السلام في الشرق الأوسط وإصلاح النظام الدولي... ملفان يهيمنان على قمة «بريكس»

تحديد أولويات تعزيز التعاون المالي والمصرفي وفتح أبواب المجموعة للتوسع

الأمين العام للأمم المتحدة يشارك في القمة (أ.ب)
الأمين العام للأمم المتحدة يشارك في القمة (أ.ب)
TT

السلام في الشرق الأوسط وإصلاح النظام الدولي... ملفان يهيمنان على قمة «بريكس»

الأمين العام للأمم المتحدة يشارك في القمة (أ.ب)
الأمين العام للأمم المتحدة يشارك في القمة (أ.ب)

أنهت قمة مجموعة «بريكس» أعمالها الخميس، بتظاهرة سياسية برز خلالها تقارب وجهات النظر لدى المشاركين حيال الملفات الإقليمية والدولية الساخنة. وسيطر الوضع في الشرق الأوسط وملفات إصلاح الأمم المتحدة، والسعي إلى تطوير آليات اتخاذ القرار الدولي، على الجزء الأعظم من كلمات القادة وممثلي نحو 40 بلداً ومنظمة إقليمية ودولية شاركوا في الجلسة العامة الموسعة.

بوتين يلقي خطاب القمة (أ.ف.ب)

وعلى الرغم من أن أولويات المجموعة في قممها السابقة انحصرت في تعزيز مسار التعاون البيني، وتطوير آليات الشراكات الاقتصادية والمالية بين الدول، وهو أمر برز أيضاً خلال هذه القمة، فإن الجديد برز مع هيمنة ملفات سياسية ساخنة على النقاشات؛ ما دفع أوساطاً سياسية وإعلامية روسية إلى التركيز على أن القمة الـ16 للمجموعة شكلت نقطة انطلاق نحو «بناء نظام دولي جديد»؛ نظراً للثقل الاقتصادي والسياسي المتعاظم لبلدان المجموعة.

نظام دولي جديد

وبرز هذا المنحى، في خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الجلسة الموسعة، خصوصاً عندما عقد مقاربة مهمة رأى فيها أن تزامن هذا الاجتماع مع اليوم العالمي للأمم المتحدة له «دلالة رمزية مهمة». وقال بوتين إنه «بالطبع، من الرمزي جداً أن يعقد اجتماعنا اليوم في يوم الأمم المتحدة. ففي 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1945، دخل ميثاق الأمم المتحدة حيز التنفيذ، والذي كانت مبادئه أساس العلاقات بين الدول والعلاقات الدولية. (...) لقد كان ذلك الأساس القانوني للعلاقات الدولية لما يقرب من ثمانية عقود».

غوتيريش يصافح بوتين

وتطرق مباشرة إلى القضية الأكثر إلحاحاً على الأجندة الدولية حالياً، وقال الرئيس الروسي: «إن أزمة الشرق الأوسط باتت الأكثر دموية في التاريخ وإن حل الدولتين يجب أن يكون أساساً للتسوية». ولفت إلى أن «القتال في غزة امتد إلى لبنان ويؤثر على كثير من الدول في المنطقة، بينما يزداد التصعيد بين إسرائيل وإيران؛ وهو ما يضع المنطقة على شفير حرب شاملة».

وفي إطار حديثه عن الأزمة الأوكرانية، أكد الرئيس الروسي أن «أوكرانيا تنتهك حقوق الروس» وأن الغرب يحاول إلحاق «هزيمة استراتيجية بروسيا»، مشيراً إلى أن «من يعتقد ذلك لا يعرف تاريخ روسيا ولا يعرف وحدة وإرادة شعوب روسيا».

غوتيريش مع عباس ومادورو

دعوات خفض التصعيد

في الملفات السياسية، دعت الأطراف إلى تعزيز نظام منع الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط على أن تصبح خالية من الأسلحة النووية. وأكدت في هذا الإطار ضرورة استئناف العمل باتفاق إيران النووي.

