الإبداع أقوى روحاً من الذكاء الاصطناعي التوليدي

تطبيق يرفض تماماً الإنتاج الآلي للفنون

تمنح شركة "بروكرييت" مستخدميها مجموعة من أدوات الفن الرقمي (صورة: "بروكرييت")
تمنح شركة "بروكرييت" مستخدميها مجموعة من أدوات الفن الرقمي (صورة: "بروكرييت")
TT

الإبداع أقوى روحاً من الذكاء الاصطناعي التوليدي

تمنح شركة "بروكرييت" مستخدميها مجموعة من أدوات الفن الرقمي (صورة: "بروكرييت")
تمنح شركة "بروكرييت" مستخدميها مجموعة من أدوات الفن الرقمي (صورة: "بروكرييت")

في عالم التكنولوجيا، نادراً ما يتباهى المديرون التنفيذيون بالفرص التي اختاروا عدم اغتنامها. لذا؛ في وقت سابق قبل أسبوعين، حدث ما يشبه الصدمة عندما أعلن جيمس كودا أنه يكره الذكاء الاصطناعي التوليدي، وأن منتجات شركته لن تتبناه.

كراهية الإبداع للذكاء التوليدي

ومع ذلك، كان ذلك منطقياً تماماً من السيد كودا الرئيس التنفيذي لشركة «بروكرييت» Procreate، صانعة تطبيق «آيباد» الرائع للرسم والتلوين والرسوم المتحركة باستخدام مستلزمات فنية رقمية واقعية بشكل غير عادي. ومن بين أصدقائي من الفنانين التشكيليين المحترفين، فإن غالبيتهم يكرهون الذكاء الاصطناعي التوليدي بشدة. إذ يعتبرون اعتماد التكنولوجيا على الأعمال الفنية التي أنشأها البشر لأغراض التدريب بمثابة سرقة للملكية الفكرية، على الأقل في أي حالة لم يُقدم فيها المبدع البشري موافقة صريحة منه.

كما أنهم لا يُحبون احتمال المنافسة مع الآلات للحصول على العمل، ويرون أن الصور الذكاء الاصطناعي تُقلل من قيمة حرفتهم الخاصة.

إن الجماليات التي ينتجها نموذج «دال - إي» من شركة «أوبن إيه آي» ومنافسيها - محاكاة إبداعية للفن مشتقة من الخوارزميات، خالية من الروح - وتشبه النقر بالأظافر على السبورة بالنسبة لهم.

تصادم المبدعين مع الشركات

أدى عدم ثقة الطبقة المبدعة في الذكاء الاصطناعي إلى الكثير من الخلافات الأخيرة التي تنطوي على موردي برامج آخرين. في يونيو (حزيران)، لاقت شركة «أدوبي» ردود فعل قاسية على التغييرات التي أجرتها على شروط الخدمة الخاصة بها، والتي فسّرها العملاء بأنها تمنحها حرية جديدة لاستخدام فنونهم لتدريب نموذج «فاير فلاي إيه آي» الخاص بها.

وبعد شهر من ذلك، علّقت شركة «فيغما» ميزة جديدة لتوليد واجهات البرامج بعد أن أشار مطور «آي أو إس» إلى أن تصاميم تطبيق الطقس كانت تبدو وكأنها نسخ طبق الأصل من تطبيق «أبل».

في كلتا الحالتين، قالت الشركتان إن منشأ بعض القلق كان بسبب سوء فهم ما يحدث. لكن فرط حساسية مستخدميهم إزاء الذكاء الاصطناعي لم يمنحهم مجالاً كبيراً للخطأ.

من خلال تجاهل اندفاعة الذكاء الاصطناعي التوليدي، سوف تُرضي شركة «بروكرييت» الفنانين الذين يرون أن التكنولوجيا تُشكل وباءً على مهنتهم، وليست نعمة على إنتاجيتهم. كما قد تتجنب أيضاً خلق مشاكل لنفسها، والتي يمكن أن تكون حتمية حتى لو حاولت تنفيذ الذكاء الاصطناعي بعناية - كما بذلت كل من «أدوبي» و«فيغما» جهداً صادقاً للقيام بذلك.

