الجيش اللبناني يعزز وجوده على الحدود تحسباً لـ«طارئ» من الجهة السورية

نشر راجمات صواريخ وتعزيزات عسكرية في البقاع

آليات للجيش اللبناني عند الحدود مع سوريا خلال تنفيذ عملية «فجر الجرود» التي نفذها عام 2017 لطرد تنظيم «داعش» من المنطقة (مديرية التوجيه)
آليات للجيش اللبناني عند الحدود مع سوريا خلال تنفيذ عملية «فجر الجرود» التي نفذها عام 2017 لطرد تنظيم «داعش» من المنطقة (مديرية التوجيه)
TT

الجيش اللبناني يعزز وجوده على الحدود تحسباً لـ«طارئ» من الجهة السورية

آليات للجيش اللبناني عند الحدود مع سوريا خلال تنفيذ عملية «فجر الجرود» التي نفذها عام 2017 لطرد تنظيم «داعش» من المنطقة (مديرية التوجيه)
آليات للجيش اللبناني عند الحدود مع سوريا خلال تنفيذ عملية «فجر الجرود» التي نفذها عام 2017 لطرد تنظيم «داعش» من المنطقة (مديرية التوجيه)

يجد الجيش اللبناني المنهمك بمتابعة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب مع إسرائيل، نفسه أمام مهمة لا تقل أهمية عند الحدود الشمالية مع سوريا. فتقدم الفصائل المسلحة، وبالتحديد «هيئة تحرير الشام»، والفصائل المتحالفة في حلب وريف حماة، وكذلك وصولها إلى تخوم مدينة حماة، جعل قيادة الجيش تستنفر لاتخاذ إجراءات وقائية خشية وصول مجموعات متشددة إلى الحدود اللبنانية أو تحرك خلايا نائمة داخل البلاد.

نشر راجمات وتعزيزات

وبحسب مصدر أمني لبناني تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، فقد «تم نشر راجمات صواريخ، وتم تعزيز الوحدات المنتشرة عند الحدود الشمالية؛ كي تكون هناك جهوزية للتعامل مع أي طارئ»، لافتاً إلى أن هناك «انتشاراً كبيراً للجيش في عكار وبعلبك الهرمل، حيث إن هناك فوجَي حدود برية، ولواءين، وسرايا من وحدات خاصة، حيث إنها تعد منطقة مفتوحة، وضبط الحدود ليس بالأمر السهل».

ويشير المصدر إلى أن «المعطيات الراهنة تفيد بتصدي الجيش السوري لمحاولات التقدم في حماة ومحيطها، لكن ذلك لا يعني أنه يمكننا النوم على حرير، لذلك تواكب الإجراءات العسكرية المتخذة، متابعة مخابراتية خشية تحركات لسوريين أو لبنانيين متعاطفين مع الفصائل في الداخل اللبناني»، لافتاً إلى «تكثيف الإجراءات والحواجز ودوريات الجيش في مناطق الشمال».

ولا ينكر المصدر أن «الخوف من جبهة الشمال أكبر من جبهة الجنوب؛ حيث هناك اتفاق برعاية دولية، أما شمالاً فالأمور قد تتدهور دون سابق إنذار إذا لم نكن في يقظة كاملة وعلى استعداد للتدخل في أي لحظة».

خشية من تكرار أحداث 2014

ويخشى لبنان من أن تتكرر الأحداث التي شهدتها الحدود الشرقية مع سوريا عام 2014، حين اقتحمت مجموعات من «داعش» و«جبهة النصرة» بلدة عرسال الحدودية، وقتلت عسكريين ومدنيين قبل أن تحتل لسنوات مساحات عند الحدود اللبنانية - السورية، كما يخشى تحرك خلايا نائمة بالتزامن مع ما يحصل في سوريا، خصوصاً مع وجود مئات الآلاف من النازحين السوريين المنتشرين في معظم المناطق اللبنانية.

ضبط الحدود الشمالية أسهل؟

ويشير العميد المتقاعد، جورج نادر، ابن منطقة عكار الحدودية الشمالية، إلى أن «التعزيزات التي قام بها الجيش ليست كبيرة، وتأتي تحسباً لأي طارئ، خصوصاً إذا سحب الجيش السوري وحدات من الفرقة الرابعة للاستعانة بها عند الجبهات المشتعلة، وإبقاء وحدات عادية على الحدود اللبنانية»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «ضبط الحدود الشمالية مع سوريا أسهل من ضبط الحدود الشرقية معها، طالما هناك نهر فاصل بين البلدين والمعابر محدودة (بين 3 و4)، وبالتالي لا خشية حتى الساعة من تطورات دراماتيكية، وخصوصاً أن لبنان مع اتفاق وقف إطلاق النار دخل في (العصر الأميركي)، ولا مصلحة أميركية بخرق الحدود الشمالية اللبنانية».

