اختيارات ترمب السريعة لأعضاء حكومته تفاجئ مستشاريه

شرطه الأول الولاء وتجاوز «خبرات واشنطن»

ترمب يصل إلى حفل «أميركا أولاً» في مارالاغو في 14 نوفمبر (أ.ف.ب)
ترمب يصل إلى حفل «أميركا أولاً» في مارالاغو في 14 نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

اختيارات ترمب السريعة لأعضاء حكومته تفاجئ مستشاريه

ترمب يصل إلى حفل «أميركا أولاً» في مارالاغو في 14 نوفمبر (أ.ف.ب)
ترمب يصل إلى حفل «أميركا أولاً» في مارالاغو في 14 نوفمبر (أ.ف.ب)

اختار الرئيس المنتخب دونالد ترمب وزير العدل في حكومته الجديدة عن طريق الصدفة، وهو على متن طائرته الخاصة بين واشنطن وفلوريدا. واستبعد مرشحاً لوزارة الأمن الداخلي، قبل أن يغيّر رأيه فجأة. في حين كان اختياره لوزير الدفاع قراراً سريعاً خلال عرض تقديمي في مارالاغو.

بشجاعة وثقة بغرائزه وازدراء كبير لخبرة واشنطن، يعين ترمب الموظفين في أهم الأدوار في حكومته بسرعة خاطفة. صدم حتى مستشاريه بسرعة اختياراته، حيث ملأ أهم المناصب في الحكومة خلال أيام، وقبل نحو شهر كامل من إعلان تعييناته خلال العملية الانتقالية في ولايته الأولى.

تجري الكثير من هذه الترشيحات تحت ثريا غرفة الشاي في مارالاغو، حيث يستعرض ترمب مرشحيه المحتملين لمجلس الوزراء على شاشات عملاقة. يتصفح القوائم المختصرة التي أعدها فريق انتقاله، بقيادة الملياردير هوارد لوتنيك، على مدى الأشهر الماضية. وفي حال أظهر ترمب اهتماماً بمرشح ما، تُعرض على الشاشات مقاطع فيديو لمشاركاته في برامج تلفزيونية.

ويمارس المستشار القانوني لترمب، بوريس إبشتاين، الذي لا يزال مُتّهماً بدوره في مخطط الناخبين المزيفين في أريزونا، نفوذاً كبيراً في غرفة الشاي وخارجها. ويُقال إنه شجع اختيار ترمب لمات غايتز وزيراً للعدل. كما أن رئيسة موظفي الرئيس المنتخب، سوزي وايلز، موجودة هناك باستمرار، وكذلك دونالد ترمب جونيور، ابنه الأكبر، وإيلون ماسك، أغنى رجل في العالم.

تعيينات مفاجئة

لافتة انتخابية خارج مارالاغو في 16 نوفمبر (أ.ف.ب)

يختار الرئيس المنتخب أشخاصاً يعتبرهم مخلصين حقيقيين، دون أن يولي اهتماماً كبيراً بما إذا كان يمكنهم اجتياز عملية المصادقة في مجلس الشيوخ. وفي غضون 48 ساعة هذا الأسبوع، أعلن ترمب عن 4 اختيارات أذهلت واشنطن: غايتز، وتولسي غابارد مديرة للاستخبارات الوطنية، وبيت هيغسيث وزير للدفاع، وروبرت إف. كيندي جونيور لإدارة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.

أثار ترشيح هيغسيث، مقدم «فوكس نيوز» البالغ من العمر 44 عاماً والمحارب القديم، ردّة فعل سلبية بسبب افتقاره للخبرة ودعمه للمحاربين القدامى المتهمين بجرائم حرب. كما كان موضوع شكوى تحرش جنسي في عام 2017 في مونتيري بكاليفورنيا، رغم عدم توجيه تهم. لكن الحملة لم تعلم بذلك إلا بعد الإعلان عن ترشيح هيغسيث، وفقاً لشخص مطلع على القرار.

