جورجيا تتأرجح بين ولاءين... أحدهما لموسكو والآخر لبروكسل

تخوض انتخابات تشريعية حاسمة لمستقبلها الأوروبي... ومتخوّفة من النموذج الأوكراني

متظاهرون أمام البرلمان (رويترز)
متظاهرون أمام البرلمان (رويترز)
TT

جورجيا تتأرجح بين ولاءين... أحدهما لموسكو والآخر لبروكسل

متظاهرون أمام البرلمان (رويترز)
متظاهرون أمام البرلمان (رويترز)

يصوّت الناخبون بجورجيا، السبت، في انتخابات تشريعية تحدّد مستقبل البلاد، المنقسمة بين معارضة مؤيّدة لأوروبا، وحزب حاكم مُوالٍ لروسيا، وشدّدت بروكسل على أن نتيجة الاقتراع ستحدّد فرص دخول هذه الجمهورية السوفياتية السابقة، الواقعة في منطقة القوقاز، ويبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة، إلى الاتحاد الأوروبي، وكانت تبليسي أدرجت هذا الطموح في دستورها.

رئيسة جورجيا سالومي زورابيشفيلي تشارك في مسيرة لدعم عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي (رويترز)

وقالت الرئيسة الجورجية الموالية للغرب، سالومي زورابيشفيلي، التي تنتهج سياسة مخالفة لتلك التي تتّبعها حكومة حزب «الحلم الجورجي» الموالي لموسكو، إن هذه «الليلة، ستشهد انتصاراً لجورجيا برُمّتها»، وأضافت بعدما أدلت بصوتها: «هذا اليوم سيحدّد مستقبل البلاد... إنها انتخابات وجودية».

ووصفت زورابيشفيلي المشهد في بداية أكتوبر (تشرين الأول) خلال مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية» قائلة: «لدينا شبه استفتاء حول الاختيار بين أوروبا، أو العودة إلى ماضٍ روسي غامض».

اندلعت مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تبليسي 1 مايو (رويترز)

وفتحت مراكز الاقتراع في الصباح أبوابها، ويُتوقَّع نشر أولى نتائج استطلاع آراء الناخبين بعد إغلاقها في العاشرة مساءً.

أما رئيس الوزراء إيراكلي كوباخيدزه، فقال إنه يتوقع فوزاً صريحاً لحزب «الحلم الجورجي» الحاكم الموالي لموسكو . وقال لوكالة أنباء «إنتربرس نيوز» المحلية، السبت: «توقعاتنا متفائلة، نتوقع 60 في المائة من أصوات السكان»، بينما كان يُدلي بصوته.

وأكّد مجدّداً أهمية الانتخابات للاتجاه المستقبلي للبلاد، وقال إن الانتخابات سوف تحدِّد مزيداً من التنمية مثلما كان الحال في 2012، عندما تسلَّم الحزب زمام الأمور في البلاد.

وذكرت وكالة «أسوشيتيد برس» (أ.ب)، السبت، أن الحملة الانتخابية تهيمن عليها السياسة الخارجية، واتسمت بصراعٍ مرير على الأصوات، واتهامات بشنّ حملة تشويه.

ويفضِّل حزب «الحلم الجورجي» الحاكم تعاوناً اقتصادياً أوثق مع روسيا، بينما تريد المعارضة الموالية للغرب دفع البلاد نحو عضوية الاتحاد الأوروبي.

وجورجيا مرشّحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن العملية متوقفة حالياً بسبب القوانين المثيرة للجدل التي فرضتها الإدارة الحالية.

حشد من المتظاهرين في تبليسي عاصمة جورجيا (أ.ب)

وتسلَّم «الحلم الجورجي» الحكم من «الحركة الوطنية المتحدة» الموالية للغرب، في عهد الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي. ووصف كوباخيدزه الانتخابات بأنها «استفتاء حول الحرب والسلام بين الدعاية غير الأخلاقية والقيم التقليدية، واستفتاء بشأن الماضي المظلم والمستقبل المشرق للبلاد».

ويتبنّى «الحلم الجورجي» خَطّاً محافِظاً قومياً على نحو متزايد، ويسعى للتقارب مع الصين. وفي حال فاز بأغلبية الثلثين يريد مؤسّس الحزب، الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلي، الذي يتحكّم منذ حوالى 10 سنوات بزمام السلطة في الكواليس، حظرَ «الحركة الوطنية المتحدة»، حزب الرئيس السابق المسجون ميخائيل شاكاشفيلي العدو اللدود لإيفانيشفيلي.

