مجموعة «لورو بيانا» الرمضانية تفوح بنكهة استشراق لذيذة

خطوط بسيطة وألوان هادئة مستوحاة من الخزف الإسلامي

حتى عندما تكون الأزياء مفصلة بالمليمتر تتمتع بعنصر الراحة والحشمة (لورو بيانا)
حتى عندما تكون الأزياء مفصلة بالمليمتر تتمتع بعنصر الراحة والحشمة (لورو بيانا)
TT

مجموعة «لورو بيانا» الرمضانية تفوح بنكهة استشراق لذيذة

حتى عندما تكون الأزياء مفصلة بالمليمتر تتمتع بعنصر الراحة والحشمة (لورو بيانا)
حتى عندما تكون الأزياء مفصلة بالمليمتر تتمتع بعنصر الراحة والحشمة (لورو بيانا)

بدأ سباق رمضان لعام 2025 منذ أشهر في تقليد باتت المرأة العربية تنتظره لإثراء خزانتها الرمضانية، كما تنتظره بيوت كثيرة رغبة في اقتطاع قطعة من كعكة هذا الشهر الفضيل. فهي كعكة شهية ومجزية على المستوى التجاري، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت مهمة أيضاً على المستوى الفني. فالمرأة العربية لم تعد تقبل بالاستنساخ السافر لموروثاتها، وفرضت عليهم الاجتهاد لنيل رضاها وكسب ودها. وبينما لا يزال البعض يميل إلى الاستسهال ولا يعرف كيف يتعامل مع المنطقة، والبعض الآخر يقع في مطب الفولكلور، هناك من تشم من بين ثنيات وخطوط التشكيلات الرمضانية التي يقترحونها رائحة استشراق خفيفة تفتح النفس عليها. إلى جانب أنها لا تستثني عراقة وأصالة وعمق الشرق، تبذل جهداً في إرساء مفهوم معاصر لهذا الاستشراق مبني على دراسة السوق لا على المخيلة وحدها.

من بين السمات الكثيرة في هذه التشكيلة احتشامها ومراعاتها للثقافة الإسلامية (لورو بيانا)

تشكيلة «لورو بيانا» لرمضان 2025 واحدة من هؤلاء. جاءت مفعمة بالشاعرية والرومانسية ومتحررة من نفحاتها «التراثية» رغم أن وراء الكثير من القطع تتراءى ملامح جلابية، أو عباءة، أو قفطان بشكل أو بآخر. السبب أنها لم تتعامل مع هذه الموروثات على أنها نموذج يجب التقيد به بقدر ما استعملتها نقطة انطلاق بنت عليها ما يمكن تشبيهه بفن واقعي معاصر.

قراءتها الجيدة للمنطقة ساعدتها على إبداع تشكيلة حصرية، استوحتها من الخزف الإسلامي وحاكتها بخيوط من الذهب. ما يحسب لها أنها رغم إيحاءاتها الشرقية، لم تخرج عن النص الذي كتبته لنفسها بأنها دار إيطالية تسعى لفخامة تحددها خطوط واضحة وبسيطة ودرجات ألوان هادئة تعززها مواد وخامات فريدة يصعب منافستها فيها، لأن الكثير منها لا يتوفر لغيرها.

معطف «أندرسون» Anderson يستوحي خطوطه من العباءة (لورو بيانا)

تصوير هذه التشكيلة بين تلال وقلاع قديمة في المنطقة ساهم في ضخها بجرعة من الأناقة العربية بعيدة كل البعد عن الفولكلور، وإن كنت ستشم فيها رائحة استشراق خفيفة جداً، تظهر في تصميم البنطلون الذي يستحضر تصميم «سروال الحريم» الواسع من أعلى ليضيق عند الكاحل، وفي فستان «كليو» Cleo الذي يستحضر «الجلابية» المغربية، أو معطفي «أندرسون» Anderson و«ويليام» William اللذين يمكن القول بأنهما تطوير للعباءة بجيوبهما وأحزمتهما المطرزة.

