معضلة «الردع» للاعب الصغير... «حزب الله» مثالاً

رجال يركبون دراجة نارية تحمل علم «حزب الله» ويمرون بجوار مبانٍ مدمرة بينما يتجه الناس إلى منازلهم في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
رجال يركبون دراجة نارية تحمل علم «حزب الله» ويمرون بجوار مبانٍ مدمرة بينما يتجه الناس إلى منازلهم في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

معضلة «الردع» للاعب الصغير... «حزب الله» مثالاً

رجال يركبون دراجة نارية تحمل علم «حزب الله» ويمرون بجوار مبانٍ مدمرة بينما يتجه الناس إلى منازلهم في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
رجال يركبون دراجة نارية تحمل علم «حزب الله» ويمرون بجوار مبانٍ مدمرة بينما يتجه الناس إلى منازلهم في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

يرتكز الردع على عنصرَين مهمَّين: العنصر الأوّل، هو في منع (Deny) العدو من القيام بما يريد القيام به، لأن ثمن عدم الانضباط سيكون حتماً أكبر من الأرباح. العنصر الثاني هو الإكراه (Coerce)، الذي يهدف إلى إجبار العدو على القيام بما لا يريد القيام به، لأن ثمن عدم التنفيذ سيكون كبيراً جدّاً.

لا يمكن الردع أو الإكراه لعدوّ يخوض حرب حياة أو موت مُحتّم. ينصح المفكّر الصيني صان تسو في هذه الحالة بأن يُفتح الجسر الذهبي لهذا العدو كمَخرج لتوفير الجهد الحربيّ. لكن فتح هذا الجسر بالنسبة لبعض المفكّرين الاستراتيجيِّين يعتبر مرحلة استراحة للمحارب. إذ بمجّرد أن يستردّ العدو توازنه، فهو سيذهب حتماً إلى الاستعداد لجولة جديدة. وهذا فعلاً ما يحصل في البلدان التي تعاني من الحروب الأهليّة المتكرّرة. فعلى سبيل المثال، لم تعد الحرب الأهلية في سريلانكا ممكنة؛ وذلك بسبب قضاء الجيش الحكومي على قوى «التاميل» الانفصالية. لا ينطبق هذا الوضع على الواقع اللبنانيّ. ففي كلّ مرة، وبعد استنفاد الحرب الأهلية لأهدافها الإقليمية والدوليّة، يُفرَض الحل السياسيّ على لبنان تحت شعار «لا غالب ولا مغلوب»، الأمر الذي يتيح لمَن يعتبر نفسه خاسراً، أن يستعد لجولة مقبلة.

بشكل عام، يُعتبر الردع منظومةً متكاملةً ترتكز على الأسس التالية:

• ضرورة توافر وسائل الردع.

• نيّة استعمال هذه الوسائل في حال فشل الردع.

• التيقّن من أن العدو مقتنع في وعيه بأنه وفي حال تجاوزه الخطوط الحُمر في المنظومة الردعية، فإن هذه الوسائل سوف تُستعمل.

• وعليه، وجب دائماً إرسال الرسائل الردعيّة، إن كان في الشق السياسيّ - الدبلوماسيّ العلني أو السريّ، أو عبر إجراء المناورات العسكريّة التي تُظهر توافّر وسائل الردع.

قد يأخذ الردع أشكالاً عدة، منها المباشر ومنها غير المباشر. فهناك الردع عبر المنع (Denial)، أي عبر إفشال المنظومة العسكريّة التي يريد العدو استعمالها. فعلى سبيل المثال، بنت إسرائيل منظومةً دفاعيّةً جويّةً ضد صواريخ «حزب الله» وإيران، تهدف إلى نزع ورقة التهديد هذه من أيديهما. لكن هذه المنظومة تعاني حالياً مع خطر مستجدّ لم ترتقبه، ألا وهو خطر المسيّرات.