وقبل الانتخابات البرلمانية، تعهّد إيفانيشفيلي، الملياردير الغامض، الذي أسّس حزب الحلم الجورجي، وجمع ثروته في روسيا، مرة أخرى بحظر أحزاب المعارضة حال فوز حزبه. وقال إيفانيشفيلي، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية، في تجمّع مؤيد للحكومة في العاصمة تبليسي، إن حزب «الحلم الجورجي» سيحمّل أحزاب المعارضة «المسؤولية الكاملة، بموجب القانون، عن جرائم الحرب» التي ارتُكِبت ضد شعب جورجيا. ولم يوضح الجرائم التي يعتقد أن المعارضة ارتكبتها.

ويعتقد الكثيرون أن هذه الانتخابات ربما تكون الأكثر أهميةً، منذ أن حصلت جورجيا على استقلالها في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991.

وسينتخب الجورجيون 150 نائباً من 18 حزباً، وإذا لم يحصل أي حزب على 76 مقعداً، وهو العدد المطلوب لتشكيل حكومة لمدة 4 سنوات، فسوف تدعو الرئيسة الحزب الأكبر لتشكيل حكومة ائتلافية.

أثار قانون «التأثير الأجنبي» غضب داعمي انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي (إ.ب.أ)

وشهدت جورجيا في مايو (أيار) مظاهرات حاشدة في الشوارع على مدى أسابيع؛ احتجاجاً على إقرار «قانون التأثير الأجنبي» المثير للجدل، بوصفه مستوحًى من قانون روسي لإسكات المعارضة. وعليه، جمّدت بروكسل ملف انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي، وفرضت واشنطن عقوبات على عشرات المسؤولين الجورجيين بتهمة ممارسة «قمع عنيف» في حق المتظاهرين.

من جانبه، ندّد الكرملين، الجمعة، بمحاولات «تدخل» دول غربية في الانتخابات التشريعية الجورجية.

واشتكى بعض الجورجيين من الترهيب والضغوط التي تم ممارستها عليهم لحملهم على التصويت لصالح الحزب الحاكم «الحلم الجورجي»، بينما اتهمت المعارضة الحزب بشنّ «حرب هجينة» ضد مواطنيها.

وكانت استطلاعات للرأي في الفترة الأخيرة أشارت إلى أن تحالفاً غير مسبوق بين أحزاب معارِضة قد يهزم حزب «الحلم الجورجي» الحاكم، وبين الأحزاب الأربعة المعارضة المعنية: «الحركة الوطنية الموحَّدة». إلا أنه يصعب جداً توقُّع نتيجة الاقتراع؛ إذ قال الكثير من الذين استُطلِعت آراؤهم إنهم لا يزالون متردّدين، أو أنهم رفضوا الإفصاح عن الطرف الذين سيُصوّتون له.

وتُجرى الانتخابات بالاقتراع النسبي تحت إشراف مراقبين من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

وفي حال فوزه وعد تحالُف المعارضة بإجراء إصلاحات انتخابية وقضائية، وإلغاء قوانين أُقِرّت مؤخراً وتعرضت لانتقادات. كذلك، يهدف تحالُف المعارضة إلى تشكيل حكومة ائتلافية، ثم تنظيم انتخابات جديدة في غضون عام تعكس إرادة الناخبين بشكل أفضل.

وترجّح استطلاعات للرأي حصول أحزاب المعارضة على ما يكفي من الأصوات في انتخابات السبت، لتشكيل حكومة ائتلافية بدلاً من حزب «الحلم الجورجي» الحاكم الذي يديره الملياردير النافذ بيدزينا إيفانيشفيلي.

رئيس بعثة المراقبة التابعة للاتحاد الأوروبي في جورجيا ديميتريوس كاراباليس (د.ب.أ)

وفي مركز اقتراع بالعاصمة تبليسي، رأى غيورغي كيبتشيدزه (48 عاماً)، وهو موسيقي، أن المعارضة ستنتصر. وقال هذا الناخب لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن «معظم الجورجيين يدركون أن الحكومة الحالية تُعِيدنا إلى المستنقع الروسي، وتُبعدنا عن أوروبا».

