مكالمة ترمب-السيسي... هل تخفف التباينات المصرية-الأميركية؟

مشروع إعادة إعمار غزة ما زال يصطدم بعقبة «التهجير»

دونالد ترمب خلال لقاء عبد الفتاح السيسي على هامش «الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة» في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
دونالد ترمب خلال لقاء عبد الفتاح السيسي على هامش «الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة» في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
TT

مكالمة ترمب-السيسي... هل تخفف التباينات المصرية-الأميركية؟

دونالد ترمب خلال لقاء عبد الفتاح السيسي على هامش «الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة» في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
دونالد ترمب خلال لقاء عبد الفتاح السيسي على هامش «الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة» في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)

في وقت تشهد فيه المواقف المصرية-الأميركية تبايناً بشأن التعامل مع حرب غزة، رأى خبراء أن المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، هي «محاولة من قِبَل واشنطن لتلطيف الأجواء مع القاهرة، على أمل الوصول إلى تفاهمات تساعد في معالجة الأوضاع المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط».

وأعلن ترمب، الثلاثاء، إجراء مكالمة هاتفية وصفها بأنها كانت «جيدة»، مع السيسي. وقال إنه ناقش الوضع في غزة، والحلول الممكنة بشأن الحرب الدائرة. وذكر على منصة «تروث سوشيال» أنه ناقش أيضاً «التقدم العسكري الهائل» المحرز في مواجهة جماعة الحوثي اليمنية.

وبدورها، أصدرت الرئاسة المصرية بياناً عقب ذلك، أوضحت فيه أن الرئيسين تباحثا بشأن سبل تعزيز العلاقات الثنائية، مؤكدين «عمق وقوة العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين البلدين»، وحرصهما على «استمرار هذا التعاون بما يحقق المصالح المشتركة».

ورغم أن البيان المصري تفادى الإشارة إلى الحوثيين صراحة على عكس البيان الأميركي، فإنه أوضح أن «الرئيسين تناولا تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وجهود الوساطة لاستعادة الهدوء للمنطقة، وهو ما ينعكس بصورة إيجابية على الملاحة في البحر الأحمر، ويوقف الخسائر الاقتصادية لكل الأطراف».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المكتب البيضاوي (أ.ف.ب)

وكان لافتاً في تغريدة ترمب وبيان الرئاسة المصرية، عدم تطرقهما إلى تفاصيل الموضوعات التي جرت مناقشتها خلال الاتصال، خصوصاً ما يتعلق بالحلول التي تم بحثها بشأن غزة والقضية الفلسطينية.

وفي وجهة نظر الخبير السياسي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، فإن «كل طرف أشار إلى أولوياته فيما يتعلق بالتوترات في البحر الأحمر، وما يهمه وطريقة تعاطيه مع الأمر، فمصر تهمها حرية الملاحة في البحر الأحمر، لكنها لا تتعاطى مع الأمر عسكرياً، لذلك أشارت إلى حرية الملاحة، أما الولايات المتحدة فيهمها القضاء على جماعة الحوثي، لذلك ركز ترمب على العمليات العسكرية لبلاده ضد الحوثيين».

ورغم تضرر الملاحة في قناة السويس بسبب عمليات القصف التي تقوم بها جماعة الحوثي ضد السفن الغربية، فإن القاهرة ترى ضرورة «القضاء على جميع أسباب التوتر في المنطقة، وأهمها إيقاف الحرب في غزة».

وبدأت الولايات المتحدة عملية عسكرية موسعة الأسبوع الماضي ضد الحوثيين، وقالت وسائل إعلام تابعة للجماعة اليمنية إنها أسفرت عن مقتل العشرات. وذكر ترمب، الاثنين، أن القوات الأميركية «ستواصل هجماتها على الحوثيين حتى إزالة الخطر الذي يمثلونه على الملاحة البحرية».

