اتهامات أممية للجيش السوداني بقتل مدنيين على أساس عرقي وجهوي

فولكر تورك عدها «جريمة حرب»... و«قوات الدعم» ترتكب مجزرة في أم درمان

مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك (إ.ب.أ)
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك (إ.ب.أ)
TT
20

اتهامات أممية للجيش السوداني بقتل مدنيين على أساس عرقي وجهوي

مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك (إ.ب.أ)
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك (إ.ب.أ)

بعد ساعات قليلة من تنديد المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتّحدة، فولكر تورك، للجيش السوداني بارتكاب عمليات إعدام لمدنيين خارج نطاق القانون وعلى أسس جهوية في الخرطوم بحري، شهدت مدينة «أم روابة» بولاية شمال كردفان عمليات قتل وتصفيات لمدنيين تحت ذريعة «التعاون» مع «الدعم السريع»، اتهم بها الجيش وكتائب «البراء بن مالك» الموالية له، أعقبت استرداد المدينة من «قوات الدعم السريع». في المقابل ارتكبت «قوات الدعم السريع» مجزرة في أم درمان، راح ضحيتها العشرات.

وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن تصفيات جسدية واسعة مورست في «أم روابة» ثاني أكبر مدن ولاية شمال كردفان في الغرب الأوسط، عقب استعادة الجيش للمدينة من «قوات الدعم السريع»، بجانب الإعلان عن «قوائم» لمدنيين أعدتها كتاب «البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية (تنظيم الإخوان المسلمين السوداني) تحت ذريعة التعاون مع «قوات الدعم السريع».

قتل مسؤول حزبي يثير الغضب

وتناقلت وسائط التواصل الاجتماعي صورة مروعة لعملية قتل «معلم» يشغل منصب رئيس حزب الأمة القومي في المنطقة، ومنع مواراة جثمانه أو الاقتراب منه لعدة ساعات، يدعى «الطيب عبد الله»، وأثارت عملية تصفيته غضباً واسعاً في الأوساط السياسية وأوساط المعلمين، ونددت بما أسمته «الجريمة البشعة».

جنود من الجيش السوداني يحتفلون بتحرير مصفاة نفط شمال الخرطوم (رويترز)
جنود من الجيش السوداني يحتفلون بتحرير مصفاة نفط شمال الخرطوم (رويترز)

وقال حزب الأمة القومي، في بيان، إن «قتل رئيس فرعه في أم روابة جريمة وحشية هزت الضمير الإنساني، وكشفت عن الوجه الإجرامي لهذه القوات بعد سيطرتها على المدينة»، وناشد المنظمات الحقوقية والدولية رصد هذه الجرائم وإدانتها، وأضاف: «تم منع المواطنين من الاقتراب من جثمانه لأكثر من ثلاث ساعات، وهو يسبح في دمائه»، وأشار إلى ما أسماه «ارتكاب مجازر وإعدامات ميدانية مماثلة بحق المواطنين في المدينة».

والجمعة، أبدى المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتّحدة، فولكر تورك، «قلقه البالغ» لتقارير عن عمليات إعدام ميدانية بحقّ مدنيين في شمال الخرطوم، ارتكبتها عناصر من الجيش السوداني وميليشيات متحالفة معه. ووصف تورك في بيانه القتل العمد للمدنيين أو الأشخاص الذين لم يشتركوا في أعمال عدائية، أو توقفوا عن المشاركة فيها بأنها «جريمة حرب»، ودعا إلى تحقيق مستقل.

ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية»، عن «مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة»، أن ما لا يقل عن 18 شخصاً بينهم امرأة، قتلوا في 7 حوادث منفصلة، يتهم بها عناصر ميليشيا تابعة للقوات المسلحة السودانية، بعد استعادة الجيش لمنطقة شمال الخرطوم بحري في 25 يناير (كانون الثاني).

