برهم صالح لـ«الشرق الأوسط»: العراق أفضل شاهد على العنف... والمنطقة قريبة من الهاوية

الرئيس السابق رهن إنهاء التصعيد بمسار جديد للقضية الفلسطينية

الرئيس العراقي السابق برهم صالح (الشرق الأوسط)
الرئيس العراقي السابق برهم صالح (الشرق الأوسط)
TT

برهم صالح لـ«الشرق الأوسط»: العراق أفضل شاهد على العنف... والمنطقة قريبة من الهاوية

الرئيس العراقي السابق برهم صالح (الشرق الأوسط)
الرئيس العراقي السابق برهم صالح (الشرق الأوسط)

يحذر الرئيس العراقي السابق برهم صالح من انجرار منطقة الشرق الأوسط إلى الهاوية، لكنه يتمسك بـ«أمل حي» بناء على ما يراه من جهود دولية تتضافر الآن لوقف الحرب، فيما تحدث عن وضع دقيق يمرّ به العراق، مع اندفاع أطراف محلية للمشاركة في التصعيد القائم.

صالح الذي تولى رئاسة العراق بين عامي 2018 و2022، أضاء محطات سياسية وتاريخية في العراق والمنطقة، خلال جلسة حوارية في العاصمة البريطانية لندن، نظّمتها «الشرق الأوسط»، وأدارتها الزميلة نجلاء حبريري.

ومع الرئيس العراقي السابق، دشّنت «الشرق الأوسط» سلسلة جلسات حوارية مع صنّاع القرار في مجال السياسة والأعمال والأكاديميين، ضمن برامج مجموعة «srmg».

برهم صالح مع الزميلة نجلاء حبريري (الشرق الأوسط)

وجه جديد للشرق الأوسط

إلى حد كبير، يعتقد الرئيس العراقي السابق أن منطقة الشرق الأوسط دخلت مرحلة خطيرة، وقد منحها التصعيد الراهن «وجهاً جديداً». يقول صالح: «نحن أمام مأساة كبيرة. حجم الدمار الذي شهدناه في غزة يتوسع الآن ليشمل لبنان».

مبعث القلق لدى صالح يعود أيضاً إلى الغضب المتنامي لدى الشارع العربي جراء تكرار دورة التصعيد والعنف، لكنه يشدد على أهمية «الانتقال من هذه الهاوية إلى ديناميكيات جديدة يمكنها مساعدة المنطقة على النمو والاستقرار».

«في مرحلة ما، وهي ملحة للغاية الآن، علينا القيام بأمور شجاعة، من بينها تتبع مسار مختلف لتبريد محركات التصعيد، حتى لا تضيع سدى كل الأرواح البريئة التي أزهقت منذ عام، وربما أكثر»، يقول صالح.

خلال الأسابيع الماضية، أجرى الرئيس السابق لقاءات مع صنّاع قرار وسياسيين في بغداد وواشنطن، تركزت حول آفاق الأزمة في فلسطين ولبنان، ويقول إنه «رغم مخاطر الصراع المحدقة، فإنه متفائل بما يراه من جهود متضافرة للتهدئة».

يقول صالح: «ما أسمعه اليوم من دوائر مختلفة، أن هناك عملاً حثيثاً لتهدئة الأمور بسرعة (...) لا أجزم أن هذا سيؤدي إلى أي شيء، لكنني أحافظ على آمالي حية في أن يكون هناك وقف لإطلاق النار».

ويرجح صالح «تعليقاً للقتال، وسيُسمح للناس بالعودة إلى منازلهم المحطمة (...) بعد ذلك، نحتاج حقاً إلى التفكير في زاوية جديدة لإنهاء الصراع»، لأنه «لا يمكن أن نعود إلى الوضع السابق دون أن نركز على محركات العنف المتكرر».

ويرهن الرئيس السابق الحلول بالواقعية، لأن «العنف المتصاعد لا يجعلنا نتوقع الكثير في المستقبل»، نظراً للخسائر البشرية الكبيرة التي تحتم عليه القلق وتوخي الحذر بشأن التوقعات.

