كيف يؤثر التعاون المصري - الصومالي - الإريتري في توازن القوى بـ«القرن الأفريقي»؟

الدول الثلاث قررت تشكيل لجنة وزارية لتعزيز العلاقات

مؤتمر صحافي للرئيس الإريتري مع نظيريه المصري والصومالي في أسمرة (الرئاسة المصرية)
مؤتمر صحافي للرئيس الإريتري مع نظيريه المصري والصومالي في أسمرة (الرئاسة المصرية)
TT

كيف يؤثر التعاون المصري - الصومالي - الإريتري في توازن القوى بـ«القرن الأفريقي»؟

مؤتمر صحافي للرئيس الإريتري مع نظيريه المصري والصومالي في أسمرة (الرئاسة المصرية)
مؤتمر صحافي للرئيس الإريتري مع نظيريه المصري والصومالي في أسمرة (الرئاسة المصرية)

تحركات مصرية مكثفة في منطقة القرن الأفريقي، كان أحدثها القمة الثلاثية بين قادة مصر وإريتريا والصومال، عدها خبراء نوعاً من «التوازن الاستراتيجي» لمجابهة هيمنة أي دولة أو قوى خارجية في المنطقة ذات الأهمية الكبيرة التي تتحكم بمنابع النيل وتسيطر على مداخل البحر الأحمر وخليج عدن.

وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن التعاون الثلاثي يأتي ضمن مساعي القاهرة لـ«موازنة القوى» في المنطقة، وأوضحوا أن الحضور المصري لن يكون مزعجاً للقوى الدولية التي تملك نفوذاً بالمنطقة، عبر الرسائل التي دائماً ما ترسلها القاهرة بأنها «لا تتدخل في شؤون الدول»، لكن «سيثير إثيوبيا» في ظل التوترات المتصاعدة بين الجانبين.

وبعد سنوات من الغياب عن أفريقيا، أعادت مصر خلال العقد الماضي رسم حضورها بحزمة من مسارات التعاون على الأصعدة كافة، خصوصاً بعد تنامي الدور الإثيوبي، البلد المضيف لمقر الاتحاد الأفريقي، ومن ثم الخلاف بين البلدين بشأن ملف «سد النهضة» الذي أقامته أديس أبابا على النيل الأزرق، وتقول القاهرة إنه يهدّد حصتها المائية وتتمسك باتفاق قانوني ملزم، لم تنجح عدة جولات من المفاوضات في الوصول إلى صيغة توافقية بشأنه.

خطوات القاهرة زادت وتيرتها مع التهديدات التي طالت الملاحة في البحر الأحمر وتداعياتها على الاقتصاد المصري، وكذلك عقد إثيوبيا اتفاقاً مبدئياً مع إقليم أرض الصومال الانفصالي في يناير (كانون الثاني) الماضي، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري، وعَدّت القاهرة حينها الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداءً على السيادة الصومالية»، وتلا ذلك إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الصومال دولة عربية لها حقوق ضمن الدفاع المشترك، ثم توقيع البلدين «بروتوكول تعاون عسكري (دفاعي)»، وإعلان السيسي استعداد بلاده للمشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بداية من يناير 2025، وهو ما انتقدته أديس أبابا مراراً، معلنة تخوفها من زعزعة استقرار المنطقة، ودعت مقديشو إلى «وقف تحركاتها مع جهات تسعى لاستهداف مصالح إثيوبيا».

ولم تكتفِ القاهرة بتقوية العلاقات مع الصومال، بينما عززت التعاون مع الخرطوم وجوبا ونيروبي، وأيضاً إريتريا عبر زيارات متبادلة رفيعة المستوى اختتمت الخميس، بزيارة الرئيس المصري إلى أسمرة، وعقد قمة ثلاثية شملت الصومال، وصفتها وسائل إعلام عربية ودولية بـ«التحالف الجديد» مع إعلان الدول الثلاث تشكيل لجنة ثلاثية لتعزيز التعاون والتنمية.