تزدان الكثير من القطع بطبعات زهرة الشوك وأنماط الأزهار بحبكة الجاكار والتطريزات الذهبية ونقوش الأرابيسك (لورو بيانا)

كل قطعة هنا تفننت الدار في صياغة أقمشتها، ونسج خيوطها في لوحة من الألوان المريحة للعين، تتراوح بين الأخضر المائل والرمادي والزهري الفاتح مع قليل من الأسود والكثير من التدرجات اللونية الصحراوية. وحتى تؤكد الدار لزبونتها في المنطقة أنها تتوجه إليها بكل تفاصيلها، استعملت زخارف الجاكار وطبعات الأزهار والأزرار في أشكال هندسية مستوحاة من الخزف الإسلامي، كما استعملت التطريزات اليدوية على شكل ورود بخيوط ذهبية تتداخل مع الأنسجة فتتماهى معها.

للمساء والسهرة هناك اقتراحات تتلون بالذهب والجاكار (لورو بيانا)

هذا المزيج بين الشرقي والإيطالي المتمثل في أسلوب الدار أثبت أن الدار نجحت في تحقيق المعادلة الصعبة بين الراحة والأناقة الفاخرة. الراحة تظهر في القصات التي تلف الجسم وفي الوقت ذاته تنساب من دون درزات لتتيح الحركة وتناسب طقس المنطقة، إلى جانب التفصيل الدقيق والواضح في الأكتاف وطريقة بناء بعض القطع، لا سيما المعاطف. كل واحد من هذه المعاطف الطويلة مصنوع إما من الحرير المخلوط بالكتان أو الصوف. الفكرة منه أن يتعدى استعماله شهر رمضان إلى مناسبات كثيرة قادمة من دون أن يفقد رونقه وفخامته. هذه الفكرة تكررت في معظم القطع المقترحة من خلال طرق تنسيقها التي يغلب عليها أسلوب الطبقات المتعددة.

إلى جانب الألوان الفاتحة بدرجاتها الهادئة استعملت الدار الأسود أيضاً (لورو بيانا)

ما يحسب لـ«لورو بيانا» أيضاً أنها رغم أنها استلهمت من العباءات والقفاطين خطوطها وتطريزاتها، فإنها لم تقع في مطب الفولكلور، كما لم تلجأ إلى الاستنساخ والاستسهال. اكتفت بالتقاط فكرتها ثم ترجمتها بلغتها الخاصة، لأنها كما تحرص على احترام ثقافة المنطقة فإنها تحرص على البقاء وفية لأسلوبها الذي لا يعترف بزمان أو مكان.

اللافت فيها ربما يكون جرعة الحشمة التي زادت قليلاً وساعد على تحقيقها أنه يمكن تنسيق قطع متعددة مع بعض بسهولة، بفضل تناغم ألوانها وخاماتها التي تسمح للجسم بالتنفس ولا تُثقله، مهما تعددت القطع المستعملة في الإطلالة الواحدة.

تشم بين ثنايا الكثير من القطع تفاصيل نكهة شرقية تداعب مخيلة فناني الغرب مثل سروال الحريم هنا (لورو بيانا)

تضم التشكيلة مجموعة من القطع المنفصلة مثل البناطيل الواسعة والتنورات التي تحاكي شكل البنطال، فيما جاءت الفساتين منسابة وبأكمام طويلة. ورغم أن الدار تشتهر بصوفها «الملوكي» فإنها تعرف أن «للطقس أحكامه». لهذا استخدمت هنا أقمشة لا تقل ترفاً تتمتع بالخفة والنعومة مثل الحرير والكتان، وأحياناً الساتان، مع العلم أن هذا الكتان غير عادي. نسجته الدار واختارته خصيصاً لملمسه المريح وخفته، ولتأكدها من قدرته على إنعاش الجسم.

لا يختلف الأمر بالنسبة للحرير. فهو أيضاً ناعم يساعد على تطويعه بأشكال منسابة، إضافة إلى أن حرفييها لم يكتفوا بمزجه بالصوف والكتان، بل ذهبوا إلى درجة إبداع توليفة من التطريزات تتداخل معه لتصبح جزءاً منه، مثل إدخالهم زخرفة fiore di cardo، أو «زهرة الشوك» التي تعتبر رمزاً وشعاراً للدار.

