جمال مصطفى: عرفنا في المعتقل بإعدام الرئيس ونقل جثته للتشفي

صهر صدام حسين وسكرتيره الثاني يروي لـ«الشرق الأوسط» أيام القصر وأيام الزنزانات (1)

TT

جمال مصطفى: عرفنا في المعتقل بإعدام الرئيس ونقل جثته للتشفي

عائلة صدام وتبدو حلا إلى يساره (أ.ف.ب)
عائلة صدام وتبدو حلا إلى يساره (أ.ف.ب)

ليس بسيطاً أن تكون صهر الرئيس صدام حسين، وسكرتيره الثاني، وابن عشيرته، وموفده إلى العشائر، وأن تذهب لإحضار العشائر للدفاع عن بغداد، وأن تكتشف لدى عودتك أنها احتُلّت، وأن الأميركيين أدرجوا صورتك مع لائحة كبار المطلوبين على ورق اللعب، وأن تلجأ إلى سوريا فتمتنع عن استقبالك، وأن تعود وتغري الدولارات رجلاً بالوشاية، فتجد نفسك في المعتقل.

ليس بسيطاً أن تقيم في زنزانة انفرادية منقطعاً عن العالم والكاميرا تحصي حركاتك وآلة التسجيل تعد أنفاسك لالتقاط أي كلمة، وأن تُتهم رغم عزلتك بأنك تقود المقاومة وترسل سيارات مفخخة، وأن تعرف في المعتقل نبأ يوجعك وهو وقوع «قائد المقاومة» صدام حسين في أيدي القوات الأميركية، وأن تلمحه في المعتقل، وأن تُستدعى ذات يوم إلى محاكمة الدجيل فتجد في قفص الاتهام من كان سيّد البلاد والمصائر، وأن تكتشف لاحقاً أن «السيد الرئيس» أُعدم فجر يوم العيد، وأن جثته طُرحت أمام منزل رئيس الوزراء نوري المالكي الذي كان يحتفل بزفاف ابنه، وأن تشارك في صلاة الغائب مع أعضاء القيادة طه ياسين رمضان وخالك علي حسن المجيد «الذي سُمي ظلماً الكيماوي» وبرزان التكريتي وعبد حمود، وأن تستوقفك مشاركة طارق عزيز المسيحي في تأدية صلاة الغائب.

وليس بسيطاً أن يبلغك القاضي سراً في 2011 أن لا مبرر لمحاكمتك، وأنه قادر على إطلاق سراحك مقابل مبلغ نقدي محترم بالعملة الخضراء، وأن تعرض على القاضي أن يتولى بيع قطعة أرض ورثتها عن جدك الرابع لأنك لا تملك الدولارات التي يحلم بها، وأن يرفض القاضي العرض فتترك في السجن فترة إضافية تقترب من العقد ثم يفرج عنك بسبب نقص الأدلة.

عائلة صدام وتبدو حلا إلى يساره (أ.ف.ب)

قبل أسابيع، شاهدت صورة قديمة للرئيس الراحل صدام حسين مع كامل العائلة. كان في الصورة صدام وزوجته ساجدة ونجلاه عدي وقصي وبناته رغد وزوجها حسين كامل المجيد، ورنا وزوجها شقيقه صدام كامل المجيد، وحلا وزوجها جمال مصطفى السلطان. ضرب الزلزال الصورة الجامعة. قُتل خمسة من الرجال الستة الذين ظهروا في الصورة. أعدم صدام، وقُتل عدي وقصي ومصطفى نجل الأخير على أيدي الأميركيين، وقُتل حسين كامل وصدام كامل على يد أبناء العشيرة عقاباً لهم على الانشقاق عن النظام. لم يبق من رجال العائلة إلا واحد هو الدكتور جمال مصطفى السلطان.

ولد جمال في تكريت 1 أكتوبر (تشرين الأول) 1964. التحق الشاب بجهاز حماية الرئيس الذي شجعه على متابعة دراسته بموازاة عمله. وهكذا حصل على إجازة جامعية تبعتها دكتوراه في العلوم السياسية. لعب دوراً كبيراً في تشجيع الرياضة وربطته علاقات واسعة بالرياضيين. وأوكل إليه ملف العشائر فنسج علاقات واسعة معها. وكان دائماً موضع ثقة الرئيس وكان يشارك في جلسات مجلس الوزراء. اعتُقل في 21 أبريل (نيسان) 2003 وأُفرج عنه من سجن الكاظمية في 17 يونيو (حزيران) 2021. توجّه من بغداد إلى أربيل حيث التقى الزعيم الكردي مسعود بارزاني ثم غادر للإقامة في الدوحة مع زوجته والسيدة ساجدة أرملة الرئيس العراقي الراحل.

جمال مصطفى السلطان مع رئيس التحرير غسان شربل خلال المقابلة

استوقفني ابتعاد الرجل عن الإعلام فاتصلت به وقرر الخروج عن صمته. سألته عن قصته وطال اللقاء. وعلى العادة العشائرية رفض أن نغادر من دون غداء متأخر كان الطبق الرئيسي فيه «الهبيط» الذي كان صدام حسين يعده شخصياً في اللقاءات العائلية ومع الأصدقاء المقربين.

بعد مغادرتي تذكرت ما سمعته من القاضي عبد الرؤوف رشيد الذي أصدر حكم الإعدام بحق صدام حسين في قضية الدجيل. وكان جمال السلطان برفقة صدام في تلك الزيارة التي تعرض خلالها لمحاولة اغتيال. قال القاضي بعد اختتام الحوار معه: «للأسف نحن تصرفنا بمنطق القانون والعدالة. لكن بعض المعنيين أعطوا المسألة طابع الثأر والشماتة حين اختاروا يوم العيد لتنفيذ حكم الإعدام وأساءوا التصرف بجثة صدام. هذه الممارسات - عملياً - هدية لجمهور صدام إذ يمكن أن تبقي ذكره حياً لفترة طويلة».

الرئيس صدام حسين وبجانبه جمال مصطفى السلطان

سألت جمال مصطفى السلطان عن اتصالاته في المعتقل مع الرئيس السجين، وتركته يروي قصة الاتصال الأول الذي «كان من خلال بعض المعتقلين الذين كانوا معه في المحكمة، محكمة الدجيل»، أحدهم رئيس محكمة الثورة عواد البندر الذي نُفذ فيه حكم الإعدام أيضاً.