وأوضح نادر: «إضافة إلى أن المعطيات الراهنة تفيد باستعادة الجيش السوري المبادرة وبإبعاد المسلحين حتى عن ريف حماة... لأنه إذا سقطت حماة واستمر تقدم الفصائل، فذلك يعني وجود توجه لتغيير النظام في سوريا، ولا نرى توجهاً مماثلاً حالياً، مع ترجيحنا أن ما يحصل في سوريا جزء كبير منه رسالة أميركية - إسرائيلية للأسد لقطع طريق الإمداد من إيران والعراق إلى (حزب الله)».

آليات للجيش اللبناني خلال تنفيذ عملية «فجر الجرود» عند الحدود مع سوريا عام 2017 (مديرية التوجيه)

موجة نزوح جديدة؟

ولا تقتصر الخشية اللبنانية من اقتحام مسلحين الحدود الشمالية، إنما أيضاً من موجة نزوح جديدة نتيجة القتال المحتدم في الشمال السوري. وقال المصدر الأمني اللبناني، إنه «تم اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع تدفق النازحين من المعابر غير الشرعية»، لافتاً إلى أنه «حتى الساعة لم يتم تسجيل أي حركة نزوح جديدة باتجاه لبنان».

يُذكر أن نحو 400 ألف نازح سوري كانوا قد غادروا لبنان في الشهرين الماضيين بعد توسيع إسرائيل الحرب إلى لبنان.

وتشير الناطقة باسم مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان، دلال حرب، إلى أنه «حتى الساعة، لا توجد تقارير مؤكدة عن توجه السوريين الفارين من الأعمال العدائية في شمال غربي سوريا إلى لبنان»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «ومع ذلك، تراقب المفوضية الوضع عن كثب، وتبقى على اتصال مع الجهات الفاعلة ذات الصلة على جانبي الحدود لتقييم أي تحركات أو احتياجات محتملة».


مقالات ذات صلة

جهود مكثّفة لتحديد مصير معتقلين لبنانيين في سجون سورية

المشرق العربي سهيل الحموي وزوجته في بلدته شكا (أ.ف.ب)

جهود مكثّفة لتحديد مصير معتقلين لبنانيين في سجون سورية

وضعت وزارة العدل اللبنانية يدها على ملف المعتقلين اللبنانيين بالسجون السورية في مسعى لتحديد مصيرهم بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي آليات تابعة لقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) في منطقة مرجعيون بجنوب لبنان يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)

لجنة مراقبة وقف النار بلبنان تعقد اجتماعها الأول بالناقورة

عقدت لجنة التنسيق الخماسية المؤلفة من الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان وإسرائيل والقوات الدولية العاملة بجنوب لبنان «اليونيفيل» أول اجتماعاتها بالناقورة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحون سوريون يحملون أمتعتهم محاولين الدخول إلى لبنان (رويترز)

توافد النازحين السوريين باتجاه لبنان

ومنذ سقوط النظام السوري صباح الأحد، بدأ توافد النازحين السوريين، ولا سيما من الطائفتين الشيعية والمسيحية، للدخول إلى لبنان.

حسين درويش (شرق لبنان)
تحليل إخباري الأسد يتوسط الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد والأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله في دمشق عام 2010 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري سقوط نظام الأسد... ضربة عسكرية «قاضية» لـ«حزب الله»

شكّل سقوط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد الضربة العسكرية القاضية على «حزب الله».

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي آليات تابعة لقوات الطوارئ الدولية (يونيفيل) في منطقة مرجعيون بجنوب لبنان يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)

مقتل لبنانيين وجنود إسرائيليين في جنوب لبنان

تواصلت الخروقات الإسرائيلية على لبنان في وقت من المتوقع فيه أن تبدأ لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار عملها هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

سقوط الأسد... نكسة لبوتين تطرح أسئلة بشأن دور روسيا في المنطقة

بشار الأسد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوليو الماضي بالكرملين (أ.ف.ب)
بشار الأسد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوليو الماضي بالكرملين (أ.ف.ب)
TT

سقوط الأسد... نكسة لبوتين تطرح أسئلة بشأن دور روسيا في المنطقة

بشار الأسد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوليو الماضي بالكرملين (أ.ف.ب)
بشار الأسد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوليو الماضي بالكرملين (أ.ف.ب)

يشكّل السقوط السريع للرئيس السوري بشار الأسد بعد هجوم مباغت للفصائل المعارضة، نكسة جيوسياسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تطرح أسئلة بشأن مستقبل دور موسكو في الشرق الأوسط بعد فقدانها حليفاً دعمته سياسياً وعسكرياً على مدى أعوام.

اختلف الوضع جذرياً بين 2015 و2024: قبل عشرة أعوام، بدأت روسيا التدخل عسكرياً في النزاع السوري، وأتاحت للجيش السوري تغيير ميزان القوى ميدانياً لصالحه، واستعادة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد كانت قد سقطت بأيدي الفصائل المسلحة أو التنظيمات.