للمساء والسهرة هناك اقتراحات تتلون بالذهب والجاكار (لورو بيانا)

في فساتين السهرة والمساء، أيضاً عادت «لورو بيانا» إلى أرشيفها لتأخذ منه حرير الجورجيت وتستعمله في فستان باسم «فيرن» Fern يتميز بتصميم طويل تطبعه زخرفات ذهبية ناعمة عند الياقة وأطراف الأكمام، واستعملت فيه الدار تقنية مشبك Lunéville استدعى إنجازها 75 ساعة من العمل المحترف.


مقالات ذات صلة

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

لمسات الموضة تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة وتُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق فرض الجيل زد الملابس الواسعة والمريحة في أماكن العمل والجامعات والمدارس (بكسلز) play-circle 01:18

موضة الجيل زد... وسّع وسّع وارتدِ الأرخص

تتجه الأجيال الجديدة إلى توسيع الملابس، ولذلك أسباب كثيرة، منها ما هو نفسي، ومنها ما يعبّر عن ثورة اجتماعية على ثقافة الفلتر، والأحكام المسبقة على الجسد.

كريستين حبيب (بيروت)
لمسات الموضة زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

فاز المصمم اللبناني العالمي زهير مراد خلال حفل فاشن تراست أرابيا (FTA) في نسخته السابعة بجائزة تقدير لمساهمته في إثراء المشهد الإبداعي في المنطقة ودوره في…

«الشرق الأوسط» (الدوحة - قطر)
لمسات الموضة لقطة جماعية على خلفية قلعة درامون التي أقيم فيها العرض (تصوير سام كوبلاند)

«ديور» تنسج قصة أسكوتلندية من التويد والتارتان

في مايو (أيار) الماضي، وهو بداية موسم عروض خط «الكروز» أو الـ«ريزورت»، قدمت «ديور» تشكيلتها من هذا الخط لعام 2025 في أدنبره الاسكوتلندية. كان عرضاً مثيراً…

جميلة حلفيشي (لندن)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
TT

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

في الوقت الذي كان فيه لبنان يحتفل بزيارة البابا روبرت بريفوست (ليو الـ14) التاريخية، كانت اللبنانية تانيا فارس تكتب التاريخ في مجال الموضة بوصفها أول لبنانية تفوز بجائزة التقدير الخاص (Special Recognition Award) عرفاناً لها بـ15 عاماً من مبادرة BFC Fashion Trust، وتقديراً لدورها في تأسيس هذه المبادرة.

تانيا فارس عبَّرت عن فخرها بكونها أول لبنانية تحصل على الجائزة (غيتي)

بكلمات تُعبّر عن فخرها بهويتها قالت تانيا وهي تتسلم الجائزة، إن لا شيء يضاهي سعادتها سوى فخرها بأصولها اللبنانية وكونها أول لبنانية تحصل عليها.

جدير بالذكر أن حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة، حيث تُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين من رؤساء تنفيذيين ومصممين ومبدعين في مجالات فنية مختلفة أخرى. كما يحضره أفراد من الحكومة دعماً لصناعة تدر على البلد الملايين وتوظف الآلاف.

عمدة لندن صادق خان يتوسط المصممة روكساندا والنجمة كيت بلانشيت لدى وصولهم الحفل (رويترز - أ.ف.ب)

هذا العام، وفي أول ليلة من ديسمبر (كانون الأول)، وبين زخّات مطر خفيفة تلامس شوارع لندن، ازدانت قاعة رويال ألبرت هول بالبريق: أضواء مشعة ونجوم في فساتين مثيرة، وكأنها بهذا الكم من الأناقة الراقية، تطوي عاماً حافلاً بالإبداع والفن والتغييرات الجريئة.

