خطة الحكومة اللبنانية لتشييد بيوت جاهزة للنازحين: أراضٍ عامة في بيروت والبقاع والشمال

وزير الأشغال لـ«الشرق الأوسط»: المعيار الأساسي أن يبقى كل ابن قضاء ضمن قضائه

فتاة نازحة تنظف إناءً بجوار خيمة نصبتها في الشارع (رويترز)
فتاة نازحة تنظف إناءً بجوار خيمة نصبتها في الشارع (رويترز)
TT

خطة الحكومة اللبنانية لتشييد بيوت جاهزة للنازحين: أراضٍ عامة في بيروت والبقاع والشمال

فتاة نازحة تنظف إناءً بجوار خيمة نصبتها في الشارع (رويترز)
فتاة نازحة تنظف إناءً بجوار خيمة نصبتها في الشارع (رويترز)

يرزح لبنان تحت كارثة النزوح التي سببتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على جنوب لبنان وشرقه، بالإضافة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت. ورغم كل الجهود التي تقوم بها الحكومة اللبنانية عبر لجنة الطوارئ من خلال إيجاد مراكز إيواء للنازحين في المدارس والجامعات، إلى جانب المبادرات الفردية التي يقوم بها البعض من أصحاب المطاعم والأديرة ومالكي المنازل؛ ما زال العديد من النازحين يفترشون الطرقات، وينامون على الأرصفة.

وفي سابقة، أعلنت الحكومة اللبنانية الأربعاء على لسان وزير البيئة اللبناني، ناصر ياسين، عن أنها تدرس إقامة بيوت جاهزة لإيواء النازحين في أراضٍ عامة مفتوحة، بالتعاون مع جهات مانحة بينها دول عربية.

وفي حين لم تحدد الحكومة اللبنانية أين ستكون تلك البيوت الجاهزة، يوضح وزير الأشغال والنقل اللبناني، علي حمية، لـ«الشرق الأوسط»، أن «وزارة الأشغال لديها أراضٍ في كل المناطق تابعة للدولة، وبالتالي أي مشروع لتشييد منازل جاهزة سيكون على هذه الأملاك العامة».

وأعلنت وحدة إدارة الكوارث التابعة للحكومة في تقرير لها، أن العدد الإجمالي للنازحين ارتفع إلى مليون و200 ألف شخص، بينهم 172 ألفاً مسجلين في مراكز الإيواء، كما أشار التقرير إلى أن عدد مراكز الإيواء بلغ نحو 874 مركزاً، ويستمر هذا الرقم في الازدياد.

نازحون يعلّقون ملابسهم لتجف في مأوى للنازحين في صيدا (إ.ب.أ)

ويقول حمية: «كان دورنا بتكليف من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من (الخميس) تحديد الأراضي العامة التي يمكن تشييد المنازل الجاهزة عليها، والتي تم تحديدها في ثلاث مناطق؛ في بيروت والبقاع والشمال».

أما عن التمويل، فيلفت حمية إلى أن دور وزارة الأشغال هو «تأمين الأراضي لتشييد المنازل الجاهزة، أما الحكومة اللبنانية عبر لجنة الطوارئ فستبحث عن التمويل».

التركيب يستغرق أسبوعاً... والاستيراد من تركيا

وعن إمكانية تشييد مثل هذه البيوت وأماكن استيرادها وتكلفتها، يشرح نقيب المقاولين في لبنان، المهندس مارون الحلو، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه «المنازل تستخدم بالأماكن المنكوبة، وهي مصنوعة من مادة الـ(PVC)، وهيكلها خفيف تحمي من المياه والشتاء، وتركيبها سهل لا يحتاج إلى متخصصين، ويمكن تركيب نحو 2000 بيت خلال أسبوع، وبتكلفة منخفضة أقل من 5000 دولار».

وفي حين أن هذه البيوت غير موجودة في لبنان، يشير الحلو إلى أن أحد المصادر أبلغه أن الاتجاه هو استقدامها من تركيا حيث هناك نحو 5000 وحدة جاهزة للتركيب.

حفارة لإزالة الأنقاض في موقع الضربة الإسرائيلية في 11 أكتوبر في قرية البيسرية بصيدا (إ.ب.أ)

ووفق الحلو، فإن «جمع النازحين في منازل مؤقتة أفضل من بقائهم في الشوارع وفي المدارس والجامعات، ما يعطل الدورة التربوية».

