«سامي»: في البداية كنت أبكي أمام الصور ثم تبلّدت مشاعري

«مهرّب» ملفات التعذيب السورية لـ«الشرق الأوسط»: عشت مع الضحايا كأنهم أصدقائي (الحلقة الثالثة الأخيرة)

TT

«سامي»: في البداية كنت أبكي أمام الصور ثم تبلّدت مشاعري

من معرض سويسري لصور الضحايا في «ملفات قيصر» (أ.ف.ب)
من معرض سويسري لصور الضحايا في «ملفات قيصر» (أ.ف.ب)

في الحلقة الأخيرة من مقابلته الموسّعة مع «الشرق الأوسط»، يروي أسامة عثمان، «مهرّب» ملفات التعذيب السورية المعروفة باسم «ملفات قيصر»، كيف عاش لسنوات مع صور الضحايا حتى باتوا «كأنهم أصدقائي».

ويحكي كيف كان يبكي في البداية أمام الصور «ثم تبلدت مشاعري». ويقول: «عندما كنت أبكي كنت متأكداً أنني لا أزال إنساناً، لكن عندما أصبحت أنظر إلى هذه الصور بنوع من البرود فقط لأبحث عن صورة أحسست أنني غريب عن نفسي... بشار الأسد شوّه الضحايا من الخارج وشوّهنا من الداخل».

وقال عثمان الذي عُرف على مدى 11 عاماً باسمه الكودي «سامي» قبل أن يكشف عن هويته عبر «الشرق الأوسط»، إن «أكثر ما يؤلمك أن تسمع أقارب ضحية يتعرفون عليه من الصور ويقولون: الحمد لله أنه مات وأنهم خرجوا من آلام الانتظار... تقولها أم أو زوجة بحرقة تكاد تفطر الفؤاد».

وشارك «سامي» أبرز ما استوقفه في الصور التي بلغ عددها نحو 27 ألفاً، مثل «وجود أكثر من صورة يحمل فيها الضحية وشماً كبيراً لبشار الأسد على صدره»، أو ابتسامات عناصر الأمن أمام الجثث المشوهة بآثار التعذيب «وكأنهم في منطقة سياحية». وفيما يلي نص الحلقة:

«كأنهم أصدقائي»

* كيف استطعت احتمال رؤية هذا الكم الهائل من صور التعذيب؟

- أول صور وصلتني من «قيصر» كانت مؤلمة جداً. أنت لا تتصور. يمكنك أن ترى رجلاً أطلق عليه النار وقُتل في مواجهة عسكرية أو في جريمة جنائية عادية وتستطيع أن تتفهم الذي حصل. لكن أن تصل إلى يديك صور تظهر على صدور الضحايا آثار الحرق في مواضع متعددة!

عندما أرى هذه الصور أتعايش معها. أحس أن هذا الرجل هو أخي، هو أبي. ربما يتضاعف الألم هنا. أشعر بآثار الحرق على هذه الجثة وكأنه على صدري. ما الذي دفع المجرم إلى التنكيل بهذه الضحية بهذا الشكل؟ أقتله! أحكم عليه بالقتل! إذا كان دخل إلى السجن لكي يموت فيه، فاقتله. لماذا تقوم بالتعذيب بهذه الطريقة الهمجية؟ نحن لم نر عبر التاريخ نظاماً يصرف هذه الإمكانات لكي يقوم باحتجاز أعداد هائلة جداً من المواطنين، ويقوم بتعذيبهم بهذه الطريقة التي لا تستطيع العقول البشرية السوية أن تتخيلها.

* هل كنت تعاني من الأرق وقلة النوم. هل كنت تبكي مثلاً؟

- في المراحل الأولى لا تستطيع أن تمنع نفسك من البكاء، لأن هؤلاء الأشخاص ليسوا مجرد أرقام. هؤلاء الأشخاص لديهم أمهات تنتظرهم. لديهم أبناء. لديهم إخوة. لديهم قصة حياة. بشار الأسد حوّل هؤلاء إلى صورة ورقم، وحتى الآن بعد 10 سنوات من خروجنا لسوريا لدينا آلاف الصور التي تحمل أرقاماً من دون أسماء. لا نستطيع أن نعرف صاحب هذه الصورة ما اسمه، وكان لدينا أمل أنه عندما يسقط النظام نستطيع أن نحصل على السجلات التي تربط أسماء هؤلاء بأرقامهم، ونحن حتى هذه اللحظة لم نحصل عليها.

لذلك نعمل الآن في منظمة «ملفات قيصر للعدالة» مع بعض الجهات كي يكون لدينا تطبيق يمكنه مقارنة صور المفقودين التي قد يقدمها الأهالي مع الصور التي لدينا بالطريقة التي تتبعها عادة أجهزة البحث الجنائي في الدول، وتعتمد ربما على قياسات الجمجمة وعلى بعض التفاصيل الأخرى التي لا يمكن للعين المجردة أن تقوم بملاحظتها.

* قلت إنك كنت تبكي في البداية وتتأثر كثيراً بالصور. ماذا حدث لاحقاً بعد سنوات من العيش مع صور الضحايا والتعذيب؟

- بشكل طبيعي عندما يتكرر تصفح هذه الصور عشرات المرات - وهذه آلاف الصور - فأنت تمر أمامك الصورة. عندما سألتني عن موضوع الجثث والضحايا، فأنا في ذهني مباشرة الفرع 227 بعدّه الفرع الذي تكثر فيه حالات اقتلاع العيون. هذا لأنني شاهدت هذه الصور مئات المرات. الفرع 215 هو الفرع الذي قام بأكبر عدد ممكن من الانتهاكات تجاوزت نصف إجمالي هؤلاء الضحايا. هذه الأرقام حُفِرت بذاكرتي، كما حُفِرت صور الضحايا في السنوات الأولى. وصلت إلى مرحلة ربما إذا رأيت صورة أقول لك هذه من الفرع الفلاني.

سورية ضمن مجتمعين أمام سجن في دمشق غداة سقوط الأسد أملاً بجلاء مصير ذويهم المفقودين (أ.ف.ب)

أصبح هؤلاء كأنهم أصدقائي. بعض الصور كان يبدو فيها على الضحية أنه في اللحظة الأخيرة كان يصرخ. مات وفمه مفتوح. هذه الصرخة التي لم يسمعها سوى الله وصلت إلينا عبر الصورة. أحسست أنني كنت أعيش معه، أحسست أنه يطلب شيئاً ويكلفنا ويحملنا أمانة.