ميليشيا «البراء» تنشر قوائم إعدامات

وأشار المكتب إلى أن الكثير من الضحايا في محيط مصفاة الجيلي، بشمال الخرطوم بحري، ينحدرون من ولايات دارفور وكردفان، وإلى مزاعم عدة مثيرة للقلق في مدينة الخرطوم بحري، يجري مكتب حقوق الإنسان التحقق منها، وإلى قائمة يتلوها رجال بأزياء الجيش وينتمون لـ«لواء البراء بن مالك» المتطرف، وهم يتلون قائمة طويلة من الأسماء لأشخاص يزعمون أنهم «متعاونون» مع «الدعم السريع» وهم يرددون كلمة «زايلة» عقب تلاوة أي اسم، وتعني «قتل».

ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن تورك قوله إن مكتبه اطلع على فيديو يظهر فرداً آخر من «لواء البراء بن مالك» المتحالف مع الجيش، يهدد سكان ضاحية «الحاج يوسف» بالخرطوم بحري بـ«الذبح».

سودانيون يصطفون للحصول على المياه في أم درمان خلال المعارك الجارية 17 يناير (أ.ف.ب)
سودانيون يصطفون للحصول على المياه في أم درمان خلال المعارك الجارية 17 يناير (أ.ف.ب)

ولا تعد جرائم قتل وتصفية المدنيين التي أشار إليها بيان «تورك» هي الأولى التي تحدث في المناطق التي يستردها الجيش، فمنذ عدة أشهر تداولت وسائط التواصل مقاطع فيديو بشعة لرجال بثياب الجيش وهم يقومون بتصفية عدد من المدنيين في مدن ودمدني (عاصمة ولاية الجزيرة) وسنجة (بولاية النيل الأزرق) ومنطقة «الحلفايا» بمدينة الخرطوم بحري بعد استعادتها من «قوات الدعم السريع». وأظهرت أزياء الذين نفذوا عملية القتل «شعار البراءون» المطبوع على ملابس المنفذين.

وأثار مقتل مدنيين من سكان «الكنابي» (معسكرات في ولاية الجزيرة) موجة من الغضب العارم، واُتهم الجيش وحلفاؤه الإسلاميون بأنها جرائم تمت على أسس عرقية، تضمنت القتل والحرق وإحراق المساكن. كما قتل الجيش مواطنين من جنوب السودان نزحوا إلى السودان إبان الحرب الأهلية في بلادهم، تحت ذريعة أنهم «متعاونون» مع «الدعم السريع»، وهو ما أثار موجة غضب واحتجاجات واسعة في دولة جنوب السودان، أدت إلى مقتل 16 مواطناً.

وكان القائد العام للجيش رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق عبد الفتاح البرهان، قد شكَّل لجنة تحقيق في أحداث مدينة ودمدني، وحدد أسبوعاً لإكمال تحقيقاتها، لكن أكثر من ثلاثة أسابيع مرت دون ذكر لتحقيقات هذه اللجنة.

«الدعم» يرتكب مجزرة جديدة

في المقابل ارتكبت «قوات الدعم السريع» مجزرة في أم درمان، راح ضحيتها العشرات، جراء قصف على سوق في المدينة، وفق ما أفاد مصدر طبي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وقال المصدر في مستشفى «النو» بأم درمان، لم تكشف الوكالة عن هويته، إنّ الجرحى «ما زالوا (حتى مساء السبت) يصلون إلى المستشفى» بعد الهجوم الذي نسبه إلى «قوات الدعم السريع».

وأعلنت شبكة «أطباء السودان»، السبت، أن قتلى المجزرة وصل إلى 61 قتيلاً. وقالت الشبكة في بيان إن القصف المدفعي المتعمد «للدعم السريع» شمل سوق صابرين المكتظ بالمدنيين بمنطقة كرري، ومناطق أخرى بالمدينة، أدى إلى إصابة أكثر من 65 آخرين. وذكرت منظمة «نداء الوسط» الحقوقية السودانية، السبت، أن أكثر من 100 شخص أصيبوا من القصف، مشيرة إلى أن حصيلة الضحايا مبدئية. ويواجه طرفا النزاع اتهامات بارتكاب جرائم حرب، ولا سيما استهداف مدنيين، وشنّ قصف عشوائي على منازل وأسواق ومستشفيات، وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها.


