«خيط رفيع» بين العراق الرسمي والفصائل في الأزمة السورية

خبراء حذروا من «حسابات خاطئة» مع واشنطن وأنقرة

السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (إعلام حكومي)
السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (إعلام حكومي)
TT

«خيط رفيع» بين العراق الرسمي والفصائل في الأزمة السورية

السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (إعلام حكومي)
السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (إعلام حكومي)

حتى مع حالة القلق من انعكاسات الأزمة السورية على الأوضاع الأمنية في العراق، يبدو «الالتباس» سيد الموقف بالنسبة لطبيعة التحرك الرسمي الذي تمثله حكومة رئيس الوزراء محمد السوداني من الحدث السوري، وإذا ما كانت ستنخرط بقوة فيه، أو أنها ما زالت عند عتبة الحياد.

في مقابل ذلك، ثمة يقين قائم على المستوى المحلي بأن العراق «غير الرسمي» ممثلاً بجماعات الفصائل المسلحة منخرط بالفعل في أتون المعارك السورية المتجددة بين نظام الأسد وخصومه من الفصائل المعارضة المسلحة.

ولا تقتصر «حالة الالتباس» بنظر مراقبين، على انخراط العراق من عدمه، وتمتد إلى طريقة ذلك والكيفية التي يمكن أن يتبعها في الانحياز إلى أحد أطراف الصراع في سوريا، وإذا ما كان ذلك عبر المساهمة العسكرية المباشرة، أو يقتصر موقفه بحدود الدعم السياسي والدبلوماسي.

حتى مع تأكيد أكثر من مصدر رسمي، وضمنهم رئيس هيئة «الحشد الشعبي» فالح الفياض، في وقت سابق، عدم ذهاب عناصرها للقتال في سوريا إلى جانب قوات الأسد، تركت تصريحات رسمية مقابلة وخاصة تلك التي صدرت عن رئيس الوزراء ومن ورائه قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية انطباعاً لا يشوبه الكثير من الغموض حول التوجهات الرسمية الداعمة لنظام بشار الأسد.

وكرر رئيس الوزراء محمد السوداني خلال اتصالاته الأخيرة بالرئيسين السوري والإيراني موقفه الداعم للنظام السوري. وفي اتصال له مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قال بالحرف، إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا».

فوق المواقف المعلنة، تؤكد تصريحات سابقة للمتحدث الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة يحيى رسول بشأن «عدم ممانعة» الحكومة بذهاب الفصائل المسلحة إلى سوريا، لتؤكد حجج الذاهبين إلى قضية الانخراط العراقي الرسمي بالحرب.

وأيضاً، يؤكد ذلك. الموقف الذي صدر عن قوى «الإطار التنسيقي» الذي وصم الجماعات المسلحة السورية بـ«الإرهاب».

وتأتي تصريحات رئيس ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، الأربعاء، لتضفي مصداقية أخرى إلى قناعة أولئك الذين يتحدثون عن موقف عراقي منحاز في الأزمة السورية، حيث دعا المالكي إلى «حماية سوريا ووحدة أراضيها وأمنها واستقرارها من الهجمات التي تشنها تنظيمات مسلحة».

ومعروف أن المالكي كان أول المبادرين حين كان يشغل منصب رئاسة الوزراء، إلى دعم حكومة دمشق بعد أيام قليلة انطلاق الثورة السورية عام 2011.

إلى جانب المواقف السياسية، يأتي القرار بإحياء التحالف «الرباعي» بين العراق وروسيا وسوريا وإيران، لتؤكد أيضاً انخراط العراق الرسمي وبقوة إلى جانب النظام السوري.

والتحالف المشار إليه تأسس نهاية سبتمبر (أيلول) 2015، بين الدول الأربع إلى جانب «حزب الله” اللبناني، بهدف «تبادل المعلومات حول تنظيم (داعش) مع غرف عمليات في دمشق وأخرى في بغداد».