ويوجد نحو نصف النازحين في مراكز إيواء في بيروت ومحافظة جبل لبنان المجاورة، في وقت بلغت 807 مراكز إيواء من إجمالي ألف، قدرتها الاستيعابية القصوى، وفق السلطات المحلية.

مخاوف من تغيّر ديموغرافي

وأثار إعلان الحكومة عن سعيها لبناء بيوت جاهزة تساؤلات لدى بعض اللبنانيين عن احتمال أن تحدث هذه الخطوة تغيّراً ديموغرافياً في لبنان، إلا أن حمية يؤكد حرصه بالتعاون مع ميقاتي ولجنة الطوارئ على إيجاد أماكن للنازحين في مناطقهم، شرط أن تكون آمنة، ويشدد على أن «المعيار الأساسي في هذا المشروع هو أن تبقى كل العائلات قريبة من قراها، وكل ابن قضاء ضمن قضائه»، ويوضح: «المعيار أن يبقى ابن البقاع في البقاع، وابن الضاحية في بيروت، وأبناء الشمال والجبل يكونون قريبين من مناطقهم. أما ابن الجنوب، فالخيار الأنسب له هو العاصمة بيروت والمناطق القريبة منها؛ لأن الجنوب كله يتعرض للقصف».

ويضيف: «لن ندخل بمشروع بيوت جاهزة يتم فيه نقل النازحين إلى أماكن بعيدة، وذلك ليعود كل نازح إلى منطقته وبيته بعد انتهاء الحرب».

ويوضح حمية أن السبب الأساسي لمشروع البيوت الجاهزة هو أن القدرة الاستيعابية للمدارس الرسمية بلغت حدها الأقصى، «في وقت نعمل جاهدين لعدم ترك النازحين في الطرقات».

امرأة نازحة تغسل الملابس في مأوى مؤقت أقامته عائلتها على الرصيف وسط أعمال عدائية مستمرة بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية في بيروت (رويترز)

ويتوزع النازحون الآخرون لدى أقاربهم أو في شقق مستأجرة، في حين ينام البعض في أراضٍ ومساحات عامة في بيروت مثل المنارة والبيال والعازارية في وسط العاصمة. ويأتي عبء النزوح في وقت يرزح لبنان منذ 5 سنوات تحت انهيار اقتصادي، باتت معه مؤسسات الدولة عاجزة عن توفير الاحتياجات الرئيسية للسكان.

ويقول رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، النائب اللبناني السابق فارس سعيد، إن «أزمة النزوح أزمة وطنية كبرى ونكبة طالت كل المناطق في لبنان، وعلاجها يجب أن يكون على عاتق الدولة اللبنانية التي عليها اتخاذ تدابير آنية، وتدابير ربما تكون الأخطر على المدى الطويل؛ لأن هذا النزوح وهذه الهجرة قد تطول، منها لأسباب سياسية، ومنها لأسباب إعمارية، ولأسباب واقعية».

ويوضح سعيد أنه «بالتدابير الآنية يجب تجنب أمرين: أولاً أن يدخل النازحون على الملكيات الفردية، ونتجنب أن يدخلوا إلى الأماكن العامة بشكل غير قانوني مثل المشاعات والأملاك العامة. ومن أجل حماية الأملاك الخاصة يجب إيجاد مكان رديف للنازحين»، ويضيف: «سبق أن دخل النازحون إلى المباني في منطقة العازارية في وسط بيروت عندما هطلت الأمطار، كما دخل 260 نازحاً إلى سد جنة في منطقة جبيل، والتي هي عبارة عن ورشة متوقفة منذ أربع سنوات، وفيها مخيم للمهندسين وبيوت جاهزة، وذلك بعدم رضا صاحب الورشة أو المالك، بل اعتداء على الأماكن العامة».

وإذ يرى سعيد أن «خلق مدن اصطناعية بأماكن عامة، مثل المدينة الرياضية أو بعض الأماكن الواسعة وبعض المناطق الريفية، هو الحل الأنسب»؛ يشير إلى أن «تدبير الحكومة الذي يعتمد على إيجاد منازل جاهزة بأماكن عامة تحت إشراف وإدارة الدولة، فكرة جيدة بشرط ألا يضافوا إلى التحويل الديموغرافي».

