لماذا كان الصفدي أول وزير خارجية عربي يزور دمشق للقاء الشرع؟

TT

لماذا كان الصفدي أول وزير خارجية عربي يزور دمشق للقاء الشرع؟

الشرع مستقبِلاً الصفدي في دمشق الاثنين (إكس)
الشرع مستقبِلاً الصفدي في دمشق الاثنين (إكس)

يدعم ساسة أردنيون سرعة الانفتاح على الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، أمام جملة ملفات مشتركة تبعث على القلق لدى مراكز القرار الأمنية والسياسية في البلاد، لكن تياراً محافظاً قريباً من السلطة يُحذر من الاستعجال في الانفتاح أمام مشهد أمني سوري مرتبك لم تحدد بعدُ نسبة سيطرته على الأرض، وضمان استمرارية عمل مؤسساته، وقدرته على حصر حمل السلاح ضمن جيش نظامي.

وبزيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق، الاثنين، وهو أول وزير خارجية عربي أجرى مباحثات مع إدارة سوريا الجديدة، تكون عمان أعلنت رسمياً فتح خطوط الاتصال مع القيادة السورية الجديدة، بعدما كانت قنوات الاتصال سرية ومغلقة ضمن دائرة محدودة الأركان والأشخاص والمرجعيات.

وإن كانت عمان دعمت سابقاً فكرة لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا، ورعت جانباً من اجتماعاتها في عمان وفي الرياض، وسعت لتوفير مظلة دولية لدعم المبادرة المسماة حينها «خطوة مقابل خطوة» بهدف استعادة النظام السوري السابق لحضنه العربي بعيداً عن سيطرة ونفوذ القرار الإيراني على القصر الجمهوري آنذاك؛ فإن «أحداً من المجتمع الدولي لم يثق بمصداقية نظام بشار الأسد وجديته في خلع عباءة الإيراني عن حكمه»، بحسب مصادر «الشرق الأوسط».

وأعادت المصادر التذكير بأن الحراك الدبلوماسي الأردني تجاه سوريا لا يبتعد عن جملة محاور أساسية هي: جهود حقيقية مشتركة في مسألة مكافحة تصنيع المخدرات في الداخل السوري وتهريبها عبر الأردن، وضمان أمن واستقرار الجنوب السوري الذي يشكل أمنه واستقراره ضرورة تفرضها المصالح المشتركة، ودعم عودة اللاجئين السوريين من مخيمات اللجوء في الأردن، بما لا يقل عن عودة 300 ألف لاجئ سوري في المرحلة الأولى، وبسقف زمني محدد. والملف الثالث والأخطر هو التصدي لأي مجموعات إرهابية تنتمي لتنظيم «داعش» قد تعيد تشكيل نفسها، انطلاقاً لعودة التهديد لأمن دول جوار سوريا.

الشرع مستقبِلاً الصفدي في دمشق الاثنين (بترا - د.ب.أ)

في تلك الزاوية يريد الأردن أن يضمن مصالحه في ظل أي تطورات تشهدها الساحة السورية، خصوصاً في ظل اتصال جغرافي يمتد لنحو 370 كم على الحدود، مما شكّل إرهاقاً عسكرياً وأمنياً للأردن أمام علنية استهداف الميليشيات المتعددة الانتماءات في الجنوب السوري للأمن الأردني. وإن بدا النظام السوري السابق غير ملتزم بمخرجات اجتماعاته الفنية الأمنية مع الأردنيين على مدى عام ونصف العام مضت لجهة التعاون بالملفات المشتركة، ولم يكترث للدعم العربي في عودة سوريا للحاضنة العربية؛ فإن عمان تحتاج أيضاً إلى اختبار الإدارة السورية الجديدة ومدى جديتها في عكس «أقوالها إلى أفعال»، كما قالت المصادر لـ«الشرق الأوسط».

احتلال جديد

أعاد الصفدي خلال زيارته إلى دمشق وكرر أن بلاده تدعم الشعب السوري في مرحلة انتقالية بعد سنوات من القتل والتشريد والدمار، ليصل إلى مرحلة مستقبلية يكون فيها نظام سياسي جديد يبنيه السوريون، ويحمي حقوق كل السوريين.

