مصر: «تعاطي المخدرات» يطيح بمئات الموظفين... لكن الجدل حولهم مستمر

مطالب برلمانية بتعديل قانوني يتيح للمفصولين فرصة أخرى

إحدى الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بتعديل القانون 73 لسنة 2021 (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية)
إحدى الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بتعديل القانون 73 لسنة 2021 (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية)
TT
20

مصر: «تعاطي المخدرات» يطيح بمئات الموظفين... لكن الجدل حولهم مستمر

إحدى الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بتعديل القانون 73 لسنة 2021 (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية)
إحدى الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بتعديل القانون 73 لسنة 2021 (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية)

فقد محمد كمال، وهو أب لثلاثة أبناء، وظيفته في شركة المياه، في مايو (أيار) من عام 2023، واضطر بعدها للعمل في مهن عديدة لا تمت بصلة لوظيفته الأولى كمتخصص في الحاسب الآلي في فرع الشركة الحكومية. كمال واحد ضمن مئات آخرين في مؤسسات مختلفة فُصلوا على خلفية تطبيق القانون رقم 73 لسنة 2021 الخاص بفصل من يثبت تعاطيه المخدرات، في حين لا يزال القانون مثيراً للجدل، وسط مطالب برلمانية بالتحقيق في ضوابط تطبيقه تارة، وتعديله تارة أخرى.

وتراجعت نسبة تعاطي المخدرات بين الموظفين بعد تطبيق القانون لتصل إلى 1 في المائة حالياً بدلاً من 8 في المائة عام 2019، وفق تصريح صادر عن مدير صندوق مكافحة الإدمان في يناير (كانون الثاني) الماضي.

جهود لمكافحة المخدرات خصوصاً بين الموظفين والسائقين (رئاسة مجلس الوزراء)
جهود لمكافحة المخدرات خصوصاً بين الموظفين والسائقين (رئاسة مجلس الوزراء)

لكن وكيل لجنة القوى العاملة في البرلمان، النائب إيهاب منصور، تقدم بطلب إحاطة إلى مجلس النواب في 18 مارس (آذار) الماضي «مرفقاً بأسماء 150 حالة يتشكك في إجراءات فصلهم»، على حد وصفه، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «بعضهم لم يُقدم عينة للفحص، ورغم ذلك صدرت النتيجة إيجابية، وآخر تظلم على نتيجة العينة وعند إعادتها جاءت سلبية، ورغم ذلك فُصل بناء على نتيجة العينة الأولى».

ويقول الموظف السابق محمد كمال لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يقم بعمل التحليل؛ إذ توفيت والدته في اليوم نفسه الذي حضرت فيه اللجنة للشركة، وقبل أن يتم استدعاؤه لإجراء الفحص، ورغم ذلك خرجت النتيجة إيجابية، بحسب روايته. ويضيف أن تقارير خدمته كلها كانت ممتازة، وفجأة وجد نفسه خارج الشركة، رغم أنه لا يتعاطى المواد المخدرة ولم يجرِ العينة، ولديه تحليل أجراه في معامل وزارة الصحة سلبي، ولديه ما يثبت أن والدته توفيت في نفس اليوم الذي جاءت فيه اللجنة للشركة. وينص القانون على أنه «يعد ثبوت تعمد الامتناع عن إجراء التحليل أثناء الخدمة أو تعمد التهرب منه بغير عذر مقبول، سبباً موجباً لإنهاء الخدمة».

وأشار النائب البرلماني إلى أن «فريقاً ثالثاً من المفصولين قالوا إنهم لم يستطيعوا تقديم العينة بسبب أزمة صحية أو مشاكل في إدرار البول، خصوصاً تحت ضغط عصبي، وعُدّوا ممتنعين عنها وفُصلوا».

وتابع النائب أنه لا يجزم بصحة هذه الوقائع، لكن ما يريده بطلب الإحاطة هو «أن يقدم صندوق الإدمان ما لديه ويرد على هذه الحالات المرفقة بالأسماء، وكلٌّ لديه وجه اعتراضه على الإجراءات أو التشكيك في النتيجة، وذلك من باب رد الحقوق لأصحابها إن وُجدت».