قادة في الجيش العراقي يصلون إلى الشريط الحدودي مع سوريا (إعلام وزارة الدفاع العراقية)

العراق الرسمي... والفصائل

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى دبلوماسي سابق وأستاذين في العلوم السياسية لمعرفة التوجهات الحالية واللاحقة للحكومة العراقية ببعدها الرسمي، وغير الرسمي الذي تمثله الفصائل المسلحة، بالنسبة للأزمة السورية.

يعتقد أستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة بغداد، إحسان الشمري، أن «العراق الرسمي عبر عتبة التردد وبات منخرطاً في الأزمة السورية».

ويبني الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء والمتحدث الرسمي وزعماء «الإطار التنسيقي»، وهذه المواقف بمجملها «كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

وحتى مع عدم وجود موقف رسمي معلن وصريح بشأن عملية الانخراط العراقي، فإن «الموقف يبدو ضبابياً تماماً، لكن المؤشرات تفضحه».

ويعتقد الشمري أن المساهمة العراقية الفعلية بالحرب ستكون لها «تداعيات خطيرة»، بحسب قوله؛ لأنه «قد سيواجه الفاعلين التركي والأميركي المناهضين لنظام الأسد، وقد يغدو العراق عدواً رسمياً لدولة جارة في حال تسوية سياسية محتملة في سوريا، وربما يكون للفصائل المسلحة مكانتها المهمة ضمن هذه التسوية».

موانع الدستور

لا يتفق الباحث والدبلوماسي السابق غازي فيصل بشأن انخراط العراق الرسمي في الأزمة السورية، ويرى أن «الحكومة العراقية ملتزمة بالمادة رقم 8 من الدستور العراقي التي تشير بوضوح إلى مراعاة الدولة والحكومة العراقية لمبادئ حسن الجوار».

ويقول إن ذلك يعني «عدم التدخل بالشؤون السيادية والسياسية للدول، وأيضاً الذهاب نحو إيجاد حلول للمشكلات والأزمات في دول الجوار عبر الحوار السياسي والجهود الدبلوماسية، وليس عبر المشاركة في الحروب، وأي مشاركة من الجيش العراقي في الأزمات الداخلية السورية يعد انتهاكاً لهذه المادة».

ويعتقد فيصل أن مشاركة الفصائل العراقية في الحروب الإقليمية «تعد انتهاكاً هو الآخر للمادة 8 من الدستور، وانتهاكاً للاستراتيجية العراقية التي تؤكد الجهود الدبلوماسية، ولا تؤمن بالعمل العسكري لمواجهة الأزمات الإقليمية».

لكنه يستدرك أن «الفصائل العراقية المسلحة، العابرة للحدود والمرتبطة بولاية الفقيه الإيرانية، متحالفة استراتيجياً مع (الحرس الثوري) الإيراني، لكنها لا تمثل استراتيجية الحكومة العراقية».

منطقة البوكمال نقطة استراتيجية للمسلّحين الموالين لإيران شرق سوريا (أ.ف.ب)

موقف ملتبس

ويتحدث أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إياد العنبر عن «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمايز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي».

وفيما تقول الحكومة، على لسان رئيس وزرائها، إنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال الأزمة السورية، تبقى والكلام للعنبر، أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضية دعم سوريا، أم هناك مشاركة عسكرية».

ويرى أن «هناك تناقضاً واضحاً، ولا نعرف ما إذا كانت الحكومة أعطت الضوء الأخضر بالتدخل عبر عنوان رسمي من خلال تشكيلات الحشد أم لا، وهذا أمر نفته الجهات الرسمية، لكننا نعرف أن الفصائل لا تنتظر صدور الأوامر من رئيس الوزراء، أو ربما يريد السوداني إعطاء الشرعية لمشاركة الفصائل بالسكوت عنها».

ويخلص إلى أن «كل الاحتمالات قائمة مع التدخل الدولي والإقليمي في الشأن السوري، لكن العنوان الرسمي في العراق لا يملك الوضوح المطلوب بشأن طبيعة التدخل العراقي، ربما سيغدو ذلك أكثر وضوحاً في الأيام المقبلة، وفي المحصلة لا تمتلك حكومة بغداد الكثير من ترف الخيارات».