أثار هذا الترشيح المفاجئ تساؤلات حول مدى - أو ما إذا كانت - الحملة تدقق في بعض اختيارات ترمب. كما أثار مرشحو ترمب الآخرون شكوكاً، بمن فيهم أعضاء من مجلس الشيوخ الجمهوريين. فقالت السيناتورة سوزان كولينز من ولاية مين، عن غايتز، الذي حققت معه وزارة العدل للاشتباه في الاتجار الجنسي بقاصرات، رغم إغلاق القضية دون توجيه تهم: «صُدمت من الإعلان. أنا متأكدة من أنه سيتم طرح الكثير من الأسئلة في جلسة استماعه».

ورفضت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم فريق ترمب الانتقالي التي ستكون السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، هذه المخاوف. وقالت: «أعاد الشعب الأميركي انتخاب الرئيس ترمب بهامش ساحق، ما منحه تفويضاً لتنفيذ الوعود التي قطعها خلال حملته الانتخابية - واختياراته لتشكيلة الحكومة تعكس أولويته في وضع أميركا أولاً».

إلا أن أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون، يعبّرون سراً عن خوفهم من معارضة ترمب وحركة «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً». قلة منهم مهتمون بمواجهة الهجمات التي يشنها حلفاء ترمب عبر الإنترنت، أو أن يدعم الرئيس المنتخب منافسيهم السياسيين.

2016 مقابل 2024

ماسك لدى حضوره حفل «أميركا أولاً» في مارالاغو في 14 نوفمبر (رويترز)

يتعاطى ترمب مع العملية الانتقالية الحالية بشكل مختلف عن عام 2016، فهو أكثر ثقة بأحكامه، ولا يشعر بالحاجة إلى التداول أو الاستماع إلى نصائح مؤسساتيي واشنطن الذين يأملون في تأطيره ليشبه رئيساً جمهورياً تقليدياً.

في أواخر 2016 وأوائل 2017، بعد فوزه المفاجئ على هيلاري كلينتون، استمتع ترمب باستعراض الباحثين عن وظائف عبر ردهة برج ترمب حتى تلتقطهم كاميرات الأخبار وهم يحاولون التقرّب إليه، وغالباً ما نزل إلى الردهة بنفسه للتحدث إلى الصحافيين. آنذاك، أخذ وقته، واختبر المرشحين كما لو كانوا في برنامج «المتدرب» التلفزيوني الواقعي الخاص به، وأعلن عن اختياراته الأولى لمجلس الوزراء في ديسمبر (كانون الأول) 2016.

لم يكن هناك موكب هذه المرة، وظل ترمب بعيداً عن الأنظار بشكل غير معتاد. وباستثناء زيارته للبيت الأبيض للاجتماع بجو بايدن واجتماعه مع المؤتمر الجمهوري في مجلس النواب في فندق حياة في واشنطن، تفاعل ترمب بشكل ضئيل مع وسائل الإعلام منذ فوزه في 5 نوفمبر (تشرين الثاني). بدلاً من ذلك، ظل في منزله وناديه الخاص في بالم بيتش، أو يمارس الغولف أحياناً في نادٍ قريب.

وكان الاستثناء ظهوراً قصيراً في حفل مارالاغو يوم الخميس، عندما كشف عن أنه اختار دوغ برغوم، حاكم نورث داكوتا، ليكون وزير الداخلية - وهو اختيار قال ترمب إنه كان من المقرر أصلاً الإعلان عنه في اليوم التالي.

الولاء أولاً

قبل 8 سنوات، بينما كان يستعد لتولي منصبه للمرة الأولى في مدينة ووظيفة لا يعرف عنهما إلا القليل، اعتمد ترمب على نصيحة القادة الجمهوريين والمسؤولين السابقين الذين لم يكن يعرفهم إلا قليلاً، مثل الرئيس السابق للجنة الوطنية الجمهورية رينس بريبوس، لتعيين أشخاص لا يعرف عنهم شيئاً تقريباً.