في السنوات التالية، وكأن مشاعرنا قد تبلدت. وهذا كان أمراً محزناً. يعني، عندما كنت أبكي كنت متأكداً أنني لا أزال إنساناً. لكن عندما أصبحت أنظر إلى هذه الصور بنوع من البرود فقط لكي أبحث عن صورة، أحسست أنني غريب عن نفسي. بشار الأسد جعلنا نتشوه، ليس من الخارج فقط كما فعل بهؤلاء الضحايا، ولكن من الداخل أيضاً.

* جرت عمليات قتل في المستشفيات كما سمعنا... هل ضلع أطباء في عمليات التعذيب؟

- من خلال الملف الذي خرجنا به من سوريا، كانت لدينا صور كما ذكرت قبل قليل لأشخاص لا تزال الأنابيب في أذرعهم واللصقات الطبية على أجسادهم. الكثيرون ممن يتضح أنهم كانوا في المستشفيات وانتُزعوا منها وكانوا يتعالجون بطريقة أو بأخرى لا أعرف ما الذي حصل لهم بالتحديد. هل هم اعتقلوا وأخذوا إلى المشفى أو هم مرضى ودخلوا المشفى ثم اعتقلوا من هناك؟

لا أستطيع أن أجزم بهذا الأمر ولا أبت في هذه التفصيلة لأنها تحتاج إلى أدلة أخرى لا أملكها بالتأكيد. شهدنا بعض المحاكمات في ألمانيا لأطباء اتهموا بارتكاب انتهاكات ضد المعتقلين، وهذا الأمر - إذا خرجنا من إطار البحث الحقوقي الصارم والذي لا يأخذ إلا بالأدلة - نجد كثيرين من الناحية الشعبية يتداولون هذه القصص حوله. ولكن كما ذكرت قبل قليل أي تداول إعلامي أو شعبي لعمليات القتل والتعذيب لا يكون له سند قانوني حقيقي لا يصمد للأسف أمام أي قاضٍ في أي محكمة في العالم.

التعرف على الضحايا وآلام الانتظار

* كشفت الصور عن مصير حالات مفقودين. هل اتصل بك أقارب لأصحاب الصور، وماذا كان شعورك تجاه هؤلاء؟

- على فترات متقاربة أو متباعدة كانت تأتيني صور بعض الأشخاص يشتبه ذووهم بأنهم قد يكونون من الضحايا الذين وردوا في ملف قيصر، وأحاول بالوسائل الطبيعية مساعدتهم. أقوم بتصفح آلاف الصور والمقارنة. أتنقل بعيني بين الصورة التي أرسلها الإخوة وصور «قيصر» وأحاول أن أجد ملامح الشبه. هذا الأمر كان يستغرق مني وقتاً طويلاً جداً حتى أستطيع أن أجد صورة فعلاً مشابهة لتلك الملامح في غالب الأحيان.

في غالب الأحيان عندما نرسل صورة الجسد الكامل للضحية إلى الأهل، لا يكون هو. وفي حالات قليلة يكون هو، وأكثر ما يؤلمك أن تسمع كلمة «الحمد لله. الحمد لله». لماذا؟ لأنه مات. الحمد لله تقولها أم أو زوجة بحرقة تكاد تفطر الفؤاد. أهل الضحية يقولون لك: الحمد لله أنه مات وأنهم خرجوا من حالة الانتظار وآلام الانتظار. هذا ينقلك إلى التفكير بمن أوصلهم إلى هذه الحالة، أن تصل الأم أن ترى ابنها معذباً بهذا الشكل وميتاً وتقول الحمد لله.

لدينا صور لبعض الأشخاص الذين فقدوا عيونهم. هناك صورة لضحية في فرع المخابرات الجوية، وهناك وشم على أسفل الصدر إلى ما فوق السرة بقليل لبشار الأسد وتحته مكتوب سوريا الأسد. هذا الرجل تم قتله تحت التعذيب في فرع المخابرات الجوية في دمشق.

في صورة أخرى عدد كبير من الضحايا من الجثث الملقاة في العربة وتنتمي إلى عدد من الفروع وليست من فرع واحد. وفي خلفية الصورة هناك جثث تم صفها بجانب بعضها وجثث ألقيت في العراء خارج المرأب، وهناك بعض الأعضاء المتعفنة. ما يثير الحسرة في هذه الصورة هو جندي تابع للنظام يبتسم ابتسامة تجعلك تشك في مشاعرك تجاه هذا المنظر بالكامل. هل هذا الشخص يبتسم سعادة أو هو يبتسم نتيجة أنه فقد الإحساس بما يجب أن يفعله حيال منظر بهذه القسوة؟

لدينا صورة لعناصر في أحد المشافي يبتسمون في صورة تذكارية كما لو أنهم في منطقة سياحية. وفي الخلفية نرى جثثاً يتم تغليفها بالنايلون، وهناك جثث أيضاً على الطاولات، وهذه جثث في الأرض، ويبدو من الطرف الآخر بعض الأطراف. ففعلاً كان ممرات المشافي تستخدم لتغليف الجثث.

لدينا صور ذات دقة عالية للعيون المفقودة بحيث يستطيع الطبيب الجنائي أو الطبيب الشرعي أن يحدد مدى الإصابة وما التلف الذي قامت به الحشرات على الجثة التي بين يدينا. لا أريد أن أستعرض الكثير، ولا أريد أن أزيد على هذه الصور أكثر من ذلك لأن الأمر مؤلم لمن يشاهدونه ومؤلم لأقارب هؤلاء الضحايا. وصلت رسالتنا إلى العالم وفهم العالم مؤخراً مدى إجرام هذا النظام الذي كشفت عنه صور «قيصر» قبل 10 سنوات. واليوم، كشفت عنه المؤسسات الأمنية والسجون ومن كانوا فيها، قبل أن يصبحوا في مرحلة هذه الصور.