ويقول: «كان الرجل (البندر) ينقل لي بعض الكلام عن السيد الرئيس، إذ كان يذهب إلى محكمة الدجيل، وكانت علاقتي به جيدة ونجلس معاً ونتحدث، وأبو بدر في الحقيقة طيب وشجاع وإنسان لديه تفاؤل، التنفيذ (الإعدام) ربما بعد ساعة لكن هو يتحدث معك ويقول لك: لا تُقلق نفسك، ولا تهتم، وهذا الموضوع لن يحصل. يعطيك طمأنينة ويريحك. كنت أتواصل من خلال عواد البندر، كلام يأتي ويذهب.

وهكذا كنا نتبادل السلام والكلام وغيرهما. بعدها كان سلطان هاشم، وزير الدفاع العراقي، الله يرحمه ويغفر له، وحسين رشيد، الله يفرج عنه، فريق أول ركن أمين سر القيادة العامة للقوات العراقية، وهو لا يزال في المعتقل وتجاوز عمره 85 سنة... كان حسين رشيد وسلطان هاشم، الله يرحمه، أُرسل معهما كلاماً ويأتي كلام من خلالهما، رسائل شفهية، إضافة إلى أنني كنت أرسل كتباً للسيد الرئيس.

جمال مصطفى السلطان على أوراق اللعب التي أصدرها الجيش الأميركي لقادة النظام المطلوبين

كتب متنوعة، خصوصاً التاريخية التي كانت عندي في المعتقل، إضافة إلى أنه كان يأتيني منه بعض السيجار الذي يحمل توقيعه. يوقّع على السيجار ويرسله لي لأتأكد أن الكلام وصل وما زلت أحتفظ بعدد من السيجار المرسل منه.

سيجار كوبي موقّع عليه بيده داخل المعتقل. وكنت أبعث السيجار إلى أسرتي مع المحامي الأستاذ بديع عارف، الله يرحمه، وكان يستغرب كيف وصلت هذه الرسائل وهذا السيجار فأقول له: أستاذ هذا الموضوع دعه بيننا الآن ولا تتحدث به ودعنا سائرين لأنني إذا قلت لك عن السبيل ربما يضيع السبيل علينا. دعنا نتبادل الرسائل والحاجات.

تسألني عن معنويات الرئيس في المعتقل. نحن نعرف السيد الرئيس، الله يرحمه، بشكل دقيق، والعراقيون والعرب والمسلمون أيضاً يعرفونه. يعرفون أنه رجل شجاع وثابت ثبات الجبال لا تهزه العواصف ولا تزيله القواصف. ثابت ومعروف عنه هذا الجانب. لذلك، نحن نتحدث عن شجاعته وبطولاته وعقليته وأملنا الكبير به وكنا معولين عليه لتحرير العراق من خلال وجوده خارج السجن، فكان الحديث يدور بشتى الطرق.

وليس سراً أن الرئيس كان يتوقع أن يُعدم. بصورة عامة، كل الذين دخلوا السجن بمن فيهم أنا، لم يغب عن بالنا هذا الموضوع، إذ يمكن إلصاق أي تهمة لتبرير الحكم والإعدام. لم يغب ذلك عن بالي، لأن المحكمة مجرد مسرحية وبنيت وأسست من قبل الأميركيين وبأوامر إيرانية، وتنفذ بأيادي عملاء عراقيين لإرضاء أسيادهم الإيرانيين والأميركيين. فهي أداة للانتقام من النظام السابق».

مع صدام في الدجيل

كان جمال مصطفى إلى جانب صدام حسين حين تعرض لمحاولة اغتيال في الدجيل واستدعي إلى المحكمة، وها هو يتذكر: «موضوع الدجيل تناقلته آنذاك وسائل الإعلام ثم المحكمة لاحقاً. تم الحديث عن الموضوع وبالكثير من التفاصيل. الرجل، الله يرحمه ويغفر له، زار الدجيل مثلما كان يزور أي مدينة أو قرية في العراق. زارهم والتقى المواطنين الذين احتفوا ورحبوا به. تحدث مع المواطنين وكانت بينهم امرأة. نحن عندنا عادة كلما زار السيد الرئيس قرية أو مدينة ذبحوا خروفاً. أتذكّر أن المرأة دمغت السيارة بكفها وأصبح هناك أثر دم على السيارة. نحن في هذه الأثناء نعرف أن هذه يمكن أن تكون إشارة ممكن بحسن نية، ولكن نحن لا نترك الأمور سائبة لحسن النية، فبدّلنا بسيارته، الله يرحمه، سيارة أخرى. عاد الرئيس إلى سيارته ومشينا باتجاه الطائرات للعودة إلى بغداد.

وفيما نحن نسير باتجاه الطائرات تعرّض الموكب لإطلاق نار من البساتين، وكان إطلاق النار كثيفاً وبأسلحة متنوعة. نزل الرئيس في هذه الأثناء من السيارة، وأصيب عدد من السيارات ووقع جرحى. بدأ الرئيس يتمشى مع المواطنين حتى يشيع جواً من الطمأنينة وعدم الخوف. راح يتحدث مع المواطنين ثم رجع إلى السيارة فاستقلها ورجع إلى المكان نفسه الذي ألقى فيه الخطاب للمواطنين والتقاهم وألقى فيهم خطاباً، وبعدما ألقى خطابه رجع وركب الطائرة وعدنا إلى بغداد.

بعد عودتنا ألقي القبض على عدد من الموجودين الذين شاركوا في هذه العملية. وبعد ساعة من هذه المحاولة الفاشلة، أوحى (الرئيس الإيراني الراحل) هاشمي رفسنجاني خلال زيارته إلى سوريا بأنهم هم من حاولوا اغتيال الرئيس العراقي الله يرحمه. أعلنها من دمشق. و(هذا) دليل قاطع على أن إيران وراء العملية، وهم من كانوا يسعون إلى اغتياله. يعرفون أنهم إذا اغتالوا السيد الرئيس يصبح العراق بأيديهم. حوكم المشاركون وأعدموا.

استدعيت إلى المحكمة بعد الاحتلال الأميركي. الحقيقة أول ما دخلت رأيت السيد الرئيس جالساً في المحكمة، فسلّمت عليه وأتذكر بالضبط ما قلته: «السلام عليكم يا أبي وعمي وقائدي العزيز الغالي». بالضبط هذا كان كلامي للسيد الرئيس عندما دخلت وسلّمت عليه. أديت اليمين وبدأت شهادتي.

