إيران تفاوض مباشرة بـ«الورقة اللبنانية» بعد تضعضع حلفائها

وزير سابق: المُضمَر بات معلناً

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال لقائه الأخير مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال لقائه الأخير مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (أ.ف.ب)
TT

إيران تفاوض مباشرة بـ«الورقة اللبنانية» بعد تضعضع حلفائها

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال لقائه الأخير مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال لقائه الأخير مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (أ.ف.ب)

يحرص المسؤولون الإيرانيون في الفترة الأخيرة على بعث رسائل للداخل والدول المعنية بأن إيران ممسكة بالملف اللبناني، وكان آخرها تأكيد المرشد الإيراني علي خامنئي أن «الجهاد المستمر بقوة في لبنان وغزة سيؤدي إلى انتصار جبهة المقاومة».

وأتى موقف خامنئي بعد سلسلة مواقف صدرت عن المسؤولين الإيرانيين وردّ عليها لبنان بشكل مباشر عبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إضافة إلى استدعاء السفير الإيراني في لبنان، على خلفية إعلان رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف استعداد طهران للتفاوض حول القرار 1701، ليعود بعدها ويؤكد أن «الركيزة الأساسية للشعب اللبناني وقادته ومسؤوليه هي إيران وقائدها وشعبها». وفي الإطار نفسه، كان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال إن لديه ممثلاً خاصاً مستقراً في بيروت، و«يجري يومياً محادثات مع المسؤولين».

وتأتي المواقف الإيرانية بعد اغتيال أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله وعدد من القياديين في الحزب، وإعلان أمينه العام الجديد نعيم قاسم تفويض «الأخ الأكبر» رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بمهمة التفاوض، وذلك بعدما كان الحزب يمسك بهذه الورقة منذ اتخاذه القرار بفتح جبهة الإسناد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي حين نقل عن بري الاستعداد لفضل جبهة لبنان عن غزة، عاد عراقجي في زيارة إلى لبنان قبل نحو ثلاثة أسابيع ونسف هذا الأمر، بتجديده التمسك بربط المسارين.

وترفض مصادر رئاسة الحكومة التعليق على المواقف الإيرانية والدخول في سجال، معتبرة أن «مواقف ميقاتي تكفي في المرحلة الحالية»، في وقت يرى فيه الوزير السابق رشيد درباس أن ما يصدر على ألسنة المسؤولين في طهران «يجعل ما كان مُضمَراً معلناً». ويقول لـ«الشرق الأوسط» ما هو معروف أصبح معلناً، وما كانوا يقومون به من دون الإفصاح عنه، رغم أنه كان معلوماً من الجميع، باتوا اليوم يتحدثون عنه في العلن لأن لم يعد بإمكانهم التحاور مباشرة مع حلفائهم في لبنان (أي «حزب الله» لأسباب أمنية) وباتوا مضطرين إلى التواصل مع المسؤولين اللبنانيين».

وفي حين يثني درباس على موقف ميقاتي «الذي لاقى دعماً لبنانياً»، يعدّ أنه «وانطلاقاً من الوقائع لا شكّ أن إيران ستستخدم الورقة اللبنانية في المفاوضات»، مضيفاً: «لنكن واقعيين، فإن الغرب يتحاور اليوم ظاهرياً مع الدولة اللبنانية عبر رئيس البرلمان نبيه بري، لكن المفاوضات الفعلية ستكون مع الجهة التي تضغط على الحزب، أي طهران».

رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف (وسط الصورة) يلوّح بيده بعد زيارة موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حي البسطة في بيروت (أ.ف.ب)

من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية، عماد سلامة أن التصريحات الإيرانية حول الملف اللبناني تأتي لتحسين موقفها التفاوضي بعدما كانت تعتمد قبل ذلك على وسطاء محليين للمهمة. ويقول: «طهران تحاول الاستفادة مما تبقى لها من نفوذ وأوراق تفاوضية في المنطقة، وتسعى جاهدة لتحسين موقفها التفاوضي عبر إبراز قدرتها على تقديم حلول في ملفات حساسة، مثل إبرام صفقة لتبادل الأسرى الإسرائيليين في غزة، وتأمين الاستقرار على الحدود الجنوبية اللبنانية، أو تأمين الملاحة في مضيق باب المندب في اليمن».

ويضيف سلامة: «في مقابل ذلك، تريد إيران ضمانات غربية تقلل من الخطر على مصالحها الاستراتيجية، وهي التي لم تعد في موضع التفاوض عبر وسطاء محليين مثل (حزب الله) أو (حركة أمل) في لبنان؛ بحيث باتت اليوم، تكشف عن كل أوراقها بشكل مباشر على الطاولة وتبدي مرونة واستعداداً لحلول قد تجنبها مواجهة شاملة، تسعى بكل السبل لتفاديها».

وكان قد قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الأحد، إنه إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل والجماعات المتحالفة مع طهران في غزة ولبنان، فإن ذلك قد «يؤثر على شدّة أي ضربة انتقامية»، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية.

