طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية ساحقة، الأربعاء، بوقف فوري للنار في غزة، مؤكدة على دعم وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى «الأونروا»، في قرارين منفصلين تحركت إسرائيل بقوة لمنع صدورهما.
وصوتت غالبية 158 من الدول الـ193 الأعضاء في الجمعية العامة على قرار يطالب بوقف النار فوراً، فيما رفضت دول القرار تتقدمها الولايات المتحدة وإسرائيل، بالإضافة إلى الأرجنتين، وبابوا غينيا الجديدة، وباراغواي، وتونغا، مع امتناع 13 دولة عن التصويت. وكذلك صوتت غالبية 159 دولة على دعم «الأونروا»، مقابل اعتراض تسع دول، وامتناع 11 دولة عن التصويت.
وتوج التصويت يومين من الخطب التي دعت بأكثرية ساحقة إلى إنهاء الحرب المتواصلة منذ 14 شهراً في غزة بين إسرائيل و«حماس»، والمطالبة بالوصول إلى كل أنحاء القطاع لتوصيل المساعدات الإنسانية.
وخلافاً لقرارات مجلس الأمن الملزمة قانوناً، فإن قرارات الجمعية العامة ليست ملزمة، رغم أنها تعكس الرأي العام العالمي. ولا يوجد حق النقض «الفيتو» في الجمعية العامة، التي لجأ إليها الفلسطينيون وأعضاء المجموعة العربية بعدما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد مشروع قرار عرض على مجلس الأمن في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة. وأيد النص 14 عضواً في المجلس، لكن الولايات المتحدة اعترضت؛ لأنه غير مرتبط بالإطلاق الفوري للرهائن الموجودين لدى «حماس» منذ هجومها في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ضد إسرائيل، والذي أشعل فتيل الحرب.
الفلسطينيون ممتنون
وعبّر المندوب الدائم لدولة فلسطين المراقبة لدى الأمم المتحدة رياض منصور عن امتنانه للدعم الساحق لكلا القرارين، قائلاً إن التصويت «يعكس عزم وتصميم المجتمع الدولي». وأضاف: «سنستمر في طرق أبواب مجلس الأمن والجمعية العامة حتى نرى وقفاً لإطلاق نار بشكل فوري وغير مشروط، وحتى نرى توزيع المساعدات الإنسانية على نطاق واسع في كل أنحاء قطاع غزة».
وتطالب الجمعية العامة في القرار الأطراف بالامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بالأشخاص الذين تحتجزهم، بما في ذلك الإفراج عن جميع المحتجزين تعسفاً، وعن رفات جميع المتوفين. كما تطالب بتمكين السكان المدنيين في قطاع غزة من الحصول فوراً على الخدمات الأساسية، والمساعدة الإنسانية التي لا غنى عنها، وترفض أي مسعى يستهدف تجويع الفلسطينيين، وتطالب بتيسير دخول المساعدات بتنسيق من الأمم المتحدة إلى غزة. وتشدد على ضرورة المساءلة، وتكرر تأكيد التزامها الراسخ برؤية حل الدولتين الذي يكون فيه قطاع غزة جزءاً من الدولة الفلسطينية، وتعيش بموجبه دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، جنباً إلى جنب في سلام وداخل حدود آمنة ومعترف بها بما يتوافق مع أحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وترفض الجمعية العامة في هذا الصدد أي محاولة للتغيير الديموغرافي أو الإقليمي في قطاع غزة.
وتعكس لغة هذا القرار نص قرار المجلس الذي أسقطته الولايات المتحدة بحق النقض.
وهذه اللغة أقوى بكثير من قرارات الجمعية العامة التي جرى تبنيها في 27 أكتوبر 2023، والتي دعت إلى هدنة إنسانية فورية ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية، وفي 12 ديسمبر (كانون الأول) 2023 طالبت «بوقف إطلاق نار إنساني فوري».
كما كان القرار الذي تم تبنيه، الأربعاء، هو المرة الأولى التي تصوت فيها ألمانيا وإيطاليا، اللتان امتنعتا عن التصويت في ديسمبر الماضي، لصالح وقف إطلاق النار في غزة. وترك دعمهما الولايات المتحدة بصفتها العضو الوحيد في «مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى» الذي لا يزال يعارض.
دعم «الأونروا»
أما القرار الثاني الذي يؤيد تفويض «الأونروا» فيعبر عن استيائه من القوانين التي تم تبنيها من قِبل الكنيست الإسرائيلية في 28 أكتوبر الماضي، والتي تحظر نشاطات الوكالة الأممية في الأراضي الفلسطينية، وهو الإجراء الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في غضون 90 يوماً.
ويؤكد القرار على تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بأن الأونروا هي «العمود الفقري» لجميع العمليات الإنسانية في غزة، ولا يمكن لأي منظمة أن تحل محلها. ويؤكد القرار على ضرورة استمرار «الأونروا» في «عملها دون عوائق».
ويدعو القرار الحكومة الإسرائيلية إلى «الالتزام بتعهداتها الدولية، واحترام امتيازات وحصانات (الأونروا)»، والتمسك بمسؤوليتها عن تسهيل تسليم المساعدات الإنسانية من دون عوائق في كل أنحاء قطاع غزة.
وكرّر المندوب الأميركي البديل لدى الأمم المتحدة روبرت وود معارضة بلاده لقرار وقف النار، وانتقد الفلسطينيين لفشلهم مرة أخرى في ذكر هجوم «حماس» على إسرائيل. وقال: «في الوقت الذي تشعر فيه (حماس) بالعزلة بسبب وقف النار في لبنان، فإن مشروع القرار بشأن وقف النار في غزة يخاطر بتوجيه رسالة خطيرة إلى (حماس) مفادها أنه لا توجد حاجة للتفاوض أو إطلاق الرهائن».
وكذلك أكد وود أن الولايات المتحدة ستواصل السعي إلى حل دبلوماسي للحرب، ووصف «الأونروا» بأنها «شريان حياة حاسم للشعب الفلسطيني»، لكنه استدرك أن قرار «الأونروا» فيه «عيوب خطيرة»؛ لأنه فشل في خلق مسار لاستعادة الثقة بين الوكالة وإسرائيل، رغم الجهود الأميركية في هذا الصدد.
وقبل التصويت مباشرة، اتهم سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون مؤيدي القرار بالتواطؤ مع «حماس» التي «تسللت بشكل يائس» إلى «الأونروا».