وقال الشوبكي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاقتضاب في البيان المصري والأميركي، يعكس تبايناً ولا يوحي بتفاؤل كبير، فرغم أن ترمب قدم نوعاً من المرونة ولم يذكر تمسكه بخطة التهجير، فإن الولايات المتحدة، حتى الآن، لم تدعم الخطة المصرية العربية لإعادة إعمار غزة، كما أن هذه الخطة تواجه تحديات التمويل والتنفيذ، ومن ثم يفهم من الاقتضاب، أنه لم يتم التوافق على خطة واضحة من جانب البلدين لوقف الحرب وإعادة الإعمار في غزة، ولم يتم التأكيد أيضاً، على أن ترمب تراجع عن خطته بالكامل، كل هذه الأمور لا تزال محل خلاف وجدل، ولذلك اكتفى الطرفان بالإشارة إلى العنوان الرئيسي فقط فيما يتعلق بغزة».

وقدمت مصر خطة لإعادة إعمار غزة من دون تهجير سكانها، أقرتها القمة العربية الأخيرة، واجتماع استثنائي لـ«منظمة التعاون الإسلامي»، لكن الخطة لم تقنع حتى الآن الإدارة الأميركية.

مصريون بأعلام فلسطين يتظاهرون عقب صلاة عيد الفطر لرفض التهجير (الهيئة العامة للاستعلامات)

وقال عضو مجلس النواب المصري، مصطفى بكري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مكالمة ترمب مع السيسي تأتي في ظل إعلان مصر موقفها الثابت والدائم من القضية الفلسطينية برفض التهجير وضرورة حل الدولتين، ومن المؤكد أن السيسي شدد على تلك الثوابت أيضاً خلال الاتصال».

وأضاف بكري أن «هذه المكالمة جاءت للبحث عن حل شامل لقضية الشرق الأوسط الرئيسية وضرورة وقف إطلاق النار في غزة قبل تفاقم الوضع».

وبشأن حديث مصادر إسرائيلية عن مطالب حكومة نتنياهو من واشنطن التدخل لتفكيك البنية العسكرية المصرية في سيناء، قال بكري إن «إسرائيل اختلقت القصة خلال الساعات الماضية، ومن المؤكد أن الاتصال بين السيسي وترمب تناول هذا الأمر، وأن السيسي أكد التزام مصر الثابت بالسلام وعدم تهديد أحد».

لكن الخبير الاستراتيجي المصري سمير فرج، يرى أنه «موضوع مختلق، والولايات المتحدة تعلم أنه مختلق لأن أقمارها الاصطناعية تراقب المنطقة جيداً، وتعرف كل شيء».

ونوه فرج في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قول ترمب إن المكالمة كانت جيدة للغاية، لا يعني أن هناك اتفاقاً تاماً في وجهات النظر بشأن تلك القضايا، فمن المؤكد أن هناك تباينات، لكن رغم الخلاف في وجهات النظر فالمكالمة تعني أن هناك حواراً بنّاء قد يذيب بعض الخلافات».

وعلى عكس بيان الاتصال الأول بين الرئيسين في أول فبرير (شباط) الماضي، لم يشر البيان المصري الحالي إلى توجيه دعوة زيارة للسيسي إلى واشنطن ولا دعوة لترمب لزيارة مصر.

وكان مصدر مصري مطلع قال لـ«الشرق الأوسط»، قبل أسبوع، إن السيسي «لن يُقدم على خطوة زيارة واشنطن إلا في حال اطمئنان القاهرة للالتزام بالبروتوكول المتعارف عليه، وكذلك حسم موقف الولايات المتحدة من الحرب في غزة، وإعادة إعمار القطاع»، فيما تحدثت مصادر رسمية مصرية وأخرى في «الخارجية الأميركية»، لـ«الشرق الأوسط»، عن أنه «حتى الآن لم يتحدد موعد لتلك الزيارة»، التي قالت الرئاسة المصرية، إن السيسي تلقى دعوة إليها من ترمب، في الاتصال الأول.

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ميريلاند بالولايات المتحدة، الدكتور فرنك مسمار، قال لـ«الشرق الأوسط»: «لا تُمثل المكالمة الهاتفية بين السيسي وترمب تخفيفاً للتوترات المتصاعدة فحسب، بل تحمل أيضاً إمكانية لمستقبل أكثر تعاوناً. يُشير هذا الحوار إلى تحول نحو مشاركة بناءة أكثر، ويُبرز أهمية القنوات الدبلوماسية في تخفيف حدة الصراع».

