ترقب وحذر في الجالية الفرنسية بالجزائر بسبب التوترات الدبلوماسية

في ظل انقسام داخل الطيف الحاكم في باريس حيال التعامل مع المستعمرة السابقة

أعضاء في شركات فرنسية عاملة في الجزائر (متداولة)
أعضاء في شركات فرنسية عاملة في الجزائر (متداولة)
TT
20

ترقب وحذر في الجالية الفرنسية بالجزائر بسبب التوترات الدبلوماسية

أعضاء في شركات فرنسية عاملة في الجزائر (متداولة)
أعضاء في شركات فرنسية عاملة في الجزائر (متداولة)

تُبدي الجالية الفرنسية في الجزائر، التي يتجاوز تعداد أعضائها 2000 شخص، غالبيتهم من الكوادر في الشركات الخاصة، مخاوف من تأثير التوترات الدبلوماسية الحالية بين البلدين على مصالحهم. ويحدوهم أمل في وقف تدهور العلاقات الثنائية بمناسبة استئناف الحوار بين كبار المسؤولين في البلدين.

وأكد ميشال بيساك، رئيس «غرفة التجارة والصناعة الجزائرية الفرنسية»، في تصريحات للموقع الإخباري الفرنكفوني «كل شيء عن الجزائر»، أن الفرنسيين المقيمين في الجزائر العاملين في الشركات، أو الناشطين في مجال المال والأعمال، «موضع ترحيب دائم من طرف شركائهم الجزائريين»، مشيراً إلى أن «المشكلة سياسية بالأساس»، في محاولة للتقليل من خطورة التصعيد بين البلدين، واحتمال تأثيره على مناصب العمل، واستثمارات الجالية الفرنسية في الجزائر.

وتُفيد تقارير صحافية فرنسية بأن أرباب العمل وأصحاب الشركات الفرنسية الموجودين في الجزائر، «يخشون على مصيرهم» بسبب استمرار الأزمة التي اندلعت في يوليو (تموز) 2024، إثر استياء الجزائر من انحياز باريس للحل المغربي بشأن الصحراء.

وزير خارجية فرنسا في زيارة إلى الجزائر نهاية 2024 (الرئاسة الجزائرية)
وزير خارجية فرنسا في زيارة إلى الجزائر نهاية 2024 (الرئاسة الجزائرية)

وبلغت المبادلات التجارية بين البلدين 11.8 مليار يورو عام 2023، وهو رقم يعكس أهمية الشراكة الاقتصادية بين البلدين. ورغم هذا، تُشير التقارير إلى تراجع طفيف في هذا الرقم خلال 2024، خصوصاً بعد أن توقفت الجزائر عن استيراد القمح الفرنسي بسبب التوترات السياسية.

وقال بيساك بهذا الخصوص: «لقد حققت غالبية الشركات الفرنسية أداءً متميزاً في عام 2024، لكن التصعيد اللفظي بين العاصمتين يُثير المخاوف». وأضاف: «الشركات الفرنسية الموجودة في الجزائر لا تواجه أي إجراءات انتقامية رسمية. أما الصعوبات الإدارية، خصوصاً فيما يتعلَّق بالاستيراد، فهي تؤثر على جميع المستثمرين الأجانب، ولا تستهدف فرنسا بشكل خاص»، مؤكداً أنه «لا وجود لحملة ضد فرنسا حتى الآن رغم الوضع المتوتر؛ حيث تظل العلاقات المهنية قوية، ويستمر المغتربون في العمل في بيئة مستقرة. ومع ذلك، يُثير شبح التصعيد المستمر القلق، وإذا استمر تدهور العلاقات السياسية، فقد يتأثر الاقتصاد، ما يُهدد سنوات من التعاون الفرنسي الجزائري».

وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو (رويترز)
وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو (رويترز)

وتكشف إدارة الأزمة في فرنسا، عن انقسامات داخل الحكومة... ففي حين يتبنَّى وزير الداخلية برونو ريتايو موقفاً صارماً تجاه الجزائر، ويظهر حرصاً على «لي ذراعها» في «قضية ترحيل المهاجرين الجزائريين المتهمين بتهديد أمن الفرنسيين»، يسعى زميله في وزارة الخارجية، جان نويل بارو، إلى تهدئة الأوضاع عبر اقتراح زيارة رسمية ستتم في 11 أبريل (نيسان)؛ حيث يُنتظر أن يبحث مع نظيره أحمد عطاف مخرجاً من الأزمة، كما سيستقبله الرئيس عبد المجيد تبون.