هناك أيضاً الردع التراكميّ (Cumulative). والمقصود به، هو ذلك الردع الذي يُراكم النجاحات التكتيكيّة عبر مدّة طويلة من الزمن، وعبر استنزاف قوى العدو، إن كان في العتاد أو العديد. لذلك، يُحدّد الخبراء أن الاستنزاف يبدأ بالتأثير فقط عندما لا يستطيع العدو تعويض خسائره المادية والبشريّة.

استراتيجية ردع «حزب الله»

خلق «حزب الله» مع الوقت منظومةً ردعيّةً متعدّدة الأبعاد والاتجاهات. فهو ردع الداخل اللبناني ليبني سلطته كما يريد. وهو أراد ردع إسرائيل عبر تصعيب المهمّة عليها. وبالتزامن، أضاف إلى هذين الردعين، إمكانيّة الاتكال على العمق الردعيّ الذي من الممكن أن تؤمّنه له إيران. فعلى المستوى الداخلي، بنى منظومته الردعية الداخليّة الأساسيّة ضمن البيئة الحاضنة له. وعرضاً، وزّع وسائله على مساحة لبنان ككل. لكن مركز ثقل ردعه تمثّل في «مثلث» جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت ومنطقة البقاع ككل. وبذلك، يكون الحزب قد وضع إسرائيل بمواجهة ردع القانون الدولي، خاصة الإنسانيّ، كون استهدافه سيعني استهداف شريحة واسعة من الشعب اللبناني الذي يشكِّل حاضنة للحزب. ولأن الردع هو أصلاً موجود في عقل ووعي الآخر - أي العدو - فقد يؤدّي هذا الأمر إلى حسابات خاطئة تجاه ردّة فعل العدو.

أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم خلال خطابه الأخير بعد اتفاق وقف إطلاق النار (إ.ب.أ)

وهذا ما حصل. ففي المحصّلة، سقط ردع «حزب الله». فالحرب استهدفت بيئته وبنيته، وتسببت في أوضاع كارثيّة للحزب ومناصريه.

مفاهيم جديدة

تقول دراسات إن معدّل عمر حركات المقاومة هو 10 سنوات. تخطّى الحزب هذه المدة، وذلك بسبب لعبه دوراً هجيناً (Hybrid). أي إنه في الدولة وخارجها في الوقت نفسه، وحسب ما يتّفق الأمر مع مصالحه الاستراتيجية.

• عادة، لا يمكن قياس النجاح مع حركات المقاومة، خاصة إذا بقيت خارج إطار السيطرة على الأرض. لكن عندما تسيطر هذه الحركات على مساحة معيّنة، فهي تصبح منظورة وملموسة، يمكن حدّها وعدّها، وقياس النجاح عليها. حصل هذا الأمر مع تنظيم «داعش» بعد إعلانه الخلافة المزعومة. واليوم يحصل مع «حزب الله». حصل القتال مع «داعش» ضمن مناطق سكنيّة، وهو اليوم يحصل مع «حزب الله».

• وإذا كانت المقاومة مثل السمكة، كما قال الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، فإن المجتمع يُشكِّل البحر لهذه السمكة، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما بعضاً. اقتبس أمين عام «حزب الله» السابق، حسن نصر الله، هذه المعادلة وكرّرها في خطبه. تحاول إسرائيل اليوم فصل السمكة عن البحر عبر استهداف بيئة «حزب الله» وبنيته.

• وإذا كانت معادلة النصر لـ«حزب الله» هي في عدم الخسارة. فماذا يعني النصر للحزب إذا خسر البيئة وثرواتها، وخسر بنيته العسكريّة، والأهمّ خسارة الدور الكبير الذي كان يلعبه الراعي الإقليميّ في رعايته.