منذ اللحظة الأولى وحتى قبل بدء الحفل، بدت الأجواء خارج القاعة واعدة. مشاهير من عالمي الفن والموضة تحدّوا الطقس اللندني وتألقوا على السجادة الحمراء. من شارون ستون وكيت بلانشيت وصادق خان، عمدة لندن، وهلمّ جراً من الأسماء الكبيرة، والتي كان عدد لا يستهان منها يأمل في أن يسمع اسمه من بين الفائزين.

أندرسون... ثلاثية ذهبية

من هؤلاء كان الآيرلندي جوناثان أندرسون، المدير الإبداعي الحالي في دار «ديور» والذي فاز بجائزة مصمم العام، محققاً بهذا إنجازاً قياسياً. فهذه المرة الثالثة التي يفوز بها باللقب على التوالي، وإن كان هذا العام يحمل قيمة إضافية بالنسبة له؛ لأنه فاز بالجائزة عن علامته الخاصة «جي دبليو أندرسون» وعن دار «ديور» التي التحق بها مؤخراً وقدم لها أول مجموعة من إبداعه منذ أشهر قليلة.

جوناثان أندرسون بعد تسلمه جائزة مصمم العام للمرة الثالثة على التوالي (غيتي)

وقف أندرسون وسط تصفيق حار، وقال بروح مرحة: «سأكون سريعاً... أعلم أن الجميع يرغب في الاحتفال». ثم عبّر عن شكره لدلفين أرنو، الرئيسة التنفيذية للدار وإلى فريقه قائلاً: «أؤمن بأن التعاون طريق النجاح». إنجاز أندرسون لا يقتصر على تحقيقه الرقم القياسي هنا، بل يمثل لحظة تحول مهمة لدار «ديور» التي من المتوقع أن يضخها بروح جديدة تجمع بين الحداثة والحرفية وبين الماضي والمستقبل.

جوائز تُكرّم الإبداع البريطاني

وفي سياق الجوائز التي تحتفي بالفعل الإبداعي البريطاني، فازت سارة بيرتون بجائزة مصمّمة الأزياء النسائية البريطانية للعام عن عملها في دار «جيفنشي»، التي التحقت بها مؤخراً، مؤكدة استمرار تأثيرها الراسخ في عالم الأزياء النسائية.

وعلى الجانب الآخر، توّجت غريس ويلز بونر بجائزة مصمّم الأزياء الرجالية البريطانية للعام عن علامتها Wales Bonner، بعد عام شهد حضوراً قوياً لها على منصات العرض وفي النقاشات الثقافية المرتبطة بالهوية والموضة، لا سيما بعد دخولها دار «هيرميس» خليفة لفيرونيك نيشانيان التي تولت القسم الرجالي لنحو 37 عاماً.

أما جائزة Vanguard، التي تُمنح للمواهب الواعدة، فكانت من نصيب المصمّمة ديلارا فندك أوغلو، التي واصلت خلال العام الماضي فرض نفسها بوصفها واحدةً من أكثر الأصوات الشابة إثارة للاهتمام في عالم الأزياء التجريبية.

برونييلو كوتشينيلي

شارون ستون وبرونيلو كوتشينلي قبل دخولهما قاعة الحفل (أ.ف.ب)

ومن بين الجوائز المهمة أيضاً في الأمسية، كانت جائزة الإنجاز المُتميز التي ذهبت هذا العام إلى المصمّم الإيطالي برونيلو كوتشينيلي، المعروف ببناء إمبراطورية عالمية للرفاهية الهادئة من مقره في قرية سولوميو الحالمة بوسط إيطاليا. وكان توم فورد هو الفائز بهذه الجائزة في العام الماضي؛ الأمر الذي يؤكد استمرار الاعتراف بالأسماء التي تركت بصمتها على الصناعة بأبعادها الإنسانية والحرفية.

الجانب الإنساني يسرق الأضواء

رغم أن أسماء الفائزين ببعض الجوائز كانت معلنة قبل الحدث، فإن اللحظات التي عاشها الضيوف داخل القاعة لم تفقد تأثيرها.