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (د.ب.أ)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (د.ب.أ)

وأظهر الجزائريون في الأيام الماضية استعداداً للحوار، لكن الصحافة المحلية لم توقف هجماتها على «رموز اليمين الفرنسي المتنفذين في الحكم»، في إشارة إلى ريتايو، المرشح لانتخابات رئاسة حزب «الجمهوريون» (يمين تقليدي)، الذي يحرض على إلغاء اتفاق الهجرة المبرم مع الجزائر عام 1968. كما أن مسعى إصدار قانون يجرم الاستعمار الفرنسي من طرف البرلمان الجزائري يسير بسرعة، وهو أحد أشكال الرد على «استفزازات فرنسا» في الأزمة الحالية، وفق النواب الجزائريين الذين ينتمون إلى أحزاب التيارين الإسلامي والمحافظ. ويتوقع مراقبون التخلي عن هذه الخطوة عندما يتم ترسيم الانفراجة في العلاقات.

وفي الأسبوع الماضي، بثَّت القناة التلفزيونية العامة «فرنس 2» استطلاعاً حول مصير الشركات الفرنسية العاملة في الجزائر، وأشارت إلى قلق مدير مصنع فرنسي في مارسيليا بالجنوب الفرنسي، باتريك بوخبزة، من التوترات الدبلوماسية بين البلدين. وأوضح بوخبزة، الذي يقوم منذ ثلاثين عاماً بتصدير مكيفات هواء ضخمة إلى الجزائر، أن الشركات الجزائرية هي عميل المصنع الوحيد، وقد بلغت قيمة التصدير 14 مليون يورو في عام 2024. وأشار إلى أن عملاء الشركة في الجزائر يخشون أن تؤثر التوترات السياسية الحالية على أعمالهم.

وأوضح بوخبزة: «العملاء يسألونني: هل ستتمكن من توصيل الشحنات لنا؟»، ويواجه المدير صعوبة في طمأنتهم، حسبه، مشيراً إلى أنه «إذا حدثت مقاطعة كاملة من الجانبين فإن عدداً من الشركات الفرنسية ستخسر كثيراً».

وتُفيد تقارير «فرنس 2» بأن البلدين تربطهما علاقات اقتصادية وثيقة؛ حيث تعد الجزائر ثاني أكبر وجهة للصادرات الفرنسية في القارة الأفريقية. وبالمجمل، تعمل 6 آلاف شركة فرنسية مع الجزائر؛ حيث بلغت قيمة صادراتها في عام 2024 نحو 4.8 مليار يورو.

اجتماع سابق لأطر «ميديف» الفرنسي ومجلس التجديد الاقتصادي الجزائري في مايو 2022 (منظمة أرباب العمل الجزائرية)
اجتماع سابق لأطر «ميديف» الفرنسي ومجلس التجديد الاقتصادي الجزائري في مايو 2022 (منظمة أرباب العمل الجزائرية)

وفي نهاية 2024، أكدت مصادر اقتصادية جزائرية أن صادرات فرنسا من القمح إلى الجزائر، شهدت عراقيل كبيرة منذ يوليو (تموز) من العام ذاته، أي في الشهر الذي سحبت خلاله الجزائر سفيرها من باريس احتجاجاً على دعمها خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء.

وكانت الجزائر تستورد ما بين مليونين و6 ملايين طن من القمح الفرنسي كل عام، ما جعلها من أكبر زبائن فرنسا. غير أن الكميات المستوردة انخفضت بشكل ملحوظ حتى قبل انفجار التوترات الحالية، لتصل إلى نحو 1.8 مليون طن في موسمي 2021-2022 و2022-2023، ثم إلى 1.6 مليون طن في موسم 2023-2024.


مقالات ذات صلة

شمال افريقيا صوفيا بن لمان مع المحامي فريدريك ليلارد (أ.ف.ب)

السجن مع وقف التنفيذ لمؤثرة فرنسية-جزائرية

حُكم على مؤثرة فرنسية-جزائرية في مدينة ليون (وسط شرقي فرنسا) بالسجن 9 أشهر مع وقف التنفيذ، بتهمة توجيه تهديدات بالقتل لمعارضين للنظام الجزائري.

«الشرق الأوسط» (ليون (فرنسا))
آسيا جنود من كوريا الجنوبية بالقرب من الحدود مع كوريا الشمالية (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الكوري الجنوبي يقول إنه أطلق طلقات تحذيرية بعد توغل قوات كوريّة شمالية لفترة وجيزة

تعدّ العلاقات بين بيونغ يانغ وسيول في أدنى مستوياتها منذ سنوات، بعدما أطلقت كوريا الشمالية العام الماضي سلسلة من الصواريخ الباليستية.