• وإذا كان ممكناً لحركات المقاومة السيطرة على أرض معيّنة، فقد يمكن القول إن اليد العليا تنتقل إلى الدولة - الأمّة؛ لأنها تمتلك قدرة ناريّة كبيرة جداً، وهي قادرة على الصمود لوجيستيّاً لفترة طويلة، مع القدرة على منع الدعم اللوجيستيّ عن الفريق الآخر. هكذا فعلت إسرائيل، قبل وقف النار الأخير، عبر ضرب لوجيستيّة «حزب الله»، خاصة النوعيّة منها، ومحاولة عزله لوجيستيّاً عبر ضرب خط الإمداد الآتي من سوريا. وبذلك، يسقط العمق الردعيّ لـ«حزب الله» لأنه فُصل عن الأصيل.

في النهاية، يمكن القول إن اللاتماثل (Asymmetry) لم يعد يلعب فقط لصالح الأضعف الذي لا يملك التكنولوجيا الحديثة. فقد أثبتت الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل أنه يمكن لدولة تمتلك التكنولوجيا الحديثة أن تخلق وضعاً لا تماثليّاً لصالحها ضدّ لاعب من خارج إطار الدولة (NSA). عملية تفجير أجهزة الاستدعاء (Pagers) لعناصر «حزب الله» كانت مثالاً واضحاً على ذلك.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يستهدف عنصراً من «حزب الله» في جنوب لبنان

المشرق العربي جنود من الجيش اللبناني يقفون بجوار حطام سيارة استُهدفت في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان في 22 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي يستهدف عنصراً من «حزب الله» في جنوب لبنان

أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم الخميس إنه استهدف عنصراً ينتمي إلى جماعة «حزب الله» اللبنانية في منطقة الجميجمة بجنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية دخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية سابقة على جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)

غارات إسرائيلية على النبطية بجنوب لبنان

أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم (الأربعاء) انه شن غارات تستهدف مواقع لحزب الله في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
خاص دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)

خاص تحقيقات ترجّح اختطاف إسرائيل ضابطاً لبنانياً على صلة بملف آراد

تحقيقات لبنانية ترجّح فرضية اختطاف إسرائيل ضابطاً متقاعداً، بعد معطيات عن استدراج منظّم وارتباط القضية بملف الطيار المفقود رون آراد.

يوسف دياب (بيروت)
شؤون إقليمية «هيكلية القيادة في الملف البحري السري التابع لحزب الله» حسب ما جاء في منشور على «إكس» للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي play-circle 03:20

«اعترافات» أمهز… تمهيد إسرائيلي لتصعيد ضد لبنان؟

حملة تروج لها السلطات الإسرائيلية لتبرير التصعيد الحربي على لبنان ومحاولة إقناع واشنطن وغيرها من العواصم الغربية بـ«ضرورة توجيه ضربة قاسية أخرى لحزب الله».

نظير مجلي (تل ابيب)
المشرق العربي صورة من مقر قيادة «يونيفيل» في الناقورة جنوب لبنان... عُقد الاجتماع اللبناني الإسرائيلي في هذا المقر وفق ما أوردته السفارة الأميركية في بيروت (رويترز) play-circle

اجتماع ممثلين مدنيين وعسكريين من لبنان وإسرائيل في إطار لجنة وقف النار

عقد ممثلون عن لبنان وإسرائيل، الجمعة، اجتماعاً في إطار اللجنة المكلفة بمراقبة تطبيق وقف إطلاق النار الساري منذ عام، وفق ما أفادت السفارة الأميركية في بيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)
فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)
TT

إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)
فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)

بدأت الحكومة الإسرائيلية سحب تصاريح منظمات إنسانية دولية تعمل في مناطق قطاع غزة والضفة الغربية، بذريعة عدم استكمال إجراءات التسجيل المطلوبة، لممارسة أي أنشطة لها داخل تلك المناطق.

