بعد أن كانت إسرائيل تحارب فكرة «وحدة الساحات» التي يُقصد بها الهجوم الموحَّد على إسرائيل من غزة ولبنان وغيرها، وتعدها «مؤامرة إيرانية»، فاجأ رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي الخارجية «الموساد» دافيد برنياع، نظيره رئيس المخابرات الأمريكية ويليام بيرنز، بالمطالبة بربط المحادثات مع «حزب الله» و«حماس» لإخراج صفقة شاملة لوقف النار على الجبهتين، وربما أيضاً على جبهة إيران.
ودائماً، ما عدت إسرائيل حرب المواكبة أو المشاغلة التي بدأها «حزب الله» في إطار ما يقول إنه «دعم لغزة»، منسجماً مع ما تراه خططاً لرئيس المكتب السياسي لـ«حماس» يحيى السنوار.
وبسبب إصرار «حزب الله» على ربط المسارين، رفض الحزب قبول مقترح المبعوث الأميركي الخاص للبنان آموس هوكستين، لوقف إطلاق النار اللبناني - الإسرائيلي، وأصر على وقف النار في غزة بالتزامن.
وحسب مسؤول إسرائيلي رفيع في تل أبيب، تحدث إلى «القناة 12»، الخميس، فإن برنياع يهدف إلى «الاستفادة من الإنجازات التي حققتها إسرائيل في مواجهة (حزب الله) لفرض صفقة تبادل أسرى على قيادة حركة حماس في قطاع غزة».
ربط الجبهات
وأشار التقرير نقلاً عن المسؤول، إلى أن «هذا التوجه يأتي بعد أن حاولت إسرائيل، خلال العام الذي مضى على الحرب، الفصل بين الجبهات، والسعي إلى التوصل إلى تسوية في لبنان بمعزل عن قطاع غزة. والآن، يسعى برنياع إلى الربط بين الجبهات، عبر اشتراط إسرائيلي التوصل إلى صفقة تبادل أسرى، للموافقة على تهدئة في لبنان وفي إطار المواجهة مع إيران».
ووفق ما نقل الإعلام العبري، فإن المكالمة التي أجراها برنياع مع بيرنز، اقترح فيها مدير «الموساد» عدم إنهاء التصعيد في لبنان أو حسم المواجهة مع إيران، من دون إتمام صفقة تبادل أسرى مع «حماس»، ودفع إيران و«حزب الله» للضغط على السنوار لإبرام صفقة تبادل الأسرى.
وحسب المصدر، قال برنياع إنه «يجب عدم إنهاء التصعيد في لبنان أو حسم المواجهة مع إيران، بل استغلالهما لممارسة الضغط على السنوار».
ويهدف برنياع إلى الدفع نحو تنفيذ مقترح صفقة تبادل الأسرى التي جرى التوصل إليها سابقاً. ومع ذلك فإنه يهدف كذلك إلى فحص إمكانية التوصل إلى صفقة شاملة للإفراج عن جميع الأسرى المحتجزين في غزة، دفعة واحدة تنتهي بوقف النار، بدلاً من اتفاق على مراحل، كما طُرح حتى الآن.
إحياء صفقة الأسرى
كانت التقارير الإسرائيلية قد أشارت إلى «تشاؤم» لدى المسؤولين في أجهزة الأمن الإسرائيلية من إمكانية التوصل، خلال فترة قريبة، إلى صفقة تبادل أسرى مع «حماس» وفق الشروط التي تضعها حكومة بنيامين نتنياهو.
ولذلك، فإن الأجهزة الأمنية في تل أبيب، التي تؤيد إبرام صفقة منذ عشرة أشهر وتتهم نتنياهو بعرقلتها لأسباب حزبية وشخصية، تلجأ إلى حيلة وحدة الساحات هذه حتى تُسهِّل على نتنياهو تغيير موقفه والاستجابة لرغبة غالبية الإسرائيليين في تفضيل الصفقة.
وبرنياع هو رئيس فريق المفاوضات الإسرائيلية مع «حماس»، ويعمل جنباً إلى جنب مع بيرنز، من أجل دفع الصفقة. ووفق ما نُقل، فقد صُدم بيرنز من عرض برنياع، لكنه تلقفه وراح يدفعه إلى البيت الأبيض.
ما أصل «وحدة الساحات»؟
يُذكر أن «وحدة الساحات»، تعبير استخدمه تنظيم «الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة لأول مرة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من سنة 2022، بعدما هاجمته إسرائيل بعملية عسكرية سمّاها الفلسطينيون «سيف القدس»، واغتالت القيادي في «الجهاد» تيسير الجعبري.
وحينها رفضت «حماس» الانضمام إلى المعركة، ففهم الإسرائيليون أن هذا الرفض نابع من ردعها، بينما ترى اليوم أن هذا التقدير كان خطأ استراتيجياً، ففي الحقيقة أن «حماس» كانت تضلل إسرائيل وتغرس في عقليتها مفهوماً راسخاً مفاده أنها لا تريد المغامرة بحرب أخرى تهدم غزة مرة أخرى.
لكن، على أرض الواقع، خرج الفلسطينيون في كل مكان يتضامنون مع غزة، بمن في ذلك العرب الفلسطينيون مواطنو إسرائيل، كما دعا المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، إلى «وحدة الساحات» وعدّها «نجاحاً استراتيجياً تاريخياً».
ومع اندلاع هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، عاد قادة ما يُعرف بـ«محور المقاومة» يتحدثون عن «وحدة الساحات» بوصفها هدفاً استراتيجياً، وقد عدَّتها إسرائيل لعنة، وراح قادتها يتحدثون عنها بوصفها «مؤامرة وجودية» عليها. وراح رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو يهدد إيران بأنها تفتح سبع جبهات.