بدوره، دعا الرئيس الصيني إلى خفض التصعيد في الشرق الأوسط بأسرع وقت. وشدد على أنه «لا بد من وقف التصعيد في قطاع غزة ووقف الحرب في لبنان وتفادي معاناة المدنيين في كل من فلسطين ولبنان».

وأدانت القمة الهجمات الإسرائيلية وعمليات تفجير أجهزة الاستدعاء «البيجر» في لبنان. وشددت الدول على الاحترام غير المشروط لسيادة سوريا وحماية سلامة أراضيها. كما أعلنت المجموعة دعمها لانضمام دولة فلسطين المستقلة إلى الأمم المتحدة ضمن حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي اعترضت أوكرانيا على مشاركته في اللقاء، إن السلام في عدد من النقاط الساخنة، ولا سيما في غزة ولبنان وأوكرانيا، يحتاج إلى التحرك «من الأقوال إلى الأفعال». وقال غوتيريش: «نحن في حاجة إلى السلام مع وقف فوري لإطلاق النار في غزة، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، والتوصيل الفعال للمساعدات الإنسانية، وإنهاء الاحتلال وإحراز تقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين». وأكد: «نحن في حاجة إلى السلام في أوكرانيا، سلام عادل وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة». كما تحدث غوتيريش عن دعمه قيم ميثاق الأمم المتحدة وسيادة القانون ومبادئ السيادة.

دعا وزير خارجية الإمارات، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، الذي ناب عن رئيس الدولة في هذه الجلسة، إلى وقف فوري ودائم للقتال في قطاع غزة والسماح غير المشروط بوصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين كافة، والبدء بمسار سياسي على أساس حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية. وأضاف: «تحقيق السلام والاستقرار الدوليين وحده كفيل ببناء الجبهة العالمية القادرة على مواجهة التحديات المشتركة».

وأكد الوزير أهمية استمرارية الجهود الدولية لخفض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط ووقف التعديات الإسرائيلية وإدانته بأشد العبارات انتهاك قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

في الإطار ذاته، تساءل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عن دور «محكمة الجنايات الدولية» في ضوء ما يحدث في قطاع غزة وفي لبنان، وقال: «أم أنها فقط موجهة لدول الجنوب العالمي باستخدام وثائق مزورة ومزعومة؟»، وأردف: «العالم الذي نسعى لإنشائه قيد الولادة، و(بريكس) هي مركز هذا العالم... العالم القائم على المبادئ الإنسانية».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان خلال قمة «بريكس» الأربعاء (رويترز)

وأكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن النظام العالمي الحالي يحتاج إلى التعديل، مؤكداً ضرورة بدء البحث عن حلول توافقية وأن «بريكس» ستساعد في ذلك.

وقال إردوغان في كلمته: «الإرهاب لن يكسر روحنا... نواجه كثيراً من التحديات بدءاً من الأمن والإرهاب والمناخ والغذاء، ومجموعة (بريكس) تمكننا من التنسيق في مواجهة هذه التحديات على ضوء هشاشة التنمية الاجتماعية والاقتصادية العالمية».

وشدد إردوغان على أنه «لا يمكننا توفير النمو بينما تستمر إسرائيل في سياساتها العدوانية ولا تكف عن سفك الدماء، لقد تسببت إسرائيل في استفحال الأزمة الراهنة، وحل الأزمة فقط على أساس إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهو مطلب حاسم». ودعا إلى دعم المجموعة مطلب وقف التعاون العسكري مع إسرائيل.

وقال الرئيس الروسي إن «الإعلان الختامي يتضمن تقييمات عامة للوضع في العالم، ويلخص نتائج الرئاسة الروسية لمجموعة (بريكس)، كما يحدد أيضاً المبادئ التوجيهية للتعاون على المدى الطويل». وأوضح أنه من المقرر نشر الإعلان النهائي وتوزيعه في الأمم المتحدة بصفته وثيقةً مشتركة.