مقالات ذات صلة

منظمة: الكوليرا تحصد أرواح نحو 100 شخص في أسبوعين بولاية سودانية

المشرق العربي مريضة سودانية بأحد المستشفيات التي تشرف عليها «أطباء بلا حدود» (حساب المنظمة عبر منصة «إكس»)

منظمة: الكوليرا تحصد أرواح نحو 100 شخص في أسبوعين بولاية سودانية

أعلنت منظمة «أطباء بلا حدود»، يوم الجمعة، أن الكوليرا حصدت أرواح نحو 100 شخص، على الأقل، في غضون أسبوعين، منذ بدء تفشي المرض بولاية النيل الأبيض بالسودان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي» (أرشيفية - الشرق الأوسط)

«قوات الدعم السريع» تعلن اكتمال ترتيبات تشكيل الحكومة الموازية

أعلنت «قوات الدعم السريع» السودانية اكتمال الاستعدادات لتشكيل «حكومة سلام ووحدة» في مناطق سيطرتها، وأوضحت أنها ستحمي هذه الحكومة من غارات الطيران الحربي.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا دورية لـ«قوات الدعم السريع» في إحدى مناطق القتال بالسودان (رويترز)

الأمم المتحدة تدين «الظروف اللاإنسانية» للاعتقال و«التعذيب» في سجون الخرطوم

نددت الأمم المتحدة الخميس بـ«الظروف اللاإنسانية» وأشكال التعذيب الخطرة في سجون الخرطوم ومنطقتها الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني أو «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
خاص أحد المحررين المصريين الذين تمت استعادتهم من السودان يتوسط ذويه (أ.ش.أ)

خاص مصريون محرَّرون من قبضة «الدعم السريع»... كيف وصلوا إلى هناك؟

تمكَّنت السلطات المصرية، بالتنسيق مع نظيرتها السودانية، من تحرير عدد من المصريين كانت قد اختطفتهم «قوات الدعم السريع» في السودان.

أحمد إمبابي (القاهرة)
خاص صورة تظهر نساء وأطفالاً في «مخيم زمزم» للنازحين شمال دارفور بالسودان (رويترز) play-circle

خاص صائمون بلا زاد... مأساة النازحين السودانيين بـ«مخيم زمزم»

هناك أكثر من 500 ألف نازح في «مخيم زمزم» يعانون بشدة من انعدام الغذاء ومياه الشرب؛ بسبب استمرار القتال بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع».

وجدان طلحة (بورتسودان)

تعويل مصري على إشارات مبعوث ترمب «الإيجابية» بشأن «إعمار غزة»

دخان تصاعد في وقت سابق على رفح في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
دخان تصاعد في وقت سابق على رفح في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT
20

تعويل مصري على إشارات مبعوث ترمب «الإيجابية» بشأن «إعمار غزة»

دخان تصاعد في وقت سابق على رفح في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
دخان تصاعد في وقت سابق على رفح في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

بين الإشادة والانتقاد... أرسلت واشنطن إشارات متضاربة بشأن «الخطة العربية» لإعادة إعمار غزة، عدّها خبراء مصريون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، انعكاساً لتضارب «متوقَّع» في المواقف، مُولين أهمية أكبر للتصريحات الصادرة من مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، مؤكدين «إمكانية البناء عليها لإقناع الإدارة الأميركية بـ(الخطة العربية)».

التضارب الأميركي بدا واضحاً عقب تصريحات المتحدثة باسم «الخارجية الأميركية» تامي بروس، للصحافيين، الخميس، التي قالت فيها إن الاتفاق المقترَح «لا يلبي الشروط ولا طبيعة ما يطالب به ترمب»، مضيفة أنها «ليست على قدر التوقعات». وجاء حديث بروس، عقب إشادة ويتكوف بجهود مصر «دون أن يؤيد تفاصيل الخطة»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس.

وقال ويتكوف، للصحافيين في البيت الأبيض: «نحتاج إلى مزيد من النقاش بشأنها؛ لكنها تشكل خطوة حسن نية أولى من جانب المصريين». وأضاف أن «الرئيس الأميركي نجح حالياً في تشجيع أشخاص آخرين في الشرق الأوسط (...) على تقديم مقترحات نشطة يمكننا أن ننظر فيها».

كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد اقترح «تهجير الفلسطينيين» من قطاع غزة، وأن تتولى بلاده السيطرة على القطاع، وتحويله إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»، وقُوبل المقترح بانتقادات دولية وعربية واسعة.