وجغرافياً تضم منطقة القرن الأفريقي 4 دول هي «الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا»، ومن زوايا سياسية واقتصادية يمكن أن تتسع لتشمل كينيا وأوغندا والسودان وجنوب السودان، وأهميتها ليست وليدة اليوم، فقد كانت محط أنظار القوى والإمبراطوريات المهيمنة، منذ العصور القديمة، كونها المنطقة الأكثر استراتيجية في التجارة البحرية العالمية، وأخيراً باتت نقطة جذب وتركيز واهتمام من لدن أطراف دولية وإقليمية عديدة.

وينشط في منطقة القرن الأفريقي عدد من اللاعبين الخارجيين، منها القوى الاستعمارية الأوروبية السابقة (مثل المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا)، بالإضافة إلى الوافدين الجدد نسبياً القادمين من الشرق الأوسط. (مثل تركيا)، إضافة إلى آسيا (مثل اليابان والصين)، وأيضاً الولايات المتحدة، بخلاف مؤثرين إقليميين من مجموعة شرق أفريقيا، كإثيوبيا، وتضاف لهما مصر بعد استعادة دورها الأفريقي.

الكاتب المتخصص في العلاقات الدولية، نبيل نجم الدين، يرى أن «القمة الثلاثية حملت رسالة مهمة جداً، وهي أن مصر تعزز الأمن في القرن الأفريقي مع عقدها محادثات مع دولتين بتلك المنطقة تعد استراتيجية لتعزيز التعاون في كل المجالات، وممارسة حقها الإقليمي في زيادة التعاون، بخلاف دعاوى إثيوبيا».

وباعتقاد عميد معهد «الدراسات الأفريقية» الأسبق في مصر، رئيس «لجنة الشؤون الأفريقية السابق» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، الدكتور السيد فليفل، أن الوجود المصري بتلك القمة هو «استدعاء للتوازن في القوى، مع توغل إثيوبي بتلك المنطقة خصوصاً مع تدخلها في شؤون الصومال»، لافتاً إلى أن «الدول تحاول أن تواجه تهديدات المنطقة وتحافظ على مصالحها في وجه سياسات توسعية لدول مثل إثيوبيا».

قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)

وتكتسب تلك القمة، وفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، «أهمية بالغة؛ لأنها جمعت مصر مع أهم دولتين في منطقة القرن الأفريقي، ولما تتمتع به مصر من فاعلية قصوى في التأثير الإيجابي على الأوضاع الأمنية في منطقة القرن الأفريقي، التي تُعد البوابة الرئيسية التي تمر من خلالها الملاحة البحرية والتجارة الدولية عن طريق باب المندب وصولاً لقناة السويس الرابط الاقتصادي الحيوي بين أوروبا وأفريقيا وآسيا».

ويضاف لذلك، حسب الحاج، أن مصر تدرك جيداً أهمية التعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إريتريا تحديداً، التي تحتاج إليها مصر لتعزيز قدراتها في حماية مسار حركة الملاحة والتجارة الدولية من قناة السويس وعبر البحر الأحمر. كما أن إريتريا تجد نفسها في حاجة مُلحة للاستناد على ظل الدولة المصرية صاحبة التأثير في جميع الدول المشاطئة للبحر الأحمر، فضلاً عن أهمية الدور الذي تلعبه مصر في كل القضايا المتصلة بالشرق الأوسط، وتداعيات تلك القضايا على أمن البحر الأحمر عموماً. وأضاف أن مصر تحركت بالطبع نحو الصومال، من واقع إلمامها باتجاهات السياسة الدولية التي ترفض الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، وبالتالي أوجدت مصر لاتفاقها مع الصومال أرضية قانونية صلبة لا تضعها في مواجهة مع الدول الكبرى بأي حال من الأحوال، لافتاً إلى أن لمصر هواجس أمنية مشروعة مرتبطة بإصرار إثيوبيا على تشغيل «سد النهضة» دون الاكتراث لمدى التأثيرات السالبة على الأمن القومي المصري وارتباطه الوجودي بحصة مصر من مياه نهر النيل.