وقالت الحكومة الإسرائيلية إنها ستسحب تراخيص 37 منظمة إنسانية منها «أطباء بلا حدود» و«أكشن إيد»، بدعوى «صلتها بالإرهاب»، زاعمة أن تلك المنظمات الإنسانية توظف فلسطينيين ضالعين فيما تصفها بـ«الأنشطة الإرهابية».

وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الثلاثاء، بأن السلطات الإسرائيلية أرسلت بالفعل إخطارات إلى أكثر من 12 منظمة إنسانية دولية، بأن التصاريح الممنوحة لها للعمل داخل قطاع غزة والضفة الغربية، سيتم إلغاؤها بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل، وأنه يجب إنهاء أنشطتها بالكامل في الأول من مارس (آذار) المقبل.

جنود إسرائيليون أمام مقر رئاسة «الأونروا» في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وادعت السلطات الإسرائيلية أن قسماً من تلك المنظمات رفض تقديم قوائم كاملة بأسماء الموظفين الفلسطينيين العاملين فيها لإجراء فحص أمني بشأنهم، مدعيةً أن فحصاً أمنياً لموظفين يعملون في منظمة «أطباء بلا حدود» أظهر تورط بعضهم في «نشاطات إرهابية»، حيث تم في يونيو (حزيران) 2024، تصفية ناشط في «الجهاد الإسلامي» كان يعمل لدى المنظمة، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، تم الكشف عن موظف آخر يعمل قناصاً لصالح حركة «حماس»، وفقاً لذات الصحيفة.

ويقود هذه الخطوة فريق وزاري مشترك برئاسة وزراء شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية، الذي أرسل الخطابات الرسمية لتلك المنظمات، ومن بينها منظمة «أطباء بلا حدود».

وكانت الحكومة الإسرائيلية أمهلت المنظمات لاستيفاء المتطلبات حتى 9 سبتمبر الماضي، وتم تمديد القرار حتى 31 ديسمبر (كانون الثاني) الحالي.

وتزعم مصادر سياسية وأمنية إسرائيلية أنه «لا توجد نية لعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين في قطاع غزة». ووفقاً للمصادر التي نقلت عنها وسائل إعلام عبرية، فإن «المنظمات التي سُحبت تراخيصها لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من إجمالي المساعدات، وأن الغالبية العظمى منها لا تزال تقدم عبر جهات أخرى وبوسائل خاضعة للرقابة».

موظفو منظمة «أطباء بلا حدود» في أثناء تنظيمهم مظاهرة يونيو الماضي في جنيف ضد عسكرة إمدادات المساعدات الإنسانية في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وقال مكتب تنسيق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية إنه يتوقع أن تقود تلك المنظمات حملات «تضليلية تهدف لتشويه سمعة إسرائيل»، تدعي من خلالها أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، زاعماً أنه «لن يُلحق أي ضرر بنطاق المساعدات الإنسانية بعد تطبيق القانون».

وقال وزير شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية، عميحاي شيكلي: «أنا فخور بأن الحكومة قد فوضت وزارتي بقيادة الفريق المكلف بوضع حد للأنشطة المعادية لدولة إسرائيل تحت ستار المساعدات الإنسانية. الرسالة واضحة: المساعدات الإنسانية نعم، لكن استغلالها لأغراض إرهابية لا».

وفي الثاني والعشرين من الشهر الحالي، حذرت منظمة «أطباء بلا حدود»، وهي إحدى أكبر المنظمات الطبية العاملة في غزة، من أن القواعد الإسرائيلية الجديدة لتسجيل المنظمات الدولية غير الحكومية قد تترك مئات آلاف الأشخاص في غزة من دون القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية المنقِذة للحياة بحلول عام 2026.

وقالت: «هذه المتطلبات الجديدة تهدّد بسحب تسجيل هذه المنظمات، ومن شأن عدم التسجيل هذا أن يحول دون تمكن منظمات، من بينها (أطباء بلا حدود)، من تقديم الخدمات الأساسية للناس في غزة والضفة الغربية».