أتذكر أنني استحضرت أشياء، قلت لهم هي سلسلة انفجارات حصلت في العراق، وهي ليست القضية الأولى في العراق وإنما قضايا كثيرة حدثت من قبل عملاء إيران وسلسلة من الانفجارات التي حصلت في بغداد وقلت لهم عن جامعة المستنصرية وأشياء أخرى. بماذا أجابني القاضي؟ قال لي: نحن لسنا بصدد هذا الموضوع حتى نتحدث عنه لنقول إنها إيران أو لا، أنا بصدد الآن أنك آتٍ لتدافع عن هذا المتهم، فجاوبته: نعم، السيد الرئيس متهم ومجرم منذ زمن بعيد بالنسبة إلى أعداء العراق والأمة ولكنه قائد وابن بار للعراق وللأمة.

تسألني إن كنت عوقبت لأنني صهر الرئيس وجوابي هو نعم. بقائي لمدة 18 سنة ونصف السنة في السجن هذا أحد أسبابه. هم بطريقتهم وفهمهم وحقدهم جاءوا فقط لأغراض الانتقام، لذلك هذا شيء بالنسبة إليهم جريمة، جريمة كبرى. دفعت ثمناً، ولكن هم حاولوا أن ينتقموا مني بهذه الطريقة وأبقوني طوال هذه المدة في السجن. وحقيقة لم تبق تهمة لم يوجهوها لي وبينها أنني أقود المقاومة من داخل المعتقل.

الزنزانة والاتهامات

لفقوا لي تهماً كثيرة. قالوا لكونك صهر صدام حسين وعندك علاقات متميزة مع شيوخ عشائر ورياضيين ومواطنين يمكن إذا طلعت أن تعمل علينا انقلاباً، لذلك يجب أن تكون في السجن ولا تخرج منه، بل يجب أن تموت فيه. هذا الكلام قاله عراقيون. الأميركيون قالوا لن تخرج للأسباب التالية التي ذكرتها لك، لكن العراقيين أضافوا: «يجب أن تموت في السجن لأنهم جاءوا لأغراض الانتقام، وهم لم يبقوا تهمة لم يتهموني بها منها، أنني قائد المقاومة، وقائد (ثوار العشائر) وقائد (جيش عمر) وقائد (جيش أبو بكر) وقائد (جيش محمد)».

أكثر من 10 تهم، يأخذونني إلى المحكمة ثم أدافع عن نفسي بقوة وثبات وشجاعة، وحين تتأكد براءتي يطلقون تهمة أخرى. كانت الهيئة الاستشارية للأمن الوطني مسؤولة عن 3 أجهزة هي المخابرات، والأمن الوطني، والاستخبارات. هذه الأجهزة الثلاثة كانت تراقبني داخل السجن، وتراقب كل خطواتي وكان لديهم عناصر داخل السجن لمراقبتي. هذه الأجهزة كانت تتهمني. مثلاً يتهمني جهاز المخابرات بقضية وعندما تنتهي يبدأ جهاز الأمن الوطني بقضية، ثم يبدأ جهاز الاستخبارات بقضية، وهكذا. عزلوني عن جماعتي - جماعة النظام السابق - لمدة 7 سنوات لكوني صهر صدام حسين والأخطر من بين كل السجناء، عزلة كاملة. لا ألتقي بسجين ولا بأيٍّ كان.

كان طول الزنزانة 3 أمتار ونصف المتر وعرضها 3 أمتار، والمرحاض. ساهم في مساعدتي عدد من الحراس الذين كانوا يحترمونني كثيراً ويقدرونني ويتعاملون معي باحترام كبير لأنهم يعرفونني من خلال عملي في الرياضة وعلاقاتي الواسعة في هذا الوسط. أتذكر في 2018، جاء مدير جديد للسجن اسمه عبد الرحمن، إنسان عراقي أصيل ليست لديه أدران وأحقاد تجاهنا. كان رجلاً مهنياً. زارني وقلت له إن المعتقلين والسجناء في هذا السجن كلهم محكومون بالإعدام. أنا لست معهم ومعزول عنهم ولا ألتقيهم، ولكن في هذا السجن الذي تعدونه مهماً جداً لكم وتعدونه رقمَ واحد تضعون فيه كل المحكومين بالإعدام. كلهم محكومون بالإعدام ورغم ذلك تعطونهم تليفونات وتسمحون لهم بالتواصل مع عوائلهم هاتفياً وتصل إليهم رسائل ولديهم مواجهات مع عوائلهم وكذلك لديهم محامون يلتقون بهم، بينما أنا لا أحصل على أي شيء من هذا.

قلت له: «أنا لا أتحدث عن حقي بصفتي سجيناً. على الأقل لصالحكم لتقولوا نحن نسمح له بأن يبعث رسائل، أنا أريد أن أبعث رسائل من خلالكم إلى أخي. فقال: طبعاً هذا حقك، حق مشروع، ثم بعثت رسائل، اثنتين أو ثلاثاً، من خلاله إلى أخي، ثم بعد فترة، حسبما فهمت، جهاز الاستخبارات الذي يراقب اتهمه بأنه أوصل لي رسائل. كان الأمر قانونياً والرجل لم يخترق القانون. فاعتقلوه ووضعوه في السجن، ثم بدأوا يحققون معه. حاولوا أن يتهموه بأنني أعطيته رشوة وحاولوا اتهامه بأنني أسرّب من خلاله رسائل إلى المقاومة وسعوا إلى تحويله شاهداً ضدي، لكن أراد الله شيئاً آخر فتوفي الرجل في السجن من التعذيب والأذى الذي حصل له. كان كثيرون من العراقيين متفانين في مساعدتي، لأنهم يعرفونني عن قرب ويعرفون أن وجودي كله (في المعتقل) ظلم وافتراء.

تصوّر أنني اتهمت بجريمة قتل في أثناء وجودي في المعتقل. زعموا أنني كلفت شخصاً بإعداد سيارة مفخخة وتفجيرها بالمقدم محمد الموسوي وهو يعمل في الشرطة أو المرور. يعرفون أنني في المعتقل ولكن أعتقد أن الحقد أعماهم. أنا لا أعرف من هو الموسوي ولم يسبق أن سمعت به».