وأكّد رئيس بلدية تبليسي كاخا كالادزي، الأمين العام لحزب «الحلم الجورجي»، أن المعارضة ستحاول «إثارة توترات»، وحذّر غيلا فاسادزي، الخبير بمركز التحليل الاستراتيجي في جورجيا، من خطر حدوث «اضطرابات بعد الانتخابات» إذا «حاول الحزب الحاكم التمسك بالسلطة مهما كانت النتيجة».

سفينة تابعة للبحرية الروسية في البحر الأسود بالقرب من سوخومي عاصمة منطقة أبخازيا الانفصالية في جورجيا (أ.ف.ب)

تجمّع عشرات آلاف المتظاهرين المؤيدين لأوروبا، الأحد، في تبليسي، قبل أسبوع من الانتخابات، واحتشد المتظاهرون في شوارع بوسط العاصمة الجورجية، وحمل بعضهم أعلام بلادهم والاتحاد الأوروبي، بينما رفع آخرون لافتات كُتب عليها: «جورجيا تختار الاتحاد الأوروبي»، حسبما أفاد مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية».

وسارت الحشود نحو ساحة الحرية في وسط العاصمة، ودعت منظمات غير حكومية عدة إلى المسيرة، بهدف «إظهار التصميم على مواصلة الطريق نحو الانضمام» إلى الاتحاد الأوروبي.

درّاجون يرفعون علم أبخازيا خلال «العيد الوطني» في العاصمة سوخومي في 23 يوليو الماضي (إ.ب.أ)

ويكرّس الدستور الجورجي طلب العضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وهو توجّه يؤيده نحو 80 في المائة من الجورجيين، وفقاً لاستطلاعات رأي عدّة أجرتها جهات، بينها المعهد الديمقراطي الوطني، والمعهد الجمهوري الدولي.

وما زالت هذه الجمهورية السوفياتية السابقة المُطِلّة على البحر الأسود تحت تأثير حرب خاطفة خاضتها مع الجيش الروسي في عام 2008، وعقب هذه الحرب أنشأت روسيا قواعد عسكرية دائمة في منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين المدعومتين من موسكو في جورجيا، واعترفت بهما روسيا دولتين مستقلتين.

المتظاهرون تجمّعوا في احتجاج خلال الليل عند البرلمان (إ.ب.أ)

وفي هذا السياق، قدّم الحزب الحاكم نفسه خلال حملته الانتخابية بأنه الوحيد القادر على منع تحوّل جورجيا إلى «أوكرانيا جديدة».

وأكّدت الحكومة أنها تريد الحصول على ثلاثة أرباع المقاعد في البرلمان، ما يسمح لها بتعديل الدستور، وحظر أحزاب المعارضة الموالية للغرب.

وحذّر محلّلون من خطر حدوث اضطرابات إذا حاول حزب «الحلم الجورجي» التمسك بالسلطة في حال خسر الانتخابات، بينما تحدث آخرون عن إمكان حدوث تزوير.


مقالات ذات صلة

«المعجزات» الاقتصادية والسياسية في آسيا على محك الاستدامة والاستقرار

آسيا محققون من كوريا الجنوبية ومسؤولون من «NTSB» وشركة «بوينغ» يتفقدون مكان تحطم الطائرة في مطار موان على بعد 288 كيلومتراً جنوب غربي سيول (أ.ف.ب)

«المعجزات» الاقتصادية والسياسية في آسيا على محك الاستدامة والاستقرار

تختتم سيول أسوأ سنة مرّت عليها منذ عقود، حيث تهديدات جارتها بيونغيانغ، وأزمة الحكم التي ما زالت مفتوحة على احتمالات تصعيدية يصعب جداً التكهن بخواتيمها.

شوقي الريّس (مدريد)
العالم ترمب خلال مناسبة بمدينة فينكس في ولاية أريزونا يوم 22 ديسمبر 2024 (رويترز)

من تنصيب ترمب إلى انتهاء حرب أوكرانيا... أهم الأحداث المتوقعة لعام 2025

هناك الكثير من الأحداث المهمة المنتظر حدوثها في 2025، بدءاً من تنصيب دونالد ترمب ومروراً بالانتخابات في أوروبا واضطراب المناخ والتوقعات بانتهاء حرب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (إ.ب.أ) play-circle 01:35