ودعت المنظمة السلطات الإسرائيلية إلى ضمان تمكين المنظمات الدولية غير الحكومية من الحفاظ على استجابتها المستقلة وغير المتحيّزة في غزة والاستمرار فيها. فالاستجابة الإنسانية المقيّدة أساساً لا تحتمل مزيداً من التفكيك. كما قالت.


سوريا: توقيف 21 شخصاً على صلة بالأسد في اللاذقية بعد أعمال عنف

عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)
عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)
TT

سوريا: توقيف 21 شخصاً على صلة بالأسد في اللاذقية بعد أعمال عنف

عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)
عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)

أوقفت السلطات السورية 21 شخصاً متهمين بالارتباط بحكم بشار الأسد في غرب البلاد، وفقاً للتلفزيون الرسمي، بعيد فرض حظر تجوّل في مدينة اللاذقية، غداة أعمال عنف شهدتها هذه المنطقة ذات الغالبية العلوية.

وشهدت أحياء ذات غالبية علوية أعمال عنف، الاثنين، غداة مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل جراء إطلاق نار أثناء مظاهرات شارك فيها الآلاف في محافظة اللاذقية دعت إليها مرجعية علوية؛ احتجاجاً على انفجار استهدف مسجداً في حي للطائفة بمدينة حمص، وقُتل اثنان منهم برصاص قوات الأمن.

وأورد التلفزيون السوري الرسمي أن «قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية» ألقت القبض «على 21 شخصاً من فلول النظام البائد متورطين بأعمال إجرامية، وتحريض طائفي، واستهداف قوات الأمن الداخلي».

وجاء الإعلان عن التوقيفات بعدما أفاد التلفزيون الرسمي بدخول حظر تجوّل أعلنته السلطات بدءاً من الساعة الخامسة عصراً وحتى السادسة صباح الأربعاء، حيّز التنفيذ في مدينة اللاذقية، وسط انتشار أمني كثيف.

وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الداخلية في بيان «فرض حظر تجوال» في المدينة «لا يشمل الحالات الطارئة، ولا الكوادر الطبية، ولا فرق الإسعاف والإطفاء»، بينما دعت السكان إلى «الالتزام التام بمضمون القرار والتعاون مع الوحدات المختصة».

وأفاد سكان في أحياء ذات غالبية علوية في مدينة اللاذقية بهجمات وأعمال نهب تخللها تخريب سيارات وممتلكات ليل الاثنين، قبل أن يعود الهدوء وتنتشر القوات الأمنية، حسب الإعلام الرسمي.

وأعرب من جهته المتحدّث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا، الثلاثاء، عن رفض السلطات «المطلق لأي أعمال تخريبية أو اعتداءات تمس كرامة المواطنين أو ممتلكاتهم»، مضيفاً أن السلطات سوف تتخذ «الإجراءات القانونية اللازمة» بحقّ مرتكبيها.

وشدّد على أن وزارة الداخلية «لن تسمح بأي تصرفات عبثية أو خارجة عن القانون، مهما كانت المبررات»، مؤكداً «التزامها الكامل بحماية جميع المواطنين السوريين دون استثناء».

ويعدّ الهجوم على المسجد الذي أودى بحياة 8 أشخاص وتبنّته جماعة باسم «سرايا أنصار السنة»، الأحدث ضد الأقلية الدينية التي تعرضت لحوادث عنف عدة منذ سقوط حكم الرئيس السابق بشار الأسد، المنتمي لهذه الطائفة، في ديسمبر (كانون الأول) 2024.

وشهدت سوريا موجات دموية من العنف الطائفي، أبرزها في منطقة الساحل بحق مدنيين علويين في مارس (آذار)، بعدما اتهمت السلطات الجديدة في دمشق أنصاراً مسلحين للأسد بإشعال العنف من خلال مهاجمة قوات الأمن.