محاكمة بشار الأسد

* حين سمعت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منح بشار الأسد اللجوء الإنساني، بماذا شعرت؟

- من بداية التدخل الروسي في سوريا في 2015، كان النظام الروسي شريكاً في جرائم النظام السوري. وكانت نظرتنا إلى المسؤولين الروس على أنهم شركاء حقيقيون للنظام وربما تقع على عاتقهم مسؤولية أكبر من مسؤولية النظام نفسه، لذلك لم نستغرب أن يلجأ بشار الأسد إلى روسيا ولا أعتقد أن هذا اللجوء سيستمر طويلاً، لأننا سنسعى بكل قوة إلى استعادة بشار الأسد واستعادة الأموال المنهوبة ومحاكمته في دمشق.

* هل تتوقع أن تأتي ساعة تقف فيها في المحكمة ويكون بشار الأسد في القفص؟

- أرجو أن أعيش حتى أرى هذه اللحظة كما أمد الله بعمري حتى سمعت خبر سقوط بشار الأسد وتحرر دمشق.

* هل تعتقد أن بشار الأسد كان يعرف ما يجري في السجون السورية؟

- إذا كنت تسألني عن رأيي الشخصي، فنحن في سوريا لا يحصل شيء لا يعلم به الرئيس. هذا نظام قمعي أمني يجلس على رأس الهرم شخص اسمه بشار الأسد أو حافظ الأسد سابقاً، ولا يمكن أن يقوم موظف في الأجهزة الأمنية التابعة لهذا النظام بتصرف لا يرضى عنه رئيس هذا النظام.

ليس لدينا في ملفنا أي وثيقة تحمل توقيع بشار الأسد، لذلك من الناحية القانونية تقع المسؤولية على عاتق رؤساء الأجهزة الأمنية بشكل مباشر كتسلسل أوامر. لكن في سوريا الجميع يعلم أن ما يحصل في أصغر فرع أمني وسجن هو أمر ممنهج ومخطط يعلم به ويرضى عنه رأس النظام.

* هل لاحظتم أن الضحايا ينتمون إلى منطقة معينة أو طائفة معينة أو انتماء ما؟

- الضحايا في ملف قيصر هم سوريون، ونحن ندافع عن كل السوريين. إذا كانت الضحايا لدينا تحمل أرقاماً وليس أسماء فكيف لي أن أعرف أن هؤلاء ينتمون إلى طائفة معينة وهؤلاء ينتمون إلى طائفة أخرى.

هناك مؤشرات يمكن أن نأخذ بها. لدينا صور تحمل أوشاماً على أجساد الضحايا. وقد تفاجأ إذا قلت لك إن هناك أكثر من صورة، يحمل الضحية وشماً كبيراً لبشار الأسد على صدره. فأنت تقول هذا الرجل من مؤيدي بشار الأسد. لا أعلم من أي طائفة، لكن هذا الرجل وصل إلى مرحلة أن يضع وشماً على كامل جسده بصورة بشار الأسد فأكيد أنه يحب بشار الأسد.

من معرض سويسري لصور الضحايا في «ملفات قيصر» (أ.ف.ب)

هناك أوشام أيضاً لغير سوريين - ربما - وأقول ربما لأن وشم خريطة فلسطين مثلاً ليس خاصاً بإخوتنا الفلسطينيين لأننا جميعاً نحب فلسطين، لكن يغلب الظن هنا أن تقول ربما هذا الرجل فلسطيني من إخوتنا الفلسطينيين في سوريا.

من خلال هذه الأوشام يمكن لك أن تظن أو تتنبأ بأن هذا الرجل لديه الميل السياسي الفلاني أو ينتمي إلى الدولة الفلانية. لكن لا أستطيع ولا أزعم أن هؤلاء الضحايا كانوا من طائفة معينة لأنني لا أملك الدليل. عندما أستطيع ربط الأسماء مع الأرقام وينتهي هذا العمل الشاق، أستطيع أن أقول إن نسبة كبيرة من هؤلاء كانوا من الطائفة الفلانية أو لا.

المعركة الحقيقية في سوريا

* هل تعتقد أن سوريا جديدة في طريقها إلى الولادة قريباً؟

- إن شاء الله، ولكن أنا لا أريد أن أكون متشائماً. المعركة الحقيقية لبناء سوريا بدأت يوم 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024 بسقوط الأسد وتحرير دمشق. المعركة بدأت الآن، وما سبق كان فقط كسراً لهذا النظام القمعي وإزاحة رأس النظام فقط.

* متى سترجع إلى سوريا؟

- أنا أتحين الفرصة لكي أرجع إلى سوريا في أقرب وقت ممكن. لدي بعض الترتيبات الإدارية. إجراءات إدارية فقط. لو كان الأمر متاحاً ربما كنت من اليوم الأول قد ذهبت إلى سوريا، لكن هناك عقبات إدارية كثيرة تحول الآن بيني وبين الذهاب.

* هل لا يزال لديك خوف بسبب دورك في ملفات قيصر؟

- الخوف الذي كان قائماً ربما هو الآن مستمر، والمبررات التي دفعتنا لأن نخفي أسماءنا لأننا نخشى على أنفسنا وعائلاتنا ربما لا تزال قائمة. المخاطر أصبحت أكبر لأن النهج أو المبدأ الذي نسير عليه الآن هو المطالبة بمحاسبة ومساءلة كل من ارتكب جرائم ضد أبناء الشعب السوري. هذا الأمر يعني أن هناك الآلاف من الأشخاص الذين لا يعجبهم هذا النهج أو هذا المبدأ الذي نسعى إليه، لذلك نعم هناك خطورة كبيرة، وأنا مدرك لحجم هذا الخطر. وأنوي أن أسير في هذا الطريق وأتحمل النتائج كافة التي تترتب على القرار الذي اتخذته. لو كان بإمكاني أن أحقق شيئاً وأنا مختفٍ لفعلت، ولكن وصلنا إلى مرحلة بات ظهورنا وتقدم الملف أمرين متلازمين.

* يعني هل قيصر يفكر في الرجوع إلى سوريا؟

- أترك إجابة هذا الأمر له.

سيرة ذاتية

* أين ولدت وماذا درست؟

- أنا ولدت في سوريا في مدينة التل من ريف دمشق عام 1966. درست في سوريا. أول سنوات دراستي الابتدائية كانت في ليبيا في مدينة بنغازي التي أحبها كثيراً. أكملت دراستي بعد ذلك في مدينة التل ودرست في جامعة دمشق الهندسة المدنية.

