالة المعرض. إنها ذكرياتي الخاصة، ونلاحظ فيها لعبة الضوء والعتمة بشكل لافت».
تكمل «الشرق الأوسط» جولتها مع الرسامة لتتوقف أمام لوحة زاهية بالأحمر والأخضر. تبادر بالقول: «إنها تمثّل جدّي أثناء عمله في الحديقة. وبين شتول الزهور تقف ابنتي بجواره».

وفي لوحة ثالثة يغمرها الأخضر وتصوّر امرأة مستلقية على كنبة. تبهرك ريشة ميسم هندي الأنيقة، المشرفة على أدق التفاصيل بلعبة ضوء وظلمة ممتعة للنظر.
«في هذه اللوحة عملتُ على إبراز التناقض بين الحالتين. فشدَّدت على إبراز نقطة العتمة المستحيلة مقابل الضوء المستحيل. فأخذت بعين الاعتبار كل ما يتفرَّع من هذه الحالات. الموت، والحياة، والحزن، والفرح، والنور، والظلمة وغيرها. وكل هذه الشخصيات تمثّل أحلاماً واقعية».
الطريق التي ترسمها ميسم هندي بصعوبتها وسهولتها تنقل فيها أحاسيسها. «في كل مرة نسلك طريقاً ما تتغيَّر حسب تبدلاتنا. أحياناً نراها جميلة وأحياناً أخرى طويلة وصعبة».
يخيّل لمشاهد بعض لوحات ميسم هندي أنها تصوِّر أماكن في القرية. بيد أنها تشرح: «ليس ضرورياً أن يقع البيت في القرية. ولكن عندما نتوجّه إلى المدينة لنكتشف الحياة فيها، فجأة تُصبح موحشة، ونعود لا شعورياً، أدراجنا إلى الجذور».
خليط بين الحلم والحقيقة، البراءة وأثقال العمر، الشرفة والحديقة، تقطعه ميسم هندي بلوحتين رومانسيتين، وتسير فيها شخصياتها بطريق مجهولة. إحداها تصوّر فتاة تجلس على حافة مرتفعة، وثانية اختار فيها شاب حافة مظللة بشجر السرو ليتّخذ قراره المناسب. وتفسِّر ميسم أن العلاقات العاطفية وطرقاتها تتبدَّل، ويبقى مصيرها غير معلوم منذ اللحظات الأولى لولادتها».

تنبض لوحات ميسم هندي بالحياة. تركن مرة إلى سهرة دافئة على نار المشاوي. ومرة أخرى تحكي عن شاب يروي حديقته المزهرة. فيما نجد في رسوم أخرى شبح الوحدة يخيِّم عليها. ونراها تُبرز طيف امرأة خلف نافذة معتمة، وفتاة تجلس على كرسي خيزران في مقهى فارغ. في حين تقبع فتاة على زاوية سريرها تتكئ على همومها.