الشرع: إجراء انتخابات قد يستغرق 4 سنوات

قال قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، إن إجراء انتخابات قد يستغرق مدة تصل إلى 4 سنوات، وإن عملية كتابة الدستور قد تستغرق 3 سنوات.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص مادورو يحيِّي أنصاره خلال مظاهرة في كاراكاس 17 أغسطس (إ.ب.أ)

خاص «الأوروبي» يُجدد دعمه لمرشح المعارضة الفنزويلية دون الاعتراف رسمياً برئاسته

يتردد الاتحاد الأوروبي على خطوة الاعتراف رسمياً برئاسة غونزاليس، بعد التجربة الفاشلة التي أسفر عنها الاعتراف برئاسة خوان غوايدو عام 2019.

شوقي الريّس (مدريد)
رياضة سعودية عبد العزيز الشهراني (اتحاد الدراجات)

الانتخابات الرياضية السعودية: الشهراني رئيساً للدراجات…والمطيري للتايكوندو

أقرت الجمعية العمومية الانتخابية للاتحاد السعودي للدراجات تزكية عبدالعزيز بن علي الشهراني رئيسًا لمجلس إدارة الاتحاد السعودي للدراجات لأربع سنوات مقبلة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

برلين تؤيد التواصل مع موسكو لإنهاء الحرب الأوكرانية من خلال المفاوضات

المستشار الألماني أولاف شولتس (رويترز)
المستشار الألماني أولاف شولتس (رويترز)
TT

برلين تؤيد التواصل مع موسكو لإنهاء الحرب الأوكرانية من خلال المفاوضات

المستشار الألماني أولاف شولتس (رويترز)
المستشار الألماني أولاف شولتس (رويترز)

أعربت زعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا، زاسكيا إسكن، عن تأييدها لإجراء مزيد من المكالمات الهاتفية من المستشار الألماني أولاف شولتس إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقالت إيسكن في مقابلة مع «وكالة الأنباء الألمانية» بشأن الحرب ضد أوكرانيا: «يتعين إجراء هذه المحادثات مراراً من أجل استكشاف ما يمكن القيام به حتى يتوقف القتل والموت في النهاية»، مضيفة في المقابل أنها لا ترى حالياً أن حدوث أي لقاء شخصي بين بوتين وشولتس سيكون مجدياً، وقالت: «طالما أن المواقف كما هي، فمن المؤكد أنه يكفي إجراء مكالمة هاتفية».

المستشار الألماني أولاف شولتس (وسط) وساسكيا إسكين (يسار) الرئيسة الفيدرالية للحزب الديمقراطي الاجتماعي وكاتيا ماست السكرتيرة البرلمانية للمجموعة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي (د.ب.أ)

يذكر أن شولتس أجرى في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي محادثات مع بوتين عبر الهاتف لأول مرة منذ أكثر من عامين، وتعرض لانتقادات بسبب ذلك من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وكذلك من شركاء الناتو في شرق أوروبا ومن بعض الأحزاب الألمانية.

وأشادت إسكن بالمكالمة الهاتفية لأنها أوضحت موقف بوتين، وقالت: «ليس هناك أي استعداد لاتخاذ خطوات للنظر في وقف إطلاق النار».

وذكرت إسكن أن العدوان الروسي على أوكرانيا لا يزال بلا هوادة، موضحة أن هذا يمكن رؤيته أيضاً في استعانة روسيا بجنود من كوريا الشمالية، وأضافت: «لا ينبغي لنا أن نتجاهل هذا الوضع ونتحدث الآن عن وقف لإطلاق النار، وهو أمر ليس مطروحاً على الطاولة في الوقت الحالي لأن بوتين ليس مستعداً له».

فيما ترغب الخبيرة الدفاعية الألمانية، ماري - أغنيس شتراك - زيمرمان، من الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي، في أن يقوم فريدريش ميرتس، السياسي المحافظ الذي يسعى لأن يصبح مستشاراً، بإعادة النظر في سياسة ألمانيا تجاه أوكرانيا إذا فاز في الانتخابات.

وقالت شتراك - زيمرمان، في مقابلة مع مجموعة «فونكه» لبودكاست: «يحظى فريدريش ميرتس الآن بفرصة لأن يصبح مستشاراً عظيماً إذا فعل عكس ما يفعله (المستشار الألماني) أولاف شولتس».