كتمت القيادة دموعها وشاركنا طارق عزيز في صلاة الغائب

سألته عن لقاء آخر مع الرئيس فأجاب: «أنا رأيته مرتين (بعد الاعتقال). وكان ألمي كبيراً عندما رأيته لأن السيد الرئيس بالنسبة لي شيء عظيم، هو قدوتي. وألمي الشديد لأنني وجدته في مكان يحاول فيه بعض العملاء إيذاءه. كان رجلاً كالأسد وثابتاً على مبادئه التي نشأ عليها وناضل وضحّى من أجلها، حقيقة هذا أول لقاء. واللقاء الثاني، مثلما ذكرت لك، كان في قاعة المحكمة.

اللقاء الأول كان في السجن. معنوياته كانت عالية، وهو معروف بشجاعته وثباته أنه رجل لا تلقى إنساناً بمستواه من الشجاعة والثبات والإقدام.

نعم الرئيس تعرض للتعذيب. أعلن في المحكمة أنه تعرض للتعذيب. وأيضاً آخرون من القيادات العراقية تعرضوا للتعذيب مثل الأستاذ طه ياسين رمضان الذي كنت بين فترة وأخرى أتحدث إليه. تعرض للتعذيب. وبعض الإخوان تعرضوا للتعذيب أيضاً. في البداية على يد الأميركيين لأننا كنا لدى الأميركيين ولمدة طويلة حتى 2008 عندما التحق القسم الأول بالعراقيين، ثم القسم الثاني في 2010، ثم القسم الآخر في 2011 و2012. الأستاذ طارق عزيز تعرض أيضاً للتعذيب النفسي».

صدام خلال محاكمته في قضية الدجيل (غيتي)

متى عرفت وأنت في المعتقل أن صدام حسين قد أعدم، وهو عمك ووالد زوجتك ورئيس العراق؟

أجاب: «كنا في قاطع أغلب الموجودين فيه لهم صلة بالرئيس، الله يرحمه. مثلاً كان معي الفريق الركن كمال، أخي، حجي عبد، خالي علي حسن المجيد، ابن عم الرئيس، سبعاوي إبراهيم، إضافة إلى بعض الموجودين من الأقرباء الآخرين، والقياديين طارق عزيز، سلطان هاشم، طه ياسين رمضان، عواد البندر. نحن عادة نشعر بشيء يحصل أو سيحصل. كان لدينا راديو أعطانا إياه الأميركيون نسمع به أخباراً. عندما استيقظنا صباحاً لم نجد الراديو في مكانه. وبالوقت نفسه وجدت أن بين الحراس مترجماً. هذا يعطيك مؤشراً بأن هناك حدثاً ما حاصل.

نعم، المترجم كان جالساً مع الحراس. في الأيام الاعتيادية يوجد الحراس فقط من دون مترجم، ولكن وجود المترجم يعطيك مؤشراً آخر أن هناك حدثاً. ثم غياب الراديو. هذان الأمران يعطيانك مؤشراً. القاطع الذي أمامنا لم يأخذوا منه الراديو. سمعنا بعض الكلام منهم وبعض الانزعاج، سمعنا منهم أن هذا اليوم تم تنفيذ حكم الإعدام واستشهاد السيد الرئيس القائد الله يرحمه. حقيقة، تألمنا كثيراً، وأنا أول الموجودين ورحت أمشي في المكان والمترجم قريب مني والحرس، وقلت التالي: صدام حسين خالد خلود عمر المختار والقادة العرب الكبار، ومن الآن فصاعداً هو رمز وأيقونة للشجاعة والبطولة والتضحية والفداء لكل العراقيين والعرب والمسلمين، وهو خالد خلود كل قادة العرب. المترجم كان يسمع ويترجم لهم لكنه كان رجلاً هادئاً وكان الحراس هادئين ولم يصدر منهم أي شيء. الفريق كمال أيضاً شاطرني الكلام نفسه وراح يتحدث بالروحية نفسها والطريقة نفسها، ثم صلينا صلاة الغائب عليه، رحمه الله.

كلنا حضرنا صلاة الغائب بمن فينا طارق عزيز، وهو رجل مسيحي، لكنه كان من قادة العراق البارزين. كان لدى الجميع شعور عارم بالصدمة. استشهاده كان صدمة لكل العراقيين الوطنيين الشرفاء والعرب والمسلمين وكانت في الوقت نفسه خسارة عظيمة لأنه هو جدار الصد للأعداء. فكان الكل بانياً عليه أملاً، وفي الوقت نفسه كانت خسارة عظيمة. فالكل كان يشعر بهذا الشعور والألم.

حاول الجميع ضبط مشاعرهم أمام الخسارة. ولكن حقيقة، نحن الرجال، نخجل من أن نبكي رغم أنه أمر طبيعي. وعندما يريد أحد أن يقوم بهذا الموضوع يعزل نفسه في جانب ما حتى لا يُشاهد.

لم يكن خالي علي حسن المجيد في تلك اللحظة إلى جانبي لأنه كان في قاطع آخر، لكن هو أيضاً كان محكوماً بالإعدام وكانوا بين فترة وأخرى يأخذونه لتنفيذ الحكم، ولكنني رأيته رجلاً ثابتاً وشجاعاً وكان هو أيضاً يعطيني شيئاً من الاطمئنان. كان يقول نحن كلنا سائرون على هذا الدرب، ولطالما شعرنا بأننا سنستشهد في أي لحظة، ليس الآن بل منذ كنا مناضلين ونقاتل في كل الحروب التي خضناها.

وبصورة عامة كل من شارك في تلك المرحلة نجا من الاستشهاد مرات عدة. ليس مرة ومرتين، مرة نجوا من قنبلة ومرة من رصاص لكننا نجونا بفضل الله سبحانه وتعالى. تعرضنا لمخاطر كثيرة، لذلك الكل يشعر بهذا الأمر، أنه مؤمن والقدر مكتوب. إذا كتب لك الله أن تستشهد فتستشهد».

قبور صدام وعدي وقصي في عهدة رجال موثوقين

سألته عما إذا كان لتوقيت عملية الإعدام وقع خاص وعما تردد عن الجثة والقبر، فأجاب: «مؤكد كان لتاريخ تنفيذ الإعدام وقع خاص وكان القصد إذلال العرب والمسلمين لأن الإعدام نفّذ يوم عيد الأضحى، فكل العرب والمسلمين يتأثرون تأثراً كبيراً لأن المقصود إيذاؤهم نفسياً وإذلالهم. هذا هو الموضوع.