وحذر الصفدي، في تصريحات نُشرت على «إكس»، من أي اعتداء على سيادة سوريا وأمنها، مشيراً إلى أن التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية هو احتلال جديد يجب أن ينتهي، وإلى ضرورة أن يمارس المجتمع الدولي ضغوطاً على إسرائيل بألا تعبث بسوريا في هذه المرحلة الانتقالية.

وذكّر الصفدي بأن البيان الختامي لاجتماعات العقبة قبل عشرة أيام كان واضحاً بأن الهدف من الاجتماعات هو تنسيق موقف عربي مع المجتمع الدولي من أجل دعم سوريا في بناء المستقبل الذي يكون آمناً مشرقاً لكل السوريين.

كما شدد الصفدي على أن بلاده ستدعم سوريا في الانطلاق لبناء دولة حرة مستقلة منجزة كاملة السيادة لا إرهاب فيها ولا إقصاء، وتلبي طموحات جميع مواطنيها وحقوقهم، معبراً عن استعداد بلاده لمساعدة دمشق في إعادة بناء قدرات المؤسسات الحيوية.

الحسابات الأردنية في ميزان اختبار الثقة بالإدارة السورية الجديدة مرتبطة بمدى استقلالية قرارها عن أي تأثير لدول إقليمية لها مصالح ونفوذ في مناطق سورية، والاختبار الآخر هو مدى قدرة إدارة الشرع (الجولاني) في السيطرة على الأرض وتحييد مخاطر الانقسام الداخلي وتطوره في مشهد يعيد فوضى الاقتتال والدمار.

والسؤال الذي طرحه مراقبون هو: لماذا لم تتجه مجموعة الاتصال العربية بشأن سوريا إلى دمشق، وتفتح قناة اتصال مع جامعة الدول العربية التي لم تزر دمشق منذ الثامن من الشهر الحالي؟ والإجابة هنا قد تُغلف باحتمالات واردة تأخذ شكلاً من أشكال التباين في المواقف من سوريا بعد الأسد. فالقانون الدولي حتى الآن لم يُجب عن قانونية العمل مع إدارة سياسية جديدة لسوريا لا تزال على قائمة الإرهاب الدولي زعيماً وقيادات.

ضغط الأرقام

يقيم في الأردن 1.3 مليون سوري، منهم أقل من 15 في المائة في مخيمات اللجوء السوري. وتتحدث الأرقام الرسمية عن دمج الطلبة السوريين في مدارس المملكة الأردنية، والمقدر عددهم بنحو 160 ألف طالب وطالبة. والرقم المضاف إلى سلسلة النسب والأرقام في الملف السوري، أنه خلال سنوات الأزمة السورية وبعد تدفق اللاجئين، فإن نحو 250 ألف طفل وُلدوا في الأردن، كما أن أكثر من 100 ألف سوري يعملون في السوق الأردنية بعد منحهم تصاريح عمل قانونية. وبالطبع شكّلت هذه الأرقام ضغطاً على موازنة الأردن اقتصادياً، وهي التي تعاني من عجز مرتفع ومستمر، في وقت لم تشكّل فيه الاستجابة الدولية للدول المستضيفة للاجئين السوريين حلولاً اقتصادية تنموية مستدامة.

الشرع مستقبِلاً الصفدي في دمشق الاثنين (أ.ف.ب)

وبعيداً عن صور الفضائيات، فإن أرقام عودة السوريين في الأردن إلى مدنهم الأصلية هي أرقام متواضعة. وفي نفس الوقت الذي تتحدث فيه وزارة الداخلية الأردنية عن عودة نحو 13 ألف سوري عبر الحدود منذ الثامن من الشهر الحالي، فإن هذا المعدل ليس ثابتاً، وقد يتأثر بمستويات الأمن واحتمالات الفوضى في الداخل السوري. وقد يبدو هذا الاحتمال مطروحاً في ظل معادلة تململ الجنوب السوري وانتمائه لإدارة الشرع (الجولاني)، وأن معظم المقيمين في مخيمات اللجوء السوري في شمال المملكة الأردنية هم من سكان مدن جنوب سوريا.