وأشارت إلى أن هذه الفرصة للتغيير تتجاوز سياسة أوكرانيا، لتشمل استراتيجية ألمانيا الاقتصادية وغيرها من المجالات الحيوية.

وأعربت عن فضولها لرؤية ما إذا كان ميرتس سيملك الشجاعة لاتخاذ إجراءات جريئة، محذرة من أن عدم القيام بذلك قد تكون له عواقب «دراماتيكية تاريخياً».

المستشار الألماني أولاف شولتس يحذر من لعبة الروليت الروسي في قضايا الأمن الأوروبي (أ.ف.ب)

واعترفت إسكن بأن شولتس يسعى أيضاً إلى إجراء محادثات مع دول مثل الهند والبرازيل من أجل المضي قدماً نحو إنهاء الحرب الروسية، وقالت: «لا يتم حسم الحرب في ساحة المعركة، بل في النهاية عن طريق المفاوضات.... يجب أن تكون هناك خيوط للمحادثة ومعرفة من يمكن الاعتماد عليه وكيف». ومع ذلك، لا ترى إسكن في المستشار وسيطاً بين بوتين وزيلينسكي، وقالت: «أعتقد أن الوسطاء في مثل هذه المواقف ليسوا في العادة قادة دول، ولا مستشارين، ولا رؤساء، بل هم أشخاص من الصف الثاني»، مضيفة في المقابل أن شولتس «سيضطلع بالتأكيد بدور مهم» في تنظيم مثل هذه المحادثات.

ومن المقرر أن يتوجه الناخبون الألمان إلى صناديق الاقتراع في 23 فبراير (شباط) في انتخابات ستحدد من سيكون المستشار المقبل. ويرى كثر أن ميرتس هو المرشح الأوفر حظاً لأن يصبح المستشار التالي للبلاد. وتدعو شتراك - زيمرمان، التي تشغل منصب رئيسة اللجنة الفرعية للأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي، منذ فترة طويلة إلى مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، بما في ذلك تقديم صواريخ كروز «تاوروس».

ومع ذلك، قاوم شولتس هذا الطلب، رافضاً تخفيف القواعد المتعلقة باستخدام الأسلحة الألمانية في دفاع أوكرانيا ضد روسيا.

وزراء خارجية 6 دول أوروبية - أطلسية (فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا وبريطانيا) بعد اجتماع عقدوه في برلين لدعم أوكرانيا (رويترز)

وكان شولتس قد اتهم ميرتس باتباع خط سياسي محفوف بالمخاطر بشأن سياسة أوكرانيا، مشيراً إلى أن موقف ميرتس المؤيد لتسليم صواريخ «تاوروس» البعيدة المدى إلى أوكرانيا يعرض البلاد لخطر التصعيد مع القوة النووية (روسيا). وقال شولتس: «يمكنني فقط أن أقول... كونوا حذرين، لا تلعبوا الروليت الروسية مع أمن ألمانيا».

* موسكو وضخ الغاز

من جانب آخر، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، اليوم الخميس، أن مسؤولية وقف ضخ إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا، تقع على عاتق واشنطن وكييف. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في بيان: «إن مسؤولية وقف إمدادات الغاز الروسي تتحملها بشكل كامل الولايات المتحدة ونظام كييف وسلطات الدول الأوروبية التي ضحت برفاهية مواطنيها من أجل تقديم الدعم المالي للاقتصاد الأميركي»، بحسب ما ذكرته وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء.

وأضافت زاخاروفا، أن كييف قررت وقف ضخ الغاز من روسيا إلى سكان الدول الأوروبية، على الرغم من وفاء شركة «غازبروم» الروسية بالتزاماتها التعاقدية. وقال البيان إن «وقف إمدادات مصادر الطاقة الروسية التنافسية والصديقة للبيئة لا يضعف الإمكانات الاقتصادية لأوروبا فحسب، بل له أيضاً تأثير سلبي كبير على مستوى معيشة المواطنين الأوروبيين».

وأشار البيان إلى أن «الخلفية الجيوسياسية» لقرار كييف عدم تمديد اتفاق نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أراضي أوكرانيا ليست سوى حجة شكلية، موضحة أن الولايات المتحدة هي المستفيد الرئيسي من «إعادة توزيع سوق طاقة العالم القديم». وأعلنت شركة «غازبروم» الروسية، الأربعاء، انتهاء اتفاق توريد الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا، موضحة أن ذلك بسبب عدم امتلاكها الإمكانية التقنية والقانونية.