الجثة نقلت في وقتها إلى مكان، حسبما وصلنا من روايات وسمعنا، هو منزل نوري المالكي (رئيس الوزراء السابق)، وهو من التابعين لإيران، وكان عنده حفل زفاف لابنه، حسبما يدّعون. نُقلت إلى المكان للانتقام، وأشير إلى هذه النقطة لأنهم لم يأتوا لخدمة العراق وتقديم شيء للعراق غير الانتقام وتدميره.

بعدها نُقلت الجثة إلى تكريت إلى صلاح الدين، وتحديداً العوجة مسقط رأس الرئيس ودُفن هناك. كان العزاء موجوداً وكان زوّار من كل أنحاء العالم والعراق يزورونه، الله يرحمه، لفترة طويلة. مكان القبر الآن غير معروف ولأسباب معروفة، لأننا نتعامل مع صغار القوم وفي الوقت ذاته أكبر الناس الحاكمين. هدفهم وغايتهم وغرضهم القتل والانتقام. الأمر نفسه بالنسبة إلى قبرَي عدي وقصي. القبور موجودة في عهدة أناس موثوقين مائة في المائة».

أرسلت إلى الرئيس المحتجز الكتب وأرسل لي السيجار مع توقيعه

جمال مصطفى السلطان


مقالات ذات صلة

رحلة ناظم الزهاوي من عالم الأعمال إلى مزالق السياسة

ثقافة وفنون «الفتى القادم من بغداد»... رحلة ناظم الزهاوي من عالم الأعمال إلى مزالق السياسة

رحلة ناظم الزهاوي من عالم الأعمال إلى مزالق السياسة

يروي ناظم الزهاوي مسيرة حياته منذ سنواته الأولى في العراق حتى مسيرته السياسية البريطانية حيث تولى عدة مناصب وزارية في حزب «المحافظين»

ميرزا الخويلدي (الدمام)
المشرق العربي موظفو الانتخابات يجمعون أوراق الاقتراع الخاصة بالانتخابات العراقية بعد إغلاق الصناديق في بغداد (أ.ب)

«صدام حسين» يفوز في انتخابات العراق

فاز المرشح صدام حسين بمقعد في البرلمان العراقي الجديد بعد قرار الهيئة القضائية للانتخابات إلغاء قرار سابق للمفوضية كان يقضي باستبعاده.

حمزة مصطفى (بغداد)
العالم العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز) play-circle 00:55

رئيس وزراء العراق: لا يمكن نزع سلاح الفصائل إلا بانسحاب أميركا

قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم (الاثنين)، إن العراق تعهد بوضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة.

«الشرق الأوسط» (بغداد )
المشرق العربي الدستور العراقي ينص على حظر نشاط حزب «البعث» منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 (رويترز)

«فوبيا» حزب «البعث» تسخن الانتخابات العراقية

أعاد رئيس الحكومة العراقية الأسبق، نوري المالكي، ملف حزب «البعث» المنحل إلى الواجهة، في سياق تحضيرات حامية للانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل.

حمزة مصطفى (بغداد)
خاص صدام وصالح خلال قمة عربية استثنائية في بغداد قبل غزو الكويت بـ3 أشهر (غيتي) play-circle 03:55

خاص القربي لـ«الشرق الأوسط»: نقلت رسالة أخيرة إلى صدام فقال لي «هذه معركة كرامة الأمة»

وزير الخارجية اليمني الأسبق يروي في مقابلة مع «الشرق الأوسط» كيف هرع من برلين إلى صنعاء بعد 11 سبتمبر، ومواجهة صالح لبوش بعدها، ورسالة تحذير لصدام قبل الغزو.

غسان شربل (لندن)

مقتل فلسطيني في نابلس وسط هجمات للمستوطنين

جنود إسرائيليون يعتقلون فلسطينياً خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون يعتقلون فلسطينياً خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
TT

مقتل فلسطيني في نابلس وسط هجمات للمستوطنين

جنود إسرائيليون يعتقلون فلسطينياً خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون يعتقلون فلسطينياً خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

قُتل فلسطيني، الجمعة، إثر إطلاق قوات إسرائيلية النار اتجاهه خلال اقتحامها قرية أودلا، جنوب نابلس، شمال الضفة الغربية، في وقت تصاعدت فيه هجمات المستوطنين بمناطق متفرقة من الضفة، ووسط تحذيرات رسمية من استمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين.

وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية، بمقتل الشاب بهاء عبد الرحمن راشد (38 عاماً) برصاص الاحتلال في بلدة أودلا، بينما ذكرت طواقم الهلال الأحمر أن راشد أُصيب برصاصة في رأسه بشكل مباشر، وجرت محاولات لإنعاشه وإنقاذ حياته في عيادة طوارئ بلدة بيتا، إلا أنه فارق الحياة فيها.

وقالت مصادر محلية لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن قوات الاحتلال اقتحمت وسط القرية ومحيط المسجد القديم في أودلا، وأطلقت الرصاص الحي وقنابل الغاز السام والصوت تزامناً مع خروج المصلين من المسجد؛ ما أدى إلى اندلاع مواجهات، وإصابة شاب بالرصاص الحي بالرأس أُعلن مقتله لاحقاً.

جنود إسرائيليون خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

وشنَّت القوات الإسرائيلية، فجر وصباح الجمعة، حملة اعتقالات طالت ما لا يقل عن 6 فلسطينيين، في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، داهمت خلالها عشرات المنازل، وأخضعت سكانها لتحقيق ميداني، كما عاثت في المنازل خراباً.

وأضرم مستوطنون، فجر الجمعة، النار في مركبتين، وكتبوا شعارات عنصرية، خلال هجومهم على قرية الطيبة شرق رام الله، التي داهموها وسط حماية من جيش الاحتلال، قبل أن ينسحبوا منها بعد تصدي السكان لهم.

وهذه المرة السادسة التي تتعرَّض فيها البلدة لهجمات، يتخللها إحراق مركبات وخط شعارات عنصرية، منذ بداية العام الحالي، حيث تَزَامَنَ هذا الاعتداء مع بدء استعدادات البلدة لاستقبال عيد الميلاد المجيد، حيث جرى، أمس، افتتاح سوق «ميلادي» بحضور عدد من الدبلوماسيين وأهالي البلدة التي تقطنها غالبية مسيحية.