مع ذلك، يراقب صالح «جهوداً جادة تجري في جميع أنحاء العالم، ولا سيما واشنطن، من أجل تقليص النتائج الكارثية للحرب في المنطقة».

صالح أكد أن العقد الاجتماعي في العراق يرفض السلاح خارج سيطرة الدولة (الشرق الأوسط)

العراق في قلب العاصفة

بالنسبة لبرهم صالح، فإن العراق «أفضل شاهد على نتائج العنف»، والآن يجد هذا البلد نفسه في موقف صعب للغاية، عالقاً في معادلات متقاطعة، لكن الرئيس السابق يراهن على أن «قرار الحرب في العراق حصري بيد الدولة، دون غيرها» من الأطراف الكثيرة المندفعة نحو التصعيد.

يقول صالح إن «العراقيين لا يقدمون التعاطف وحسب، بل الدعم كما هي عادتهم الأساسية». حدث هذا مع الفلسطينيين، والآن مع اللبنانيين». ويذكر بتدفق المساعدات الإنسانية من جهات مدنية وحكومية إلى البلدين، لأن «في العراق لا يختلف اثنان على دعم القضية العادلة».

لكن أولويات العراق الصعبة «لا تشجع أحداً لرؤية هذا البلد متورطاً في الصراع». يقول صالح إن «الاستقرار ليس راسخاً ومتجذراً، ومع ذلك هناك شكل من أشكال الاستقرار يمكن العمل عليه، دون أن نجازف به الآن في التصعيد القائم».

في الجلسة الحوارية، كان صالح يميل كثيراً إلى مراجعة المقدمات التاريخية للحالة العراقية الراهنة، التي مرت منذ عقود بدورات عنف وصراع وتقلبات منذ عام 1958، لكنه كان متفائلاً بما سمعه أخيراً في بغداد.

«لقد كنت في بغداد قبل شهرين، والتقيت بكثير من كبار القادة. جوهر النقاشات كان هذا: إما أن نكون دولة أو لا نكون دولة، لأنك لا تستطيع أن تحصل على الأمرين معاً».

في نهاية المطاف، فإن «قرار الحرب والسلام هو قرار الدولة (...) إنه قرار وطني، وليس قرار فرد أو مجموعة، أو جماعة ثورية أو حركة مقاومة، لا يمكن لأي من هذه الجهات أن تقرر نيابة عن شعب العراق»، يقول صالح.

ما يثير مخاوف الرئيس السابق الآن هو اندفاع أطراف نحو المشاركة في دورة التصعيد، لينتقل إلى مدى أوسع وأكثر دموية وشمولية، ويقول: «صحيح أن الأمر صعب جداً، لكن علينا توخي الحذر من نزاع إقليمي أوسع، بينما العراق يحتاج الآن إلى مغادرة عناوين الأخبار الساخنة، لأنه يريد الوقت للتعافي».

«في العراق هناك إيمان لا نظير له بالقضية الفلسطينية، وهي أساسية في الوجدان العام، لكن الشعارات لا تفعل شيئاً. الحل يكمن في الانخراط بعملية مدروسة للقيام بأشياء ملموسة تجاه الفلسطينيين واللبنانيين الذين يخسرون كثيراً جراء هذا الصراع (...) أي شخص يسعى إلى شرق أوسط أفضل يجب أن يكون حازماً في دعم حق الفلسطينيين في الدولة والاعتراف بحقوقهم كمجتمع وأمة»، يقول صالح.

جانب من الحضور لجلسة «الشرق الأوسط» مع الرئيس السابق برهم صالح

انسحاب أميركي من العراق

«نعم هناك اتفاق، هذا ما سمعته من كبار القادة في العراق الذين التقيتهم أخيراً»، يقول صالح، الذي رجّح استمرار المفاوضات بين واشنطن وبغداد حتى اليوم حول الاتفاق على وضع «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة، ورجّح أن يكون الأمر على الطاولة خلال اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في نيويورك.