وتلقى المواقف الإيرانية رفضاً لبنانياً واسعاً، حيث قال رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط: «آن الأوان للجمهورية الإسلامية أن تعلم بأن هناك دولة في لبنان».

بدوره، توقف حزب «الكتائب» عند المواقف الإيرانية الأخيرة، معتبراً أنها تكشف عن نيّات الاستيلاء على البلد ووضع اليد على قراره.

ورفض في بيان سابق له ما وصفها بـ«التصاريح المستفزة التي يتوالى المسؤولون الإيرانيون على إطلاقها من لبنان ونيابة عنه غير آبهين بموقف الدولة اللبنانية الرسمي الذي جاء على لسان رئيس الحكومة والذي عبّر صراحة عن رفضه مثل هذه الممارسات الخارجة عن أي أصول وتكشف عن نيّات الاستيلاء على البلد ووضع اليد على قراره بالمباشر وسيتم التعامل معها على هذا الأساس».


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يطالب باستراتيجية دفاعية تبرّر احتفاظه بسلاحه

المشرق العربي عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في بلدة الخيام الجنوبية بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي (رويترز)

«حزب الله» يطالب باستراتيجية دفاعية تبرّر احتفاظه بسلاحه

دعا «حزب الله» بعد الحرب الأخيرة ونتائجها التدميرية إلى وضع «الاستراتيجية الدفاعية»، محاولاً بذلك إيجاد الوسيلة التي تبقي سلاحه جزءاً من تلك المعادلة.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي آليات عسكرية تابعة لقوات «يونيفيل» في بلدة الخيام بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

الـ«يونيفيل»: قلقون إزاء استمرار تدمير إسرائيل المناطق السكنية بجنوب لبنان

أكدت قيادة «قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)»، اليوم الخميس، أن «أي أفعال تهدد الوقف الهش للأعمال العدائية، يجب أن تتوقف».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنديان إسرائيليان خلال عمليات تمشيط جنوبي لبنان (موقع الجيش الإسرائيلي)

عمليات نسف إسرائيلية لمنازل في يارون وكفركلا بجنوب لبنان

أقدمت القوات الإسرائيلية على نسف عدد من المنازل، مساء الأربعاء، في بلدتَي يارون وكفركلا في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجتمعاً مع لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء بالسراي الحكومي (أ.ب)

لبنان يتمسك بتحييد شمال الليطاني عن جنوبه والكلمة لهوكستين

الجديد في مواصلة إسرائيل خرقها لوقف النار منذ دخوله حيز التنفيذ في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي يكمن في قيام الطيران الحربي الإسرائيلي بشن غارة على بلدة…

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم (أ.ف.ب)

هاجس إنهاء «المقاومة» يسكن «حزب الله»

استخدم أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم 7 مرات في خطابه الأخير مصطلحي «استمرارية المقاومة» و«المقاومة مستمرة»، حيث أقر أيضاً بخسارة طريق إمداده عبر سوريا

بولا أسطيح (بيروت)

أول تواصل عراقي معلن مع الإدارة السورية الجديدة

رئيس المخابرات العراقي حميد الشطري (متداولة)
رئيس المخابرات العراقي حميد الشطري (متداولة)
TT

أول تواصل عراقي معلن مع الإدارة السورية الجديدة

رئيس المخابرات العراقي حميد الشطري (متداولة)
رئيس المخابرات العراقي حميد الشطري (متداولة)

على الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، فإن العراق -باستثناء إعادة فتح سفارته في دمشق- انتظر حتى الخميس للتواصل مع الإدارة الجديدة، بقيادة أحمد الشرع.

وطبقاً لما كشفه مصدر سياسي مطلع، فإن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أوفد، الخميس، رئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري مع عدد من المسؤولين إلى دمشق للقاء الشرع... وهذه الزيارة هي أول رحلة خارجية للشطري بعد أقل من أسبوع على توليه منصبه رئيساً لجهاز المخابرات. وتأتي من وجهة نظر مراقبين سياسيين، خطوةً غاية في الأهمية؛ نظراً للملفات المشتركة بين العراق وسوريا، فضلاً عن الهواجس لدى عدد من القوى السياسية العراقية، لا سيما الشيعية منها، حيال التغيير المفاجئ الذي حصل في سوريا.

القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق 23 ديسمبر 2024 (رويترز)

وكانت حكومة بغداد، قد شددت بعد سقوط الأسد على «ضرورة احترام الإرادة الحرّة» للسوريين، والحفاظ على وحدة أراضي سوريا التي يتشارك معها العراق حدوداً يزيد طولها على 600 كيلومتر». وأكّد رئيس الوزراء العراقي، في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، أن بلده «ليس ضد التواصل مع الإدارة (الجديدة) في سوريا، ما دامت هناك مصلحة لاستقرار سوريا والمنطقة».

ونقلت «وكالة الأنباء العراقية»، عن باسم العوادي الناطق باسم الحكومة، أن «الوفد العراقي برئاسة رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري، التقى الإدارة السورية الجديدة، وجرى بحث التطورات على الساحة السورية ومتطلبات الأمن والاستقرار في الحدود المشتركة بين البلدين».