وظّف أشخاصاً من أول نظرة، بما في ذلك لأهم الوظائف في الحكومة، مثل أول وزير خارجيته، ريكس تيلرسون، وأول وزراء الدفاع في عهده، جيم ماتيس. انتهت تلك العلاقات بشكل سيئ؛ وكتب عدد من هؤلاء المسؤولين السابقين كتباً نقدية عنه ووصفوه بأنه غير مؤهل للمنصب.

ترمب مصمم على عدم تكرار هذا الخطأ. فبينما لا يزال يحب المؤهلات والشهادات من أفضل المدارس وأفضل الشركات، لكنه أكثر استعداداً للتخلي عن هذه المقوّمات. إنه يوظف - قبل كل شيء - من أجل الولاء. فقد أخبر مستشاريه أن أكثر قرار ندم عليه في فترته الأولى كان خياره لبعض الموظفين، وأنه تعرض للخيانة من جانب «خونة» مثل رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك يلي، ووزير العدل، ويليام بار، اللذين قاوما جهوده لقلب انتخابات 2020.

هذه المرة، لن يكون هناك أحد في الغرفة يرى أن وظيفته هي كبح جماح ترمب. لن يكون هناك أحد مثل جون كيلي، الجنرال السابق في مشاة البحرية الذي كان أطول رئيس موظفي ترمب بقاءً في منصبه.

*خدمة صحيفة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

تقرير: منظمة تطالب بالتحقيق في تكاليف حضور سياسيين أوروبيين عشاء ترأسه ترمب

أوروبا جلسة للبرلمان الأوروبي في بروكسل (أ.ب)

تقرير: منظمة تطالب بالتحقيق في تكاليف حضور سياسيين أوروبيين عشاء ترأسه ترمب

قالت صحيفة «غارديان» البريطانية إن منظمة الشفافية الدولية غير حكومية دعت إلى إجراء تحقيق مع خمسة أعضاء في البرلمان الأوروبي ينتمون إلى اليمين المتطرف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري الرئيس جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب في البيت الأبيض (د.ب.أ)

تحليل إخباري تداعيات استراتيجية لعودة ترمب «اللامتوقّع»

مع الفترة الثانية للحكم ستكون يد ترمب طليقة خصوصاً وقد سيطر حزبه الجمهوري على الكونغرس كله.

المحلل العسكري
الولايات المتحدة​ بيت هيغسيث خلال مقابلة سابقة مع ترمب في 2017 (رويترز)

فريق ترمب يراجع ترشيح بيت هيغسيث لمنصب وزير الدفاع

استُبعد هيغسيث من حفل تنصيب بايدن في عام 2021، بسبب وشم لشعار يرفعه متطرفون بيض.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس المنتخب دونالد ترمب وكامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأميركية (أ.ف.ب)

متخصص بالتضليل الإعلامي: اليسار الأميركي يغرق في نظريات المؤامرة بعد فوز ترمب

بعد فوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية، تراجعت مزاعم اليمين الأميركي بشأن عمليات تزوير على شبكات التواصل الاجتماعي، في حين باشر اليسار تشارك نظريات المؤامرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية روسيا ترى أن العقبة الأساسية للتطبيع بين أنقرة ودمشق هي وجود القوات التركية في شمال سوريا (وزارة الدفاع التركية)

أنقرة: دمشق ليست لديها إرادة للتطبيع... وروسيا على الحياد

حمّلت تركيا دمشق المسؤولية عن جمود مسار تطبيع العلاقات، ورأت أن ذلك دفع روسيا إلى عدم التحرك والبقاء على الحياد، وأكدت أنها جاهزة لعملية عسكرية ضد «قسد».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

تداعيات استراتيجية لعودة ترمب «اللامتوقّع»

الرئيس جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب في البيت الأبيض (د.ب.أ)
الرئيس جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب في البيت الأبيض (د.ب.أ)
TT

تداعيات استراتيجية لعودة ترمب «اللامتوقّع»