وكان من المفترض أن يتم الإعلان عن اتفاق حول تغيير مهمة التحالف الدولي، والتخلص تدريجياً من الوجود القتالي الأميركي، لكن على الأرجح التصعيد الأخير في لبنان أرجأ الأمر إلى وقت آخر، وفقاً للرئيس صالح، الذي قال إن «المفاوضات مستمرة، دون أن يعني أنها اكتملت».

يقول صالح إن القوات الأميركية لعبت دوراً مهماً في هزيمة «داعش»، لكن الدول ترغب في امتلاك سيادتها الكاملة، و«العراق ليس استثناء».

الآن تصاعدت قدرات القوات العراقية، وهناك آراء كثيرة تذهب إلى انتفاء الحاجة إلى قوات أجنبية. يخالف صالح هذه الآراء بأن المهمة لم تنجز بعد، وأن العراق على الأغلب ما زال بحاجة إلى مساعدة استخبارية، خصوصاً في تنفيذ عمليات خاصة ضد التهديدات الإرهابية.

ويستند صالح إلى بيانات حديثة حول بؤر محتملة لإعادة نشاط مجموعات إرهابية في المنطقة، ولا سيما سوريا المحاذية للعراق: «نحن نتحدث عن عشرات آلاف من الأشخاص الناقمين في الشرق الأوسط، الذين سيتحولون إلى قنبلة موقوتة تهدد دولاً كثيرة، بينها جيران العراق»، وإلا كيف نفسر «ما يحدث الآن في إدلب، وكيف تم إعادة تموضع (أبو محمد الجولاني)».

يقول صالح: «ليست لديّ معلومات استخبارية عما يخططه هؤلاء (...) لكن الأمر لا يتطلب كثيراً من الخيال لفهم المخاطر، ومواجهة تحدٍ اجتماعي على مستوى العالم، وليس العراق وحسب».

ويلخص الرئيس صالح موقفه بأنه «بلا شك فخور بتطور قدرات القوات العراقية بكافة صنوفها، لكن هناك حاجة إلى تبادل المعلومات الاستخبارية، خصوصأً في العمليات الجوية».

قال برهم صالح إن العلاقة مع الإيرانيين لا تعني السماح بهيمنتهم (الشرق الأوسط)

العراق بين السعودية وإيران... والعالم

كان برهم صالح في منصبه رئيساً للجمهورية العراقية، حين بدأت المياه تتحرك في الكواليس لإطفاء التوترات في المنطقة. ربما التقارب السعودي – الإيراني أبرز تلك المحطات، التي كان العراق فيها نشطاً على الخط.

يقول صالح: «العراق مكان فريد من نوعه، وموقعه بين لاعبين في المنطقة أحد مميزاته (...) في النهاية اكتشفنا أن بقاء العراق كدولة مستقرة وقابلة للحياة، يجب أن يقبل الدور التالي؛ المحافظة على التوازن محلياً وإقليمياً»، وفي المقابل، فإن «الآخرين أدركوا أن العراق الغارق في الفوضى لا ينفع المنطقة، دولها».

ولعب العراق دوراً حاسماً في المحادثات بين السعودية وإيران. يضيف الرئيس السابق: «في الحقيقة، حدث كثير من اللقاءات، وخلال فترة رئاستي، اضطلعنا بأدوار مع الحكومة (ولاية مصطفى الكاظمي) والجهات الفاعلة لتطوير دور العراق كجسر بين الجوار».

يتذكر صالح زيارته إلى السعودية، ولقاءه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وهناك «كان السعوديون مصممين على تطوير العلاقات بوصفها أمراً حيوياً». يقول صالح: «السعودية عمق العراق (...) والعراق يريد الخروج من عقود طويلة من الصراع والفساد، وبهذه المعادلة تحركت الأمور».

في النهاية، تحسنت علاقات العراق مع جيرانه. يقول صالح: «عملنا بجدية كبيرة على تطوير الشراكات مع المملكة العربية السعودية، ومع دول مجلس التعاون الخليجي والإمارات العربية المتحدة، وكانت النتائج مرضية».

