من الفيضانات إلى حرائق الغابات: لماذا تلاحق الكوارث كاليفورنيا؟

فرق الإطفاء تكافح حريقاً في لوس أنجليس (أ.ب)
فرق الإطفاء تكافح حريقاً في لوس أنجليس (أ.ب)
TT

من الفيضانات إلى حرائق الغابات: لماذا تلاحق الكوارث كاليفورنيا؟

فرق الإطفاء تكافح حريقاً في لوس أنجليس (أ.ب)
فرق الإطفاء تكافح حريقاً في لوس أنجليس (أ.ب)

عانى جنوب كاليفورنيا من كميات مياه ضخمة قبل أقل من عام. بدأت الأمطار الغزيرة تتساقط في ديسمبر (كانون الأول) وبلغت ذروتها في أوائل فبراير (شباط) الماضي. كان شتاءً حافلاً بالعواصف التي غمرت الطرق والسيارات وأثارت مئات الانهيارات الطينية.

أما الآن، فتأرجح الطقس في الاتجاه الآخر.

اجتاح الجفاف المناظر الطبيعية في جنوب كاليفورنيا بعد أحد أكثر فصول الصيف حرارةً في المنطقة على الإطلاق، والبداية الأكثر جفافاً لموسم الأمطار على الإطلاق. لقد حول كل النباتات التي نمت في أمطار الشتاء الغزيرة إلى فتيل أشعل أسبوعاً لا يمكن تصوره: انتشرت حرائق الغابات خارج نطاق السيطرة في جميع أنحاء أحياء منطقة لوس أنجليس، مدفوعة بعاصفة رياح تحدث مرة واحدة كل عقد.

وقال دانييل سوين، عالم المناخ بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس: «لو شهدنا هطول أمطار غزيرة أو واسعة النطاق في الأسابيع والأشهر التي سبقت هذا الحدث، لما رأينا مدى الدمار الذي نشهده حالياً».

وكاليفورنيا معرضة بشكل فريد لأسوأ ما يلقيه تغير المناخ الناجم عن الإنسان علينا. مناخ البحر الأبيض المتوسط ​​في الولاية تحكمه بالفعل الظواهر المتطرفة؛ فالصيف خالٍ من الأمطار وتهطل غالبية الأمطار في الشتاء. لذا فإن حتى التحولات الصغيرة في أنماط الطقس يمكن أن تدفع الولاية إلى فترات من الفيضانات أو الجفاف الذي يحرق المناظر الطبيعية.

أصبحت هذه التقلبات الهائلة من الظروف الجافة إلى الرطبة إلى الجافة - المعروفة باسم «التقلبات الجوية» - أكثر تواتراً مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وفقاً لدراسة نُشرت يوم الخميس في مجلة «Nature»، وتؤدي هذه التقلبات إلى تفاقم شدة واحتمالات المخاطر مثل حرائق الغابات والفيضانات المفاجئة.

تسببت سلسلة العواصف الغزيرة في كاليفورنيا في الشتاء الماضي بزيادة بنمو النباتات، مما أدى إلى ما قدر سوين أنه ضعف متوسط ​​كمية الغطاء النباتي في المنطقة. وأصبح ذلك بمثابة الوقود لحرائق هذا الأسبوع.

قال سوين، الذي شارك في تأليف الدراسة: «لقد أدى هذا التسلسل من الارتداد في كاليفورنيا إلى زيادة خطر الحرائق مرتين: أولاً، من خلال زيادة كبيرة في نمو العشب والشجيرات القابلة للاشتعال في الأشهر التي سبقت موسم الحرائق، ثم تجفيفها إلى مستويات عالية بشكل استثنائي مع الجفاف الشديد والدفء الذي أعقب ذلك».

الطقس الجاف للغاية كافٍ لإشعال حرائق الغابات. لكن حرائق هذا الأسبوع كانت مشحونة بقوة غير عادية بسبب عاصفة رياح سانتا آنا القوية، وهي إضافة مدمرة إلى الوصفة الخطيرة بالفعل. انتقلت النيران من منزل إلى آخر بواسطة هبات الرياح التي بلغت سرعتها 100 ميل في الساعة، مما يجعل من المستحيل على رجال الإطفاء السيطرة على الحرائق سريعة الحركة.

لقطة جوية تُظهر المنازل المحترقة أثناء حريق باليساديس في لوس أنجليس (أ.ف.ب)

وكلما تأخر هطول الأمطار الشتوية، كلما أصبحت كاليفورنيا ومناخها المتوسطي عرضة لسلوكيات الحرائق المتطرفة.