إعلان قازان

وكانت مجموعة «بريكس» أنهت مساء الأربعاء الشق الرسمي من فعالياتها بإصدار «إعلان قازان» الذي حدّد أولويات تحرك المجموعة في المرحلة المقبلة. وبرز في الإعلان الحديث عن الشراكات الجديدة لبلدان مع المجموعة في تأكيد على التوافق على آليات توسيع التكتل. وكما كان متوقعاً فقد ركز الإعلان على ملفات التعاون المالي والاقتصادي وتطوير الشراكات المصرفية بين الأعضاء، لكنه تضمن أيضاً فقرات سياسية برزت للمرة الأولى على أجندة قمم المجموعة. وأكدت فقرات البيان على الدعوة إلى إصلاح المؤسسات الدولية من خلال زيادة مساهمة البلدان النامية في الاقتصاد العالمي. ودعا الإعلان، إلى تعزيز شبكات البنوك المراسلة بين دول المجموعة، التي تضم 10 دول.

ورحّب باستخدام العملات الوطنية في التعاملات المالية بين دول المجموعة وشركائها التجاريين، بحسب الإعلان الذي يحمل عنوان «تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين».

وجاء في الإعلان: «نكرر التزامنا بتعزيز التعاون المالي في إطار (بريكس)، وندرك الفوائد الواسعة لأدوات الدفع عبر الحدود الأسرع والأقل تكلفة والأكثر كفاءة وشفافية وأماناً، والمبنية على مبادئ تقليل الحواجز التجارية».

كما أصدرت قمة «بريكس» تعليمات لوزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية في دول المجموعة بمواصلة بحث مسألة زيادة استخدام العملات الوطنية في التجارة البينية وأدوات الدفع والمنصات الإلكترونية (المستقلة عن «سويفت»).

كما أكدت دول «بريكس» القرار المتخذ في إطار استراتيجية الشراكة الاقتصادية للمجموعة حتى عام 2025 بشأن تدابير دعم إصلاح منظمة التجارة العالمية.

واتفق الأعضاء، وفقاً للإعلان، على دراسة إنشاء منصة نقل موحدة لضمان الخدمات اللوجيستية متعددة الوسائط بين دول التكتل. ورحَّبت الدول بإنشاء منصة استثمارية جديدة تستخدم البنية التحتية لبنك التنمية الجديد. واتفقت على تحويل البنك مصرفَ تنميةٍ متعددَ الأطراف لدول الأسواق الناشئة. وأكدت على دعم المبادرة الروسية لإنشاء بورصة حبوب تغطي قطاعات الزراعة الأخرى في المستقبل.


مقالات ذات صلة

خبراء يستبعدون تصعيداً عالمياً من التحالف بين روسيا وكوريا الشمالية

آسيا فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون يزوران قاعدة «فوستوشني» في منطقة آمور بأقصى شرق روسيا (أرشيفية - رويترز)

خبراء يستبعدون تصعيداً عالمياً من التحالف بين روسيا وكوريا الشمالية

استبعد خبراء أن يؤدي إبرام اتفاقية دفاعية بين موسكو وبيونغ يانغ إلى تصعيد عسكري فوري على المستوى العالمي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا رجال الإنقاذ يعملون في موقع مبنى سكني دمره هجوم صاروخي روسي في دنيبرو - أوكرانيا في 26 أكتوبر 2024 (رويترز)

5 قتلى في غارات روسية استهدفت كييف ودنيبرو في أوكرانيا

أدت ضربات صاروخية روسية على مدينة دنيبرو بوسط أوكرانيا إلى مقتل ثلاثة أشخاص، فيما قتل شخصان أحدهما مراهقة في هجمات على كييف ومحيطها، على ما ذكر مسؤولون، السبت.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا زيلينسكي وغوتيريش خلال اجتماعهما في كييف في مارس 2023 (أ.ف.ب)

القوات الكورية تدخل «معركة كورسك»

اتهمت كييف، موسكو، أمس الجمعة، بأنها ستبدأ الاستعانة، اعتباراً من غدٍ الأحد، بجنود كوريين شماليين للقتال ضد قواتها في منطقة كورسك الروسية، التي توغلت فيها

«الشرق الأوسط» ( كييف)
العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (د.ب.أ)