وأوضح أنه «في حين تُمثل المناقشات بين الزعيمين تطوراً إيجابياً، فإنها تصبح أيضاً جزءاً أساسياً من عملية مستمرة. لا تزال هناك تحديات عدة على طريق السلام والاستقرار الدائمين، واستمرار المشاركات أمرٌ حيوي. للقضاء على تلك التحديات ومنها بناء الثقة بين (حماس) وإسرائيل من أجل وقف دائم لإطلاق النار وحل جذري للقضية الفلسطينية، وكذلك فيما يتعلق بتهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر التي يتضرر منها العالم كله».


مقالات ذات صلة

مقتل طفل وإصابة آخرين جراء انفجار أجسام من مخلّفات إسرائيلية في غزة

المشرق العربي فلسطينيون يسيرون في شارع محاط بمبان دُمّرت خلال العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية بمدينة غزة 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)

مقتل طفل وإصابة آخرين جراء انفجار أجسام من مخلّفات إسرائيلية في غزة

قالت وكالة وفا الفلسطينية إن طفلاً قُتل، وأُصيب عدد من المواطنين بجروح، على أثر انفجار أجسام من مخلّفات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي فلسطينيون يسيرون حاملين أكياس طحين على طول شارع الرشيد في غرب جباليا 17 يونيو 2025 بعد أن دخلت شاحنات مساعدات إنسانية شمال قطاع غزة عبر معبر زيكيم الحدودي الذي تسيطر عليه إسرائيل (أ.ف.ب)

تنديد بمنع إسرائيل منظمات إنسانية من دخول غزة

ندد كثير من المسؤولين في منظمات إنسانية دولية، الخميس، بسعي إسرائيل إلى فرض «سيطرة سياسية» على أنشطتها في غزة، بعد منع 14 منظمة من دخول القطاع.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الولايات المتحدة​ ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب لدى وصوله إلى مبنى المستشارية في برلين (د.ب.أ)

ويتكوف يجتمع مع الوسطاء بشأن اتفاق غزة في ميامي

قال مسؤول في البيت الأبيض إن ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب، سيلتقي، غداً الجمعة، مسؤولين قَطريين ومصريين وأتراكاً في ميامي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصافح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بالقدس 23 أكتوبر 2025 (رويترز) play-circle

عقوبات أميركية على قاضيين إضافيين في «الجنائية الدولية»

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قاضيين إضافيين بالمحكمة الجنائية الدولية، في خطوة دعم لإسرائيل، التي يواجه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مذكرة توقيف.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص فلسطينيون يتسوقون وسط الدمار في خان يونس بجنوب قطاع غزة فبراير الماضي (د.ب.أ)

خاص «أوراق بالية وضرائب على التدخين»... كيف تدفع «حماس» رواتب عناصرها؟

بعد أكثر من شهرين على بدء اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل و«حماس»، استعادت الحركة سيطرتها النسبية في بعض المناطق، لكن كيف تعالج الأزمات الاقتصادية.

«الشرق الأوسط» (غزة)

الأمم المتحدة: 1000 قتيل في مجزرة لـ«الدعم السريع»

 نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)
نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)
TT

الأمم المتحدة: 1000 قتيل في مجزرة لـ«الدعم السريع»

 نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)
نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)

أفاد تقرير للأمم المتحدة، أمس (الخميس)، بأن أكثر من 1000 مدني قُتلوا في هجوم شنّته «قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) الماضي، بمخيم زمزم للنازحين شمال دارفور، تعرض نحو ثلثهم لعمليات إعدام خارج نطاق القانون.

وأشارت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تقريرها إلى «مجازر وعمليات اغتصاب وأعمال عنف جنسي أخرى وتعذيب وخطف» ارتُكبت خلال الهجوم الذي نفذته «قوات الدعم السريع» من 11 إلى 13 أبريل. وأكدت المفوضية «مقتل ما لا يقل عن 1013 مدنياً».