ورغم أن العلاقات بين العراق والسعودية تتحرك خطوتين للأمام وخطوة إلى الخلف، لكن «الأمور تحدث الآن على أرض الواقع»، وضرب صالح أمثلة من قبيل تنامي الاستثمارات الزراعية السعودية في العراق.

في المقابل، «لا يمكن استبعاد الإيرانيين، ولا يمكن السماح لهم بالهيمنة». لقد حاول الرئيس العراقي السابق شرح المعادلة الشائكة بين إيران والمنطقة. يقول إن «هذا البلد يحتاج إلى العرب من دون شك، لكنه سيقوم بذلك من خلال نمط علاقات مختلف مع الآخرين».

ويتحول العراق إلى نقطة انطلاق، وهو يواصل لعب هذا الدور رغم الإحباط من هذه البلاد ومن التحولات التي تشهدها. يقول صالح: «العراق ليس كارثة مطلقة كما يصورها البعض، لكن مع ابتكار ديناميكيات حيوية مع الآخرين يمكن الانتقال إلى وضع جيد».

عراق الميليشيات... عراق الدولة

سُئل برهم صالح عن تعدد الأطراف المسلحة في العراق، وتكاليف ذلك سياسياً. يعود الرئيس السابق إلى ما يسميه بـ«العقد الاجتماعي في العراق، الدستور». يقول: «هذا العقد، ورغم حاجته إلى التعديلات، فإنه يفرض أن تكون جميع القوات العسكرية مسؤولة أمام الدولة»، ويضيف: «خروج الجهات المسلحة عن سيطرة الدولة سيكون نهاية العراق».

يعتقد صالح أن «العراق لا يستطيع تحمل عدم الاستقرار»، وأن «تنظيم سلطات الأمن والعسكر من خلال تأمين سيادة الدولة هو الطريقة الوحيدة لضمان سلامة جيران العراق وتأمين مصالحهم».

ورغم أن مركز الثقل في البرلمان العراقي يميل إلى فاعلين سياسيين بتوجهات دينية مسؤولة إلى حد كبير عن الديناميكيات الراهنة، فإن مسألة السلاح خارج الدولة تبقى محل نقاش صعب حول مستقبل العراق، الذي يجب أن يربطه قاسم مشترك، وهو سلطة الدولة.


مقالات ذات صلة

العراق: مساعٍ لتطوير المؤسسة العسكرية

المشرق العربي جنديان عراقيان مع آلية يقفان عند نقطة حراسة على الحدود العراقية - السورية 5 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

العراق: مساعٍ لتطوير المؤسسة العسكرية

كشفت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي عن الحاجة لتطويع عشرات الآلاف بالجيش وسط تحديات أمنية إقليمية.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي تحذيرات عراقية من عودة «داعش»

تحذيرات عراقية من عودة «داعش»

تخشى بغداد أن يعيد «داعش» تنظيم صفوفه بعدما استولى على كميات من الأسلحة نتيجة انهيار الجيش السوري.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس وزراء العراقي محمد شياع السوداني (د.ب.أ)

السوداني يعلن استئناف عمل بعثة العراق الدبلوماسية في دمشق

أعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني مساء الخميس أن البعثة الدبلوماسية العراقية «فتحت أبوابها وباشرت مهامها في دمشق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي صورة متداولة لحافلات سورية وصلت إلى الحدود العراقية لنقل الجنود

بغداد تعيد المئات من الجنود السوريين إلى بلادهم بالتنسيق مع دمشق

أعلنت السلطات العراقية، اليوم الخميس، أنها باشرت إعادة المئات من الجنود السوريين إلى بلادهم.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي اهتمام لافت باستقبال ولي العهد السعودي لرئيس الوزراء العراقي في الخيمة

بغداد تواصل مساعيها لتطويق تداعيات الأزمة السورية

يتحرك العراق داخلياً وخارجياً من أجل تطويق الأزمة السورية وتداعياتها.