أميركا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية تبدي قلقاً لانتشار قوات كورية شمالية في روسيا

أعربت الولايات المتحدة وألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان، الجمعة، عن «قلق بالغ» لانتشار قوات كورية شمالية في روسيا، في خضم الحرب مع الجارة أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا زيلينسكي يعرض خطة من 5 نقاط (أ.ف.ب)

زيلينسكي يتهم موسكو بنشر أول دفعة كورية شمالية مقاتلة في كورسك ابتداء من الأحد

اتهمت كييف موسكو بنشر أول دفعة كورية شمالية مقاتلة في كورسك الروسية ابتداء من الأحد.

«الشرق الأوسط» (كييف)

جورجيا تتأرجح بين ولاءين... أحدهما لموسكو والآخر لبروكسل

متظاهرون أمام البرلمان (رويترز)
متظاهرون أمام البرلمان (رويترز)
TT

جورجيا تتأرجح بين ولاءين... أحدهما لموسكو والآخر لبروكسل

متظاهرون أمام البرلمان (رويترز)
متظاهرون أمام البرلمان (رويترز)

يصوّت الناخبون بجورجيا، السبت، في انتخابات تشريعية تحدّد مستقبل البلاد، المنقسمة بين معارضة مؤيّدة لأوروبا، وحزب حاكم مُوالٍ لروسيا، وشدّدت بروكسل على أن نتيجة الاقتراع ستحدّد فرص دخول هذه الجمهورية السوفياتية السابقة، الواقعة في منطقة القوقاز، ويبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة، إلى الاتحاد الأوروبي، وكانت تبليسي أدرجت هذا الطموح في دستورها.

رئيسة جورجيا سالومي زورابيشفيلي تشارك في مسيرة لدعم عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي (رويترز)

وقالت الرئيسة الجورجية الموالية للغرب، سالومي زورابيشفيلي، التي تنتهج سياسة مخالفة لتلك التي تتّبعها حكومة حزب «الحلم الجورجي» الموالي لموسكو، إن هذه «الليلة، ستشهد انتصاراً لجورجيا برُمّتها»، وأضافت بعدما أدلت بصوتها: «هذا اليوم سيحدّد مستقبل البلاد... إنها انتخابات وجودية».

ووصفت زورابيشفيلي المشهد في بداية أكتوبر (تشرين الأول) خلال مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية» قائلة: «لدينا شبه استفتاء حول الاختيار بين أوروبا، أو العودة إلى ماضٍ روسي غامض».

اندلعت مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تبليسي 1 مايو (رويترز)

وفتحت مراكز الاقتراع في الصباح أبوابها، ويُتوقَّع نشر أولى نتائج استطلاع آراء الناخبين بعد إغلاقها في العاشرة مساءً.

أما رئيس الوزراء إيراكلي كوباخيدزه، فقال إنه يتوقع فوزاً صريحاً لحزب «الحلم الجورجي» الحاكم الموالي لموسكو . وقال لوكالة أنباء «إنتربرس نيوز» المحلية، السبت: «توقعاتنا متفائلة، نتوقع 60 في المائة من أصوات السكان»، بينما كان يُدلي بصوته.

وأكّد مجدّداً أهمية الانتخابات للاتجاه المستقبلي للبلاد، وقال إن الانتخابات سوف تحدِّد مزيداً من التنمية مثلما كان الحال في 2012، عندما تسلَّم الحزب زمام الأمور في البلاد.

وذكرت وكالة «أسوشيتيد برس» (أ.ب)، السبت، أن الحملة الانتخابية تهيمن عليها السياسة الخارجية، واتسمت بصراعٍ مرير على الأصوات، واتهامات بشنّ حملة تشويه.

ويفضِّل حزب «الحلم الجورجي» الحاكم تعاوناً اقتصادياً أوثق مع روسيا، بينما تريد المعارضة الموالية للغرب دفع البلاد نحو عضوية الاتحاد الأوروبي.

وجورجيا مرشّحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن العملية متوقفة حالياً بسبب القوانين المثيرة للجدل التي فرضتها الإدارة الحالية.