النائب إيهاب منصور (صفحة النائب على «فيسبوك»)
النائب إيهاب منصور (صفحة النائب على «فيسبوك»)

ضمانات في القانون

وقال مدير صندوق مكافحة الإدمان، الدكتور عمرو عثمان، لـ«الشرق الأوسط»، إنه لم يصل إليه طلب الإحاطة المقدم من النائب، وإنه بمجرد وصوله سيرد بالتفصيل على ما جاء فيه بناء على قاعدة البيانات المتوفرة لديهم، والتي فيها كافة التفاصيل الخاصة بكل حالة تم فصلها، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن «القانون وضع ضوابط وضمانات عديدة تضمن حق العامل، منها أن كل لجنة يكون فيها ممثل عن الطب الشرعي، وآخر عن وزارة الصحة، وثالث عن الصندوق».

وينص القانون على إجراء تحليل فجائي للعاملين في الوظائف العامة (الحكومية)، و«يكون التحليل استدلالياً، بالحصول على عينة التحليل من العامل وإجراء التحليل في حضوره، ويتعين عليه الإفصاح قبل إجراء التحليل عن جميع العقاقير التي يتناولها، وفى حالة إيجابية العينة يتم تحريزها وإيقاف العامل بقوة القانون عن العمل لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، أو لحين ورود نتيجة التحليل التوكيدي (خلال 3 أشهر) أيهما أقرب، مع وقف صرف نصف أجره طوال فترة الوقف عن العمل».

د.عمرو عثمان مدير صندوق مكافحة الإدمان (صفحة الصندوق على «فيسبوك»)
د.عمرو عثمان مدير صندوق مكافحة الإدمان (صفحة الصندوق على «فيسبوك»)

وأضاف عثمان أن «هدف القانون حماية أرواح المواطنين، بحيث لا يكون هناك موظف يقود وسيلة نقل عامة ويضر بحياة المواطنين، أو يعمل في مرفق حيوي ويعرض حياة المواطنين للخطر، أو مرفق خدمي فيبتز المواطنين».

وسبق أن قدر مدير صندوق مكافحة الإدمان في يناير من عام 2023 عدد المفصولين بـ1000 موظف، من بين 600 ألف خضعوا للفحوصات، في الفترة بين 2019 و2022، مشيراً آنذاك إلى أن 17 ألف موظف تقدموا بطلب العلاج طواعية، خوفاً من تطبيق قانون الفصل عليهم، وللحفاظ على وظائفهم.

وحدّث عثمان الأرقام مع «الشرق الأوسط»، قائلاً إنهم أجروا الفحوصات حتى الآن لمليون و300 ألف موظف، وتراجعت نسبة التعاطي بينهم إلى 1 في المائة بعدما كانت 8 في المائة.

جدل «معاقبة الأسر»

لا يعد طلب الإحاطة هو التحرك البرلماني الأول بخصوص القانون؛ إذ سبق أن تقدمت النائبة إحسان شوقي، في مايو الماضي، بسؤال إلى صندوق مكافحة الإدمان عن عدد الموظفين الذين تم فصلهم تمهيداً للتقدم بطلب لتعديل القانون، قائلة إنه «مع يقيننا الكامل بأهمية فرض عقوبة رادعة على الموظف متعاطي المخدرات، إلا أن تفعيل نصوص القانون أدى إلى اكتشاف عدد من الثغرات التي من شأنها عدم منح أي فرصة لعودة الموظف (...) ما تسبب في انهيار عدد كبير من الأسر»، معتبرة أن القانون «جاء عقابياً وليس لتقويم الموظف».

الرؤية نفسها يتبناها النائب عاطف مغاوري الذي أشار في تصريحات تلفزيونية، في مايو الماضي، إلى الوصم الذي يتعرض له المتضررون من القانون وأسرهم، «حتى إذا قرر هذا الموظف العلاج، فلن ينجح في العثور على وظيفة في أي مكان آخر لصدور قرار الفصل مسبباً بتعاطيه المخدرات».

وسبق أن نظم العشرات من المفصولين عدة وقفات احتجاجية، آخرها في يونيو (حزيران) الماضي أمام نقابة الصحافيين اعتراضاً على فصلهم، كما نظم حزب المحافظين مؤتمراً في أبريل (نيسان) الماضي، وآخر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، للمطالبة بتعديل القانون.