استياء رسمي لبناني من «حماس» لرفضها تسليم سلاحها

أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
TT

استياء رسمي لبناني من «حماس» لرفضها تسليم سلاحها

أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

في وقت يستكمل فيه الجيش اللبناني عملية تسلُّم السلاح من المخيمات الفلسطينية في مختلف المناطق اللبنانية، تطرح الأسئلة حول مصير سلاح حركة «حماس» في لبنان، وهي التي لا تزال ترفض تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية والاتفاق اللبناني - الفلسطيني في هذا الإطار.

وبلغ الاستياء الرسمي اللبناني من حركة «حماس» والفصائل الحليفة لها مستويات غير مسبوقة نتيجة رفضها تسليم سلاحها المتوسط والثقيل الموجود جنوب نهر الليطاني، وبالتحديد في مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، علماً بأن المهلة التي حددها الجيش اللبناني لإنجاز المرحلة الأولى من قرار الحكومة «حصرية السلاح»، والتي تلحظ المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود الإسرائيلية، تنتهي نهاية عام 2025.

ويفترض أن تعلن الحكومة في جلسة تعقدها مطلع عام 2026 إنجاز المرحلة الأولى وانتقالها لتطبيق المرحلة الثانية بمسعى منها لتجاوز التهديدات الإسرائيلية بشن جولة جديدة من الحرب «لمواجهة محاولات (حزب الله) إعادة بناء قدراته العسكرية».

وتشدُّد «حماس» وفصائل أخرى، يطرح علامات استفهام، لا سيما أن «حزب الله» رضخ وسلّم سلاحه جنوب الليطاني، ما يهدد سلامة واستقرار مخيم الرشيدية إذا قررت إسرائيل استهداف السلاح الموجود داخله، والذي يُعتقد أن بعضه متوسط وثقيل.

وساطات خارجية لمعالجة الملف

وكشف مصدر رسمي لـ«الشرق الأوسط» عن «طلب لبنان وساطات خارجية لمعالجة ملف سلاح (حماس)، وعن ممارسة هذه الدول ضغوطاً على الحركة لم تؤدِ غرضها حتى الساعة». واعتبرت مصادر مواكبة لهذا الملف أن تسليم «فتح» دفعة جديدة من السلاح من مخيم عين الحلوة، الثلاثاء، «هو بمثابة محاولة جديدة للضغط على (حماس) لتسليم سلاحها».

عنصر في الجيش اللبناني على مدخل مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت (إ.ب.أ)

ويعبّر رئيس لجنة الحوار اللّبناني - الفلسطيني السّفير رامز دمشقية بوضوح عن الاستياء الرسمي اللبناني من موقف حركة «حماس» والفصائل الحليفة لها، وطريقة تعاطيها مع هذا الملف.

وقال دمشقية، لـ«الشرق الأوسط»: «طالما هذه الفصائل تعلن أنها تحت سقف الدولة اللبنانية، فالمفروض بها أن تلتزم بقرارات الدولة، لا أن تلجأ للمراوغة من خلال ربط التسليم بملف الحقوق»، مضيفاً: «نعلم أن هناك حقوقاً ومطالب، ونحن نعمل على هذا الملف بجدية... لكننا نرفض أي مقايضة بين ملف وآخر».

ويرى دمشقية أنه «لا نفع أو جدوى من اجتماعات موسعة مع الفصائل»، معتبراً أن «المطلوب من (حماس) والفصائل الحليفة التواصل مع الجيش اللبناني لتحديد مواعيد لتسليم السلاح، تماماً كما فعلت فصائل منظمة التحرير».

وترفض حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وفصائل أخرى حليفة لها مقررات القمة اللبنانية - الفلسطينية، وترى أنه يفترض بالدولة اللبنانية حل الملف الفلسطيني في لبنان سلة واحدة؛ أي عدم إعطاء الأولوية للسلاح على الحقوق والمطالب الفلسطينية.