في حين قطع مستوطنون خطوطاً ناقلة للمياه في خربة الدير بالأغوار الشمالية، بينما شرع آخرون - بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي - في حراثة أرض وزراعتها بعد السيطرة عليها من فلسطينيين، في منطقة خلايل اللوز جنوب شرق بيت لحم، بينما اعتدى آخرون على المزارعين في خربة يرزا شرق طوباس، ومنع آخرين من فلاحة أراضيهم ورعي مواشيهم في قرية الزويدين ببادية يطا جنوب الخليل.

فلسطيني يمر قرب جنود إسرائيليين خلال عملية عسكرية في قلقيلة بالضفة الغربية الخميس (أ.ف.ب)

وأخطرت قوات الاحتلال الإسرائيلية، بإزالة المئات من أشجار الزيتون على جانب الشارع الرئيسي بمسافة كيلومتر واحد، من أراضي بلدة تقوع جنوب شرقي بيت لحم، بعد أن علّقت إخطارات على الأشجار وواجهات المنازل.

البرغوثي

يأتي هذا التصعيد الميداني، في وقت ذكرت فيه هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، أن اتصالاً هاتفياً من رقم إسرائيلي، ورد لعائلة القيادي الفلسطيني، الأسير مروان البرغوثي، ادَّعى فيه المتصل أنه أسيرٌ مُحرَّرٌ أُفرج عنه فجر الجمعة من سجون الاحتلال، أثار حالةً من الهلع والقلق في أوساط عائلة البرغوثي بعد أن أبلغهم المتصل بأن حالته صعبة وخطيرة جداً.

وأوضحت الهيئة أنه وبعد المتابعة والتواصل، تبيَّن أن المعلومات التي نُقلت للعائلة تتحدث عن اعتداء وحشي تعرَّض له البرغوثي على يد السجانين الإسرائيليين، حيث ادعى المتصل أن «جزءاً من أذنه قد قُطع، وتعرَّضت أضلاعه وأصابع يده وأسنانه للكسر، وذلك خلال جولات متكررة من التعذيب والتنكيل».

مروان البرغوثي يحضر جلسة مداولات بمحكمة الصلح في القدس (أرشيفية - رويترز)

وأشارت الهيئة إلى أن هذا الاتصال شكَّل حالةً من الذعر لدى أسرة البرغوثي ولدى الشعب الفلسطيني بأكمله، وقد جرت محاولة الاتصال بالرقم ذاته دون جدوى، مؤكدةً أن هناك حالات سابقة تم تسجيلها تتضمَّن تهديداً وتخويفاً ومضايقات لعائلات الأسرى، مشددةً على استمرار عملها المشترك والمكثف مع القيادة الفلسطينية والأصدقاء والمتضامنين الدوليِّين للوقوف على حقيقة حالة البرغوثي، مع تحميل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عمّا يتعرَّض له الأسرى داخل السجون الإسرائيلية.

وفي أعقاب ذلك، حذَّرت الرئاسة الفلسطينية من خطورة ما يتعرَّض له الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية من انتهاكات خطيرة ووحشية، تمس كرامتهم الإنسانية، وتهدد حياتهم بشكل مخالف وسافر للقوانين والمواثيق الدولية كافة، وفي مقدمتها اتفاقات جنيف الـ4.

وأدانت الرئاسة الفلسطينية، بشكل خاص، ما يتعرَّض له البرغوثي عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» من اعتداءات متواصلة وإجراءات انتقامية خطيرة، محملةً الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة والمباشرة عن سلامته وسلامة جميع الأسرى في سجونها. مؤكدةً أن «استمرار هذه الانتهاكات بحق الأسرى يُشكِّل جريمة حرب مكتملة الأركان، تعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة في التنكيل بالأسرى الفلسطينيين، في محاولة لكسر إرادتهم ومعاقبتهم جماعياً». وفق نصِّ بيانها.

وطالبت الرئاسة المجتمع الدولي، ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتحرك الفوري والعاجل لتحمُّل مسؤولياتها القانونية والإنسانية، والضغط على الحكومة الإسرائيلية؛ لوقف هذه الانتهاكات فوراً، وضمان الحماية الدولية للأسرى، وتمكينهم من حقوقهم التي كفلتها الشرائع الدولية، مؤكدةً العمل الدؤوب على إطلاق سراحهم جميعاً، وعلى رأسهم البرغوثي.


الحكومة العراقية الجديدة مفتوحة على المفاجآت

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
TT

الحكومة العراقية الجديدة مفتوحة على المفاجآت

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

أثار قرار في العراق، تضمن إدراج «حزب الله» اللبناني وجماعة «الحوثي» اليمنية على قوائم الإرهاب، ثم التراجع عنه سريعاً، توتراً سياسياً واسعاً داخل المعسكر الشيعي الحاكم في العراق، في وقت يحتدم فيه الجدل حول تشكيل الحكومة المقبلة.

وجاء القرار والتراجع عنه ليعيد تسليط الضوء على واحدة من نقاط الاحتكاك المستمرة بين «الضغوط الأميركية على بغداد» و«النفوذ الإيراني» في البلاد.

ونفت رئاسة جمهورية العراق، الجمعة، علمها أو مصادقتها على قرار اعتبار جماعة «الحوثي» و«حزب الله» اللبناني «جماعة إرهابية»، وتجميد الأصول والأموال العائدة إليهما.

وقالت الرئاسة في بيان، إن مثل هذه القرارات لا تُرسل إليها، مشيرة إلى أن ما يصل إليها للتدقيق والمصادقة والنشر يقتصر على القوانين التي يصوت عليها مجلس النواب والمراسيم الجمهورية.

وأضاف البيان أن قرارات مجلس الوزراء أو لجان تجميد أموال الإرهابيين وتعليمات مكافحة غسيل الأموال لا تُحال إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة، وأن رئاسة الجمهورية لم تطلع أو تعلم بهذا القرار إلا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ما استدعى إصدار التوضيح الرسمي.

وأدرجت السلطات العراقية عبر لجنة تجميد أموال الإرهابيين «حزب الله» اللبناني وجماعة «الحوثي» في اليمن على قوائمها، تنفيذاً لحزم من قرارات مجلس الأمن الخاصة بمكافحة الإرهاب وتمويله، وذلك بحسب ما ورد في العدد 4848 من جريدة «الوقائع العراقية» الصادر في 17 نوفمبر 2025.