* أين عملت بعد تخرجك؟

- عندما تخرجت كان هناك قانون فرضه حافظ الأسد أن كل مهندس يتخرج يجب أن يخدم في مؤسسات الدولة لمدة 5 سنوات، فكان لابد من أن تكون موظفاً في هذا النظام، وأنا أقول النظام لأنني أعتقد أن نظام بشار الأسد ليس فقط المؤسسات الأمنية بل كل مؤسسة خدمية في سوريا هي مؤسسة تنتمي إلى نظام الأسد وتجري عليها الأحكام الأمنية نفسها وكذلك الرقابة الأمنية الشديدة. بالنهاية كلها مؤسسات أمنية. لذلك كنت مضطراً أن أمضي فترة خدمة في إحدى مؤسسات الدولة في محافظتنا. كنا على الأغلب بصفتنا مهندسين مدنيين نذهب إلى وزارة الإدارة المحلية ويتم توزيعنا على البلديات فبدأت في بلدية رنكوس في القلمون بريف دمشق.

بعد ذلك، حصلت مشكلة مع رئيس البلدية ومع المحافظ في ذلك الوقت كان المجرم علي زيود، وتم نفينا إلى بلديات أبعد فخدمت أيضاً، لعام تقريباً أو أقل، في بلدية قرية في أعالي القلمون اسمها حوش عرب.

* مشكلة سياسية؟

- لا، لا. مشكلة إدارية. نحن عندما تسلمنا العمل في هذه البلدية أنا وزملائي المهندسون، وللصدفة كلنا من مدينة التل، كنا نسيّر شؤون الناس، يعني أنت تحتاج إلى ترخيص وأمورك نظامية فخذ ترخيصك واذهب وابن. عندك مشكلة أو تجاوز، نحلها بإنسانية ونحلها بأبسط الطرق. هذا الأمر لم يكن يناسب جو العمل في البلديات التي تقوم على دائرة من الرشوة والابتزاز. رئيس البلدية في النهاية قال: «إذا أنا لم آخذ أموالاً من الناس، فكيف أستطيع أن أعطي المال للمحافظ؟ يعني ببساطة إذا أنتو ما خليتوني آخذ رشوة من الناس، شلون بدفع الرشوة للمحافظ؟».

* هل كان يفترض أن تنتمي إلى حزب «البعث» مثلاً؟

- ليس بشكل إلزامي، ولكن لن تكون أمورك بخير إذا لم تكن منتمياً إلى الحزب. في الصف العاشر طلبني مدير المدرسة رحمه الله، وقال لي: أنت من الأوائل أنت وفلان، ويجب أن ندخل في «شبيبة الثورة» ونصبح أعضاء في حزب «البعث»، لأن عدم دخولكم سيجعل الآخرين يدخلون ونحن نريد عناصر جيدة، ومن هذا الكلام. رفضت والآخر الذي كان معي رفض. هو اعتقل بعد أسبوع ومات. بعد عدة سنوات عرفنا أنه قُتل من دون أن نعرف الملابسات.

أنا أصبحت متوتراً، فلدينا ضابط تدريب عسكري في المدرسة ولدينا موجه ولدينا المدير. هذا يرسلني إلى هذا لكي يقنعني ثم يعود إلى هذا لكي يقنعني، وفي آخر المطاف أنا أتحجج بأن أبي مسافر. قلت له: أسأل أبي، أسأل فلاناً، أسأل... في النهاية، قال لي: الآن هل ستكون معنا في حزب «البعث» أو لا؟ قلت له: لا. قال لي «اطلع برا». كلمة «اطلع برا» معناها أن لها ما بعدها، وأنا قلق. كنت طفلاً. كان عمري 16 سنة.

* لم تنتمِ إلى الحزب قطّ؟

- نعم، لم أنتمِ إلى الحزب قطّ. بعد ذلك مرت الأمور رغم هذه التوترات. كانوا يعتقلون الأساتذة. ونحن في المدرسة كنا في طابور الصباح عندما دخلت دورية من الأمن السياسي واعتقلوا أستاذ مادة التربية الدينية أمام أعيننا، ثم ما علمناه فيما بعد أنه قُتل.

* بأي تهمة؟

- في ذلك الوقت، كنا نعيش مرحلة «الإخوان المسلمين» والصراع ما بين النظام و«الإخوان»، و«الطليعة المقاتلة» في تلك الفترة كانت تعمل في دمشق وفي المدن السورية الأخرى، لذلك كانت أول تهمة لأي شخص «أنت إخوان... أبوك إخوان... قريبك إخوان». جو أمني نعيشه في المدرسة ونحن صغار. لم أنتم إلى الحزب، ولم أكن قط - لا في المدرسة ولا في الجامعة ولا بعد ذلك - في هذا الحزب ولا في غيره.

* انتميت إلى أي حزب آخر؟

- مطلقاً. أنا اليوم أنتمي إلى منظمة «ملفات قيصر للعدالة». وهذا العمل الحقوقي يجب أن يكون منزهاً عن أي انتماء سياسي آخر مهما كان واسع الطيف. هذه المنظمة كي تدافع عن جميع السوريين فيجب ألا يسيّس هذا الملف الإنساني أبداً.


مقالات ذات صلة

سوريا وتركيا تتهمان «قسد» بالمماطلة بتنفيذ اتفاق الاندماج وسط تصعيد في حلب

شؤون إقليمية وزراء الخارجية والدفاع السوريون والأتراك خلال لقائهم في دمشق (الدفاع التركية - إكس)

سوريا وتركيا تتهمان «قسد» بالمماطلة بتنفيذ اتفاق الاندماج وسط تصعيد في حلب

اتهمت أنقرة ودمشق «قسد» بالمماطلة في تنفيذ اتفاقية الاندماج في الجيش السوري الموقعة في 10 مارس الماضي، وأكدتا رفض أي محاولات للمساس بوحدة سوريا واستقرارها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ف.ب)

الرئيس السوري يهنئ الشعب برفع عقوبات «قيصر» ويؤكد بدء مرحلة البناء

رحّب الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الجمعة، برفع الولايات المتحدة نهائياً العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة تمهّد لعودة الاستثمارات إلى البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي تجمع الناس خلال مسيرة إحياءً للذكرى السنوية الأولى للإطاحة بنظام بشار الأسد في إدلب (إ.ب.أ) play-circle

سوريا تُرحّب بإلغاء «قانون قيصر»: خطوة نحو التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار

رحّبت وزارة الخارجية السورية، اليوم (الخميس)، بتصويت مجلس النواب الأميركي أمس لصالح إلغاء «قانون قيصر».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مجلس الشيوخ الأميركي (أ.ف.ب) play-circle

«النواب الأميركي» يقرّ إلغاء «عقوبات قيصر» المفروضة على سوريا

أقر مجلس النواب الأميركي، الأربعاء، مشروع قانون يتضمن إلغاء عقوبات «قيصر» التي كانت مفروضة على سوريا، وذلك ضمن مناقشته مشروع موازنة الدفاع للعام 2026.