تسويق ذكي وموقف أخلاقي

وهذا يجعل قرارها خطوة تسويقية ذكية، إضافة إلى موقف أخلاقي يمكن الدفاع عنه.

لو لم يكن برنامج «بروكرييت» جيداً جداً، فلن أهتم كثيراً بإمكانية إفساد الذكاء الاصطناعي له. إذ إن المنتج الذي يبلغ عمره 13 عاماً هو التطبيق النادر الذي أصبح أكثر قدرة باستمرار من دون إضافة أي شيء يبدو أنه زائد عن الحاجة أو سيئ التصميم.

إنه يقدم تجربة مصقولة وموثوقة تتعارض مع ميل الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى الانحراف نحو سلوك محرج يمكن أن يربك حتى مبتكريه.

وعلى النقيض من ذلك، كان برنامج «فوتوشوب» من «أدوبي» مهيمناً من دون أن يحمل سمات المبادرة على طول الطريق. وربما هذا هو السبب في أنني لا أمانع في تبنيه الكامل للذكاء الاصطناعي التوليدي. فأنا سعيد باستخدام التكنولوجيا هناك لأغراض مثل إعادة ترميم الصور العائلية التالفة. بالطبع، لا يمكن للشركات العملاقة المدرجة علناً مثل «أدوبي» سوى أن تكون متحمسة للذكاء الاصطناعي: إذ ترى «وول ستريت» أن التكنولوجيا هي المحرك التالي للنمو في الصناعة وتراقبها من كثب.

على سبيل المثال، عندما أصدرت «أدوبي» توقعات مبيعات ضعيفة في مارس (آذار) الماضي، اعتبرها المستثمرون إشارة مُثيرة للقلق على أن الشركة كانت متأخرة في مجال الذكاء الاصطناعي. بوعد ثلاثة أشهر، عندما أعلنت الشركة عن أرقام قوية، قرر المستثمرون أن الذكاء الاصطناعي كان يؤتي ثماره في النهاية.

صدقية الذكاء الاصطناعي

يساعد الضغط لإثبات صدقية الذكاء الاصطناعي أيضاً في تفسير سبب استبدال هواتف «بيكسل 9» الجديدة من «غوغل» واجهة صوت المساعد القديمة بـ«چيميناي»، وهي ميزة جديدة أكثر تفاعلية من المساعد، لكنها غير كاملة عندما يتعلق الأمر بدعم الوظائف اليومية مثل إملاء الملاحظات.

على الأقل أعطى «غوغل» مالكي هواتف «بيكسل» خيار العودة إلى المساعد، وهو اعتراف بأن «چيميناي» لا يزال قيد التطوير. لكن في الوقت الحالي، صار شحن منتجات الذكاء الاصطناعي في حالات غير مكتملة أو حتى غير قابلة للاستخدام هو القاعدة.

نظم ذكية لتعزيز التعبير عن الذات بدلاً من مجرد التقليد

تستطيع «بروكرييت» أن تبقى وفية لقناعاتها المعادية للذكاء الاصطناعي التوليدي؛ جزئياً لأنها شركة صغيرة لا تبدو مهووسة بتعظيم الأرباح. (يبلغ سعر تطبيق «آيباد» الخاص بها 13 دولاراً - للشراء لمرة واحدة، وليس اشتراكاً شهرياً - وهو رقم تافه، سيما بالنسبة لشيء يستخدمه الكثير من المحترفين للعمل المدفوع).

أما تطبيق «آيباد» المفضل لديّ للكتابة، فهو «سكريڨنر»Scrivener، وهو نتاج شركة أصغر حجماً، وهو حالياً خالٍ من الذكاء الاصطناعي؛ في حين يمكنني رؤيته يستفيد من التكنولوجيا لتلخيص المستندات الطويلة، فأنا مسرور برؤيته يتحرك ببطء بينما يتقدم «مايكروسوفت وورد» و«غوغل دوكس» حول العالم.