مقالات ذات صلة

بغداد تدعو دمشق «ما بعد الأسد» إلى «دستور تعددي»

المشرق العربي رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال اجتماع أمني طارئ في بغداد (إعلام حكومي)

بغداد تدعو دمشق «ما بعد الأسد» إلى «دستور تعددي»

أكدت الحكومة العراقية «ضرورة احترام الإرادة الحرة لجميع السوريين» ودعتهم إلى حوار شامل يحفظ حقوق الجميع.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي وزير الخارجية فؤاد حسين يتوسط وزيرَي خارجية إيران وسوريا (وزارة الخارجية)

بغداد لطهران ودمشق: التدخل في سوريا لم يعد مطروحاً أبداً

تتمسَّك بغداد بسياسة النأي عن النفس في الأزمة السورية، إلا أن زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» دعا إلى حوار سياسي بين مكونات البلد الجار.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي السوداني يترأس اجتماعاً طارئاً للمجلس الوزاري للأمن الوطني الاثنين (رئاسة الوزراء)

الفصائل المسلحة السورية: لا نشكّل تهديداً لأمن العراق

في تطور لافت بشأن الأزمة السورية وإمكانية انعكاس تداعياتها على دولة العراق، وجّهت حكومة «الإنقاذ السورية» رسالة تطمين إلى بغداد.

فاضل النشمي (بغداد)
العالم العربي وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي برفقة وفد أمني رفيع المستوى إلى قاطع عمليات غرب نينوى في سنجار (واع)

قائد عسكري عراقي: حدودنا مؤمنة ولا مجال لاختراقها

قال محمد السعيدي، قائد قوات الحدود العراقية، اليوم (السبت)، إن الحدود العراقية «مُؤمنَّة، ولا مجال لاختراقها».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الحكومة العراقية خلال اجتماع أقرت فيه بالتراجع عن استقطاع رواتب الموظفين (إعلام حكومي)

استقطاع الرواتب لـ«دعم لبنان» يثير غضباً في العراق

اضطرت الحكومة العراقية للتراجع عن قرارها باستقطاع 1 % من مرتبات الموظفين في القطاع العام والمتقاعدين لتقديم مساعدات مالية إلى غزة ولبنان

فاضل النشمي (بغداد)

سوريون عائدون إلى بلدهم من الأردن: «فرحة لا توصف»

سوريون ينتظرون العبور من الأردن إلى سوريا (أ.ف.ب)
سوريون ينتظرون العبور من الأردن إلى سوريا (أ.ف.ب)
TT

سوريون عائدون إلى بلدهم من الأردن: «فرحة لا توصف»

سوريون ينتظرون العبور من الأردن إلى سوريا (أ.ف.ب)
سوريون ينتظرون العبور من الأردن إلى سوريا (أ.ف.ب)

عند الحدود بين الأردن وسوريا، عبر سوريون، الأحد، إلى بلادهم بعد فتح معبر جابر نصيب إثر إقفال خلال الأيام الماضية بسبب التطورات الأمنية، معبّرين عن «فرحة لا توصف» بعد إعلان سقوط بشار الأسد.

بعد إعلان سقوط بشار الأسد، قرّر أحمد عايد قطع زيارته إلى الأردن والعودة. وقال عايد (ثلاثيني) الذي أمضى شهراً في الأردن، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنت أخطط للعودة بعد يومين، ولكنني لم أستطع النوم، فالفرحة لا توصف، ونحمد الله على تحرير سوريا».

وأضاف: «نأمل أن تصير الحياة أحسن بهمة الشباب»، في إشارة إلى فصائل المعارضة المسلحة التي دخلت قواتها دمشق، فجر الأحد، بعد أن سيطرت على مساحات واسعة ومدن أخرى خلال الأيام الماضية.