الرئيس جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب في البيت الأبيض (د.ب.أ)
الرئيس جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب في البيت الأبيض (د.ب.أ)

انتهت الانتخابات الأميركيّة، لكن الحديث عنها قد يستمرّ طويلاً. فالساكن الجديد في البيت الأبيض سيختزل المؤسسات الدستورية الأميركيّة في كل أبعادها، من السياسيّ، إلى الاقتصادي، إلى البُعد العسكري، وهو الأهم. طوّع دونالد ترمب حزبه وغيّر ثقافته وآيديولوجيّته. همّش الحزب الآخر الذي لم يع ويفهم التحوّلات الاجتماعيّة الجذريّة في نسيج المجتمع الأميركي.

مع الفترة الثانية للحكم، ستكون يد ترمب طليقة، خصوصاً وقد سيطر حزبه الجمهوري على الكونغرس ككل. وبحكم سيطرته على مجلسي الشيوخ والنواب، تبدو يد الرئيس المنتخب طليقة في صنع السياسات الخارجيّة، وهي سياسات بدت في جوانب كثيرة منها غير متوقعة خلال فترة حكمه الأولى (بعد انتخابات 2016). ومن هذا المنطلق، يمكن طرح التساؤل عما سيكون عليه حال العالم مع ترمب «اللامتوقّع»؟

يملك ترمب القرار، كما يملك وسائل التنفيذ. يقود دولة يبلغ حجم اقتصادها ربع حجم الدخل القومي العالمي ككل، ومع موازنة عسكرية هي أكبر من مجموع الموازنات العسكريّة لباقي دول العالم، بما في ذلك الصين وروسيا. يكره ترمب التحالفات، كما يكره المؤسسات الدوليّة التي تخدم النظام العالمي القائم. يُسوّق نفسه اليوم على أنه رجل سلام يريد وقف الحروب في العالم، مُبسّطاً بذلك ومُسطّحاً تعقيدات العلاقات الدولية والصراعات الجيوسياسيّة. يعود ترمب بعد أربع سنوات إلى عالم تغيّر كلّياً، وأصبح في مرحلة ما قبل الحرب العالميّة الثالثة. يُنظّر المفكّر الأميركي ستيفن كوتكين، وهو المتخصص بالاتحاد السوفياتيّ، الذي كتب عدة كتب عن جوزيف ستالين ومصطلح عبادة الشخص، فيقول، بما معناه، إنه يجب وضع الشخص في منظومته السياسيّة، وهو ما يفترض الإقرار بالاختلاف التام بين نظامي الحكم الأميركي والسوفياتيّ. ويتابع: «صحيح أن مصطلح عبادة الشخص تجسّد مع ستالين، لكن لستالين شخصية فريدة». وهكذا يبدو حال ترمب اليوم. شخصية فريدة، من وجهة نظر مؤيديه.

الديناميكيات الجيوسياسيّة في العالم

عند التوقّع الجيوسياسيّ، لا بد من رصد مصادر (Locations) التحوّلات الكبرى، أو بالأحرى الديناميكيات. من أين تبدأ، وكيف تؤثّر تموّجاتها على مستوى النظام العالميّ. وعليه وجب الاعتماد على النظريات الجيوسياسيّة لفهم الواقع. غير أن النظريات لا تعطي الحلول عادة، لكنها في الحد الأدنى تحدّد الاتجاه (Direction). ولعل أهم هذه النظريّات هي نظريّة هالفورد ماكندر وكذلك نظريّة نيكولا سبايكمان. يحدد الأول أهميّة السهل الأوراسيّ، أو «الهارتلاند». فمن يسيطر عليه يتحكّم بمصير العالم. أما سبايكمان فهو يقول بالسيطرة على الشواطئ (الريملاند) التي تحتوي «الهارتلاند». فمن يسيطر عليها يسيطر على العالم. تغيّر «الهارتلاند»، كما تغيّر «الريملاند» كثيراً، بعد نهاية الحرب الباردة. هناك ديناميكيّة داخل «الهارتلاند» تحصل حالياً، وذلك بسبب تراجع روسيا وصعود الصين، الأمر الذي أعطى دول السهل الأوراسيّ حريّة جيوسياسيّة كبيرة. كما أن هناك تحوّلات كبرى على مستوى «الريملاند»، أهمّها صعود الهند، واحتمال أن يكون المحيط الهندي مركز ثقل الصراع الجيوسياسيّ في القرن الـ21.