وفي المؤتمر الصحافي الذي اختتم تلك القمة، قال الرئيس المصري إن بلاده «لن تدخر جهداً ولن تبخل بالمشورة في خدمة أهداف ومصالح وتطلعات دول وشعوب منطقة القرن الأفريقي من أجل مستقبل أكثر أماناً واستقراراً وازدهاراً».

وتبرهن «قمة أسمرة»، وفق كلمة الرئيس المصري، «ليس فقط على متانة وتميز العلاقات بين الدول الثلاث؛ إنما تعكس تنامي أهمية تطوير وتعزيز تلك العلاقات سواء في مواجهة تحديات مشتركة، في كل من القرن الأفريقي والبحر الأحمر أو للاستفادة من القدرات المتوافرة لدى دولنا لتعظيم فرص تحقيق التنمية والازدهار لشعوب الدول الثلاث».

تلك الكلمة التي تظهر تموضعاً جديداً بالمواقف والأفعال لمصر وسط قوى عالمية بتلك المنطقة، لا يجب أن تسبب أي إزعاج لأحد، وفق نبيل نجم الدين، لافتاً إلى أن مصر تحضر في منطقة ذات أهمية جيوسياسية دولية تشرف على طريق الملاحة والتجارة تتنافس بها قوى دولية عديدة، بينها تركيا والصين والهند وإسرائيل، موضحاً أن أمن مصر الإقليمي يغطي تلك المنطقة ولا يجب أن تغيب عنها مصر باعتبار أن حضورها جزء من ممارسة أمنها القومي، والعمل في إطار المصالح المشتركة.

وينبه السيد فليفل إلى أن علاقات مصر جيدة مع القوى الموجودة بالمنطقة مثل تركيا والصين وغيرها، خصوصاً أن القاهرة تقوم سياساتها الخارجية على التوازن وعدم التدخل في شؤون الدول، وحريصة على المصالح المشتركة والتعاون البناء.

لكن حسب تقدير الحاج، فإن «إثيوبيا هي أكبر خاسر من هذا التعاون الثلاثي الناشئ من صيغة التعاون المشترك بين مصر والصومال وإريتريا، الذي يُبين بوضوح أن مصر امتلكت شفرة الدخول إلى تعديل موازين القوى في منطقة القرن الأفريقي، ولصالح حماية مصالحها الحيوية الخاصة، وحماية الصومال وإريتريا من أي مهددات أمنية تعصف بمصالحهما واستقرارهما مستقبلاً».


مقالات ذات صلة

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

العالم العربي رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

بفوز رئيس جديد محسوب على المعارضة، لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تتجه الأنظار نحو مصير مذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا والتي تعارضها الصومال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وصلت إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو (رويترز)

تلميح إثيوبيا لـ«عدم خروج قواتها من الصومال» يعمق التوتر في القرن الأفريقي

تلميح إثيوبي باحتمال عدم خروج قواتها المشاركة بـ«حفظ السلام» في مقديشو بعد قرار صومالي باستبعادها رسمياً بنهاية العام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا التصويت في انتخابات الرئاسية بإقليم «أرض الصومال» (وكالة الأنباء الصومالية)

كيف تنعكس انتخابات «أرض الصومال» على توترات «القرن الأفريقي»؟

أجرى إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، الأربعاء، انتخابات رئاسية مرتقبة، في ظل تساؤلات حول تأثير نتائجها على توترات منطقة القرن الأفريقي.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا مباحثات بين الوفد المصري برئاسة السفير إيهاب عوض والوفد التركي برئاسة السفيرة إليف أولغن بمشاركة السفير التركي في القاهرة صالح موتلو شن (الخارجية المصرية)

مشاورات مصر وتركيا بشأن أفريقيا وليبيا... «مساحات تفاهم وتعاون مشترك»

مشاورات دبلوماسية مصرية - تركية بشأن الوضع بالصومال ومنطقة القرن الأفريقي وليبيا في إطار السعي للتوصل لتفاهمات وتعاون مشترك بتلك المناطق

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

قُتل 5 أشخاص وأصيب آخرون بالرصاص في قرية في ولاية الجزيرة (وسط السودان) إثر هجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» الأربعاء، ليضاف إلى 40 آخرين قُتلوا في بلدات أخرى بالولاية التي تشهد أعمال عنف منذ نحو شهر في وسط البلاد الذي دمّرته الحرب الدائرة منذ عام ونصف العام، على ما أفادت مصادر طبية ومحلية في الولاية، الأربعاء.