وفي سياق آخر، شنت «قوات الدعم السريع»، أمس، هجوماً واسعاً بعشرات الطائرات المسيّرة، طالت عدداً من المدن في ولاية النيل بشمال السودان، مستهدفة محطة رئيسية لتوليد الكهرباء، مما أدى إلى مقتل شخصين وانقطاع التيار الكهربائي في المدن السودانية الكبرى.

وقال مصدر عسكري وشهود إن الهجوم تم بنحو 35 مسيّرة على مدن عطبرة والدامر وبربر في ولاية النيل، وألحق أضراراً بالغة بمحولات كهربائية في محطة المقرن في عطبرة نتج عنها إظلام تام في ولايات الخرطوم ونهر النيل والبحر الأحمر.


مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

رسمت مصر «خطوطاً حمراء» بشأن الأزمة في السودان، وحذرت من تجاوزها باعتبارها «تمس الأمن القومي المصري». ولوّحت باتخاذ كافة التدابير التي تكفلها «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين، في خطاب يراه خبراء «الأكثر حدة» منذ اندلاع الحرب في السودان.

وجاء الموقف المصري بالتزامن مع استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي، الخميس، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، حيث أكد السيسي «دعم بلاده الكامل للشعب السوداني في مساعيه لتجاوز المرحلة الدقيقة الراهنة»، وشدد على «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسيادته وأمنه واستقراره»، مؤكداً استعداد بلاده لبذل كل جهد ممكن في هذا السياق، وفق بيان صادر عن المتحدث باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي.

وجددت مصر، في أثناء زيارة البرهان، «تأكيد دعمها الكامل لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخاصة بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان»، وذلك في إطار «توجه الإدارة الأميركية لإحلال السلام، وتجنب التصعيد، وتسوية المنازعات في مختلف أنحاء العالم».

تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك

مع التأكيد على تلك الثوابت، وضعت القاهرة «خطوطاً حمراء» للمرة الأولى في الأزمة السودانية، مؤكدة أنها «لا يمكن أن تسمح بتجاوزها باعتبارها تمس الأمن القومي المصري الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بالأمن القومي السوداني»، وتضمنت المحاذير المصرية «الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، وعدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان».

وقالت الرئاسة المصرية، الخميس، إن «الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، ومنع المساس بهذه المؤسسات، هو خط أحمر آخر».

وأكدت «الحق الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي»، ومن بينها «تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين؛ لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها».

الرئيس المصري خلال محادثات في القاهرة الخميس مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان (الرئاسة المصرية)

وفي مارس (آذار) من عام 2021، وقّعت مصر «اتفاقية للتعاون العسكري مع السودان»، تغطي «مجالات التدريب، وتأمين الحدود، ومواجهة التهديدات المشتركة»، وسبقها «اتفاق للدفاع المشترك» وقّعه البلدان في عام 1976، في مواجهة «التهديدات الخارجية».

عضو «لجنة الدفاع والأمن القومي» في مجلس النواب المصري، اللواء يحيى كدواني، قال إن الأمن القومي المصري يرتبط مباشرة بوحدة الأراضي السودانية، «ومع وجود مؤامرات تهدف إلى تقسيمه، فإن ذلك يستدعي وضع (خطوط حمراء) لعدم تجاوزها، بما يحقق الحفاظ على مقدرات الدولة السودانية، وبما يشكل ضمانة لحماية الأمن القومي المصري».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الموقف المصري بشأن الحفاظ على وحدة وسلامة السودان ثابت وقوي، والقاهرة قادرة على تنفيذ ما تعلن عنه من شعارات ومبادرات لحماية مؤسسات الدولة السودانية»، لافتاً إلى أن استدعاء «اتفاقية الدفاع المشترك» جاء للتأكيد على أن «هناك تنسيقاً مشتركاً بين البلدين في إطار الشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة في السابق بين البلدين».

وذكر بيان الرئاسة المصرية، الخميس، أن «القاهرة تتابع بقلق بالغ استمرار حالة التصعيد والتوتر الشديد الحالية في السودان، وما نجم عن هذه الحالة من مذابح مروعة وانتهاكات سافرة لأبسط قواعد حقوق الإنسان في حق المدنيين السودانيين، خاصة في الفاشر»، كما أكدت «رفضها القاطع لإنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها، باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه».