في الوقت نفسه، قد يكون رفض السيد كودا - الرئيس التنفيذي لشركة «بروكرييت» - للذكاء الاصطناعي التوليدي له ثغرة. يقول في مقطع الفيديو الخاص به: «لا نعرف بالضبط إلى أين ستذهب هذه القصة أو كيف ستنتهي. لكننا نعتقد أننا على المسار الصحيح لدعم الإبداع البشري».

إذا أسفرت القصة في النهاية عن مكان تجد فيه «بروكرييت» طريقة لإضافة الذكاء الاصطناعي التوليدي بشروطها الخاصة - لتعزيز التعبير عن الذات بدلاً من مجرد التقليد - آمل أن تفعل ذلك. بالنظر إلى سجل الشركة المتميز، أثق في أنها ستفعل الشيء الصحيح.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد شاشة تسجيل الوصول في مكتب «إنفيديا» في أوستن بتكساس (أ.ف.ب)

«إنفيديا» تتفوق على توقعات الأرباح مع ترقب المستثمرين للطلب على رقائق «بلاكويل» للذكاء الاصطناعي

أعلنت شركة «إنفيديا»، يوم الأربعاء، عن زيادة في أرباحها ومبيعاتها في الربع الثالث مع استمرار الطلب على رقائق الكمبيوتر المتخصصة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا  الحكومة الأميركية تتحرك لإجبار «غوغل» على بيع متصفّحه «كروم»

 الحكومة الأميركية تتحرك لإجبار «غوغل» على بيع متصفّحه «كروم»

طلبت الحكومة الأميركية، الأربعاء، من القضاء إجبار «غوغل» على بيع متصفّحه «كروم»، في إجراء يهدف لمكافحة الممارسات الاحتكارية المتّهم بارتكابها عملاق التكنولوجيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك بهدف تكوين صورة بصرية ذات معنى لمشهد ما تقوم أعيننا بسلسلة من الحركات السريعة المنسقة (رويترز)

خلل بسيط في حركة العين قد يشير إلى إصابتك بألزهايمر

تبرز مؤخراً طريقة جديدة للكشف المبكر عن مرض ألزهايمر ترتبط بالاستماع إلى حركة عيون المرضى عبر ميكروفونات في آذانهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك شعار «شات جي بي تي» يظهر أمام شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

هل يساعد «شات جي بي تي» الأطباء حقاً في تشخيص الأمراض؟ الإجابة مفاجئة

يتساءل الكثير من الأشخاص حول ما إذا كان برنامج الدردشة الآلي الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي قادراً على مساعدة الأطباء في تشخيص مرضاهم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)
شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)
TT

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)
شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين، وإبرام عقود مع الجهات المعنية بتوفير هذه الخدمات لتحقيق المداخيل من محتواها.

واقترحت دار النشر «هاربر كولينز» الأميركية الكبرى أخيراً على بعض مؤلفيها، عقداً مع إحدى شركات الذكاء الاصطناعي تبقى هويتها طي الكتمان، يتيح لهذه الشركة استخدام أعمالهم المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وفي رسالة اطلعت عليها «وكالة الصحافة الفرنسية»، عرضت شركة الذكاء الاصطناعي 2500 دولار لكل كتاب تختاره لتدريب نموذجها اللغوي «إل إل إم» لمدة 3 سنوات.

آراء متفاوتة

ولكي تكون برامج الذكاء الاصطناعي قادرة على إنتاج مختلف أنواع المحتوى بناء على طلب بسيط بلغة يومية، تنبغي تغذيتها بكمية مزدادة من البيانات.

وبعد التواصل مع دار النشر أكدت الأخيرة الموافقة على العملية. وأشارت إلى أنّ «(هاربر كولينز) أبرمت عقداً مع إحدى شركات التكنولوجيا المتخصصة بالذكاء الاصطناعي للسماح بالاستخدام المحدود لكتب معينة (...) بهدف تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتحسين أدائها».