ولليوم الثاني على التوالي، عاود عناصر من «قوات الدعم السريع» الهجوم على قرية «التكينة» (وسط الجزيرة)، مستخدمة بعض الأسلحة الثقيلة، مخلّفة 5 قتلى، كما نفذ الطيران الحربي للجيش ضربات جوية لوقف تقدمها من اقتحام المنطقة. وفي وقت سابق، حذَّر كيان «مؤتمر الجزيرة» الذي يرصد انتهاكات الحرب، من وقوع مجزرة وشيكة تخطط لها «قوات الدعم السريع» تستهدف أهالي المنطقة، التي تحتضن أعداداً كبيرة من النازحين الفارين من القرى المجاورة. وقال سكان في التكينة إن المسلحين من أبناء المنطقة تصدُّوا للقوة التي حاولت التوغل من جهة الحي الغربي.

«الدعم»: مؤامرة لخلق مواجهة مع المدنيين

بدورها، قالت «قوات الدعم السريع»، إنها ترصد أبعاد مؤامرة يقودها عناصر من النظام السابق (الحركة الإسلامية) وما تسميه «ميليشيات البرهان» تقوم بحشد المواطنين وتسليحهم في ولاية الجزيرة بهدف «خلق مواجهة بين قواتنا والمدنيين». وأضافت في بيان باسم المتحدث الرسمي، الفاتح قرشي، أن هناك فيديوهات موثقة على وسائل التواصل الاجتماعي تكشف عن وجود «مخطط لتسليح المواطنين في قرى الجزيرة وتظهر الفلول (عناصر النظام السابق) وبعض المخدوعين من قرية التكينة وقرى أخرى، يتوعدون بمهاجمة قواتنا».

عائلة نازحة بعد مغادرتها منزلها في جزيرة توتي في الخرطوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

وناشدت أهالي القرى النأي بأنفسهم عن «مخطط الفلول ومحاولات الزج بالمواطنين في القتال باسم المقاومة الشعبية»، مؤكدة أنها لن تتهاون في التعامل بحزم مع المسلحين و«كتائب فلول الحركة الإسلامية».

في هذا السياق، أكد طبيب في مستشفى ود رواح إلى الشمال من قرية ود عشيب التي تعرضت للهجوم، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» مقتل 40، مشيراً إلى أن «القتلى الأربعين أصيبوا إصابة مباشرة بالرصاص». وطلب الطبيب عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته بعد تعرّض الفرق الطبية لهجمات. وقال شهود في قرية ود عشيب إن «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً مع الجيش السوداني منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، شنَّت هجومها مساء الثلاثاء على القرية الواقعة على بعد 100 كلم شمال عاصمة الولاية ود مدني. وقال شاهد في اتصال هاتفي مع الوكالة إن «الهجوم استُؤنف صباح» الأربعاء، موضحاً أن المهاجمين يرتكبون «أعمال نهب».

الأمم المتحدة قلقة

ويندرج الهجوم الأخير في سلسلة هجمات نفذتها «قوات الدعم السريع» خلال الشهر الماضي على قرى بولاية الجزيرة، في أعقاب انشقاق قائد كبير فيها انضم إلى الجيش في أكتوبر (تشرين الأول).