كانت أنوك ياي، الفائزة بجائزة عارضة العام، من أبرز هذه اللحظات. العارضة السودانية - الأميركية التي تصدرت أغلفة المجلات العالمية مثل «فوغ» فرنسا، وظهرت في حملات سان لوران وفيرساتشي، وقدّمت عطراً من تييري موغلر، اعتلت المسرح وهي تتلقى الجائزة من الفائزة السابقة أليكس كونساني. وقالت ياي بخفة ظل: «قيل لي إن مسيرتي لن تتجاوز ستة أشهر... ويبدو أنها كانت ستة أشهر طويلة، أليس كذلك؟»، ثم تحوّلت عباراتها رسالة تمس القلوب: «إلى كل الفتيات السود الصغيرات اللواتي يشاهدنني الآن... لونكن ليس لعنة. أنتنّ أقوى مما تتخيلن». كلمات جعلت القاعة تصمت في لحظة إجلال، قبل أن تنفجر بالتصفيق.

إبداع يربط الموضة بالثقافة

جائزة المبتكر الثقافي كانت من نصيب ليتل سيمز، الفنانة التي تجمع بين الموسيقى والتمثيل، والتي أهدت جائزتها «لنسختها الصغيرة» التي لم تكن لتتخيل هذا اليوم، لكنها «رأته حتى النهاية».

كما شهد الحفل منح جائزتي تقديراً خاصاً في هذا المجال لكل من دلفين أرنو وBFC Fashion Trust متمثلة في تانيا فارس بمناسبة مرور 15 عاماً على تأسيسه.

وحصلت لولو كينيدي ورافاييل مور على تكريم 25 عاماً من Fashion East، بينما ذهبت جائزة «لحظة باندورا الأسلوبية» للعام إلى سام وولف.

أما جائزة «إيزابيلا بلو للإبداع»، فقد مُنحت لكلٍّ من راي كاواكوبو، وأدريان جوفي، وديكون باودن عن Dover Street Market.

تخللت الحفل أنشطة فنية وترفيهية عدة عربوناً على لقاء الموضة والفنون (رويترز)

وهكذا اختُتمت أمسية جمعت بين الأزياء وعروض حية من الموسيقى والباليه، إضافة إلى القصص الإنسانية، وفي الوقت ذاته كرّست مكانة جوائز الموضة بين أكثر الأحداث تأثيراً في روزنامة الموضة العالمية. ليلة كتبت فيها لندن فصلاً جديداً، وكان بطلاها الأساسيان لبنانيةً وآيرلندياً.


أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
TT

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

بين افتتاح المتحف المصري الكبير وفضول عالمي متزايد بسوق الموضة وصعود مصممين من أبناء البلد يطمحون لترك بصمتهم على العالم، يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية. سلاحها، العودة إلى الجذور وإلى حكايات ملهمة إلى جانب توظيف خامات طبيعية محلية.

يبدو واضحاً أن معظم المصممين والمبدعين متمسكون بالجذور رغم تطلعهم للعالمية (خاص)

تحت عنوان «التطور» انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري في احتفال يعكس خطوات واثقة بدأت تحققها صناعة الأزياء منذ إطلاق الحدث لأول مرة في عام 2023. في هذه الدورة برزت رغبة محمومة من قبل المصممين المشاركين في توظيف خامات طبيعية كالقماش والقطن. وطبعاً إحياء حرف يدوية تقليدية في مسار يُعبِد الطريق نحو مستقبل مستدام وهوية تصميم مصرية معاصرة.

فتحت الفعاليات أبوابها للجمهور داخل مبنى كونسوليا وبيت بدير في قلب وسط البلد، بعدما أعادت إحياءهما شركة Coterie الشريك الرئيسي لهذا العام.