مقالات ذات صلة

مصر: 4 أفلام تحجز مواقعها مبكراً في سباق موسم «الصيف»

يوميات الشرق كريم عبد العزيز وإياد نصار بأحد مشاهد فيلم «المشروع x» (الشركة المنتجة)

مصر: 4 أفلام تحجز مواقعها مبكراً في سباق موسم «الصيف»

أعلنت شركات إنتاج مصرية عن مواعيد طرح أحدث أفلامها في موسم عيد الأضحى والصيف، ومن أبرزها فيلم «المشروع x» للنجم كريم عبد العزيز.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق أحد الأفلام المشاركة في مهرجان أسوان لأفلام المرأة (إدارة المهرجان)

 32 دولة تتنافس في مهرجان «أسوان لأفلام المرأة»

يخوض المنافسة على جوائز مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة في دورته التاسعة المقرر عقدها في الفترة من 2 إلى 7 مايو المقبل، بأسوان (جنوب مصر) 61 فيلماً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس المصري يشهد حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف من الأكاديمية العسكرية المصرية (الرئاسة المصرية)

السيسي يدعو للارتقاء بالخطاب الديني لمكافحة الفكر المتطرف

دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أئمة الدين الإسلامي في بلاده إلى الارتقاء بالخطاب الديني، وتطوير آليات التواصل، بهدف مكافحة ودحض الفكر المتطرف.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره اللبناني يوسف رجي في القاهرة (أ.ف.ب)

مصر تؤكد دعمها الكامل لجهود رئيس لبنان وحكومته لاستعادة الأمن والاستقرار بالبلاد

أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الثلاثاء، أن مصر تدعم بشكل كامل جهود الرئيس اللبناني جوزيف عون وحكومته لاستعادة الأمن والاستقرار بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق أسر مصرية اتجهت للحدائق في عيد «شم النسيم» (محافظة القليوبية)

شواطئ ومتنزهات مصر تستقبل المحتفلين بـ«شم النسيم»

استقبلت شواطئ مصر ومتنزهاتها عدداً كبيراً من الأسر المصرية، خلال «شم النسيم»، الذي يعدّ من أقدم الأعياد الشعبية في مصر القديمة.

محمد الكفراوي (القاهرة)

​«الوحدة» الليبية تتعهد التحقيق في دهس مشجعين عقب مباراة لكرة القدم

لحظة دهس سيارة أمنية لمشجعين عقب مباراة لكرة القدم في طرابلس (من مقاطع فيديو متداولة)
لحظة دهس سيارة أمنية لمشجعين عقب مباراة لكرة القدم في طرابلس (من مقاطع فيديو متداولة)
TT
20

​«الوحدة» الليبية تتعهد التحقيق في دهس مشجعين عقب مباراة لكرة القدم

لحظة دهس سيارة أمنية لمشجعين عقب مباراة لكرة القدم في طرابلس (من مقاطع فيديو متداولة)
لحظة دهس سيارة أمنية لمشجعين عقب مباراة لكرة القدم في طرابلس (من مقاطع فيديو متداولة)

وسط انتقادات محلية واسعة، أعلنت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة أن وزيرها المكلف، عماد الطرابلسي، أصدر تعليمات عاجلة بفتح تحقيق «فوري وشامل» في حادثة دهس سيارة تابعة لجهة أمنية، مساء الاثنين، لمشجعين عقب مباراة لكرة القدم بالمدينة الرياضية في العاصمة طرابلس.

وأكدت الوزارة على «ضرورة تحديد المسؤوليات بدقة»، مشيرة إلى جلب السيارة وسائقها، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وأعربت عن أسفها البالغ لما حدث، وعدّت هذا التصرف «سلوكاً فردياً لا يعكس بأي حال من الأحوال سياستها أو نهجها المهني»، وشدّدت على أنها «لن تتهاون في اتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية لمحاسبة المتورطين، وتحقيق العدالة، وإنصاف المتضررين».

لكن الوزارة قالت في المقابل إن الحادثة وقعت «نتيجة اعتداء بعض المشجعين على دوريات الشرطة، التي ادعت أنها سعت لتفادي التصعيد والابتعاد عن موقع الحادث».

وزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة» عماد الطرابلسي (وزارة الداخلية)
وزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة» عماد الطرابلسي (وزارة الداخلية)

وبعدما أكدت التزامها بالعمل وفق معايير أمنية وإنسانية وقانونية، وضمان احترام حقوق المواطنين وسلامتهم، دعت الجميع إلى «التزام التهدئة وتحري الدقة في تداول المعلومات، إلى حين انتهاء التحقيقات، وصدور نتائجها النهائية، وتعهدت إطلاع الرأي العام على أي مستجدات تتعلق بالقضية فور توفرها».

