أكدت السعودية أن غياب المساءلة والعقاب رغم استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، يشجعها على التصعيد، وينذر بعواقب خطرة، ويقود إلى توسّع رقعة العنف والحروب، ومزيد من التهديد لأمن المنطقة واستقرارها.
وجدّدت في كلمة ألقاها الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم السبت، رفضها وإدانتها جميع الجرائم الإسرائيلية المرتكَبة بحق الشعب الفلسطيني، مشيرة إلى أن «الجرائم الأخيرة المرتكَبة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة، ما هي إلا فصل من فصول معاناة هذا الشعب الشقيق».
التهدئة الإقليمية
قال وزير الخارجية السعودي، في كلمته، إن بلاده اتّخذت «خطوات واضحة للدفع نحو التهدئة والتنمية على الصعيد الإقليمي، حيث تم الاتفاق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على أساس احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام ميثاقَي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، بما ينعكس إيجاباً على ترسيخ الأمن والاستقرار، ودفع عجلة التنمية والازدهار الإقليميَّين». وأوضح تطلع الرياض إلى تعاون طهران مع المجتمع الدولي فيما يخص البرنامج النووي، والصواريخ الباليستية.
واستحضر الوزير السعودي استئناف العلاقات السعودية الدبلوماسية مع سوريا؛ لتعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين بشأن القضايا المشتركة، «إيماناً من المملكة بأن حل الأزمة السورية سيسهم في تنمية واستقرار المنطقة، مع تأكيد أهمية الحفاظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها وسلامة أراضيها بما يحقق الخير لشعبها».
وحول اليمن قال الأمير فيصل بن فرحان، إن بلاده حريصة على عودة السلام إلى اليمن، وتدعم جميع الجهود الرامية إلى حل الأزمة، ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني، والدفع نحو الوصول إلى حلول سياسية لإعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن والمنطقة.
وجدّد الوزير تأكيد المبادرة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، والتوصّل إلى حل سياسي شامل.
وفي ظل ما تشهده منطقة البحر الأحمر من توترات تمسّ أمن وسلامة ممرات الملاحة الدولية والتجارة العالمية، جدّد الوزير دعوة بلاده إلى «التحلي بالحكمة وتجنب التصعيد، وتعزيز الجهود المشتركة للمحافظة على أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر، التي تعدّ حرية الملاحة البحرية فيها مطلباً دولياً يمسّ مصالح العالم أجمع».
في الشأن السوداني، أكد وزير الخارجية السعودي مواقف بلاده الثابتة بشأن الحفاظ على أمن السودان وسلامته واستقراره، وتماسك الدولة ومؤسساتها ومنع انهيارها، ومساندة السودان في مواجهة تطورات وتداعيات الأزمة الحالية. وذكّر باستضافة السعودية محادثات السلام السودانية في جدة؛ «لتأكيد ضرورة التهدئة، ووقف العمليات العسكرية، وإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية». وقال إنه يتم العمل على استئناف «محادثات جدة 3» لهذا الغرض.
وأكدت الرياض حرصها على أمن أفغانستان واستقرارها ووحدة أراضيها، وأنه لا يمكن أن تعيش أفغانستان بمعزل عن محيطيها الإقليمي والدولي، خصوصاً في ظل الخطر الذي يشكّله بقاء الجماعات الإرهابية في أفغانستان. وقال الوزير السعودي: «نؤكد أهمية الحد من تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية والاقتصادية، الذي يمنح الفرصة للجماعات والميليشيات المتطرفة لتعزيز وجودها في أفغانستان، ونؤكد أن الاستقرار الاقتصادي والتنموي لا يتحقق إلا في بيئة يسودها استقرار سياسي واجتماعي».