مخاوف النخب

ما لم تقله عمان صراحة تسمعه من مخاوف النخب القريبة من مراكز القرار، والأمر متعلق بنموذج جديد من نماذج حكم الإسلام السياسي في سوريا، مما يعيد المخاوف من انتعاش لهذا التيار. والصدفة أو التخطيط يؤكدان أن نحو 31 نائباً من أصل 138 نائباً في البرلمان الأردني نجحوا بعد الانتخابات التي جرت في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، مما يعني الاستقواء أكثر بنموذج إسلامي للحكم متسلح بعاطفة الخطاب وتأثيره على الرأي العام. وتلك تضاعف المخاوف من أزمة الوحدة الواحدة للأراضي السورية، وكفاءة عمل مؤسساتها، وصناعة ديمقراطية تحمي حقوق الأقليات.


مقالات ذات صلة

الجفاف يلاحق أنهاراً بالمنطقة... أزمة مناخ أم ممارسات بشرية؟

المشرق العربي مجرى نهر العاصي في منطقة جسر الشغور غربي إدلب وقد بدا جافاً تماماً أغسطس الماضي (أ.ب)

الجفاف يلاحق أنهاراً بالمنطقة... أزمة مناخ أم ممارسات بشرية؟

تقرير يرصد أبرز الأنهار التي تعرضت لعوامل شديدة من الجفاف في المنطقة، إضافة إلى تعليق خبير في الشأن المناخي عن الأزمة وأبرز سُبل الحل.

يسرا سلامة (القاهرة)
المشرق العربي أفراد من قوة أمنية أردنية (أرشيفية - رويترز)

مقتل 2 «من حملة الفكر التكفيري» في عملية أمنية بالأردن

أعلنت قوات الأمن الأردنية مقتل «مطلوبين» اثنين ممن وصفتهما بالخارجين عن القانون «من حملة الفكر التكفيري» في مدينة الرمثا شمال البلاد.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
العالم العربي وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي (أ.ف.ب)

وزير الخارجية الأردني: ندعم لبنان وجهوده في السيطرة على أراضيه

قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، اليوم (الثلاثاء)، إن المملكة تدعم لبنان وجهوده في السيطرة على أراضيه، وأن تكون حصرية السلاح بيد الدولة.

«الشرق الأوسط» (برلين)
المشرق العربي مؤتمر صحافي للجنة التحقيق الوطنية بأحداث السويداء في وزارة الإعلام بدمشق يوم الأحد (سانا)

مصدر من السويداء يكشف عن تحضيرات أردنية لاستضافة وفد تطبيقاً لـ«خريطة الطريق»

كشف مصدر درزي رفيع في محافظة السويداء بجنوب سوريا، عن تحضيرات أردنية لعقد اجتماع في المملكة لوفد من أهالي المحافظة من أجل بحث تطبيق خريطة الطريق لحل الأزمة.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (رويترز)

ملك الأردن يؤكد أهمية التزام جميع الأطراف باتفاق إنهاء الحرب في غزة

أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، اليوم (السبت)، أهمية التزام جميع الأطراف باتفاق إنهاء الحرب في غزة بجميع مراحله، مع تدفق المساعدات الإنسانية

«الشرق الأوسط» (عمان)

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

قالت قناة «الأقصى» الفلسطينية إن خمسة أشخاص لقوا حتفهم بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

ولم تذكر القناة أي تفاصيل أخرى على الفور.

وفي وقت سابق اليوم، أفادت إذاعة «صوت فلسطين» بمقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في شمال غربي قطاع غزة.

جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق دبابة متمركزة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

على الصعيد الآخر، ذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن قواته أطلقت النار على عدد من الأشخاص قال إنهم «اجتازوا الخط الأصفر وشكلوا تهديداً فورياً عليها»، مشيراً إلى أن القوات قتلت ثلاثة «لإزالة التهديد».

ومنذ بدء وقف إطلاق النار الهش، أفرجت «حماس» عن جميع الرهائن الأحياء وعددهم 20، وسلمت 27 جثة مقابل الإفراج عن نحو ألفي معتقل وسجين فلسطيني لدى إسرائيل.

ورغم تراجع وتيرة العنف، تواصل إسرائيل قصف غزة وتدمير ما تقول إنه بنية تحتية تابعة لـ«حماس». وتتبادل الحركة وإسرائيل الاتهامات بانتهاك الاتفاق.


التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
TT

التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)

يشكّل إعلان إسرائيل عن استعدادها لفتح قنوات تعاون اقتصادي مع لبنان، بالتزامن مع تكليف الرئيس اللبناني جوزيف عون للسفير السابق في واشنطن سيمون كرم ترؤس الوفد اللبناني في لجنة «الميكانيزم»، محطة جديدة في مسار المواجهة المعقّدة بين بيروت وتلّ أبيب.

وبينما تبدو خطوة إسرائيل مجرد انفتاح اقتصادي، إلا أنها «تحمل في جوهرها رسائل سياسية ملغومة بتوقيت حسّاس جداً»، حسبما تقول مصادر لبنانية، و«تندرج ضمن مسعى إسرائيلي لإعادة رسم مشهد إقليمي يتيح لها الظهور بمظهر الساعي إلى الاستقرار، مقابل تحميل لبنان ولا سيما (حزب الله) مسؤولية استمرار التوتر».

ولا يعكس الموقف الإسرائيلي بالنسبة للبنان تغيّراً فعلياً في السلوك، أو المقاربة، بقدر ما يشكّل محاولة لتسويق صورة سياسية يريدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مرحلة دقيقة داخلياً، وإقليمياً. وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «إسرائيل، التي تواصل عملياتها العسكرية في لبنان براً وبحراً وجواً، لا تبدو مستعدة لاتخاذ خطوات عملية، بل تكتفي بإشارات مرونة محسوبة، تؤسّس بمفهومها لمرحلة تفاوض محتملة حين تنضج الظروف، وتتقاطع الحسابات الإقليمية».

الغاز والنفط

ويشكّل موقع لبنان الجيوسياسي نقطة جذب إقليمية لإسرائيل، وكل دول المنطقة، رغم قدراته الاقتصادية المحدودة. ويقول مصدر رسمي لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن تل أبيب «لا تسقط من حساباتها إمكانية التعاون في مجال الطاقة والغاز، لا سيما بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقعته مع لبنان في العام 2022، حيث تسعى لإعطاء انطباع بأن شرق المتوسط يمكن أن يتحوّل إلى منطقة تبادل اقتصادي».

رئيس الحكومة نواف سلام خلال استقباله وفد مجلس الأمن الدولي في بيروت يوم الجمعة الماضي (إ.ب.أ)

ويلفت المصدر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إسرائيل «تولي أهمية قصوى للتعاون في البنى التحتية الحدودية، مثل إدارة الموارد المائية، خصوصاً أن طمعها بمياه لبنان تاريخي، كما تتطلع إلى ربط أسواق المنطقة ببعضها، خصوصاً إذا فُعّل مشروع ممرات النقل الإقليمي».

ويشدد المصدر الرسمي على أن «أي تعاون اقتصادي بين دولتين في حالة نزاع مستمر يتطلب أولاً وقفاً دائماً لإطلاق النار، يتبع بترتيبات أمنية واضحة، ثم فتح قنوات اتصال رسمية، مقرونة بضمانات دولية، لذلك تبقى المبادرة الإسرائيلية مجرّد خطوة يحاول نتنياهو استثمارها في الداخل، ليظهر للمجتمع الإسرائيلي أنه انتزع مكاسب مهمّة في بداية مرحلة التفاوض مع لبنان».

رسالة سياسية

وينظر الخبراء إلى المبادرة الإسرائيلية على أنها رسالة سياسية موجّهة إلى الخارج أكثر مما هي طرح اقتصادي قابل للتطبيق. ويرى الباحث في الشؤون الجيوسياسيّة الدكتور زياد الصائغ أن إسرائيل «تسعى إلى الاستثمار في الموقف الأميركي السّاعي إلى تطبيق عملاني لمقرّرات مؤتمر شرم الشيخ، ولقاءات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، بما يعني الذهاب أبعد من وقف القتال».

ويؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل «تعتبر أن السلام من البوّابة الاقتصادية هو الأنجع لتجاوز الصراعات، لكنّ هذا أقرب إلى الفولكلور، لا سيّما مع استمرار احتلال إسرائيل لأراضٍ لبنانيّة»، ويشدد الصائغ على أن «الاستعجال، ورفع منسوب ما جرى في لجنة الميكانيزم قد يأخذ طابع جسّ النبض أيضاً لمدى استعداد لبنان للذهاب بعيداً في المفاوضات، وهذا أيضاً يشكّل محاولة غير ناضجة الظروف».

سفينة عسكرية إسرائيلية تبحر بجوار منصة إنتاج حقل ليفياثان للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط (أرشيفية - رويترز)

لكن الاستعجال الإسرائيلي للتعاون الاقتصادي مغاير تماماً للمشهد اللبناني، باعتبار أن الذهاب نحو هذا الخيار أشبه بالمغامرة، ويؤكد الصائغ أنّ «ملف لبنان التفاوضيّ يبدو ضبابيّاً حتى السّاعة، ولو أنّ سقفه اتفاقيّة الهدنة الموقعة ما بين لبنان وإسرائيل في العام 1949 برعاية الأمم المتحدة، لكن من الواضح أنّ السفير سيمون كرم، وبخبرته الواسعة ووضوحه السّيادي، سيفتح الطريق أمام بناء عناصر هذا الملف من المسار السياسي، إلى الدبلوماسيّ، إلى القانونيّ، إلى ذاك المرتبط بالقرار 1701».

ويذكّر بأن لبنان «جزء من الإجماع العربي، وملتزم بسقف المبادرة العربية للسلام، وكل ما يُساق خارج ذلك يبقى من قبيل التمنّيات، أو التوقّعات، لكن من الواضح أنه لا عودة عن قرار تجفيف الصراعات والحروب في الشرق الأوسط».

طاقة وسياحة

إضافة إلى ذلك، يطرح تركيز الحكومة الإسرائيلية على المجال الاقتصادي علامات استفهام في ظلّ محدودية الدور الاقتصادي للبنان في المنطقة، ولا يستبعد الصائغ أن «تسعى إسرائيل إلى تعاون اقتصادي مع لبنان على المستوى النفطي، أو السياحي، أو الصناعي، خصوصاً في ظلّ الحديث عن فكرة إنشاء منطقة اقتصاديّة على حدود لبنان الجنوبيّة، انطلاقاً من المبادرة الأميركية». لكنّه شدد على أن ذلك «لا يستقيم قبل حوار دبلوماسيّ بطابع سياسي، ويبدو مستحيل المنال في هذه المرحلة، خصوصاً مع استمرار احتلال إسرائيل للنقاط الخمس، وعدم إنجاز تسوية تحريرية لمزارع شبعا، وبدء إعمار الجنوب، توازياً مع تحقيق بسط الدولة اللبنانية سيادتها حصراً على كامل أراضيها بقواها الذاتيّة». وختم الصائغ بالقول إن «ذلك كلّه يبقى مضبوطاً تحت سقف اتفاقية الهدنة 1949».


إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

تسعى إسرائيل قبيل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع مساعي الوسطاء، خصوصاً الولايات المتحدة، للانتقال إليها في أقرب فرصة ممكنة، إلى تدمير ما تبقّى في المناطق الخاضعة لسيطرتها داخل قطاع غزة، والتي تُقدر بنحو 53 في المائة من المساحة العامة للقطاع.

وينص وقف إطلاق النار في مرحلته الثانية، حال نُفّذ وفق الاتصالات المتسارعة في الأيام الأخيرة، على انسحاب آخر للقوات الإسرائيلية من داخل قطاع غزة، مع الحفاظ على بقائها في مناطق أخرى قد تصل إلى نحو ما مساحته 20 في المائة من مساحة القطاع.

وخلال ساعات ليل ونهار السبت، لم تنفك القوات الإسرائيلية باستخدام الطائرات الحربية تارةً، ومن خلال العربات المفخخة تارةً أخرى، بقصف وتدمير ما تبقى من منازل وبنى تحتية، سواء داخل الخط الأصفر المشار إليه ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بوصفه خط انسحاب أولياً، أو على جانبه من داخل المناطق الخاضعة لسيطرة حركة «حماس».