ولجأ عايد خلال سنوات النزاع لمدة 7 سنوات إلى الأردن، قبل أن يعود قبل 4 سنوات إلى محافظة درعا (جنوب) التي كانت تحت سيطرة حكومة بشار الأسد حتى قبل وقت قصير مضى. ومضى قائلاً: «أهم شيء أن يكون هناك تعليم ونظام، وتتراجع عمليات القتل والخطف والسرقة، وأن تكون الحكومة الجديدة المقبلة على قدر المسؤولية».

وقال السوري أبو المجد، المقيم في الأردن منذ نحو 14 عاماً، والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أنا أذهب دائماً إلى سوريا، ولكن هذه المرة شعوري لا يوصف (...)، بعد سقوط النظام الفاشي».

سيارات تصطف انتظاراً للمرور من الأردن إلى سوريا (أ.ف.ب)

وقرّر الأردن، الأحد، السماح بمغادرة السوريين بمركباتهم إلى بلادهم لمن سبق أن دخلوا بها إلى المملكة عبر هذا المعبر الوحيد العامل بين البلدين الجارين والذي أعلن إغلاقه، الجمعة، بسبب «الظروف الأمنية» في سوريا.

وشاهدت مراسلة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» سيارات أجرة تدخل سوريا عبر المعبر الحدودي.

وقال مالك صبيحي (47 عاماً)، وهو سائق سيارة أجرة: «أقول للشعب السوري (مبروك)، وإن شاء الله يقدّم الله الخير لهذا البلد ولكل البلدان العربية». وأضاف: «نحن متفائلون بالخير، ولكننا نحتاج لحكومة سورية جديدة حتى يعود السوريون واللاجئون في الخارج إلى بلدهم».

وللأردن حدود برية مع سوريا تمتد على 375 كيلومتراً. وتقول عمان إنها تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، ووفقاً للأمم المتحدة، هناك نحو 680 ألف لاجئ سوري مسجلين في الأردن.

وعانى الأردن، الذي حافظ على علاقاته الدبلوماسية مع سوريا، خلال السنوات الماضية من عمليات تسلل وتهريب أسلحة ومخدّرات، لا سيّما حبوب الكبتاغون، برّاً من سوريا.

وأعلنت السفارة السورية في عمان، الأحد، عبر صفحتها على «فيسبوك»، استمرارها بالعمل وتقديم خدماتها لأبناء الجالية السورية.

وقالت: «في ضوء التطورات الأخيرة التي يشهدها وطننا الحبيب سوريا، ومع بزوغ فجر جديد، تُكتب معه صفحة جديدة في تاريخ سوريا، سفارة الجمهورية العربية السورية في المملكة الأردنية الهاشمية مستمرة بالعمل، وتقديم الخدمات القنصلية للأخوة أبناء الجالية السورية».

«فرحة لا توصف»

لكن محمد نجم، الذي لجأ إلى ألمانيا قبل 9 سنوات، ويزور الأردن حالياً، فلم يتمكّن من العبور، بسبب امتلاكه جواز سفر ألماني.

نزل من سيارة، وكان يتنقّل على عكازين بسبب ساقه المبتورة نتيجة إصابة في سوريا في عام 2015.

وقال نجم (51 عاماً)، وهو ناشط إعلامي معارض سابقاً من درعا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «الفرحة ليس لها وصف»، مضيفاً: «لديَّ شقيقان وعمّ واثنان من أولاده وابن خال معتقلون (في سوريا)... لا أتذكر عدد المعتقلين من أقاربي وأصدقائي، فالفرحة تغمرني الآن». مضيفاً أنه سيحاول «الدخول إلى سوريا من لبنان أو من تركيا».

وأضاف: «آمل أن يكونوا خرجوا من السجن سالمين، وأن تبدأ سوريا جديدة ليس فيها قتل وحرب وأن يعود الناس إلى بيوتهم، ويتعايشوا مع بعضهم كالسابق».

وفتحت الفصائل المسلحة المعارضة التي سيطرت على مناطق واسعة خلال الأيام الماضية وصولاً إلى دمشق، أبواب سجون عدة، وأطلقت المعتقلين.