أما عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، فأكد أن التنسيق المصري - السوداني في مجابهة تهديدات تقسيم البلاد يأتي في إطار حماية الأمن القومي المصري والسوداني والعربي، خاصة أن البلدين ضمن «مجلس الدول المتشاطئة على البحر الأحمر»، وهو لديه أدوار رئيسية تتمثل في «الدفاع والتنمية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الموقف المصري يأتي في إطار مبادرة «الرباعية الدولية»، والمبادرة التي طرحها ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، في أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة، موضحاً أن «القاهرة تدعم تنفيذ (خريطة طريق) تبدأ بهدنة تستمر ثلاثة أشهر، ودمج (قوات الدعم السريع) في الجيش السوداني، مع الحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية السودانية».

ووفقاً لبيان الرئاسة المصرية، أكدت القاهرة «حرصها الكامل على استمرار العمل في إطار (الرباعية الدولية)، بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية، تقود إلى وقف لإطلاق النار، يتضمن إنشاء ملاذات وممرات إنسانية آمنة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين السودانيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية».

وطرحت «الرباعية»، التي تضم دول (المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة الأميركية) في أغسطس (آب) الماضي، «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر».

جانب من اجتماع سابق لـ«الرباعية» في نيويورك (الخارجية المصرية)

وتأتي زيارة البرهان إلى مصر بعد أخرى قام بها إلى المملكة العربية السعودية، الاثنين الماضي، وأكد في ختام زيارته حينها «حرص السودان على العمل مع ترمب ووزير خارجيته، ماركو روبيو، ومبعوثه للسلام في السودان، مسعد بولس، في جهود تحقيق السلام ووقف الحرب».

وأكدت مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أماني الطويل، أن «مصر وضعت خطوطاً حمراء لأول مرة في الملف السوداني، وموقفها الأخير هو الأكثر حدة منذ اندلاع الحرب، وهو يتماهى مع الموقفين السعودي والأميركي بشأن الحفاظ على وحدة السودان، وضرورة وقف الحرب، ورفض الكيانات الموازية، والحفاظ على مؤسسات الدولة».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «نستطيع القول إن هناك توافقاً سعودياً - مصرياً على المواقف القوية بشأن وحدة السودان، ما يبرهن على أن الاتجاه السائد الآن هو بلورة مبادرة لوقف إطلاق النار وإقرار هدنة إنسانية»، لكنها شددت أيضاً على أن «المسألة الأكثر تعقيداً تتعلق بالحلول السياسية في ظل التعامل مع أطراف سودانية لا تقبل بعضها، ومن الممكن أن يأتي إعلان مبادئ (نيروبي) مقدمةً لهذا السياق».

ووقَّعت القوى السياسية والمدنية في «تحالف صمود» السوداني، بالعاصمة الكينية نيروبي، الثلاثاء، على إعلان مبادئ مشترك مع حركة «جيش تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد النور، وحزب «البعث العربي الاشتراكي» (الأصل) لوقف الحرب في السودان، ويُعد هذا أول تقارب يجمع غالبية الأطراف السودانية المناهضة للحرب.

وأكد متحدث الرئاسة المصرية، الخميس، أن محادثات السيسي والبرهان «تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية، بما يجسّد تطلعات الشعبين نحو تحقيق التكامل والتنمية المتبادلة، وتطرقت كذلك إلى مستجدات الأوضاع الميدانية في السودان».


«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
TT

«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)

طرحت الزيارة التي أجراها قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، لمقر القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي في مدينة بنغازي، أسئلة كثيرة، وسط إشارات إلى «خريطة تحالفات جديدة» تتعلق بموازين القوى.

واستقبل حفتر مساء الأربعاء، في بنغازي (شرق)، قائد الجيش الباكستاني، يرافقه وفد عسكري رفيع المستوى، في إطار زيارة رسمية إلى ليبيا لعقد سلسلة من الاجتماعات ذات الاهتمام المشترك. وقال مكتب القيادة العامة إن زيارة الوفد الباكستاني تأتي في إطار «تعزيز الروابط الثنائية بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات»، حيث أكد الطرفان عمق العلاقات التاريخية الليبية - الباكستانية، وأهمية المضي قدماً في تطويرها، بما يخدم المصالح المشتركة بين الجانبين.

قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير في زيارة لبنغازي الأربعاء (القيادة العامة)

وعدّ المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط، زيارة الوفد الباكستاني «غير عادية»، ورأى أنها «تمثل نقلة نوعية مرتبطة برؤية القيادة العامة 2030 في تطوير قدرات القوات المسلحة الليبية، التي لم تعد رهينة الاعتماد على دولة واحدة للتسلّح منها بلا آفاق وأبواب جديدة».

وأضاف قشوط في إدراج له عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن التعاون مع الجيش الباكستاني «سيضيف إلى قواتنا المسلحة كثيراً»، وعدّه «حليفاً استراتيجياً سيكون بمنزلة ردع لأي تهديدات مستقبلية».

وأُقيمت مراسم استقبال رسمية للوفد الباكستاني، وكان في مقدمة مستقبليه، نائب القائد العام الفريق أول صدام حفتر، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، الفريق أول خالد حفتر، إلى جانب عدد من رؤساء الأركان بالقوات المسلحة.

وينظر الباحث في الشأن الليبي، محمد تنتوش، إلى زيارة الوفد العسكري الباكستاني لبنغازي على أنها «فشل دبلوماسي لحكومة (الوحدة)؛ ورئاسة الأركان في المنطقة الغربية»، وأرجع ذلك إلى أنها «لم تصنع علاقة بذات المستوى مع باكستان». وذهب تنتوش إلى أن «كل قوة وتطور في عمل معسكر الرجمة هو عامل إضافي، قد يُمكِّنها من السيطرة على كامل ليبيا، أو على الأقل يشجعها على ذلك».

كانت القيادة العامة قد مهّدت لقدوم الوفد الباكستاني بزيارة أجراها صدام حفتر إلى إسلام آباد في يوليو (تموز) الماضي، التقى خلالها شخصيات باكستانية عديدة، من بينهم رئيس الوزراء محمد شهباز شريف، ورئيس أركان البحرية الأدميرال نويد أشرف، وذلك ضمن زيارته الرسمية للبلاد.

ويرى محللون أن الزيارة، التي بحثت تعزيز التعاون العسكري وتبادل الخبرات، جاءت في توقيت تتصاعد فيه التحركات الإقليمية، وإعادة رسم خرائط النفوذ العسكري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كان تعديل دستوري أقرته باكستان مؤخراً، قد عزز من نفوذ منير، بمنحه أدواراً إضافية وحصانة مدى الحياة، في خطوة عدّها محللون ترسيخاً لمكانة قائد الجيش في موقع «الرجل الأقوى في البلاد».

وسبق أن قال موقع «إنسايد أوفر» الإيطالي، إن حفتر «لم يعد مكتفياً بالتحالف مع موسكو لتحقيق أهدافه في ليبيا؛ بل بات يناور بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة، ويخلق توازناً في منطقة مضطربة». فيما يرى متابعون أن زيارة الوفد العسكري الباكستاني تحمل رسائل عدة تشير إلى انفتاح شرق ليبيا على تعاون عسكري أوسع مع قوى مؤثرة خارج الإطار التقليدي.

حفتر ومنير يستعرضان قطعة سلاح الأربعاء (القيادة العامة)

كان حفتر قد التقى في مايو (أيار) الماضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة موسكو، كما التقى أيضاً وزير الدفاع أندريه بيلوسوف، وسكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو.

ويفرض مجلس الأمن الدولي منذ إسقاط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، حظراً على السلاح. فيما جدد مؤخراً تفويضه بتفتيش السفن المتجهة من وإلى السواحل الليبية لمدة ستة أشهر. وينصّ قرار مجلس الأمن، الذي صُوّت عليه في نيويورك بتمديد مهمة العملية البحرية الأوروبية «إيريني»، على ضرورة توافر «أسباب معقولة» للاشتباه قبل الشروع في تفتيش السفن.