وأظهرت مقاطع فيديو تعمّد سيارات مسلحة، تحمل شعار وزارة الداخلية بالحكومة، الاصطدام بعدد من الجماهير خارج أسوار ملعب طرابلس الدولي، عقب انتهاء مباراة أهلي طرابلس والسويحلي، ما أدى إلى إصابة عدد غير معلوم تم نقلهم في حالة حرجة للعلاج، كما رصدت وسائل إعلام محلية اعتداء عناصر تابعة لوزارة الداخلية مسؤولة عن تأمين الجماهير، على المشجعين أثناء خروجهم من ملعب المباراة.

وبحسب شهود عيان، فقد أقدم بعض المشجعين على حرق وتكسير عدد من السيارات التابعة لـ«جهاز الأمن العام»، بإمرة شقيق عماد الطرابلسي، عبد الله الشهير بـ(الفراولة)، رداً على الواقعة.

بدورها، اتهمت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان سيارات الشرطة، التابعة لإدارة الدعم المركزي بوزارة الداخلية، بالاعتداء والدهس المباشر لمشجعي النادي الأهلي، ما أدى إلى إصابة بعضهم بإصابات خطيرة، نقلوا على أثرها إلى العناية الطبية. وعدّت ما قام به من وصفتهم بأفراد الأمن «غير المنضبطين» استخفافاً بحياة وأرواح وسلامة المواطنين، وتهديداً للأمن والسلم الاجتماعي، ومساساً بحياة وسلامة المدنيين، وترويعاً وإرهاباً مسلح لهم، وبمثابة أعمال وممارسات تُشكل جرائم يعاقب عليها القانون.

وبعدما حملت المسؤولية القانونية الكاملة للطرابلسي، طالبت المؤسسة بفتح تحقيق شامل في ملابسات وظروف هذه الجريمة، وضمان محاسبة المسؤولين عنها وتقديمهم للعدالة، وعدم إفلاتهم من العقاب.

وعقب عملية الدهس، تصاعدت الانتقادات للأجهزة الأمنية وللتشكيلات المسلحة ولحكومة «الوحدة». ودخل فتحي باشاغا، رئيس حكومة شرق ليبيا السابق، ليعبر عن أسفه مما «تشهده بعض الفعاليات الرياضية من تدخلات سلبية من جهات مدنية وأمنية وعسكرية، حوّلت هذا الفضاء الرياضي من جسر للتقارب إلى ساحة للتوتر والاحتقان».

فتحي باشاغا رئيس حكومة شرق ليبيا السابق (الشرق الأوسط)
فتحي باشاغا رئيس حكومة شرق ليبيا السابق (الشرق الأوسط)

وقال باشاغا في تعليق على الحادث: «تابعنا المباراة التي اتسمت بحضور جماهيري لافت، وأجواء تنافسية متميزة، إلا أن هذه الأجواء شابها مشهد مؤلم، يُظهر مركبات تابعة لوزارة الداخلية، وهي تدهس عدداً من الجماهير خارج محيط الملعب، في سلوك يناقض مقتضيات المسؤولية والواجب واحترام المهنة».

ورأى باشاغا أن ما وقع لبعض الجماهير من دهس «يشكل انتهاكاً صريحاً لنصوص الإعلان الدستوري، ولأحكام المادة (3) من قانون الشرطة، التي تُلزم رجال الأمن بحماية الأرواح والأعراض والأموال، والممتلكات العامة والخاصة، وصون الحقوق والحريات المكفولة».

كما أدان «المجلس الوطني للحريات وحقوق الإنسان» عملية الدهس، محملاً الجهات الرسمية، ومن بينها وزارة الداخلية، المسؤولية القانونية والأخلاقية عما سمّاها «الانتهاكات الجسيمة، التي تمثل إخلالاً خطيراً بحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق في الحياة والسلامة الجسدية».

ولفت المجلس إلى أن استخدام القوة، أو وسائل النقل الرسمية في قمع المواطنين، أو الاعتداء عليهم «يعد مخالفة صريحة للدستور والقوانين الوطنية، فضلاً عن المواثيق الدولية»، وطالب بفتح تحقيق «عاجل وشفاف ومستقل» في الواقعة، وإخضاع المسؤولين عنها للقضاء.