وتقول مصادر «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إنها «لا تزال تنتظر دعوة السفير دمشقية كل الفصائل للحوار بشأن ملف السلاح والملفات العالقة المرتبطة بالحقوق الفلسطينية والتفاهم على ورقة تشكل أرضية للحل»، لافتة إلى أنه «وفي اللقاء الأخير مع السفير دمشقية وعد بالدعوة لحوار مماثل، لكن ذلك لم يحصل ولم يتم توجيه أي دعوة».

جنود قرب مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان خلال عملية تسليم مجموعات فلسطينية سلاحها للجيش اللبناني 13 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)

ويبدو محسوماً ألا خطة سياسية - عسكرية لبنانية لجمع السلاح الفلسطيني بالقوة؛ إذ تقول مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» إن «مهام الجيش في التعامل راهناً مع ما تبقى من سلاح داخل المخيمات الفلسطينية، تقتصر على منع دخول أو خروج السلاح منها، بحيث تم تشديد الإجراءات الأمنية المتخذة على المداخل والمخارج الأساسية والفرعية للمخيمات المنتشرة في كل المناطق اللبنانية».

تسليم الدفعة الخامسة من سلاح «فتح»

وأعلن الجيش اللبناني، الثلاثاء، أنه «واستكمالاً لعملية تسلُّم السلاح من المخيمات الفلسطينية في مختلف المناطق اللبنانية، تسلَّمَ الجيش كمية من السلاح الفلسطيني من مخيم عين الحلوة (في جنوب لبنان)، بالتنسيق مع الجهات الفلسطينية المعنية»، مشيراً إلى أنها شملت أنواعاً مختلفة من الأسلحة والذخائر الحربية، وقد تسلمتها الوحدات العسكرية المختصة للكشف عليها وإجراء اللازم بشأنها».

من جهته، أعلنت دائرة الإعلام في الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان (الجناح العسكري لحركة «فتح»)، في بيان، أن «قواتها استكملت، الثلاثاء، تسليم الدفعة الخامسة من السلاح الثقيل التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك في مخيم عين الحلوة - صيدا».

وأكد الأسدي أن «هذه الخطوة تأتي تنفيذاً للبيان الرئاسي المشترك الصادر عن الرئيسين الفلسطيني محمود عباس واللبناني جوزيف عون في شهر مايو (أيار) الماضي، وما نتج عنه من عمل اللجنة اللبنانية - الفلسطينية المشتركة لمتابعة أوضاع المخيمات وتحسين الظروف المعيشية فيها».

12 مخيماً فلسطينياً في لبنان

ويبلغ العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى «الأونروا» في لبنان 489.292 شخصاً. ويقيم أكثر من نصفهم في 12 مخيماً منظماً ومعترفاً بها من قبل «الأونروا» هي: الرشيدية، برج الشمالي، البص، عين الحلوة، المية ومية، برج البراجنة، شاتيلا، مار إلياس، ضبية، ويفل (الجليل)، البداوي، ونهر البارد.

وسُجل في الفترة الماضية، وبالتوازي مع انطلاق عملية تسليم السلاح الفلسطيني الموجود داخل المخيمات، حراك رسمي لافت باتجاه تحسين ظروف عيش اللاجئين الفلسطينيين الذين يرزح نحو 80 في المائة منهم تحت خط الفقر، ويعيشون في أوضاع صعبة جداً داخل مخيماتهم.

وقام السفير دمشقية رئيس لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني مع مديرة شؤون «الأونروا» في لبنان، دوروثي كلاوس، بمساعٍ حثيثة مع المسؤولين اللبنانيين المعنيين بمعالجة هذا الملف، من خلال العمل على تخفيف بعض القيود المرتبطة بترميم وإصلاح المنازل، وإصدار بطاقات هوية بيومترية للفلسطينيين.