واشنطن بوست
المشرق العربي وزير الخارجية أسعد حسن الشيباني يلقي كلمة خلال فعالية اليوم العالمي لحقوق الإنسان (حساب إكس)

للمرة الأولى في تاريخها... دمشق تحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان

تحت شعار «نهج حقوق الإنسان في إعادة الإعمار» دمشق تحدد يوماً للاحتفال بالتعاون بين المفوضية السامية ووزارة الخارجية

«الشرق الأوسط» (دمشق)

إصابة رضيعة فلسطينية بهجوم مستوطنين في الضفة الغربية

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)
TT

إصابة رضيعة فلسطينية بهجوم مستوطنين في الضفة الغربية

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)

أصيبت رضيعة فلسطينية من جراء هجوم نفّذه مستوطنون على منزل في الضفة الغربية المحتلة، بحسب ما أفاد الإعلام الرسمي الفلسطيني الخميس، بينما أعلنت الشرطة الإسرائيلية توقيف خمسة مستوطنين للاشتباه بضلوعهم في الاعتداء.

وأفادت «وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية» (وفا) بإصابة «الرضيعة ميار الشلالدة (8 أشهر) بجروح في الوجه والرأس» من جراء «هجوم للمستعمرين على منازل المواطنين في بلدة سعير شمال شرقي الخليل» بالضفة الغربية.

وأوضحت أنه إثر الهجوم الذي وقع في وقت متأخر من مساء الأربعاء، تمّ نقل الطفلة إلى المستشفى حيث «وصفت إصابتها بالمتوسطة، كما لحقت أضرار كبيرة بممتلكات ومنازل المواطنين».

بدورها، أعلنت الشرطة توقيف خمسة من المشتبه بهم على خلفية «تورّطهم المزعوم في حوادث عنف خطيرة في قرية سعير».

جنود إسرائيليون يسيرون خلال جولة أسبوعية للمستوطنين في الضفة الغربية (رويترز)

وأضافت في بيان أن قوات الأمن تلقت بلاغات عن «قيام مدنيين إسرائيليين برشق منزل فلسطيني بالحجارة»، مشيرة إلى إصابة طفلة فلسطينية من جراء ذلك.

وأوضح البيان أن «التحقيق الأولي حدّد تورّط عدد من المشتبهين الذين قدموا من بؤرة استيطانية قريبة»، في إشارة إلى المستوطنات غير المعترف بها رسمياً من قبل السلطات الإسرائيلية.

من جهة ثانية، أكد الجيش الإسرائيلي تورط جندي احتياط في واقعتين في قرية دير جرير شمال شرقي رام الله، وأشار إلى «لقطات تظهر شخصاً مسلحاً يدهس فلسطينياً».

وأظهر مقطع فيديو انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي رجلاً يقود مركبة رباعية الدفع ويحمل سلاحاً على ظهره بينما يصدم فلسطينياً كان يصلي على جانب الطريق.

وبحسب بيان الجيش فإن المسلح «جندي احتياط» وهو متورط في واقعة ثانية في محيط قرية دير جرير حيث «استخدم سلاحه وهو بملابس مدنية».

وعدّ الجيش الإسرائيلي في بيانه ما جرى «انتهاكاً صارخاً»، مؤكداً أنه تم سحب سلاحه وإنهاء خدمته كجندي احتياط.

وأظهرت اللقطات أيضا جندي الاحتياط وهو يعتدي على سائق إحدى مركبات الأجرة الذي تواصلت معه «وكالة الصحافة الفرنسية» ويدعى مجدي أبو مخو وهو والد الشاب الذي تم دهسه.

وقال أبو مخو إن «مستوطنين أغلقوا مدخل القرية ما استدعى توقف السيارات»، الأمر الذي دفع ابنه محمداً (23 عاماً) للنزول «وأداء صلاة الظهر في الشارع».

وبحسب أبو مخو «حاولت أن أنادي على محمد ليصعد إلى السيارة ونغادر المكان، فقام المستوطن برشنا بغاز الفلفل».

وأكد الأب أنه لم يعد «قادراً على الرؤية، قام شاب بقيادة السيارة وأخذنا إلى مركز الطوارئ في قرية سلواد» القريبة.

وبحسب الأب، يعاني ابنه من آلام في الرجلين بسبب الدهس.

جنود إسرائيليون خلال عملية عسكرية في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

ووضح أبو مخو أن المستوطن «معروف، بنى بؤرة استيطانية بالقرب من القرية، دائماً ما يأتي بالبقر الذي لديه ويغلق الطريق ويستفز السكان هو ومستوطنون آخرون».

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) قد أفاد بأن شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2025 كان الأسوأ من حيث عنف المستوطنين، منذ بدء توثيق هذه الحوادث عام 2006، حيث سُجّل 264 هجوماً أسفرت عن إصابات أو أضرار بالممتلكات.

ارتفعت وتيرة العنف في الضفة الغربية المحتلة بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023.

وقُتل مذاك ما لا يقل عن 1028 فلسطينياً، بينهم مسلحون، على أيدي القوات أو المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، وفق أرقام وزارة الصحة الفلسطينية.

في الفترة ذاتها، قُتل ما لا يقل عن 44 إسرائيلياً بينهم جنود، في هجمات نفّذها فلسطينيون أو خلال عمليات عسكرية إسرائيلية، بحسب الأرقام الرسمية الإسرائيلية.