من علامة «باز القاهرة» تصاميم مستوحاة من التراث بلغة معاصرة (خاص)

كان هناك حرص على أن تُجرى كل فعاليات الحدث في مكان محدد، حتى لا يضطر الحضور إلى التنقل بين الأماكن في زحمة سير القاهرة، وما يمكن أن يترتب عليه من تأخير وضغوط. ثم إن المكان يتوفر فيه كل شيء، بدءاً من فناء أخضر فيه مقهى إلى طوابق مختلفة يحتضن كل واحد منها فعاليات معينة. الطابق الخامس مثلاً خُصص لأعمال أبرز المصممين المصريين عبر معارض ومنصات تفاعلية وورش عمل، فيما خصصت الطوابق العليا، كمسرح لعروض الأزياء وصالونات للماكياج وتصفيف شعر العارضات.

هناك رغبة في العودة إلى الجذور واستعمال خامات طبيعية مستدامة (خاص)

لكن ما ميز أسبوع هذه الدورة أيضاً، تعدد برامج الحوارات، التي شارك فيها أكثر من 30 شخصية محلية ودولية مؤثرة، من ضمنهم الأرشيدوقة كاميلا فون هابسبورغ-لوتيرينغن والمصممة أمينة غالي من عزة فهمي، و كاميلا فراكاسو ديافيريا من White Milano

والباحثة التراثية شهيرة محرز وشرين رفاعي مؤسسة أسبوع الموضة الأردني.

وشاركت ثمانٍ من أبرز مؤسسات تعليم الموضة في مصر إما بعروض أو معارض تبرز أفكاراً مبتكرة لطلاب يدعمهم برنامج GTEX التابع للمركز الدولي للتجارة ومؤسسة دروسوس بعد عملية انتقاء دقيقة لكل واحد منهم.

كانت القاعات تنبض بالنقاشات حول الاستدامة، الملكية الفكرية، تعليم الحرف والتمويل. وفي ورش العمل، قدّم المصمم الأردني ليث معلوف عروضاً تطبيقية على الأقمشة، بينما شرح مشرفون من مبادرة MSNJ كيف أصبح الصبار خيطاً ناعماً يمكن إدخاله في أزياء صديقة للبيئة.

تقول سوزان ثابت، أحد مؤسسي الأسبوع، إن مصر تزخر بالموارد والمواهب، وتاريخ غني في مجال الموضة لا يعرفه كثيرون ويستحق التعريف به وتسليط الضوء عليه بعد أن طاله غبار الزمن.

المصمم بريهان أبو زيد من علامة «باز» (خاص)

من هذه الفكرة أو الرغبة تبدأ قصة أسبوع الموضة في مصر تحت عنوان «التطور».

كانت التصاميم تشبه دفاتر يوميات مفتوحة ترجم فيها الطلاب رؤية لعالم يريدون أن يكونوا جزءاً منه عن استحقاق.

لكن وراء الألوان والقصات والأضواء وتسريحات الشعر الأنيقة، يقف اقتصاد ضخم. فصناعة النسيج مثلاً من أهم ركائز الاقتصاد المصري، وكذلك القطن المصري الذي يعد علامة فارقة في المنتجات العالمية من ناحية جودته وفخامته. تقول سوزان: «هذا تحديداً ما يرتكز عليه أسبوع الموضة ليعيد صياغة هذه الصناعة، ليس فقط عبر تصدير الخامات، بل عبر خلق علامات مصرية قادرة على المنافسة عالمياً وتحمل مفهوم (صنع في مصر)».


لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
TT

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

وأخيراً أصبح في المنطقة العربية مصنع عطور يُجرى فيه تقطير اللبان محلياً، بعدما كان السفر إلى مدينة غراس الفرنسية الخيار الوحيد. أهمية هذه الخطوة لا تقتصر على بناء صناعة متكاملة من الشجرة إلى العطر فحسب؛ بل تمتد أيضاً إلى خفض البصمة الكربونية، وإفادة المجتمعات المحلية، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. واليوم بات بإمكان صُنَّاع العطور التوجه إلى صلالة، وتحديداً وادي دوكة، لمعاينة هذه النقلة في مجالهم عن قُرب، بعد أن كان المشهد محصوراً في صورة شاعرية لطقوس جمع اللبان وترحاله.