حمزة مصطفى (بغداد)

العراق: مساعٍ لتطوير المؤسسة العسكرية

جنديان عراقيان مع آلية يقفان عند نقطة حراسة على الحدود العراقية - السورية 5 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
جنديان عراقيان مع آلية يقفان عند نقطة حراسة على الحدود العراقية - السورية 5 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

العراق: مساعٍ لتطوير المؤسسة العسكرية

جنديان عراقيان مع آلية يقفان عند نقطة حراسة على الحدود العراقية - السورية 5 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)
جنديان عراقيان مع آلية يقفان عند نقطة حراسة على الحدود العراقية - السورية 5 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

كشفت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي عن الحاجة إلى فتح باب التطوع في الجيش، وسط انشغال بغداد بتطورات الأوضاع في سوريا، ومدى تأثيرها على العراق، خصوصاً لجهة المخاوف من تنظيم «داعش» الذي بدأ يعيد تنظيم صفوفه، فيما أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني رفضه القبول بأي إملاءات أو ضغوط من الخارج، لا سيما بشأن حل «هيئة الحشد الشعبي»، كونها مؤسسة رسمية صدرت بقانون عام 2014 حظي بمصادقة البرلمان.

وقال السوداني للتلفزيون الرسمي: «من غير المقبول توجيه شروط وإملاءات إلى العراق، ولا توجد أي شروط لحل (الحشد الشعبي)». وكان أثير جدل بشأن طلب حمله وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، لدى لقائه السوداني، الأسبوع الماضي، لحل «الحشد الشعبي» وتصفية الفصائل المسلحة.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يلقي كلمةً في احتفالية ببغداد (أرشيفية - أ.ف.ب)

وبينما طال الجدل بهذا الشأن حتى مستشاري رئيس الوزراء، فإن السوداني أصدر أمراً خيّر فيه المستشارين بين الالتزام بخطاب الدولة عند أي تصريح مع أخذ موافقة مسبقة، أو التخلي عن اللقب. وفي هذا السياق أعلن المستشار إبراهيم الصميدعي استقالته من منصبه بعد تصريحات له بشأن تلقي العراق طلباً دولياً بحل «الحشد» والفصائل المسلحة.

مصدر رسمي عراقي أبلغ «الشرق الأوسط» بأن «الخلط بين (الحشد الشعبي) والفصائل المسلحة يأتي من منظورين؛ الأول لا يجد، ربما عن عدم دراية، فارقاً بين (الحشد) كهيئة رسمية تشكلت بموجب قانون من متطوعين، والفصائل المسلحة، التي انضم بعضها إلى (هيئة الحشد الشعبي) ولها ألوية في (الحشد)، لكنها التزمت بقرار الدولة بعدم المشاركة في القتال في سوريا، أو استهداف القوات الأميركية أو ضرب إسرائيل».

وأضاف المصدر الرسمي، الذي طلب عدم الإشارة إلى هويته، أن «المنظور الثاني يعرف أن (الحشد) مؤسسة رسمية، وأن هناك فصائل مسلحة صنفت نفسها على أنها جزء من (محور المقاومة)، الذي تقوده إيران فيما تسميه وحدة الساحات، لكنه يتعمد الخلط بين الأمرين لأغراض سياسية». وأوضح أن «الفصائل التي أعلنت أنها وجهت ضربات إلى القواعد التي يوجد فيها أميركيون في العراق، أو قاتلت في سوريا، أو قصفت إسرائيل بالطائرات المسيرة هما (كتائب حزب الله) و(النجباء) وهما لم يقولا يوماً أنهما جزء من (هيئة الحشد الشعبي)»، مبيناً أنه «حتى هذان الفصيلان التزما بقرار الحكومة بعدم توجيه ضربات من داخل الأراضي العراقية تحت أي ظرف».

عرض عسكري للجيش العراقي و«الحشد الشعبي» في الموصل (أرشيفية - أ.ف.ب)

تقوية الجيش

أعلنت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي أنها، وخلال الفصل التشريعي المقبل، ستفاتح السوداني، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، بشأن فتح باب التطوع إلى وزارة الدفاع.