في هذا الإطار، ابتكر المفكّر جورج فريدمان نظرية جديدة ترتكز على ما يلي: إن مركز ثقل العالم موجود إلى الشمال من مدار السرطان. في هذه المنطقة تقع أهم دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وروسيا، والصين، وأجزاء من الهند. تحوي هذه المنطقة أيضاً أهم اقتصادات العالم، وكذلك الثقل الديموغرافيّ، عدا عن أنها تحوي الترسانة النوويّة في العالم. منها تنطلق الديناميكيات، ومنها تتشظّى إلى أرجاء الكرة الأرضيّة. في هذه المنطقة أهم ثروات الطاقة في العالم، ولكن تدور فيها حروب عديدة. أهمّها الآن الحرب الأوكرانية، التي أصبحت بمثابة حرب عالمية بعد التدخّلات الخارجية لدعم الطرفين المتحاربين (الغرب مع أوكرانيا، وإيران وكوريا الشمالية مع روسيا، هذا عدا عن التدخّل الصيني الداعم لروسيا أيضاً بطريقة غير مباشرة، حسب ما يقول الغرب).

في الحقيقة، عمّت تموّجات (Ripples) هذه الحرب كل العالم. فهي خلقت مشكلة غذاء بسبب توقّف شحن القمح. كما خلقت أزمة طاقة (بسبب العقوبات الأوروبية على صادرات روسيا)، وقد تؤدّي إلى استعمال السلاح النوويّ، حسب تلويح بعض المسؤولين الروس. في هذه الحرب، تبيّن أن دولة لا تملك السلاح النووي، وهي أوكرانيا، ردت على الهجوم الروسي على أراضيها بالإقدام على احتلال أرض - منطقة كورسك - تابعة لدولة نوويّة تمتلك أكبر ترسانة في العالم.

إلى جانب الحرب الأوكرانيّة، هناك حروب متعدّدة تدور في منطقة الشرق الأوسط، سواء في غزّة، أو لبنان، أو حتى اليمن. هذا عدا النزال المباشر بين إيران وإسرائيل. وإضافة إلى كل ذلك، تفيد تقارير بأن الصين تدرس أداء الأسلحة الغربيّة على كل مسارح الحرب، وذلك من أجل استخلاص الدروس لحرب محتملة مع الغرب حول جزيرة تايوان.

الحدث الجيوسياسيّ... ترمب رئيساً

يعدُّ انتخاب ترمب الحدث الجيوسياسيّ الأهم في العالم اليوم. وهو، وحسب نظرية فريدمان أعلاه، سيبعث بتموّجات وديناميكيّات مقلقة للبعض، وجيّدة للبعض الآخر، وبكل الاتجاهات. ويعود سبب هذا التأثير إلى أمرين مهمّين هما: أوّلاً، طبيعة الشخص وتجاربه السابقة في الحكم، ثانياً، قدرات الولايات المتحدة الأميركيّة على التأثير في مجريات الأمور.

ماذا سيفعل ترمب في أوكرانيا، وهو الذي صرّح بأنه قد ينهي الحرب في يوم واحد. في هذا الإطار، صرّح نائب الرئيس الأميركيّ المُنتخب جي دي فانس، قبل انتخابه، بأن مشروع الحلّ للحرب الأوكرانيّة قد يكون على الشكل التالي: منطقة منزوعة السلاح على طول 1000 كلم لكنها محصّنة وبشكل لا يمكن اختراقها من قبل القوات الروسيّة. تحتفظ روسيا بالأرض التي احتلتها، وهي تقارب الـ20 في المائة من مساحة أوكرانيا. تطمين روسيا بالحياد الأوكراني والوعد بعدم الانضمام إلى حلف الناتو سوى بعد مرور 20 سنة.