جنرالات هاربون يخططون لتمرد في سوريا من المنافي

المارة في شارع مزين خلال احتفالات عيد الميلاد في اللاذقية الخميس بعد عام من فرار بشار الأسد وسيطرة المعارضة السورية على البلاد (إ.ب.أ)
المارة في شارع مزين خلال احتفالات عيد الميلاد في اللاذقية الخميس بعد عام من فرار بشار الأسد وسيطرة المعارضة السورية على البلاد (إ.ب.أ)
TT

جنرالات هاربون يخططون لتمرد في سوريا من المنافي

المارة في شارع مزين خلال احتفالات عيد الميلاد في اللاذقية الخميس بعد عام من فرار بشار الأسد وسيطرة المعارضة السورية على البلاد (إ.ب.أ)
المارة في شارع مزين خلال احتفالات عيد الميلاد في اللاذقية الخميس بعد عام من فرار بشار الأسد وسيطرة المعارضة السورية على البلاد (إ.ب.أ)

كانوا من كبار رجال الاستخبارات والجنرالات في عهد بشار الأسد، ومارسوا على مدار أكثر من عقد قمعاً وحشياً ضد انتفاضة شعبية في سوريا. والآن، بعد عام من فرارهم إثر سقوط نظام الأسد، يخططون لزعزعة الحكومة الوليدة، التي أطاحت بهم، وربما استعادة سيطرتهم على جزء من البلاد.

أما في ما إذا كان هؤلاء المسؤولون من النظام السابق يشكلون بالفعل تهديداً حقيقياً للسلطات السورية الجديدة، فمسألة لا يزال يكتنفها الغموض؛ ومع ذلك، يتضح بما لا يدع مجالاً للشك، من خلال مقابلات أجرتها صحيفة «نيويورك تايمز» مع مشاركين في تلك التحركات، وبالاطلاع على مراسلات جرت بينهم، أنهم عازمون على إعادة بسط نفوذهم في سوريا، التي لا تزال تعصف بها التوترات بعد أكثر من 13 عاماً من اشتعال حرب أهلية.

في خضم ذلك، تعكف بعض هذه القيادات السابقة على بناء حركة تمرد مسلح من المنفى، ويدعم أحدهم مجموعة تقف وراء حملة ضغط (لوبي) في واشنطن، تقدر تكلفتها بملايين الدولارات. ويأمل العديد منهم في إحكام السيطرة على الساحل السوري، معقل الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الأسد وكثير من كبار قادته العسكريين والأمنيين.

غياث سليمان دلا الجنرال في الفرقة الرابعة (مواقع تواصل)

عن ذلك، قال غياث الدلا (45 عاماً)، القائد السابق في الفرقة الرابعة، التي كانت تثير الرعب في سوريا في وقت مضى، خلال مكالمة هاتفية مع أحد مرؤوسيه، أبريل (نيسان) الماضي، من لبنان، جرى التنصت عليها دون علمه: «لن نبدأ حتى نتسلح بالكامل».

وجاءت هذه المحادثة ضمن عشرات المحادثات النصية والمكالمات الصوتية والمحادثات الجماعية، التي جرى نسخها ومشاركتها مع الصحيفة، من قبل مجموعة من النشطاء السوريين، الذين قالوا إنهم اخترقوا هواتف قادة كبار في نظام الأسد قبل سقوطه، وما زالوا يراقبونهم منذ ذلك الحين.

وراجعت الصحيفة هذه المواد، وتحققت من تفاصيلها مع مسؤولين سوريين يراقبون هؤلاء القادة السابقين، وكذلك مع أشخاص على تواصل أو يعملون مع الذين جرى اختراقهم. وقد شارك النشطاء جزءاً فقط من المواد التي بحوزتهم، وطلبوا عدم كشف هويتهم، حفاظاً على قدرتهم على الاستمرار في المراقبة.

متهمان بجرائم حرب

سهيل الحسن الملقب بـ«النمر» (إكس)

من أبرز الشخصيات التي تدور حولها هذه الجهود سهيل الحسن، قائد القوات الخاصة السابق بنظام الأسد، وكمال حسن، الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية. وكلا الرجلين يخضع لعقوبات دولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.

وتكشف المراسلات النصية والمقابلات مع المشاركين أنهما وزّعا أموالاً، وجندا مقاتلين، وتولت شبكة سهيل الحسن شراء أسلحة. يذكر أن الرجلين توجها إلى المنفى في موسكو رفقة الأسد، في ديسمبر (كانون الأول) 2024، لكن يبدو أن كليهما قادر على السفر، رغم العقوبات الدولية.

كمال الحسن الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية السورية

وحسب مراسلات نصية تتعلق بموقعه، التقى سهيل الحسن بمتعاونين معه في لبنان والعراق، وحتى داخل سوريا، خلال العام الماضي.

كما أشارت مضامين رسائل إلى أن كمال حسن زار لبنان. وقد أكد ذلك مساعد له وشخص جرى تجنيده للعمل لحسابه، وأحد معارفه الذين قالوا للصحيفة إنهم التقوا به هناك، واشترطوا جميعاً عدم ذكر أسمائهم.

ولم تتمكن الصحيفة من التواصل مع سهيل الحسن. أما كمال حسن فقد نفى عبر رسائل نصية أن يكون متورطاً في إثارة تمرد مسلح.

في المقابل، قلل المسؤولون السوريون، الذين يتولون مراقبة أي محاولات تمرد من خطورة هذا التهديد. جدير بالذكر أن سوريا لا تزال ترزح تحت وطأة انقسامات عميقة، إثر حرب أهلية تجاوز قتلاها 600 ألف شخص.

وقد أكد اثنان من المسؤولين السابقين المتعاونين مع الجنرالات أنهم قادرون على تجنيد أفراد من الطائفة العلوية، التي يعتمل الخوف في نفوس أبنائها، وتعج صفوفهم بالعسكريين السابقين.

ومع ذلك، من غير الواضح بعد عدد الذين سيستجيبون لدعوة المشاركة في التمرد على النظام الحالي؛ خصوصاً وأن الكثير من العلويين لا يزالون ينقمون بشدة على النظام السابق، بعد سنوات الحرب الدامية.

«خادمكم برتبة مجاهد»

تعود أقدم المراسلات التي اطلعت عليها الصحيفة إلى أبريل 2025، عندما لاحظ النشطاء تصاعداً في النشاط بين بعض المستهدفين بالمراقبة.