وقال عضو اللجنة، علي نعمة البنداوي، في تصريح صحافي: «وزارة الدفاع بحاجة إلى 25 - 30 ألف متطوع في الوقت الحالي، لأنه منذ عام 2017 وإلى يومنا هذا لم يكن هناك تطوع، عدا العشرة آلاف درجة بوزارة الدفاع التي كانت لصنف القوات الخاصة».

وكان الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، أوضح أن فتح التطوع في الجيش مرهون بتوفر المخصصات المالية في الموازنة. وقال: «وزارة الدفاع بانتظار وصول تعليمات الموازنة وما هو مُخصّص فيها لفتح باب التطوع، وفي حال توفر المخصصات المالية سيتم الإعلان عن ذلك عبر المواقع الرسمية للوزارة». وأكد «الحاجة إلى دماء شابة جديدة قادرة على تحمل المسؤولية»، مبيناً أن «تحديد الأعمار المطلوبة للتطوع أمر مناط بتقدير القيادة العسكرية ومدى احتياجها للأعمار التي تناسب الخدمة».

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

يذكر أن العراق يحتل المرتبة 28 عالمياً، والخامسة عربياً، من إجمالي 142 دولة مدرجة بجدول مجلة «CEOWORLD» الأميركية، لأكبر عدد للجنود لعام 2024، إذ بلغ تعداد جيشه 193 ألف جندي. وفي عام 2023، ذكر موقع «غلوبال فاير بَوَر» الأميركي أن الجيش العراقي حل في المرتبة الثالثة عربياً والـ23 عالمياً، بعدد قواته «الجاهزة للقتال» والبالغة 200 ألف مقاتل. وكان الجيش العراقي قد حل في المرتبة 57 عالمياً عام 2021، وقفز في عام 2022 إلى المرتبة 34، قبل أن يحتل المركز 23 لعام 2023. ويصل عدد جنود الجيش العراقي إلى 330 ألف جندي، بينهم 200 ألف قوات عاملة، و130 ألف جندي قوات شبه عسكرية، بينما لا توجد قوات احتياطية، حسبما أشارت إحصاءات موقع «غلوبال فاير بَوَر» الأميركي لعام 2022.

صورة نشرها مكتب السيستاني من استقباله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الجديد لدى العراق العماني محمد الحسان (أ.ف.ب)

حديث الفصائل

وفي سياق العلاقة بين «الحشد الشعبي» والفصائل المسلحة، أثير جدل سياسي في العراق مؤخراً بعد زيارتين قام بهما ممثل الأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان، في غضون شهر وعشرة أيام إلى المرجعية الدينية العليا في النجف، وما جرى من أحاديث وتأويلات بشأن الرسائل التي حملها الحسان للمرجع الأعلى، السيد علي السيستاني، أو التي تلقاها منه. ومع أن الحسان كان التقى في الزيارة الأولى المرجع الأعلى نفسه، لكنه في المرة الثانية التي حملت المزيد من التأويلات التقى نجل المرجع الأعلى محمد رضا السيستاني. وبينما تبع زيارته للمرجعية في النجف لقاء مع السوداني، فإن الحسان سافر إلى إيران، وهي الزيارة التي أثارت الكثير من اللغط، لا سيما داخل الأوساط الشيعية. كما قام بزيارة إلى إقليم كردستان والتقى القادة الكرد. وفي سياق الجدل حول الفصائل المسلحة وصلتها بـ«الحشد الشعبي»، فإنه في الوقت الذي تدافع الجهات الرسمية العراقية عن عدم وجود علاقة، فإنه وطبقاً لما أشارت إليه مصادر سياسية من خارج العراق فإن السيستاني كان رفض طلباً حمله الحسان في زيارته الثانية إلى النجف بحل «الحشد الشعبي»، فيما لم يصدر توضيح من مكتب المرجع الأعلى حول ما إذا كان هذا الطلب صحيحاً، أو أن الخبر المتداول غير صحيح.