ولفت أحد المسؤولين المشاركين في الوفد، وفق ما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية»، إلى أن الوفد «حمل رسالة للسلطات السورية الجديدة تنبه من استغلال الجماعات المسلحة الفراغ الأمني في بعض المناطق، لشنّ هجمات ضد العراق ومناطق أخرى».

وأضاف: «يرغب العراق في الحصول على تطمينات من الجانب السوري في قضايا الحدود والاستقرار الأمني داخل سوريا، والحفاظ على النسيج الداخلي»، مؤكداً ضرورة «عدم تدخل أي طرف في شؤون سوريا الداخلية».

السوداني متحدثاً عن مبادرة إرساء السلام أمام شيوخ وشخصيات اجتماعية في الموصل (رئاسة الوزراء)

وعدّ السوداني الأسبوع الماضي أن «ثمة حالة من القلق من طبيعة الوضع في الداخل السوري»، داعياً السلطات الجديدة إلى أن «تعطي ضمانات ومؤشرات إيجابية حول (...) إعدادها عملية سياسية لا تقصي أحداً». وأشار يومها إلى استئناف عمل بعثة العراق الدبلوماسية في دمشق بعدما غادر طاقمها إلى لبنان في الثامن من ديسمبر (كانون الأول).

يذكر، أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أكد أن الحكومة العراقية تعمل على «تقييم الأوضاع في سوريا»، من أجل اتخاذ القرارات اللازمة في شأنها.

وفي حين شارك العراق في مؤتمر وزراء الخارجية العرب ومجموعة الاتصال الخاصة بسوريا، الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة، فإن السوداني الذي لم يتواصل مباشرة مع الإدارة السورية الجديدة، بزعامة الشرع، كما لم يرد على الرسالة الهاتفية التي أرسلها الأخير إليه، زار كلّاً من المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية لمتابعة التطورات في سوريا.

وفي هذا السياق، يقول السياسي العراقي وعضو البرلمان السابق حيدر الملا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الزيارة التي بدأها وفد أمني رفيع المستوى، برئاسة رئيس جهاز المخابرات «خطوة في الاتجاه الصحيح قامت بها حكومة السيد محمد شياع السوداني، من خلال فتح حوار مباشر مع القيادة السورية الجديدة»، كاشفاً أنه «سبقت الزيارة الرسمية للوفد الذي يرأسه الشطري، حوارات لوفدين؛ أحدهما لا يحمل صفة حكومية، وضم شخصيتين عراقيتين، ذهبتا بعلم الحكومة للقاء الشرع، في حين اللقاء الثاني كان أمنياً، لكن لم يعلن عنه».

القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (إ.ب.أ)

وأوضح الملا، أن «رئيس الوفد حميد الشطري، رجل سياسة وأمن، ومن ثم فإن اختياره لرئاسة هذا الوفد مهم، وهو الأنسب لهذه المهمة»... وقال: «إن سوريا اليوم تُشكل قلب العالم، ودولة مهمة بالمنطقة، وحدودنا معها تمتد لأكثر من 600 كم، وبالتالي فإن أمن العراق من أمن سوريا، والعكس صحيح». وأشار الملا إلى أن «دعم العراق لسوريا في هذا الوقت، مهم من أجل التحول وإنشاء عملية سياسية صحيحة، في بلد مهم للعراق والمنطقة مثل سوريا».

أحكام مسكوت عنها

يُذكر أن القضاء العراقي سبق أن حكم بالإعدام بحق الشرع، الملقب الجولاني، غيابياً، بتهمة «الإرهاب وقتل العراقيين» عندما كان جزءاً من «داعش» قبل انشقاقه عن أبو بكر البغدادي، وتشكيله في سوريا «جبهة النصرة» التي تحوّلت في ما بعد إلى «هيئة تحرير الشام».

وبخصوص الحكم الصادر بحقه من القضاء العراقي، يقول الخبير القانوني، علي التميمي: «إن حكم الإعدام الصادر غيابياً من القضاء العراقي بحق الجولاني صحيح قانونياً، وهو يخضع لإجراءات قانونية محدّدة، في مقدمتها أن يحضر المتهم، وتعاد المحاكمة عند حضوره خلال مدّة محددة وهي 6 أشهر، وفي حال عدم حضوره خلال المدة المذكورة يتحوّل الحكم الغيابي إلى حكم وجاهي»، مضيفاً أن «حكم الإعدام يبقى قائماً ولا يسقط إلا بإلغائه من قبل القضاء أو المحكمة»، مبيناً أن هذا الحكم «لا يحمل تأثيراً فعلياً في الوقت الراهن، كون العراق أصبح يتعامل مع سياسة دولة بأكملها، وليس فقط مع أفراد ينتمون إلى تنظيمات مسلّحة».

وفي حين صنّفت الولايات المتحدة الأميركية أبو محمد الجولاني، «إرهابياً»، وخصصت مكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار أميركي لأي شخص يدلي بمعلومات تؤدي للقبض عليه، فإنها تواصلت معه رسمياً عبر وفد رسمي أعلن عن إلغاء المكافأة المخصصة للقبض عليه، وهو الذي صار يعرف باسمه الحقيقي: أحمد الشرع.