ويذكّر سعيد بتجربة الحرب الأهلية، وقال: «المسيحيون الذين نزحوا من شرق صيدا إلى جبيل في عام 1983 و1984، وأهالي الشمال الذين نزحوا بعد أحداث إهدن من الشمال إلى جبيل عام 1978، لم يعودوا إلى قراهم لحد الآن، مع أن قراهم سليمة وغير منكوبة ويستطيعون العودة متى أرادوا؛ وذلك لأنهم بنوا مصالحهم وأنجبوا أولادهم في أماكن نزوحهم».

ويؤكد أن «الحل الأساسي والمثالي هو سياسي من خلال الذهاب إلى وقف إطلاق نار، وانتخاب رئيس جمهورية، وإنشاء مؤتمر أصدقاء لبنان في العالم للحصول على مساعدات لإعادة الإعمار وإعادة النازحين إلى بيوتهم».

أما عن الخوف من الذهاب إلى تغيّر ديموغرافي، فيقول: «نحن ذاهبون إلى فوضى في غياب الدولة، وهذه الفوضى ممكن أن تفتح على تغيّر ديموغرافي».


مقالات ذات صلة

مقتل جندي إسرائيلي في هجوم بطائرة مسيّرة بجنوب لبنان

شؤون إقليمية خلال جنازة عنصر بالجيش الإسرائيلي في كوخاف يائير وسط إسرائيل 14 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

مقتل جندي إسرائيلي في هجوم بطائرة مسيّرة بجنوب لبنان

أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل جندي احتياطي في هجوم لجماعة «حزب الله» بطائرة مسيّرة في جنوب لبنان صباح الثلاثاء، وأصيب ثلاثة جنود بجروح خطيرة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
خاص بري وهوكستين في عين التينة (د.ب.أ)

خاص بري لـ«الشرق الأوسط»: ضمان موقف الإسرائيليين من الاتفاق على عاتق الأميركيين

أكد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لـ«الشرق الأوسط» أن «الوضع جيد مبدئياً»

ثائر عباس (بيروت)
المشرق العربي تصاعد أعمدة الدخان بعد الغارات الإسرائيلية على قرية الخيام القريبة من الحدود مع إسرائيل (أ.ف.ب)

إسرائيل تقتل قائد «منظومة القذائف الصاروخية متوسطة المدى» بـ«حزب الله»

أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، الثلاثاء، أن الجيش قتل قائد «منظومة القذائف الصاروخية متوسطة المدى» لجماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نعيم قاسم (رويترز)

وسط زيارة هوكستين إلى بيروت... إرجاء كلمة للأمين العام لـ«حزب الله»

بعيد دقائق من إعلان «حزب الله»، في بيان، أن الأمين العام نعيم قاسم ستكون له كلمة بعد ظهر اليوم (الثلاثاء)، أكد الحزب في بيان ثانٍ إرجاء الأمين العام كلمته.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان فوق بلدة الخيام وسط أعمال عدائية مستمرة بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية كما جرى تصويرها من مرجعيون (رويترز)

«حزب الله» يستهدف قوات إسرائيلية بمحيط 4 بلدات جنوب لبنان وقاعدة غليلوت

أعلن «حزب الله» اللبناني، الثلاثاء، استهداف قوات إسرائيلية في محيط 4 بلدات حدودية لبنانية، كما أكد استهدافه بالصواريخ قاعدة استخبارات عسكرية قرب تل أبيب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إسرائيل تحمل الحكومة العراقية مسؤولية الهجمات ضدها

عناصر فصيل مسلح في جنازة رفاق لهم قضوا في ضربة أميركية بمحافظة بابل مؤخراً (أ.ب)
عناصر فصيل مسلح في جنازة رفاق لهم قضوا في ضربة أميركية بمحافظة بابل مؤخراً (أ.ب)
TT

إسرائيل تحمل الحكومة العراقية مسؤولية الهجمات ضدها

عناصر فصيل مسلح في جنازة رفاق لهم قضوا في ضربة أميركية بمحافظة بابل مؤخراً (أ.ب)
عناصر فصيل مسلح في جنازة رفاق لهم قضوا في ضربة أميركية بمحافظة بابل مؤخراً (أ.ب)

يبدو أن مصير المواجهة بين إسرائيل والفصائل العراقية المسلحة المنخرطة فيما يعرف بـ«محور المقاومة» في طريقه إلى المزيد من الحرب والتصعيد، خاصة مع الهجمات التي تشنها الفصائل بشكل شبه يومي خلال الأسابيع الأخيرة، وقرار تل أبيب نقل شكوى ضد الفصائل إلى مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي فسره البعض على أنه عملية تمهيد إسرائيلية لشن هجمات جوية على العراق؛ لضرب الفصائل في إطار تنفيذها لتهديدات كانت قد أعلنتها سابقاً.