ولكن ماذا لو لم تقبل أوكرانيا بذلك؟ وماذا عن الدول الأوروبيّة ومصير حلف الناتو؟ في هذا الإطار، يبدو أن موقف ترمب هو على الشكل التالي: أوروبا غنيّة. وهي قادرة على الدفاع عن نفسها، كما أن أوكرانيا هي مسألة أوروبيّة وبامتياز. فلماذا تُحمّل أميركا كل الأعباء؟ وتحضيراً لتسلّم ترمب الرئاسة كتب أمين حلف «الناتو» السابق ينس ستولتنبرغ مع معناه إن ما يقوله ترمب عن أوروبا وعلاقتها بروسيا صحيح، فهي تخلّت عن بناء قواتها العسكريّة، واعتمدت على الغاز الروسي. لكنه يتابع ليقول إن حلف «الناتو» أقوى اليوم من السابق، وإن أسرع طريقة لوقف الحرب هي الاستسلام، وهذا غير ممكن، وإن الطريق الوحيد للوصول إلى السلام هو عبر ضخّ المزيد من السلاح لأوكرانيا، خصوصاً وأن بوتين «قادر على استشعار ضعف الخصم لكنه حتماً يحترم القوّة».

الشرق الأوسط والتنين الصيني

لكن ماذا سيفعل ترمب حيال الحرب في الشرق الأوسط؟ ترمب، كما هو معروف، كان الرئيس الأميركي الذي نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان، وهو الذي اغتال قائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليمانيّ، وانسحب من الاتفاق النووي مع طهران؟ لكن ترمب يعود اليوم إلى الرئاسة مع شرق أوسط مختلف تماماً عما كان عليه عام 2020. يعود وإيران أصبحت حليفة وثيقة لروسيا.

وكيف سيتعامل ترمب مع الهند في إطار هدف أميركا إيجاد طرف يحقق التوازن مع الصين، علماً بأنه يبشّر برفع التعرفة على البضائع الهنديّة؟

يقول خبراء إن التحدّي الأكبر لترمب سيكون مع التنين الصيني. فالصين هي المنافس الأساسي لأميركا، عسكرياً وتكنولوجياً وجيوسياسيّاً وفي كلّ المجالات. وهي التي أصبحت تمتلك أكبر أسطول بحري في العالم لجهّة عدد القطع البحريّة. وهي التي بدأت تجري المناورات البحريّة حول جزيرة تايوان تمهيداً لإعادتها يوماً ما إلى حضن الوطن الأم، حسب ما تقول بكين، علماً بأن تايوان تُعدُّ بالمعنى الجيوسياسيّ أهم عقدة تربط اليابان بالفلبين وماليزيا، وصولاً إلى مضيق مالاكا أحد أهم المضايق في العالم. فإذا سقطت تايوان ستفتح كلّ البحار في العالم للبحريّة الصينية، الأمر الذي سيغيّر صورة النظام العالمي الحالي جذريّاً. فهل فعلاً ستكون أميركا عظيمة كما يريدها ترمب إذا تخلت عن مناطق نفوذها في العالم، خصوصاً في محيط الصين؟

في الختام، وقبل تغيير العالم عبر الانسحاب منه تبقى أسئلة مهمة:

كيف سيُنفذ ترمب وعوده الانتخابيّة للداخل الأميركي؟ كيف سيُرحّل ملايين المهاجرين غير الشرعيين؟ كيف سينتقم من وزارة العدل والمدعي العام الذي أراد سجنه. كيف سيتعامل مع أجهزة الاستخبارات، وكيف سيتعامل مع البنتاغون والعسكر؟ وكيف سيُخفض الضرائب والدين الأميركي بلغ 35 تريليون دولار؟ أسئلة كثيرة ستنتظر أجوبتها بالطبع بدء ولاية ترمب الثانية.