كان موسم الحرائق في كاليفورنيا ينتهي تاريخياً في أكتوبر (تشرين الأول)، عندما تصطدم الأعشاب والشجيرات التي تحولت إلى فتيل بفعل حرارة الصيف برياح «سانتا آنا»، قبل وصول أمطار الشتاء.

لكن عاصفة الحرائق في لوس أنجليس هي أحدث مثال على عدم وجود موسم حرائق بعد الآن في عالم دافئ.

وفقاً لسوين، كانت هذه بداية الشتاء الأكثر جفافاً على الإطلاق في جنوب كاليفورنيا، ويحذر خبراء الأرصاد الجوية من أن المنطقة ستظل معرضة لخطر «حرائق كبيرة أعلى من المعدل الطبيعي» حتى يناير.

وستظل الحرائق العنيفة محتملةً حتى يتحول الطقس المتطرف إلى رطب وتتلقى كاليفورنيا أمطاراً غزيرة في الشتاء، حيث إن تغير المناخ يجعل التنبؤ بموعد حدوث ذلك أكثر صعوبة.


مقالات ذات صلة

الشرطة: أصدرنا أوامر إخلاء لنحو 153 ألف شخص جراء حرائق لوس أنجليس

الولايات المتحدة​ براندون رود يساعد زوجته على ارتداء قناع وجه خلال تفقُّدهم الدمار الذي لحق منزلهم جراء حرائق لوس أنجليس (رويترز)

الشرطة: أصدرنا أوامر إخلاء لنحو 153 ألف شخص جراء حرائق لوس أنجليس

قال قائد شرطة لوس أنجليس، اليوم الجمعة، إن أوامر إخلاء صدرت لنحو 153 ألف شخص جراء الحرائق، و166 ألفاً آخرين تلقوا إنذارات للاستعداد.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
الولايات المتحدة​ فتح زلاجات الطوارئ لطائرة تتبع شركة «دلتا إيرلاينز» بمطار أتلانتا (لقطة من فيديو)

إصابة 4 ركاب في أتلانتا خرجوا من طائرة بزلاجات الطوارئ

أصيب أربعة ركاب، اليوم الجمعة، بعد إلغاء عملية إقلاع رحلة لشركة «دلتا إيرلاينز» في أتلانتا الأميركية.

«الشرق الأوسط» (أتلانتا)
أوروبا Donald Trump ve Giorgia Meloni, cumartesi günü Mar-a-Lago'da (Reuters)

طموحات ترمب وأطماعه تثير قلق الأوروبيين

تتزايد مخاوف الأوروبيين من السياسات التي سيتبعها الرئيس دونالد ترمب إزاء مجموعة من الملفات التي تشغل أذهان التكتل الأوروبي.

ميشال أبونجم (باريس)
أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يُحيي أنصاره لدى وصوله إلى الجمعية الوطنية لأداء اليمين الدستورية لولاية ثالثة مدتها 6 سنوات في كاراكاس بفنزويلا 10 يناير 2025 (رويترز)

أميركا تندد بتنصيب مادورو رئيساً... وتفرض عقوبات جديدة على فنزويلا

ندّدت الولايات المتحدة، اليوم (الجمعة)، بـ«مهزلة» تنصيب نيكولاس مادورو رئيساً لفنزويلا لولاية ثالثة، وفرضت عقوبات جديدة على كاراكاس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ومحاميه خلال حضور المحاكمة عن بُعد من فلوريدا (أ.ب)

ترمب ينال إطلاق سراح غير مشروط في قضية «أموال الصمت»

حكم قاضٍ، الجمعة، على دونالد ترمب بالإفراج غير المشروط بتهمة التستر على أموال دفعها لإسكات نجمة أفلام إباحية، رغم جهوده لتجنب أن يصبح أول رئيس مُدان.