«الشرق الأوسط» (سيول)
شمال افريقيا فرنسا والجزائر... وصفحة جديدة في علاقاتهما (أ.ف.ب)

الجزائر وفرنسا لتجاوز تعقيدات الملفات الخلافية بعد إقرار الصلح

يعيب الجزائريون على فرنسا «تماطلاً» في التعاطي مع عشرات الاستنابات القضائية التي تتعلق بتسليم مسؤولين سابقين متهمين بالفساد ومعارضين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الخارجية الفرنسي (أ.ف.ب)

إقرار صلح بين الجزائر وباريس بعد توترات لامست القطيعة

جرى، الأحد، إقرار صلح بين الجزائر وفرنسا، تبعاً لما اتفق عليه تبون وماكرون، خلال اتصال هاتفي، يوم 31 مارس (آذار) الماضي، حيث أكدا «قوة الروابط بين البلدين».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

شراكة جزائرية - تركية تتعزز في الاقتصاد والتعليم والطاقة

اجتماع اللجنة الجزائرية - التركية للتخطيط (الخارجية الجزائرية)
اجتماع اللجنة الجزائرية - التركية للتخطيط (الخارجية الجزائرية)
TT
20

شراكة جزائرية - تركية تتعزز في الاقتصاد والتعليم والطاقة

اجتماع اللجنة الجزائرية - التركية للتخطيط (الخارجية الجزائرية)
اجتماع اللجنة الجزائرية - التركية للتخطيط (الخارجية الجزائرية)

ناقش اجتماع لـ«اللجنة الجزائرية - التركية للتخطيط»، عُقد يوم الاثنين في العاصمة الجزائرية، مشروعات تعاون جارية بين البلدين تخصُّ الحديد والصلب، والنسيج، والطاقة، والأشغال العمومية والزراعة الصحراوية.

وقاد أشغال الاجتماع وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ونظيره التركي هاكان فيدان، وعبَّر عطاف في خطاب عن «ارتياح بلاده لمستوى التجارة البينية»، التي قال إنها حقَّقت أرقاماً «لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقات الثنائية».

وقال إن حجم التجارة البينية بلغ 6 مليارات دولار في عام 2024، «لكننا لا نزالُ نطمحُ لتحقيق المزيد، لأن المطلوب هو بلوغ قيمة 10 مليارات دولار»، مشيداً أيضاً بالمستوى غير المسبوق الذي بلغته الاستثمارات التركية بالجزائر.

كما أشاد عطاف بـ«تقوية الأبعاد الإنسانية» للعلاقات الثنائية في مجالات الثقافة، والتعليم العالي، والبحث العلمي، والصحة وغيرها. وأضاف: «لكننا لا نزالُ نطمحُ لتحقيق المزيد».

وأضاف أن الجزائر: «هي اليوم أول شريك تجاري لتركيا على مستوى القارة الأفريقية. ومن جانبها، فإن تركيا قد اكتسبت عن جدارة واستحقاق مكانَتَها بوصفها أول مُستثمر أجنبي في الجزائر خارج قطاع المحروقات».

وتابع: «الأرقام المُسجَّلة في هذا الإطار مؤهلةٌ للارتفاع والنمو في المستقبل القريب والعاجل»، مشيراً إلى كثير من المشروعات الاستثمارية المشتركة، لا سيما في مجالَي الطاقة، والزراعة الصحراوية، إلى جانب توسيعِ الاستثمارات التركية في ميادين الحديد والصلب والنسيج.

وكان آخر لقاء ثنائي بين فيدان وعطاف قد عُقد في فبراير (شباط) الماضي، على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في جوهانسبرغ. كما شارك عطاف في «منتدى أنطاليا الدبلوماسي»، الذي نظَّمته تركيا في الفترة من 11 إلى 13 أبريل (نيسان) الحالي.

الرئيسان الجزائري والتركي بإسطنبول في مايو 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والتركي بإسطنبول في مايو 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وشكَّلت زيارتا الرئيس رجب طيب إردوغان إلى الجزائر، في فبراير 2018 ويناير (كانون الثاني) 2020، «دفعة جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين»، وفق تعبير وكالة «الأناضول» التركية للأنباء.

وخلال زيارة الرئيس إردوغان إلى الجزائر عام 2020، تقرَّر إنشاء «مجلس للتعاون» رفيع المستوى بين البلدين، وقد عُقد الاجتماع الأول للمجلس يوم 16 مايو (أيار) 2022، بمناسبة زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تركيا، على رأس وفد كبير ضم 9 وزراء، تخللها توقيع 15 اتفاقية وبياناً مشتركاً بين البلدين.