وقبل ذلك بشهر، سقط أكثر من 1600 قتيل، معظمهم من العلويين، في إطار موجة من أعمال العنف الطائفي على أيدي آلاف المسلحين، الذين سارعوا بالتوجه إلى الساحل السوري بعد أن شن عناصر أمن سابقون في نظام الأسد هجوماً منسقاً ضد قوات الحكومة الجديدة، أسفر عن مقتل 16 جندياً.

وقد استغل مسؤولو النظام السابق هذه المجزرة نداء تعبئة لاستقطاب مقاتلين من الطائفة العلوية. ومن بين أكثر النشطاء في هذا المجال، سهيل الحسن، قائد القوات الخاصة السابق، الذي أُطلق عليه لقب «النمر»، بسبب شراسته في المعارك. واشتهر داخل أوساط المعارضة السورية بتكتيكات الأرض المحروقة، ويواجه اتهامات بإصدار أوامر بشن ضربات جوية ضد مدنيين.

ولطالما كان سهيل الحسن من الأشخاص المفضلين لدى الروس، ومن أوائل من أجلتْهم موسكو لدى انهيار النظام، حسب أربعة ضباط سابقين. إلا أنه لم يرض، على ما يبدو، بالبقاء ساكناً في روسيا.

ومن أبريل وحتى الصيف، أظهرت مراسلات بين الحسن وآخرين، اطلعت عليها الصحيفة، تخطيطه للعودة. وكان من بينها جداول مكتوبة بخط اليد أُرسلت من هاتفه في أبريل، تصف عدد المقاتلين والأسلحة في قرى مختلفة على امتداد الساحل السوري.

وقد أرسل الحسن هذه الجداول إلى شخص خاطبه بـ«القائد العام لجيشنا وقواتنا المسلحة»، وقال إنه «تحقق» من هويات أكثر من 168 ألف مقاتل، منهم 20 ألفاً يحملون رشاشات، و331 لديهم مدافع مضادة للطائرات، و150 يحملون قنابل مضادة للدبابات، و35 قناصاً لا يزالون يحتفظون بأسلحتهم. وكان يختم كل رسالة بالعبارة نفسها: «خادمكم، برتبة مجاهد».

مخلّص العلويين

رجل الأعمال السوري وابن خال بشار الأسد رامي مخلوف (فيسبوك)

اللافت أن الحسن لم يذكر اسم قائده قط في الرسائل التي اطلعت عليها الصحيفة، لكن ثلاثة أشخاص مطلعين قالوا إنه يعمل مع رامي مخلوف، أحد كبار رجال الأعمال السوريين وابن خال الأسد الذي فر هو الآخر إلى موسكو. وقالوا إن مخلوف موّل جهود الحسن، كما أرسل مبالغ كبيرة إلى أسر علوية فقيرة على امتداد الساحل السوري.

ويقدّم مخلوف نفسه قائداً مخلّصاً مستعداً لقيادة العلويين في سوريا. وحسب مصادر مقربة منه، لديه اعتقاد بأنه قادر على التنبؤ بالأحداث عبر نص غامض يملكه. وقد رفضت أسرته ترتيب مقابلة معه لحساب الصحيفة.

‏العميد الركن غياث دلا قائد قوات الغيث (الثالث إلى من اليمين) من بين الحضور في أداء القسم الرئاسي صيف 2021

بحلول الربيع، أظهرت المراسلات أن الحسن جنّد غياث الدلا، الجنرال في الفرقة الرابعة. وفي إحدى المحادثات النصية، قال الدلا للحسن إنه وزّع 300 ألف دولار مدفوعات شهرية للمقاتلين المحتملين والقادة، بمعدل يتراوح بين 200 و1000 دولار شهرياً. كما طلب الموافقة على شراء معدات اتصالات عبر الأقمار الاصطناعية مقابل نحو 136 ألفاً و600 دولار.

وخلال الرسائل، ذكر الدلا أنه يقيم في منزل بلبنان، قرب الحدود السورية، وأنه وعائلته يفتقرون إلى الكهرباء والطلاء على الجدران.

وفي محادثات أخرى، وصف اجتماعاته مع قادة ميليشيات عراقية مدعومة من إيران، ناقشوا خلالها طرق تهريب الأسلحة لعناصر متمردة، دون استثارة هجمات إسرائيلية أو رصدهم من قبل السلطات السورية. كما أشار إلى لقاءات مع ممولين محتملين.

وأظهرت مراسلات أخرى أن الدلا أوقف خطط اغتيال، وسعى للحصول على طائرات مسيّرة وصواريخ مضادة للدبابات، ذكر أن بعضها مخبأة داخل سوريا.

نقل 20 طياراً إلى لبنان

محمد حاصوري قائد ﺍﻟﻠﻮﺍﺀ 50 ﺳﻼﺡ ﺍﻟﻄﻴﺮﺍﻥ السوري الذي أسقط قنابل غاز السارين على مدينة خان شيخون شمال سوريا (متداولة)

وفي أبريل، انضم جنرال سابق آخر إلى الشبكة، هو محمد الحاصوري (60 عاماً)، قائد سلاح الجو المتهم بشن هجوم بأسلحة كيميائية على بلدة خان شيخون عام 2017.

وكتب الحسن أن مسؤولين إيرانيين نقلوا الحاصوري و20 طياراً سابقاً عملوا في ظل النظام السابق، إلى فندق في لبنان. وقال إنهم أبدوا رغبةً في البقاء والانضمام إلى التمرد إذا ما جرى تأمين تكاليف الإقامة والطعام لهم.

وأكد مسؤول سابق في النظام، قال إنه على تواصل مع الحاصوري، صحة هذا الأمر في أكتوبر (تشرين الأول)، لكنه استطرد بأن الخطط انهارت بعد ذلك بشهر، مضيفاً أن الشبكة الأوسع التي حاول الدلا والحسن تشكيلها بدأت تتفكك.

طريق نحو واشنطن

خلال المراسلات التي جرى اعتراضها، جرى وصف كمال حسن، رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، بأنه يقدم أموالاً لأنصاره والمجندين المحتملين.