وفي مواجهة المقترح الأميركي، أعدّت مصر، بالتعاون مع فلسطين ومؤسسات دولية، خطة للتعافي المبكر، وإعادة إعمار قطاع غزة، من خلال إنشاء صندوق ائتماني، اعتمدتها «قمة فلسطين» العربية الطارئة في القاهرة، الثلاثاء الماضي، «خطة عربية جامعة».

مواطن فلسطيني متأثراً عقب مقتل أحد أقاربه في غزة (أ.ف.ب)
مواطن فلسطيني متأثراً عقب مقتل أحد أقاربه في غزة (أ.ف.ب)

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، أولى أهمية كبرى لتصريحات ويتكوف، وقال: «ما قاله ويتكوف يُعد خطوة يمكن البناء عليها لبدء محادثات مع الإدارة الأميركية بشأن الخطة».

وأوضح أن «ويتكوف مقرَّب من الرئيس الأميركي، وفي موضوع غزة الكلمة الأولى ستكون لترمب»، مشيراً إلى أن «موقف (الخارجية الأميركية) يمكن تعديله بالحوار والمفاوضات»، واصفاً التضارب بأنه «توزيع أدوار بين الإدارات الأميركية المختلفة».

واتفق معه عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان)، الدكتور عبد المنعم سعيد، وقال إن «تصريح ويتكوف هو الأهم والأقرب للدقة بشأن موقف أميركا»، مشيراً إلى أن «الخطة المصرية أُعِدّت استناداً لدراسات مؤسسات دولية، وتتضمن مشروعاً بديلاً وواقعياً لمقترح ترمب».

وأضاف أن «النقطة التي لم تتطرق لها الخطة وكانت الولايات المتحدة، وحتى أوروبا، ترغب في طرحها، هي ما يتعلق بمستقبل حركة (حماس) في قطاع غزة». وأوضح أن «هذه نقطة يمكن التباحث بشأنها مع الأطراف المعنية، والوصول لحل يُرضي جميع الأطراف»، مؤكداً أن «الخطة المصرية (العربية) مرنة وقابلة للتطوير».

وبشأن التضارب الأميركي بين البيت الأبيض و«الخارجية الأميركية»، قال سعيد: «المهم هنا هو تصريحات ويتكوف؛ فهو الأقرب لترمب، أما (الخارجية الأميركية) فمعرفتها بالواقع مبنية على السمع»، على حد قوله.

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)
إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

يُذكر أن ويتكوف أكد، في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، مساء الخميس، اطلاعه على «الخطة العربية»، وقال إنها «تتضمن عناصر جاذبة وتعكس نيات طيبة»، مُبدياً ترحيبه بـ«التعرف على مزيد من التفاصيل بشأن الخطة، خلال الفترة المقبلة»، وفق إفادة لـ«الخارجية المصرية».

في حين عَدّ عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير علي الحنفي، تضارب التصريحات الأميركية «أمراً متوقعاً»، وربطه بـ«مدى إحاطة الأطراف المختلفة بتفاصيل (الخطة العربية) لإعادة الإعمار».

وقال الحفني إنه «يجب ألا نبني مواقف على هذا التضارب؛ بل نترك الأحداث تتفاعل في الداخل الأميركي، مع التركيز على اتخاذ خطوات عملية نحو استكمال اتفاق وقف إطلاق النار، تُمهد الطريق لإعادة الإعمار».

وأضاف أن «مصر لديها من الحكمة ما يمكّنها من التعامل مع مختلف الأطراف»، مشيراً إلى أن «هذا كان واضحاً في الخطة التي قدّمتها استناداً لتقارير مؤسسات دولية، والتي أكدت أنها مرنة وقابلة للتطوير».

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أوضح، في كلمته، خلال «القمة العربية» في القاهرة، الثلاثاء الماضي، أن «بلاده عملت، بالتعاون مع دولة فلسطين والمؤسسات الدولية، على بلورة خطة شاملة متكاملة لإعادة إعمار قطاع غزة، دون تهجير للفلسطينيين، تبدأ بعمليات الإغاثة العاجلة والتعافي المبكر، وصولاً لعملية إعادة بناء القطاع».