أكثر من 120 هجمة صاروخية

وتشير بعض التقارير الإسرائيلية إلى شن الفصائل أكثر من 120 هجمة صاروخية بلغت ذروتها خلال الشهرين الأخيرين.

وبعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالة إلى مجلس الأمن تحدث فيها عما أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، محملاً الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات، ودعا مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها.

وطبقاً لترجمة نشرتها منصة (964) العراقية، فإن الرسالة اتهمت وبشكل مباشر، ولأول مرة، 6 فصائل مسلحة بشن هجمات مميتة على إسرائيل تسببت بمقتل جنديين.

واتهم جدعون ساعر «عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، وألوية بدر، وحركة النجباء، وأنصار الله الأوفياء، وكتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، وقال إنها فصائل تابعة لـ«الحشد الشعبي»، متهماً تلك الهيئة العسكرية العراقية بتلقي الرعاية من الحكومة العراقية والتوجيهات من إيران.

وطالب الوزير الإسرائيلي الحكومةَ العراقية بالوفاء بالتزاماتها في منع تلك الهجمات، وقال إن «إسرائيل تحتفظ بحقها في الرد، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية مواطنيها». كما طلب نشر الرسالة بوصفها وثيقة رسمية في مجلس الأمن.

وفي الشهر الماضي، قالت مصادر قيادية داخل قوى «الإطار التنسيقي» لـ«الشرق الأوسط»، إن «إسرائيل تخطط لاستهداف 35 هدفاً داخل العراق».

وفيما لم يصدر أي تعليق عن الفصائل المسلحة حول الشكوى الإسرائيلية، قالت مصادر مقربة من الفصائل لـ«الشرق الأوسط»، إن « ثمة قناعة راسخة لدى جماعات الفصائل بأن إسرائيل ستستهدفها في أي وقت، سواء قامت بتقديم شكوى لمجلس الأمن أو لم تقم».

الفصائل تتحسب لضربات

وتعتقد المصادر أن «الشكوى ربما كانت تمهيداً أولياً من إسرائيل؛ لتبرير هجمات لاحقاً على العراق، ومع ذلك فإن الفصائل تتخذ منذ أشهر طويلة ترتيبات أمنية خاصة لتلافي ضربة محتملة».

تمرين عسكري لاثنين من فصائل «الحشد الشعبي» (أ.ب)

وتضيف أن «لدى الفصائل قناعة راسخة تزداد صلابة مع مرور الوقت ومع التدمير الذي تحدثه إسرائيل بـ(حزب الله) و(حماس)، أن معركتها الحالية معركة مصير، وهي بالتالي تتجاهل كل الدعوات المحلية ودعوات الحكومة لعدم الاشتراك في الحرب والتصعيد ضد إسرائيل».

وترجح المصادر أن «الفصائل تشن هجماتها الصاروخية من خارج الأراضي العراقية، ما يجعلها تتماهى مع الدعوات المحلية بعدم استخدام العراق منطلقاً للمواجهة مع إسرائيل».

وسبق أن قالت الحكومة العراقية مراراً وتكراراً إنها ضد استخدام أراضيها لضرب دول الجوار، أو في أي أعمال عدوانية ضد الدول الأخرى، كما تؤكد الأنباء الصادرة عن كواليس الحكومة وزعماء الأحزاب السياسية، تحركاتٍ عاجلة وسريعة منذ أسابيع تجريها شخصيات سياسية مقربة من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني؛ لإقناع جماعات الفصائل بعدم التصعيد ضد إسرائيل؛ للحيلولة دون تعرض العراق إلى ضربة إسرائيلية محتملة.

https://x.com/qassimalaraji/status/1857868034968592465