علي بردى (واشنطن)

الشرطة: أصدرنا أوامر إخلاء لنحو 153 ألف شخص جراء حرائق لوس أنجليس

براندون رود يساعد زوجته على ارتداء قناع وجه خلال تفقُّدهم الدمار الذي لحق منزلهم جراء حرائق لوس أنجليس (رويترز)
براندون رود يساعد زوجته على ارتداء قناع وجه خلال تفقُّدهم الدمار الذي لحق منزلهم جراء حرائق لوس أنجليس (رويترز)
TT

الشرطة: أصدرنا أوامر إخلاء لنحو 153 ألف شخص جراء حرائق لوس أنجليس

براندون رود يساعد زوجته على ارتداء قناع وجه خلال تفقُّدهم الدمار الذي لحق منزلهم جراء حرائق لوس أنجليس (رويترز)
براندون رود يساعد زوجته على ارتداء قناع وجه خلال تفقُّدهم الدمار الذي لحق منزلهم جراء حرائق لوس أنجليس (رويترز)

قال قائد شرطة لوس أنجليس، اليوم الجمعة، إن أوامر إخلاء صدرت لنحو 153 ألف شخص جراء الحرائق، و166 ألفاً آخرين تلقّوا إنذارات للاستعداد.

وأضاف مكتب رئيس شرطة لوس أنجليس، في بيان، أن زهاء 58 ألف بناية معرَّضة للخطر جراء الحرائق، وفقاً لوكالة «رويترز».

سيارات في ساحة عرض بكاليفورنيا دُمرت نتيجة الحرائق (أ.ب)

ولحق دمار هائل بأجزاء كاملة من ثانية مدن الولايات المتحدة، مع انهيار أكثر من عشرة آلاف مبنى، وفق جهاز الإطفاء في كاليفورنيا.

ولم تنجح فرق الإطفاء بعدُ في احتواء الحريق الذي يلتهم حي باسيفيك باليساديس الراقي، الواقع بين ماليبو وسانتا مونيكا، شمال غربي لوس أنجليس، رغم إرسال مروحيات لرش المياه مع تراجع موقت في حدة الرياح التي تؤجج النيران. وبعد فترة هدوء عادت الرياح لتهبّ، ما تسبَّب بحرائق جديدة.

طائرة مروحية تُلقي الماء على الحرائق المشتعلة في التلال الغربية من لوس أنجليس (أ.ب)

كذلك، لا يزال الحريق المستعر في التادينا متواصلاً، مع أن فرق الإطفاء تمكنت تقريباً من وقف انتشاره.

وقال جهاز مكافحة الحرائق في كاليفورنيا، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن النيران التهمت، حتى الآن، أكثر من 14160 هكتاراً في لوس أنجليس. وقد جرى إجلاء أكثر من 180 ألف شخص، في حين ارتفعت حصيلة القتلى إلى عشرة على الأقل.

عناصر من قسم الإطفاء يقفون قرب الحرائق المشتعلة في التلال الغربية من لوس أنجليس (أ.ب)

وهدأت قليلاً الرياح التي بلغت سرعتها أحياناً 160 كيلومتراً في الساعة، حاملة الجمر في الأجواء على مسافة كيلومترات، لكنها لم تخفت تماماً، في حين تعاني التلال جفافاً حاداً جداً. وقالت السلطات إن الظروف «لا تزال خطرة جداً».

وحذَّرت رئيسة بلدية لوس أنجليس كارين باس من أن «الرياح لا تزال استثنائية بقوتها».

الرياح تبعثر الجمرات المشتعلة في لوس أنجليس (رويترز)

وتؤثر الحرائق في النشاط السينمائي بهوليوود، فقد توقَّف تصوير أفلام ومسلسلات عدة، في حين أغلق متنزه «يونيفرسال ستوديوز» الترفيهي في هوليوود.

وأرجئ إعلان الترشيحات لجوائز الأوسكار إلى 19 يناير (كانون الثاني) الحالي، بدلاً من يوم 17 منه، فضلاً عن مراسم توزيع جوائز النقاد التي كان يُفترض أن تقام الأحد.

عناصر الإطفاء تكافح الحرائق في لوس أنجليس (رويترز)

والرياح التي تهبُّ راهناً معروفة باسم «سانتا آنا»؛ وهي مألوفة في فصلَي الخريف والشتاء بكاليفورنيا، لكن، خلال الأسبوع الحالي، بلغت درجة غير مسبوقة منذ عام 2011، وفق ما أفاد خبراء الأرصاد الجوية.

وتُشكل هذه الرياح كابوساً للإطفائيين؛ لأن كاليفورنيا عرفت سنتين ماطرتين جداً أدتا إلى إنعاش الغطاء النباتي الذي يبس، الآن، بسبب الشتاء الجاف الذي تشهده المنطقة. ويشير العلماء بانتظام إلى أن التغير المناخي يزيد تواتر الظواهر الجوية القصوى.