سجّل بوتين في سوريا نصراً على حساب الغرب وأعاد روسيا إلى الساحة الدولية من الباب العريض. لكن موسكو لم تحرك ساكناً تقريباً هذه المرة.

وقال مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات في موسكو رسلان بوخوف: «لا تتمتع موسكو بالقوات أو النفوذ أو السلطة الكافية للتدخل (العسكري) بشكل فاعل خارج الاتحاد السوفياتي السابق»، معتبراً أن «الهزيمة بعد حين» كانت أمراً لا مفر منه.

لافتة في شوارع دمشق للرئيس الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2022 (رويترز)

ورأى بوخوف في مقالة نشرتها صحيفة «كومرسانت»، أن الهجوم «المطوّل» على أوكرانيا الذي بدأته روسيا مطلع عام 2022، وتحشد له مئات الآلاف من الجنود والجزء الأكبر من قدراتها العسكرية، «أضعف» قوتها الضاربة.

وعلى رغم أن موسكو أكدت في الأول من ديسمبر (كانون الأول) أنها ستدعم القوات السورية في صدّ الهجوم الذي بدأته الفصائل في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، فإن الضربات التي وجّهتها قواتها الجوية بقيت محدودة.

واعتبر المحلل السياسي الروسي فيودور لوقيانوف أن «محاولة الإبقاء (على الأسد) كان مصيرها الفشل في أي حال».

أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن روسيا «فوجئت» بالهجوم الواسع الذي بدأته الفصائل المعارضة من معقلها في محافظة إدلب (شمال غرب)، وتقدمت خلاله بشكل سريع إلى مدن أساسية مثل حلب (شمال) وحماة (وسط)، قبل دخول حمص ودمشق ليل السبت - الأحد.

عززت روسيا وجودها العسكري في سوريا خلال الأعوام الماضية، ولها قاعدة بحرية في طرطوس وأخرى جوية في حميميم، وتنشر آلاف الجنود، بحسب خبراء غربيين.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الاجتماع بمقرّ إقامة الدولة «نوفو أوغاريوفو» خارج موسكو في 2 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

ووفق مذكرة بحثية لمركز صوفان في نيويورك، «تساهم هاتان القاعدتان في جهود روسيا لإظهار قوتها، ليس فقط في داخل سوريا، لكن أيضاً في عموم المنطقة بما في ذلك ليبيا والسودان وأنحاء أخرى من أفريقيا».

وتمنح القاعدة في طرطوس روسيا منفذاً لأسطولها على البحر الأبيض المتوسط، وتستخدم القاعدة الجوية في حميميم محطة لطائرات تنقل مرتزقة يقاتلون لصالح موسكو في أفريقيا.

وقال الباحث في المجلس الأطلسي في واشنطن كلارك كوبر إن سقوط الأسد يعني «تقلّص هذه القدرة الروسية... وزعمها بأنها قادرة على أن تكون قوة كبرى».

ويبقى السؤال عن مستقبل الوجود الروسي في سوريا من دون إجابة حاسمة. ورأى لوقيانوف أنه «سيجب على الأرجح، إزالة قاعدتي» طرطوس وحميميم.

ورداً على سؤال بشأن مصير القاعدتين، أكد بيسكوف، الاثنين، أنه «من السابق لأوانه القول. هذا موضوع للمناقشة مع من سيتولون السلطة في سوريا».

وشدد على أن أمن القاعدتين «مهم جداً... نحن نفعل كل ما هو ممكن وضروري للتواصل مع أولئك الذين يمكنهم توفير الأمن. كما يتخذ جيشنا تدابير احترازية».

وكشف مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية (إس في أر) سيرغي ناريشكين، الاثنين، عن «إجراء مفاوضات... لضمان سلامة» الدبلوماسيين الروس في سوريا.

ولم تتضح بعد كيفية تعامل الفصائل المعارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة قبل إعلان فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة») مع القوات الروسية التي قاتلتها منذ عام 2015.

وقال بيسكوف: «الآن ستكون هناك فترة معقدة للغاية بسبب عدم الاستقرار».

ولم يؤكد المتحدث الروسي ما أوردته وكالات أنباء محلية نقلاً عن مصدر في الكرملين ليل الأحد، لجهة أن الأسد بات في موسكو بعد منحه وعائلته اللجوء.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبل نظيره السوري بشار الأسد بالكرملين في 25 يوليو الماضي (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، تواصل روسيا الحرب في أوكرانيا، حيث تحقق منذ أشهر تقدماً ميدانياً تدريجياً في الشرق، على رغم الدعم الغربي الكبير لكييف. وفي نظر المدوّنين العسكريين الروس، تبقى أوكرانيا أولوية بالنسبة إلى موسكو.

وقال ألكسندر كوتس الذي يتابع أكثر من 500 ألف شخص قناته عبر «تلغرام»: «صورة بلادنا ستعتمد بالكامل على نتائج العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا)، وهي أهم من أي شيء آخر في الوقت الراهن».