تسمع حكايات وتقرأ في كتب التاريخ الكثير عن منطقة ظفار وعلاقتها بالبخور واللبان. تترسخ في مخيلتك صورة شاعرية عن قوافل تجارية وثقافات متنوعة تمر منها إلى أوروبا وإلى آسيا، محملة بالبضائع النادرة، ولكن ما من وصف يضاهي الواقع.

يتم التعامل مع عملية استخراج اللبان بحذر حتى لا تتأثر الأشجار وتعطي الكثير (أمواج)

كانت الرحلة التي نظمتها دار «أمواج» للعطور بمناسبة افتتاح مصنعها الجديد «عين دوكة» لاستخلاص زيت اللبان، فرصة لاكتشاف هذا العالم عن قرب. أقل ما يمكن قوله عن الرحلة إنها بدأت بفضول وانتهت بانغماس في تاريخ قد يكون ضارباً في القدم، إلا أنه لم يفقد في أي مرحلة بوصلته نحو المستقبل.

ففي وادي دوكة، المدرَج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، تترامى أكبر محمية في العالم لأشجار «بوسويليا ساكرا»، مصدر راتينغ اللبان (إفراز عضوي) الذي شكَّل عبر آلاف السنين ركيزة لثقافات وتجارة وطقوس روحانية لا تُحصى. والآن تريد ظفار تسويقه للعالم بوصفه واحداً من أهم المكونات وأجملها في صناعة العطور، باستخراجه وتقطيره في عقر داره.

بخور المناسبات المهمة

هنا، خلف جبالها وبمحاذاة المنحدرات المنخفضة، وفي بطون الأودية والسهول، تنمو هذه الأشجار المتقشفة التي لا يثير شكلها النظر، إلا أنها بصبرها على مواجهة الرياح والرمال، لا تزال شامخة. جذوعها الخشنة لا تبخل براتينغ مميَّز جعل الإغريق يصفون المنطقة كلها بالبلاد السعيدة «أرابيا فيلكيس».

أنوف مشهورة مثل دومينيك روبيون وباسكال غورين وبيير غيروس وغيرهم انبهروا بطقوس استخراج اللبان (أمواج)

لم تكن الرحلة عادية وتقليدية من ناحية استضافتها وسائل الإعلام وحدها كما جرت العادة. نصف الحضور أو أكثر، كانوا «أنوفاً» عالمية من كبار العطارين، مثل: دومينيك روبيون، وباسكال غورين، وبيير غيروس، وغيرهم. أضفوا على التجربة بُعداً احترافياً. فهذه الأنوف تعوَّدت على أجود أنواع العود والياسمين والنباتات النادرة، ومن الصعب مفاجأتهم بالجديد، ومع ذلك كانوا منبهرين بالمكان وما تبوح لهم به هذه الأشجار من أسرار.

لم تفارق الابتسامة العطار بيير غيروس، فأخذني الحماس لأسأله أن يقارن لي بين هذا المكان وبين مدينة غراس الفرنسية وحقولها التي تعدُّ عاصمة العطور في العالم، فيرد مازحاً: «هناك وُلدت العطور من رحم روائح كريهة كانت تنبعث من دباغة الجلود، أما هنا فالعطر يولد من الأرض نفسها، من هوائها وشجرها ودفئها الصحراوي». هذا الإعجاب لا تلمسه لدى العطارين هنا فحسب؛ بل تلمسه في كل مكان ممزوجاً بفخر، كما تشي حكايات سكان المنطقة عن ارتباطها بالعطر.

بداية الحلم

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد صاحب فكرة تأسيس دار عطور فاخرة تُعرِّف العالم بالثقافة العمانية و«ذهبها الأبيض». كان ذلك في عام 1983 عندما أطلق مشروعاً كان طموحاً لدرجة الحلم: بناء صناعة محلية متكاملة لا تعتمد على الخارج، تبدأ في استخراج زيت اللبان وتنتهي بابتكار عطور تُعرف عالمياً بـ«هدية الملوك» تُصنع من الألف إلى الياء في أرض اللبان.