حشد من المتظاهرين في تبليسي عاصمة جورجيا (أ.ب)

وتسلَّم «الحلم الجورجي» الحكم من «الحركة الوطنية المتحدة» الموالية للغرب، في عهد الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي. ووصف كوباخيدزه الانتخابات بأنها «استفتاء حول الحرب والسلام بين الدعاية غير الأخلاقية والقيم التقليدية، واستفتاء بشأن الماضي المظلم والمستقبل المشرق للبلاد».

ويتبنّى «الحلم الجورجي» خَطّاً محافِظاً قومياً على نحو متزايد، ويسعى للتقارب مع الصين. وفي حال فاز بأغلبية الثلثين يريد مؤسّس الحزب، الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلي، الذي يتحكّم منذ حوالى 10 سنوات بزمام السلطة في الكواليس، حظرَ «الحركة الوطنية المتحدة»، حزب الرئيس السابق المسجون ميخائيل شاكاشفيلي العدو اللدود لإيفانيشفيلي.

وقبل الانتخابات البرلمانية، تعهّد إيفانيشفيلي، الملياردير الغامض، الذي أسّس حزب الحلم الجورجي، وجمع ثروته في روسيا، مرة أخرى بحظر أحزاب المعارضة حال فوز حزبه. وقال إيفانيشفيلي، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية، في تجمّع مؤيد للحكومة في العاصمة تبليسي، إن حزب «الحلم الجورجي» سيحمّل أحزاب المعارضة «المسؤولية الكاملة، بموجب القانون، عن جرائم الحرب» التي ارتُكِبت ضد شعب جورجيا. ولم يوضح الجرائم التي يعتقد أن المعارضة ارتكبتها.

ويعتقد الكثيرون أن هذه الانتخابات ربما تكون الأكثر أهميةً، منذ أن حصلت جورجيا على استقلالها في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991.

وسينتخب الجورجيون 150 نائباً من 18 حزباً، وإذا لم يحصل أي حزب على 76 مقعداً، وهو العدد المطلوب لتشكيل حكومة لمدة 4 سنوات، فسوف تدعو الرئيسة الحزب الأكبر لتشكيل حكومة ائتلافية.

أثار قانون «التأثير الأجنبي» غضب داعمي انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي (إ.ب.أ)

وشهدت جورجيا في مايو (أيار) مظاهرات حاشدة في الشوارع على مدى أسابيع؛ احتجاجاً على إقرار «قانون التأثير الأجنبي» المثير للجدل، بوصفه مستوحًى من قانون روسي لإسكات المعارضة. وعليه، جمّدت بروكسل ملف انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي، وفرضت واشنطن عقوبات على عشرات المسؤولين الجورجيين بتهمة ممارسة «قمع عنيف» في حق المتظاهرين.

من جانبه، ندّد الكرملين، الجمعة، بمحاولات «تدخل» دول غربية في الانتخابات التشريعية الجورجية.

واشتكى بعض الجورجيين من الترهيب والضغوط التي تم ممارستها عليهم لحملهم على التصويت لصالح الحزب الحاكم «الحلم الجورجي»، بينما اتهمت المعارضة الحزب بشنّ «حرب هجينة» ضد مواطنيها.

وكانت استطلاعات للرأي في الفترة الأخيرة أشارت إلى أن تحالفاً غير مسبوق بين أحزاب معارِضة قد يهزم حزب «الحلم الجورجي» الحاكم، وبين الأحزاب الأربعة المعارضة المعنية: «الحركة الوطنية الموحَّدة». إلا أنه يصعب جداً توقُّع نتيجة الاقتراع؛ إذ قال الكثير من الذين استُطلِعت آراؤهم إنهم لا يزالون متردّدين، أو أنهم رفضوا الإفصاح عن الطرف الذين سيُصوّتون له.