يذكر أن حسن يخضع لعقوبات أميركية، لتوليه الإشراف على فرعين سيئي السمعة من الاستخبارات العسكرية، أظهرت صور مسربة في 2014 تورط الفرعين في تعذيب وإعدامات ممنهجة.

من عناصر الخلية التي قالت وزارة الداخلية إنها تتبع رامي مخلوف في اعتقالاتها الأخيرة (الوزارة)

ولدى سؤاله عن هذه الاتهامات، قال: «أعتبرها سياسية وادعاءات فقط، لأنها تفتقر إلى التوثيق». كما نفى مزاعم أنه موّل متمردين، واصفاً إياها بأنها «تنطوي على الكثير من المغالطات والحقائق المشكوك بها».

وقال اثنان من المتعاونين مع كمال حسن إنه يركز أكثر على بناء شبكة نفوذ، بدلاً من قيادة تمرد مسلح. وذكروا أنه العقل المدبر وراء «مؤسسة تطوير سوريا الغربية»، ومقرها بيروت.

وتُقدّم المؤسسة نفسها باعتبارها جهة تدافع عن الأقليات السورية، وتوفر مساكن للعلويين الذين لجأوا إلى لبنان. لكن حسب المتعاونين مع الحسن، فإنه يستخدمها للضغط على واشنطن من أجل فرض «حماية دولية» على المنطقة العلوية في سوريا.

نزوح إلى لبنان عبر النهر الكبير على الحدود بين سوريا ولبنان في عكار 12 مارس 2025 هرباً من مواجهات طائفية في الساحل (نيويورك تايمز)

وتظهر عدة فيديوهات عبر الإنترنت لاجئين سوريين في لبنان، يشكرون حسن على دعمه المالي، كما جاء في منشور على صفحة المؤسسة على «فيسبوك»، أن «جميع تكاليف الحملة» لمشروع إسكان اللاجئين العلويين «مغطاة بالكامل من قبل المواطن السوري اللواء كمال حسن».

وحسب وثائق أميركية صادرة في أغسطس (آب)، استعانت مؤسسته بشركة الضغط السياسي الأميركية «تايغر هيل بارتنرز»، والمستشار السابق لترمب والمدير التنفيذي السابق لشركة «بلاكووتر»، جوزيف إي. شميتز، في عقد بقيمة مليون دولار لتمثيلها.

في البداية، أحال حسن طلب صحيفة «نيويورك تايمز» لعقد مقابلة معه، إلى شميتز، واصفاً إياه بمحاميه، ثم أنكر لاحقاً أي صلة بالمؤسسة أو «بأي منظمة سورية»، مضيفاً: «لكن من حيث المبدأ، أدعم وأشجع أي خطوة تخدم التنمية والسلام في سوريا».

نشاط «تايغر هيل»

من جهته، رفض شميتز التعليق نيابةً عن الحسن، لكنه قال باسم المؤسسة إنهم يعملون لضمان حماية وتمثيل الأقليات في سوريا.

ونشرت المؤسسة عبر وسائل التواصل لقاءات مع مكاتب 6 نواب أميركيين، بينهم النائب براين ماست من فلوريدا، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، والسيناتورة جين شاهين من نيوهامبشر، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.

وأكد مساعدو شاهين وماست وآخرون عقد لقاءات مع ممثلين عن «تايغر هيل»، ووصفوها بالروتينية ومع موظفي مكاتبهم فقط.

وأفاد عدة دبلوماسيين في سوريا بأنهم يرون في حملات الضغط هذه مصدر قلق أكبر من مخططات التمرد، إذ قد تمهد تدريجياً لتصاعد دعوات لإنشاء منطقة شبه مستقلة في سوريا.


الجيش الإسرائيلي: استهدفنا عنصراً في «الحرس الثوري» بشمال شرقي لبنان

سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في منطقة حوش السيد علي الحدودية مع سوريا بشمال شرقي لبنان مما أدى لمقتل شخصين (متداول)
سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في منطقة حوش السيد علي الحدودية مع سوريا بشمال شرقي لبنان مما أدى لمقتل شخصين (متداول)
TT

الجيش الإسرائيلي: استهدفنا عنصراً في «الحرس الثوري» بشمال شرقي لبنان

سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في منطقة حوش السيد علي الحدودية مع سوريا بشمال شرقي لبنان مما أدى لمقتل شخصين (متداول)
سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في منطقة حوش السيد علي الحدودية مع سوريا بشمال شرقي لبنان مما أدى لمقتل شخصين (متداول)

أعلن الجيش الإسرائيلي الخميس أنه قتل عنصراً مرتبطاً بـ«فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني» في ضربة نفذها في لبنان، متهماً إياه بالتخطيط لشن هجمات ضد الدولة العبرية.

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه نفّذ غارة أسفرت عن مقتل «حسين محمود مرشد الجوهري، وهو من أبرز المخربين المنتمين إلى وحدة العمليات التابعة لفيلق القدس».

وقال إن العملية كانت مشتركة بين الجيش وجهاز «الشاباك».

وقتل شخصان في غارة إسرائيلية استهدفت صباح الخميس سيارة في منطقة حوش السيد علي الحدودية مع سوريا في شمال شرقي لبنان. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية بأن مسيرة إسرائيلية «استهدفت سيارة على طريق حوش السيد علي قضاء الهرمل، وأدت إلى سقوط شهيدين نقلا إلى مستشفى البتول في مدينة الهرمل».

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان مساء الخميس إن المستهدف في الناصرية (حوش السيد علي) هو المدعو حسين محمود مرشد الجوهري، مضيفاً أنه «من أبرز المخربين المنتمين إلى وحدة العمليات التابعة لفيلق القدس الإيراني (840)»، واتهمه الجيش بأنه «دفع خلال الأعوام الأخيرة بعمليات إرهابية ضد دولة إسرائيل في الساحتين السورية واللبنانية».

وأضاف أدرعي: «عمل المدعو حسين تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني، وتورط في العمل الإرهابي ضد دولة إسرائيل وقوات الأمن بتوجيه إيراني».

وقال إن «الوحدة 840» تعتبر «وحدة العمليات التابعة لفيلق القدس، والتي يترأسها أصغر باقري ونائبه محمد رضى أنصاري، الوحدة المسؤولة عن توجيه العمل الإرهابي الإيراني ضد دولة إسرائيل».