بعد أربعة عقود تقريباً، يكتمل هذا المشروع، بوضع حجر الأساس لمصنع «عين دوكة». مصنع لاستخلاص زيت اللبان من الراتينغ، وبه يتم إحياء حِرفة شكَّلت عبر العصور جوهر صناعة العطور في عُمان.

وادي دوكة... حكاية مستمرة

ثقافة اللبان ضاربة في التاريخ... ولكن البوصلة موجهة نحو المستقبل والعالم (أمواج)

في هذا الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو» منذ عام 2000، تمتد أكبر محمية لأشجار «بوسويليا ساكرا» في العالم. أشجار منحت عُمان مكانتها بين الحضارات القديمة، ووفرت لإمبراطوريات عظيمة البخور للتطهير والاحتفال. فاللبان لم يكن مجرد بضاعة فواحة؛ بل لغة روحية وثقافية ودبلوماسية وحلقة وصل بين الشرق والغرب. لم يتردد الإغريق مثلاً -شأنهم شأن الرومان وغيرهم من الثقافات القديمة- في دفع أثمان باهظة لقاء الحصول على اللبان العماني تحديداً. فهو يحتوي على نسبة تتجاوز 70 في المائة من المركب العضوي العطري «ألفا بينين»، مما يجعله مختلفاً بفارق عن زيوت اللبان المستخرجة من المواقع الأخرى.

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

هذا التاريخ وُضع في الحسبان عند تصميم المكان؛ حيث يتجلَّى المعمار امتداداً للأرض التي تحتضنه؛ تتماهى ألوانه وتفاصيله مع طبيعة الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، فيبدو من بعيد كصخرة ناعمة. ومع الاقتراب، تظهر هندسته الدائرية المستوحاة من التواصل بين الإنسان والطبيعة، تحتضن في قلبها حديقة لشجر اللبان، رمزاً للاستدامة واستمرارية الحياة.

يُدار المكان بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام؛ إذ تم تحديد مواقع أكثر من خمسة آلاف شجرة لبان، باستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليصبح وادي دوكة أول غابة ذكية في منطقة الخليج. هذه الأشجار تُحصد وفقاً للمعايير الدولية لممارسات الحصاد الأخلاقي والمسؤول، وهو ما أكده اعتماد مؤسسة «فيروايلد» الدولية في أغسطس (آب) الماضي.

رينو سالمون المدير الإبداعي في «أمواج» يشرح تاريخ اللبان وأهميته وطرق استخراجه (أمواج)

يُعلِّق رينو سالمون، المدير الإبداعي في «أمواج»: «كانت رؤيتنا لعين دوكة واضحة منذ البداية. أردناه مكاناً يعكس جمال البساطة وعمق العلاقة بين الأرض والعطر. فالتصميم يبدو وكأنه ينمو من طبيعة المكان ويتناغم معها. ولذا؛ راعينا توفير مساحات مفتوحة لتضفي شعوراً خاصاً وتترك طابعاً يعبر عن شخصية الدار وطبيعة الأرض، وتتيح للحرفة العُمانية أن تكون جزءاً أساسياً من التجربة؛ حيث يرى الزائر كيف يتحوَّل اللبان من مادته الطبيعية إلى عطر بنغمات دافئة ومميَّزة».

ما بدأ بحصاد محلي تحول إلى صناعة عالمية (أمواج)

ما بدأت عطوراً خاصة جداً لتكون هدايا تليق بالملوك، أصبحت اليوم صناعة متكاملة الجوانب. فالدار توسعت، وكلما زاد نجاحها زادت طموحاتها. وللمرة الأولى في تاريخها، تجاوزت مبيعاتها 100 مليون دولار في الربع الأول من عام 2025. وعلى مستوى الإبداعات، حافظ عطر «جايدانس» (Guidance) على مكانته بصفته الأكثر مبيعاً، أما مجموعة «إسينسيس» فقد انضمت عطورها الثلاثة إلى قائمة أفضل 15 عطراً مبيعاً لدى «أمواج» خلال الفترة نفسها.