وتُجرى الانتخابات بالاقتراع النسبي تحت إشراف مراقبين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

وفي حال فوزه وعد تحالُف المعارضة بإجراء إصلاحات انتخابية وقضائية، وإلغاء قوانين أُقِرّت مؤخراً وتعرضت لانتقادات. كذلك، يهدف تحالُف المعارضة إلى تشكيل حكومة ائتلافية، ثم تنظيم انتخابات جديدة في غضون عام تعكس إرادة الناخبين بشكل أفضل.

وترجّح استطلاعات للرأي حصول أحزاب المعارضة على ما يكفي من الأصوات في انتخابات السبت، لتشكيل حكومة ائتلافية بدلاً من حزب «الحلم الجورجي» الحاكم الذي يديره الملياردير النافذ بيدزينا إيفانيشفيلي.

رئيس بعثة المراقبة التابعة للاتحاد الأوروبي في جورجيا ديميتريوس كاراباليس (د.ب.أ)

وفي مركز اقتراع بالعاصمة تبليسي، رأى غيورغي كيبتشيدزه (48 عاماً)، وهو موسيقي، أن المعارضة ستنتصر. وقال هذا الناخب لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن «معظم الجورجيين يدركون أن الحكومة الحالية تُعِيدنا إلى المستنقع الروسي، وتُبعدنا عن أوروبا».

وأكّد رئيس بلدية تبليسي كاخا كالادزي، الأمين العام لحزب «الحلم الجورجي»، أن المعارضة ستحاول «إثارة توترات»، وحذّر غيلا فاسادزي، الخبير بمركز التحليل الاستراتيجي في جورجيا، من خطر حدوث «اضطرابات بعد الانتخابات» إذا «حاول الحزب الحاكم التمسك بالسلطة مهما كانت النتيجة».

سفينة تابعة للبحرية الروسية في البحر الأسود بالقرب من سوخومي عاصمة منطقة أبخازيا الانفصالية في جورجيا (أ.ف.ب)

تجمّع عشرات آلاف المتظاهرين المؤيدين لأوروبا، الأحد، في تبليسي، قبل أسبوع من الانتخابات، واحتشد المتظاهرون في شوارع بوسط العاصمة الجورجية، وحمل بعضهم أعلام بلادهم والاتحاد الأوروبي، بينما رفع آخرون لافتات كُتب عليها: «جورجيا تختار الاتحاد الأوروبي»، حسبما أفاد مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية».

وسارت الحشود نحو ساحة الحرية في وسط العاصمة، ودعت منظمات غير حكومية عدة إلى المسيرة، بهدف «إظهار التصميم على مواصلة الطريق نحو الانضمام» إلى الاتحاد الأوروبي.

درّاجون يرفعون علم أبخازيا خلال «العيد الوطني» في العاصمة سوخومي في 23 يوليو الماضي (إ.ب.أ)

ويكرّس الدستور الجورجي طلب العضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وهو توجّه يؤيده نحو 80 في المائة من الجورجيين، وفقاً لاستطلاعات رأي عدّة أجرتها جهات، بينها المعهد الديمقراطي الوطني، والمعهد الجمهوري الدولي.

وما زالت هذه الجمهورية السوفياتية السابقة المُطِلّة على البحر الأسود تحت تأثير حرب خاطفة خاضتها مع الجيش الروسي في عام 2008، وعقب هذه الحرب أنشأت روسيا قواعد عسكرية دائمة في منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين المدعومتين من موسكو في جورجيا، واعترفت بهما روسيا دولتين مستقلتين.

المتظاهرون تجمّعوا في احتجاج خلال الليل عند البرلمان (إ.ب.أ)

وفي هذا السياق، قدّم الحزب الحاكم نفسه خلال حملته الانتخابية بأنه الوحيد القادر على منع تحوّل جورجيا إلى «أوكرانيا جديدة».

وأكّدت الحكومة أنها تريد الحصول على ثلاثة أرباع المقاعد في البرلمان، ما يسمح لها بتعديل الدستور، وحظر أحزاب المعارضة الموالية للغرب.

وحذّر محلّلون من خطر حدوث اضطرابات إذا حاول حزب «الحلم الجورجي» التمسك بالسلطة في حال خسر الانتخابات، بينما تحدث آخرون عن إمكان حدوث تزوير.