وتوضّح دار النشر أيضاً أنّ العقد «ينظّم بشكل واضح ما تنتجه النماذج مع احترامها حقوق النشر».

ولاقى هذا العرض آراء متفاوتة في قطاع النشر، إذ رفضه كتّاب مثل الأميركي دانييل كيبلسميث الذي قال في منشور عبر منصة «بلوسكاي» للتواصل الاجتماعي: «من المحتمل أن أقبل بذلك مقابل مليار دولار، مبلغ يتيح لي التوقف عن العمل، لأن هذا هو الهدف النهائي من هذه التكنولوجيا».

هامش تفاوض محدود

ومع أنّ «هاربر كولينز» هي إحدى كبرى دور النشر التي أبرمت عقوداً من هذا النوع، فإنّها ليست الأولى. فدار «ويلي» الأميركية الناشرة للكتب العلمية أتاحت لشركة تكنولوجية كبيرة «محتوى كتب أكاديمية ومهنية منشورة لاستخدام محدد في نماذج التدريب، مقابل 23 مليون دولار»، كما قالت في مارس (آذار) عند عرض نتائجها المالية.

ويسلط هذا النوع من الاتفاقيات الضوء على المشاكل المرتبطة بتطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يتم تدريبه على كميات هائلة من البيانات تُجمع من الإنترنت، وهو ما قد يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الطبع والنشر.

وترى جادا بيستيلي، رئيسة قسم الأخلاقيات لدى «هاغينغ فايس»، وهي منصة فرنسية - أميركية متخصصة بالذكاء الاصطناعي، أنّ هذا الإعلان يشكل خطوة إلى الأمام، لأنّ محتوى الكتب يدرّ أموالاً. لكنها تأسف لأنّ هامش التفاوض محدود للمؤلفين.

وتقول: «ما سنراه هو آلية لاتفاقيات ثنائية بين شركات التكنولوجيا ودور النشر أو أصحاب حقوق الطبع والنشر، في حين ينبغي أن تكون المفاوضات أوسع لتشمل أصحاب العلاقة».

ويقول المدير القانوني لاتحاد النشر الفرنسي (SNE) جوليان شوراكي: «نبدأ من مكان بعيد جداً»، مضيفاً: «إنّه تقدم، فبمجرّد وجود اتفاق يعني أن حواراً ما انعقد وثمة رغبة في تحقيق توازن فيما يخص استخدام البيانات مصدراً، التي تخضع للحقوق والتي ستولد مبالغ».

مواد جديدة

وفي ظل هذه المسائل، بدأ الناشرون الصحافيون أيضاً في تنظيم هذا الموضوع. ففي نهاية 2023، أطلقت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية اليومية ملاحقات ضد شركة «أوبن إيه آي» مبتكرة برنامج «تشات جي بي تي» وضد «مايكروسوفت» المستثمر الرئيسي فيها، بتهمة انتهاك حقوق النشر. وقد أبرمت وسائل إعلام أخرى اتفاقيات مع «أوبن إيه آي».

وربما لم يعد أمام شركات التكنولوجيا أي خيار لتحسين منتجاتها سوى باعتماد خيارات تُلزمها بدفع أموال، خصوصاً مع بدء نفاد المواد الجديدة لتشغيل النماذج.

وأشارت الصحافة الأميركية أخيراً إلى أنّ النماذج الجديدة قيد التطوير تبدو كأنها وصلت إلى حدودها القصوى، لا سيما برامج «غوغل» و«أنثروبيك» و«أوبن إيه آي».

ويقول جوليان شوراكي: «يمكن على شبكة الإنترنت، جمع المحتوى القانوني وغير القانوني، وكميات كبيرة من المحتوى المقرصن، مما يشكل مشكلة قانونية. هذا من دون أن ننسى مسألة نوعية البيانات».