المستقبل والأزمات
عرّج الوزير السعودي، في كلمته، على حرص بلاده تجاه المشارَكة الفعالة في صياغة ميثاق المستقبل، الذي اعتمده قادة العالم هذا الأسبوع. وأوضح الأمير فيصل بن فرحان أن بلاده تعدّ الميثاق و«قمة المستقبل» فرصةً لإعادة تأكيد المبادئ المشترَكة، وتعزيز التعاون لمواجهة التحديات، وتحقيق الأمن والسلم، ودعم التنمية المستدامة للأجيال المقبلة. وأضاف: «تحرص المملكة على تفعيل دور المؤسسات المالية الدولية؛ لضمان استمرار التعافي الاقتصادي، والحد من المخاطر».
وحيال الأزمات العالمية التي تفاقمت بحسب الوزير «بسبب الاكتفاء بإدارة تلك الأزمات دون إيجاد حلول عملية لمعالجتها»، أرجع الأمير فيصل بن فرحان ذلك إلى «تراخي الجهود الدولية الفاعلة، والانتقائية في تطبيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقد أسفر ذلك عن توسع دائرة العنف والصراعات، وتهديد مبادئ الشرعية الدولية». وقال إن ذلك «يحتم علينا الالتزام بالمبادئ والأسس التي وضعها ميثاق الأمم المتحدة، والعمل المشترك والجاد للتركيز على الحلول السلمية طويلة الأمد التي تضمن حماية المدنيين، وتنهي القتال والحروب، وتوفر الأمن والنماء إقليمياً ودولياً، وفي ظل التوترات القائمة بين الدول، تأخذ المملكة بنهج النأي عن الاستقطاب السياسي في المجتمع الدولي، وتسعى لتعزيز الحوار والتفاهم والتقارب بين الدول بما يعزز الأمن والسلام العالمي».
الشأن الفلسطيني
قال الأمير فيصل بن فرحان إن السعودية «تجدد رفض وإدانة جميع الجرائم الإسرائيلية الشنيعة المرتكَبة بحق الشعب الفلسطيني الشقيق، وما الجرائم الأخيرة المرتكَبة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة إلا فصل من فصول معاناة هذا الشعب الشقيق، الذي استمرّت معاناته على مدار عقود من الزمن، فأودت الممارسات الوحشية الإسرائيلية منذ العام الماضي بحياة عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، جراء قصف وقتل وتدمير وتجويع ممنهج، وسط كارثة إنسانية كبرى، تتفاقم يوماً بعد يوم».
يكمل الوزير السعودي القول: «انطلاقاً من رفضنا القاطع لهذا الواقع المرير، وضرورة التحرك لإنهائه، استضافت المملكة القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية في الرياض، بتاريخ 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 بحضور قادة دول وحكومات الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وصدرت عن القمة قرارات تمثل إرادة الشعوب العربية والإسلامية جميعاً، ودعت إلى حقن الدماء وإيصال المساعدات دون قيود، وتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني الشقيق المشروعة باستعادة أراضيه المحتلة وإقامة دولته المستقلة». كما ترأست المملكة اللجنة الوزارية التي كلفتها القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية القيام بزيارات لعدد من الدول؛ من أجل دعوة المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته، ووقف العدوان الإسرائيلي، وحماية المدنيين.
ومن هذا المنطلق، قال الوزير السعودي إن بلاده ترحّب بتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 مايو (أيار) 2024، قراراً يتضمن أن دولة فلسطين مؤهلة للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، «كما ترحّب بالقرار الإيجابي الذي اتخذته كل من مملكة النرويج، ومملكة إسبانيا، وجمهورية آيرلندا، وجمهورية سلوفينيا، وجمهورية أرمينيا باعترافها بدولة فلسطين، وتدعو بقية الدول إلى المضي قدماً بالاعتراف الثنائي، واستشعاراً بمسؤوليتنا المشترَكة للتحرك الجاد في سبيل تجسيد الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، فقد أعلنت المملكة مع شركائها أعضاء اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية المشتركة، ومملكة النرويج، والاتحاد الأوروبي، إطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، وندعو الجميع إلى الانضمام لهذا التحالف».