أطفال يستعدون للدخول إلى صفوفهم في مدرسة للأونروا تعيش فيها عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

ولوحِظ خلال الأيام الثلاثة الماضية تكثيف الغارات الجوية وعمليات النسف، حتى داخل مدينة رفح التي تُسيطر عليها القوات الإسرائيلية منذ أكثر من عام ونصف العام، وكذلك شرق مدينتَي خان يونس وغزة. كما امتدت هذه العملية، من مساء الجمعة حتى ظهر السبت، إلى مناطق واقعة شرق وشمال جباليا وبيت لاهيا شمالَ قطاع غزة. وتسببت إحدى عمليات النسف في منطقة زايد ببيت لاهيا، ليلاً، في وقوع انفجار ضخم سُمِع دويه في جميع أنحاء قطاع غزة، ووصل صداه حتى جنوب تل أبيب.

وتعمد إسرائيل إلى تدمير ما تبقى من مبانٍ ومنازل في تلك المناطق، بهدف حرمان سكانها من العودة إليها بعد الانسحاب منها، في عملية تدمير ممنهجة، انتهجتها بشكل كبير خلال الحرب التي استمرت عامين على قطاع غزة.

ووفقاً لمصادر ميدانية تحدّثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تكتفِ بعمليات القصف والنسف للمنازل والمباني داخل مناطق سيطرتها، بل عملت على استخدام العربات المفخخة، وإدخالها إلى مناطق غرب الخط الأصفر -مناطق سيطرة «حماس»- وذلك تحت نار القصف المدفعي، وإطلاق النار من المسيرات، لتصل إلى مناطق سكنية بهدف تدميرها بشكل كامل.

وأوضحت أن ذلك تزامن أيضاً مع عمليات توغّل ازدادت حدّتُها في الأيام الأخيرة، ولا سيما شرق مدينة غزة، وتحديداً في حييّ الشجاعية والتفاح. وأشارت إلى أن الآليات الإسرائيلية توغّلت مسافة لا تقل عن 350 متراً خلف الخط الأصفر، واقتربت من شارع صلاح الدين الرئيسي عند الحيَّين، ما يعني أنها باتت تفرض سيطرة شبه كاملة عليهما.

خيم النازحين وسط الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي جواً وبراً في مدينة غزة الجمعة (أ.ب)

وأشارت إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي كررت المشهد ذاته صباح السبت في خان يونس، بعدما تقدّمت إلى أجزاء من حي الشيخ ناصر وأقامت سواتر ترابية، فيما قامت طائرات مسيّرة بإطلاق النار في مختلف الاتجاهات وعلى أي هدف متحرك. وبعد انسحاب القوات تبيّن أن الهدف من إقامة السواتر الترابية كان تمهيد الطريق لآليات هندسية لتنفيذ عمليات حفر في حي الفرا المجاور.

وقالت المصادر إن قوات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت تعمل على توسيع سيطرتها في قطاع غزة، من خلال تقديم المكعبات الأسمنتية الصفراء، المشار إليها بالخط الأصفر، من خلال التقدم جزئياً من حين إلى آخر داخل بعض المناطق.

وتزامنت هذه التطورات مع قتل القوات الإسرائيلية 4 فلسطينيين، في حادثتين منفصلتين شمال القطاع، كما أصابت آخرين في مناطق أخرى.

ووفق مصادر طبية، فقد قُتل شابّان في إطلاق نار شرق جباليا البلد، فيما قُتل اثنان آخران وأصيب 3 في إطلاق نار ببلدة العطاطرة شمال غربي بيت لاهيا. كما أُعلن عن وفاة خامس متأثراً بجروحه بعد أن استهدفته طائرة مسيّرة، مساء الجمعة، بإطلاق النار عليه وعلى نجله، وهما يعملان في جهاز الدفاع المدني بغزة.

وأصيب عدد من الفلسطينيين بإطلاق نار في مناطق متفرقة، بينهم غزي بجروح خطيرة إثر قصف مدفعي استهدف محيط شارع صلاح الدين قبالة حي الشجاعية شرق مدينة غزة، في حين أصيب آخر بإطلاق نار من مسيرات شرق خان يونس.

وبذلك يكون قد قُتل ما لا يقل عن 370 فلسطينياً، وأصيب أكثر من 960 منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما قتل 70357 منذ السابع من أكتوبر 2023.