* استهدافات روسية

قالت روسيا الخميس إنها هاجمت منشآت طاقة في أوكرانيا تدعم مجمع الصناعات العسكرية في كييف. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أنها استهدفت بالقوات الجوية والطائرات المسيّرة والصواريخ والمدفعية منشآت طاقة ومطارات عسكرية وأفراداً من الجيش الأوكراني في مواقع متعددة خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية.

وتعلن روسيا بشكل متكرر عن مثل تلك الضربات، ووصفت آخر سلسلة منها بأنها رد على استخدام أوكرانيا لصواريخ زودتها بها دول غربية لضرب مناطق في عمق الأراضي الروسية. وأضافت الوزارة أيضاً أن القوات الروسية أسقطت خلال الليل مقاتلة أوكرانية من طراز سو - 27 و97 طائرة مسيّرة وستة صواريخ من طراز هيمارس زودتها بها الولايات المتحدة.

قتل شخص على الأقل ليل الأربعاء - الخميس في سلسلة ضربات استهدفت منطقة زابوريجيا في جنوب أوكرانيا، وفق ما أفادت السلطات المحلية الخميس. وقال حاكم المنطقة إيفان فيدوروف عبر تطبيق «تلغرام»: «تم تدمير مبنى من خمس طبقات».

وأضاف المصدر نفسه أن روسيا قصفت بلدة ستيبنوغيرسك مستخدمة «11 قنبلة جوية موجهة»، وهي ذخائر تستخدمها موسكو غالباً في المناطق القريبة من الجبهة. وتقع بلدة ستيبنوغيرسك على بعد بضعة كيلومترات فقط من خط الجبهة بين القوات الروسية والأوكرانية.

وتكثفت الهجمات على هذه المنطقة منذ أشهر عدة. ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني)، تخشى أوكرانيا هجوماً روسياً على مدينة زابوريجيا، عاصمة المنطقة التي تحمل الاسم نفسه وتقع على بعد نحو 35 كيلومتراً من المواقع الروسية و50 كيلومتراً من المحطة النووية.

أعلنت القوات الجوية الأوكرانية، في بيان عبر تطبيق «تلغرام»، الخميس، أن الدفاعات الجوية الأوكرانية أسقطت 47 من أصل 72 طائرة مسيّرة معادية أطلقتها روسيا على الأراضي الأوكرانية الليلة الماضية. وقال البيان إن القوات الروسية شنت هجمات على أوكرانيا، خلال الليل، باستخدام 72 طائرة مسيّرة، من طراز شاهد وطرازات أخرى، من مناطق بريانسك وأوريول وكورسك وبريمورسكو - أختارسك، حسبما ذكرت «وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية» (يوكرينفورم). وقال البيان: «أسقطت القوات الأوكرانية 47 طائرة مسيّرة فوق عدة مناطق منها بولتافا وسومي وخاركيف وكييف وتشرنيجوف وتشيركاسي وكيروفوهراد ودنيبروبتروفسك، وأوديسا، وخيرسون، وميكوليف».

وقدم رئيس هيئة الأركان العسكرية في أوكرانيا، أولكسندر سيرسكي، تحديثاً، الأربعاء، بشأن الوضع العسكري في كورسك بعد زيارة تفقدية للقوات الأوكرانية في المنطقة الحدودية الروسية. وثبتت القوات الأوكرانية موضع قدم في الأراضي الروسية بتوغل مفاجئ في منطقة كورسك في مطلع أغسطس2024. وما زال نصف المساحة البالغة نحو ألف كيلومتر مربع، التي تم الاستيلاء عليها في البداية، تحت السيطرة الأوكرانية بعد خمسة أشهر من القتال العنيف.

وتشير تقارير إلى أن كييف تخطط للاحتفاظ بالأراضي الروسية كوسيلة ضغط خلال مفاوضات محتملة. ورداً على هذا، أمر الكرملين ببذل الجهود لاستعادة منطقة كورسك، وهي مهمة ثبت أنها صعبة ومكلفة. ونشرت موسكو عدداً كبيراً من الجنود الكوريين الشماليين في المنطقة. في غضون ذلك، يتواصل الهجوم الروسي في شرق أوكرانيا، حيث تحقق القوات الروسية مكاسب وتسيطر على مزيد من الأراضي.