مشهد للدمار في أحد شوارع أم درمان القديمة نتيجة الحرب بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» (رويترز)

ومنذ ذلك التاريخ، وثَّقت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 340 ألف شخص من سكان الولاية وهي منطقة زراعية رئيسة كانت تُعدّ سلة الخبز في السودان. وحذَّر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الجمعة، من أن اندلاع أعمال العنف هناك «يعرّض حياة عشرات الآلاف من الأشخاص للخطر».

وتعرَّضت قرى شرق محافظة الجزيرة لحصار كامل في الأسابيع الأخيرة؛ مما تسبب بكارثة إنسانية فيها، بحسب الأمم المتحدة وشهود عيان وجماعات حقوقية. وفي قرية الهلالية، لم يعد بإمكان السكان الحصول على الضروريات الأساسية وأُصيب العشرات منهم بالمرض. ويصل الكثير من النازحين إلى الولايات المجاورة بعد «السير لأيام عدة... وليس عليهم سوى الملابس التي يرتدونها»، وفق ما قال دوجاريك، الجمعة. وحتى في المناطق التي نجت من القتال، يواجه مئات الآلاف من النازحين الأوبئة، بما في ذلك الكوليرا والمجاعة الوشيكة، في غياب المأوى الملائم أو وسائل الرعاية. وقال دوجاريك: «إنهم مضطرون إلى النوم في العراء، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى».

80 % من المرافق الصحية مغلقة

وتقدّر الأمم المتحدة ومسؤولون صحيون أن النزاع تسبب بإغلاق 80 في المائة من المرافق الصحية في المناطق المتضررة. وتقول الأمم المتحدة إن السودان يواجه حالياً واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة، حيث يعاني 26 مليون شخص الجوع الحاد.

من جهة ثانية، شنَّ الطيران الحربي للجيش السوداني سلسلة من الغارات الجوية على مواقع «الدعم السريع» شرق مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وفقاً لمصادر محلية. وعاد الهدوء النسبي، الأربعاء، إلى الفاشر التي تشهد منذ أسابيع مستمرة معارك ضارية بعد توغل «قوات الدعم السريع» إلى وسط الفاشر.

مشروع توطين ألماني

من جهة ثانية، قالت وزيرة التنمية الألمانية، سفينيا شولتسه، خلال زيارتها لتشاد، الأربعاء، إن برلين تعتزم دعم مشروع يهدف إلى دمج اللاجئين السودانيين في تشاد. وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة، تعتزم حكومة تشاد تخصيص 100 ألف هكتار من الأراضي مجاناً، ليتم منح نصفها لأسر اللاجئين والنصف الآخر للأسر المعوزة في المجتمعات المضيفة. ومن المقرر أن يتم تخصيص هكتار واحد لكل أسرة.

صورة جوية لملاجئ مؤقتة للسودانيين الذين فرّوا من الصراع بدارفور بأدري في تشاد (رويترز)

ومن المقرر أن يقدم برنامج الأغذية العالمي الدعم لهذه الأسر؛ لجعل الأراضي صالحة للاستخدام. وقالت شولتسه، خلال زيارتها لمعبر أدري الحدودي شرق تشاد: «للأسف، علينا أن نفترض أن العودة إلى السودان لن تكون ممكنة لمعظم اللاجئين في المستقبل المنظور». وأضافت شولتسه أن المساعدات الإنسانية ليست حلاً دائماً. وقالت: «لهذا السبب يُعدّ هذا النهج، الذي يمنح اللاجئين والمجتمعات المضيفة الأراضي ويجعلها صالحة للاستخدام مجدداً كالحقول والمراعي، خطوة رائدة، حيث إن الذين يمتلكون أراضي خصبة يمكنهم توفير احتياجاتهم بأنفسهم». وقالت مديرة منظمة «وورلد فيجن ألمانيا»، جانين ليتماير، إن نحو 250 ألف لاجئ يعيشون حالياً ظروفاً صعبة، بمساكن مؤقتة بدائية في منطقة أدري وحدها. وأضافت ليتماير أن الأشخاص في كثير من الحالات يعيشون تحت أغطية من القماش المشمع المشدود على جذوع الأشجار أو الأعمدة.