وسرعان ما تراجعت السلطات عملياً عن قرار الإدراج هذا، بعد نشر توضيح رسمي ووثيقة صادرة عن البنك المركزي العراقي تؤكد أن موافقة بغداد اقتصرت على الكيانات والأفراد المرتبطين بتنظيم «داعش» و«القاعدة» حصراً.

رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية محمد شياع السوداني (د.ب.أ)

توتر داخل «التنسيقي»

وقال سياسيون وخبراء قانونيون إن البنك المركزي، بصفته مؤسسة مستقلة، لا يخضع إدارياً للحكومة، لكن الإجراء التصحيحي الذي اتخذه رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني، عبر إصدار توضيحات وفتح تحقيق «عاجل»، دفع الأزمة إلى مستوى سياسي داخل «الإطار التنسيقي»، في وقت يحتدم فيه الجدل حول اسم رئيس الوزراء للولاية المقبلة.

ورغم غياب بيان رسمي موحد من قوى «الإطار التنسيقي»، اتهمت أحزاب وفصائل قريبة منه الحكومة بأن الخطأ لم يكن تقنياً، بل خطوة محسوبة تهدف إلى إظهار انسجام بغداد مع مطالب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بالتزامن مع توقع وصول المبعوث الرئاسي مارك سافايا إلى بغداد بعد زيارة مماثلة لمبعوث واشنطن إلى سوريا ولبنان.

السوداني، الذي يواجه ضغوطاً متزايدة داخل تحالفه السياسي، حتى إن بعض قيادات «الإطار التنسيقي» أزالوه من مجموعة «واتساب» خاصة بالتنسيق الداخلي، حسب مصادر سياسية، أصدر بياناً مقتضباً قال فيه إنه «لا مساومة» بشأن دعم العراق لـ«حقوق الشعوب وتضحياتها»، في إشارة غير مباشرة إلى موقفه من «حزب الله» و«الحوثي».

لكن نائب رئيس الوزراء الأسبق، بهاء الأعرجي، وهو حليف سياسي للسوداني، دافع عنه قائلاً إن ما حدث «خطأ فني» في قرار صدر عن لجنة تابعة للبنك المركزي «الذي يعد مؤسسة مستقلة لا تخضع للإرادة الحكومية». وأضاف على منصة «إكس»، أن الخطأ «سيُصحّح»، وأن التحقيق سيمنع «المتصيدين» من استغلال الواقعة سياسياً، على حد تعبيره.

«انعكاسات على تشكيل الحكومة»

تأتي الحادثة فيما يعمل «الإطار التنسيقي» على الاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة الجديدة، وسط انقسام واضح بين قواه الرئيسية بشأن بقاء السوداني لولاية ثانية أو استبداله.

ومع تصاعد الجدل حول «خطأ البنك المركزي»، زاد من صعوبة مهمة «الإطار التنسيقي» في التوصل إلى اتفاق داخلي، وفتح الباب أمام «سيناريوهات مفاجئة»، وفق مصادر سياسية.

في المقابل، صعّدت فصائل شيعية مسلّحة من انتقاداتها للحكومة. وقال رئيس المجلس السياسي لـ«حركة النجباء»، علي الأسدي، إن إدراج الحزبين على قوائم الإرهاب «خيانة»، واعتبر أن ترشيح الرئيس السابق دونالد ترمب لجائزة نوبل «من قِبَل العراق»، حسب تعبيره، يمثل «إهانة للتضحيات». وأضاف أن «مثل هذه الحكومة لا تمثل الشعب العراقي»، مرفقاً تعليقاته بوسم «قرار إعدام الولاية الثانية».

وتعكس الواقعة، التي بدأت بخطأ إداري ثم تحولت إلى أزمة سياسية، هشاشة التوازن الذي تحاول بغداد الإبقاء عليه بين علاقتها بالولايات المتحدة الشريك المالي والعسكري الرئيسي وعلاقاتها مع قوى مرتبطة بإيران.


خليفة «أبو شباب» يتعهد بمواصلة مقاومة «حماس»

ياسر أبو شباب في صورة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية (أرشيفية)
ياسر أبو شباب في صورة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية (أرشيفية)
TT

خليفة «أبو شباب» يتعهد بمواصلة مقاومة «حماس»

ياسر أبو شباب في صورة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية (أرشيفية)
ياسر أبو شباب في صورة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية (أرشيفية)

فوجئت حركة «حماس» بأنباء مقتل ياسر أبو شباب، الذي أظهر نفسه زعيماً على مجموعات مسلحة تنتشر في مناطق شرق رفح، جنوب قطاع غزة، من دون أن تصدر أي تعليق على الحدث قبل أن تؤكد قوات أبو شباب مقتله بعيار ناري، فيما بقيت الرواية الإسرائيلية حول الحدث تثير الكثير من التساؤلات في ظل نفيها القاطع من عدة جهات. فيما تعهد غسان الدهيني، المرجح تزعمه «القوات الشعبية»، بمواصلة مقاومة «حماس».

علاقة الحركة

ووفقاً لمصادر من «حماس» تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن الحركة لم يكن لها تدخُّل بالحدث، وأنها فوجئت به رغم أن لديها قراراً واضحاً بالتعامل بالقوة مع كل من يتعاون مع الاحتلال، ولديها قرار من أعلى المستويات بالتعامل بشكل خاص مع الحالات المسلحة التي تخدم إسرائيل، مثل جماعة أبو شباب وآخرين.

وحسب المصادر، فإن قيادة الحركة اتخذت قراراً بعدم التعقيب لحين اتضاح صورة عملية قتله، وبعد أن تم التأكد من الملابسات ومقتله، أصدرت بياناً حول الحادثة.

ولم تُخفِ المصادر أن الحركة كانت تأمل أن يُقتل أبو شباب على يد عناصرها ممن بقوا في أنفاق رفح طوال الفترة الماضية، لكنها لا تُخفي في الوقت ذاته أن عملية قتله سيكون لها تأثير كبير على مجرى اعتماد إسرائيل على مثل هذه المجموعات المسلحة، التي أثبتت فشلها في تحقيق أهداف الاحتلال بتحدي الحركة وقوتها داخل القطاع، أو فرض سيطرتها على مناطق شاسعة، وحتى في قدرتها على إحداث انشقاق فلسطيني.

عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)

وقالت «حماس» في تعقيبها على عملية قتل أبو شباب، إن مصيره كان حتمياً لكل من «خان شعبه ووطنه، ورضي أن يكون أداة في يد الاحتلال»، متهمةً إياه بالقيام بـ«أفعال إجرامية» مثلت «خروجاً فاضحاً عن الصف الوطني والاجتماعي». مثمنةً موقف العائلات والقبائل والعشائر التي تبرأت من أبو شباب، وكل من تورط في التعاون مع الاحتلال.

وأضافت: «الاحتلال الذي عجز عن حماية عملائه لن يستطيع حماية أيٍّ من أذنابه، وأن مصير كل من يعبث بأمن شعبه ويخدم عدوه هو السقوط في مزابل التاريخ، وفقدان أي احترام أو مكانة في مجتمعه».

رواية إسرائيل

وأكدت «القوات الشعبية» التي كان يتزعمها أبو شباب، مقتله خلال محاولته فض نزاع عائلي بين أبناء عائلة أبو سنيمة، مشددةً على أنه لم يكن لحركة «حماس» أي علاقة بظروف قتله، واصفةً إياها بأنها «أضعف من أن تنال من القائد العام ورفاقه»، وفق نص بيانها.

ولم تتطرق «القوات الشعبية» في بيانها للرواية الإسرائيلية التي أثارت استغراباً في أوساط الفلسطينيين حول مقتله، والتي تفيد بأنه تعرض للضرب والركل المبرح من قبل مرافقيه وحراسه الشخصيين على خلفية نزاع على المناصب والأموال، وكذلك بسبب تعاونه مع إسرائيل.

واعتبرت مصادر «حماس» هذه الرواية تخلياً واضحاً من قبل إسرائيل عن كل من يعمل لصالحها، وأنها تتعمد تشويه صورة أبو شباب وظروف قتله بما يخدم مصالحها التي تفضي حالياً إلى إنهاء وجود هذه الحالات المسلحة، التي رعتها وقدمت لها الدعم بعد أن أصبحت تفهم جيداً أنه لا قيمة لوجودها في التأثير على تواجد وقوة الحركة في قطاع غزة، وأن هذه المجموعات كانت عبئاً على الاحتلال لأنها لم تقدم المأمول منها وهو تحقيق انشقاق في أوساط الفلسطينيين والسيطرة على مناطق واسعة وهو ما فشلت به مجموعات أبو شباب وغيره.

ياسر أبو شباب (وسائل التواصل)

وتقدر المصادر أن إسرائيل حالياً معنية بأن يتم إنهاء حالة أبو شباب وغيره، خاصةً في ظل الضغوط الأميركية المستمرة للانتقال للمرحلة الثانية، ما يعني تقليص مساحة سيطرة الاحتلال على القطاع، التي تتواجد بها تلك المجموعات، والتي كان يأمل الاحتلال أن تكون بمثابة الجهة التي ستحكم قطاع غزة.

ووفقاً لما ورد في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الجمعة، فإن مقتل أبو شباب الذي كان البعض يصوره على أنه «قوة صاعدة ستتحدى حكم (حماس)»، يظهر صورة أكثر إثارة للقلق في ظل التقارير الرسمية داخل إسرائيل عن حرب صامتة ووحشية تدور داخل جماعته المسلحة، معتبرةً قتله ليس مجرد خطوة عادية، بل بمثابة لحظة كشفت مدى تصدع الفكرة الإسرائيلية بتشكيل قوة محلية بديلة من الداخل لملء الفراغ الأمني المدني مكان «حماس».

ورغم أن الصحيفة هي من سارعت لنقل الرواية الأمنية الإسرائيلية عن مقتله ضرباً بشكل مبرح، عاودت في تقريرها الإشارة إلى أنه قتل بالرصاص بعد شجار بين مجموعات أبو شباب المسلحة وبعض العائلات، قبل أن يتطور لخلافات داخلية أيضاً.

وقالت الصحيفة العبرية إن «أبو شباب في مقابلة سابقة معها تفاخر بأنه أصبح الرجل الأقوى في قطاع غزة، وكان يرى نفسه بديلاً لـ(حماس)، لكن هذا الرجل الذي اعتبر نفسه قائداً للثورة، قُضي عليه من قبل القوى التي ساهم في نموها، وتحطمت رؤيته لـ(غزة مختلفة) بالرصاصة التي وجهت إلى ظهره». وفق تعبيرها.

خليفة ضعيف

ورأت الصحيفة أن مقتل أبو شباب خلق فراغاً خطيراً، ولا يوجد حالياً كيان مستقر قادر على استبدال «حماس» في قيادة غزة، خاصةً أن الميليشيات الحالية منقسمة وغير منظمة، وأن غسان الدهيني نائب أبو شباب قد يتسلم الزعامة لكن منصبه غير مستقر تماماً.

وأصيب الدهيني بجروح طفيفة في ساقه خلال نفس الحدث ونقل إلى مستشفى برزيلاي في عسقلان لتلقي العلاج، كما ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي. إلا أنه ظهر في مقطع فيديو صغير بث عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهو يؤدي إلى جانب عشرات المسلحين صلاة الجنازة على أبو شباب وكان يتقدمهم رجل طاعن بالسن ملتحٍ لم تُعرف هويته.

وتعهد الدهيني في مقابلة مع الصحيفة العبرية، نشرت الجمعة، بشكل مقتضب، بمواصلة مشروع ياسر أبو شباب ومقاومة «حماس»، من خلال إقامة بديل لحكمها، قائلاً: «بعون الله، ووفقاً لخطة أخي ياسر، سنكون كما كنا تماماً، أكثر تصميماً وقوةً... سنواصل القتال بآخر ما تبقى من قوتنا حتى آخر الإرهابيين صغاراً وكباراً، ولا يهم من هم، اليوم سترى (حماس) وجهها الحقيقي الذي كان ينبغي أن يراه العالم منذ زمن طويل... سنعيد الأمل لجميع الفلسطينيين والأحرار وكل المظلومين وكل المؤمنين بالسلام».

ووصف الدهيني، وهو ضابط أمن فلسطيني سابق، حركة «حماس» بأنها أضعف من أن تقوض معنويات أحد.

وكانت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أكدت مقتل أبو شباب على يد شابين من عشيرتي الدباري وأبو سنيمة، وقد قُتلا بعد أن دخلا في شجار وإطلاق نار مع مسلحين من جماعة أبو شباب الذي كان موجوداً في المكان.